أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 920

جلسة 9 من إبريل سنة 1951
(340)
القضية رقم 63 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك وفهيم إبراهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
حكم. تسبيبه. دفاع شرعي. اعتداء وهمي لا يمنع من قيام هذه الحالة. لا يشترط أن تكون الوسيلة قد استخدمت بالقدر اللازم لرد الاعتداء. ما ورد في الحكم يشير إلى احتمال قيام هذه الحالة أو إلى احتمال قيام حالة التجاوز في الدفاع. قوله مع ذلك ينفي حالة الدفاع الشرعي. قصور.
إنه لما كان القانون لا يوجب بصفة مطلقة لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون الاعتداء حقيقياً بل يصح القول بقيام هذه الحالة ولو كان الاعتداء وهمياً متى كانت الظروف والملابسات تلقى في روع المدافع أن هناك اعتداء جدياً وحقيقياً موجهاً إليه, وكان لا يشترط كذلك بصفة مطلقة في الدفاع الشرعي أن تكون الوسيلة التي يسلكها المدافع لرد الاعتداء عنه قد استخدمت بالقدر اللازم, وكان النظر إلى هذه الوسيلة من هذه الناحية لا يكون إلا بعد نشوء الحق وقيامه وعلى أساس كون ما وقع ممن سلكها مبرراً تبريراً تاماً أو جزئياً فإن كان ما وقع مبرراً تبريراً تاماً فقد وجبت براءته وإلا فإنه يكون متجاوزاً حدود حقه في الدفاع وعوقب على أساس ذلك بعقوبة مخففة باعتباره معذوراً - لما كان ذلك كله كذلك وكان ما قاله الحكم في نفي حالة الدفاع الشرعي عن النفس التي دفع بها الطاعن يشير إلى احتمال قيام هذه الحالة أو على الأقل إلى احتمال قيام حالة التجاوز فيه, فهذا الحكم يكون مشوباً بالقصور متعيناً نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بناحية أبراج حمام مركز إيتاي البارود ضرب عمداً مختار إبراهيم الشنديدي بعصا على عينه اليمنى فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تخلف عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي فقد كلي بقوة إبصار العين اليمنى أي أن العين فقدت ما كانت تبصر به قبل إصابتها. وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 240/ 1 - 2 من قانون العقوبات. فقرر بذلك وقد ادعى مختار إبراهيم الشنديدي بحق مدني وطلب القضاء له قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه تعويضاً مؤقتاً. ومحكمة جنايات دمنهور قضت عملاً بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة صبري حافظ الشنديدي بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مختار إبراهيم الشنديدي تعويضاً مدنياً مقداره مائة جنيه والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش أجر محاماة. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

... حيث إن مما يقوله الطاعن في طعنه هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بالضرب العمد الذي نشأت عنه عاهة مستديمة لم يأخذ بما دفع به أمام المحكمة من أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه يقتضي إعفاءه من العقاب أو على الأقل معاملته طبقاً لنص المادة 251 من قانون العقوبات, ورد على دفاعه هذا برد غير سديد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد تعرض لدفاع الطاعن المشار إليه بوجه الطعن فقال: "وحيث إن المتهم أنكر التهمة المسندة إليه وذهب الدفاع الحاضر معه بالجلسة إلى أن المجني عليه كان هو البادئ في الاعتداء وأن المتهم له حق الدفاع عن نفسه بمثل الطريقة التي اعتدى بها عليه وهو بهذا لم يتجاوز حدود الدفاع الشرعي والمحكمة لا تعير هذا القول التفاتاً إذ الثابت من التحقيقات أن ما وقع من المتهم عندما هوى بالعصا على عين المجني عليه فأفقدها إبصارها لا يعد دفاعاً بل يعد تشفياً وانتقاماً ولم يثبت أن هناك خطراً كان يخشاه المتهم على نفسه من المجني عليه وكان لا سبيل لاتقائه إلا بضرب المجني عليه هذا الضرب الشديد وإذن فلا دفاع عن النفس". ولما كان القول بأن اعتداء المتهم على المجني عليه لم يكن دفاعاً بل كان تشفياً وانتقاماً لا سند له من أقوال الشهود ومن بينهم المجني عليه نفسه بل كان مؤدى هذه الأقوال كما أثبتها الحكم: أنه حصلت بينهما مشادة تطول فيها المتهم على المجني عليه بالسباب فضربه هذا بعصا كان يحملها في يده على كتفه ضرباً لم يترك أثراً فما كان من المتهم إلا أن عاجل المجني عليه فضربه بعصا كان يحملها على عينه اليمنى ثم على حاجبه الأيمن, وكان القانون لا يوجب بصفة مطلقة لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون الاعتداء حقيقياً بل يصح القول بقيام هذه الحالة ولو كان الاعتداء وهمياً متى كانت الظروف والملابسات تلقى في روع المدافع أن هناك اعتداء جدياً وحقيقياً موجهاً إليه, وكان في ذات الوقت لا يشترط بصفة مطلقة في الدفاع الشرعي أن تكون الوسيلة التي يسلكها المدافع لرد الاعتداء عنه قد استخدمت بالقدر اللازم, وكان النظر إلى هذه الوسيلة من هذه الناحية لا يكون إلا بعد نشوء الحق وقيامه وعلى أساس كون ما وقع ممن سلكها مبرراً تبريراً تاماً أو جزئياً, فإن كان ما وقع مبرراً تبريراً تاماً فقد وجبت براءته وإلا فإنه يكون متجاوزاً حدود حقه في الدفاع وعوقب على أساس ذلك بعقوبة مخففة باعتباره معذوراً - لما كان ما تقدم وكان ما قاله الحكم في نفس حالة الدفاع الشرعي عن النفس التي دفع بها الطاعن لا سند له في الأدلة التي أوردها بل كان مؤدى ما أثبته من هذه الأدلة يشير إلى احتمال قيام حالة هذا الدفاع أو هو يشير على الأقل إلى احتمال قيام حالة التجاوز فيه. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بالقصور مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إنه لذلك يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وذلك من غير حاجة إلى البحث في باقي أوجه الطعن.