أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 964

جلسة 10 من إبريل سنة 1951
(354)
القضية رقم 276 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك, وفهيم إبراهيم عوض بك, وإبراهيم خليل بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
دفاع شرعي. تضارب بين ما أوردته المحكمة لنفي قيام هذه الحالة وبين ما ذكرته من وقائع تحصيلاً من التحقيقات. نقض الحكم.
إذا كان ما أوردته المحكمة من وقائع لنفي قيام حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن لا تتفق وما ذكرته من الوقائع التي حصلتها من التحقيقات وسطرتها في صدر الحكم فإنه مع هذا التضارب لا يمكن لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على حقيقة واقعة الدعوى لاضطراب العناصر التي أوردها الحكم عنها وعدم استقرارها الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة وهذا يعيب الحكم بما يوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة 1 - رزق جبرائيل غبريال (الطاعن). و2 - راشد معوض توما. بأنهما بدائرة قسم محرم بك أولاً: المتهم الأول شرع في قتل راشد معوض توما عمداً بأن طعنه بسكين في صدره وبطنه وعنقه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي التي نفذت إلى التجويف الصدري والبطني وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو إسعاف المجني عليه ومداركته بالعلاج. ثانياً: المتهم الثاني ضرب غبريال نخلة غبريال فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً. وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 45, 46, 234 - 1 من قانون العقوبات بالنسبة للأول وبالمادة 241 - 1 من نفس القانون بالنسبة للمتهم الثاني فقرر بذلك. وقد ادعى راشد معوض توما بحق مدني وطلب القضاء له قبل المتهم بمبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات إسكندرية قضت عملاً بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم الأول رزق جبرائيل غبريال بالحبس مع الشغل مدة سنتين وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني راشد معوض توما مبلغ مائة وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة وبمعاقبة المتهم الثاني راشد معوض توما بتغريمه عشرة جنيهات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

... حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه حين دانه بالشروع بالقتل العمد جاء باطلاً ذلك أن المحكمة قد بينت الواقعة استنادا إلى أقوال من سمعتهم من الشهود بالجلسة على وجه مبين فصلته بصدد حكمها إلا أنها عند إطراحها لدفاعه من إنه كان في حالة دفاع شرعي عن ابن عمه صورت الواقعة في صورة أخرى تختلف عما سبق أن أوردته عنها وتخالف الوقائع التي حصلتها من أقوال الشهود ودون أن تتعرض لهذه الأقوال فوقعت بذلك في تناقض وقصور يعيبان الحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة في قوله "إنها تخلص في أن المتهم الأول رزق جبرائيل غبريال هو ابن عم غبريال نخلة وهذا الأخير هو خال ملكة سمعان زوجة المتهم الثاني راشد معوض توما الذي يشتغل بتجارة الخضروات ويستأجر لذلك محلاً مملوكاً لغبريال نخلة غبريال في شارع ابن رحمون بقسم محرم بك محافظة الإسكندرية وحدث في ظهر يوم الأحد 30 مايو سنة 1948 الموافق 21 رجب سنة 1367 هجرية أن قصد غبريال نخلة إلى محل راشد معوض ليطالبه بأجرة هذا المحل نظراً لتأخره في السداد فاستمهله راشد معوض ولكنه ألح في قبض هذه الأجرة المتأخرة فوراً - وأدى ذلك إلى تماسكهما وفي خلال ذلك تمكن غبريال نخلة من دفع راشد معوض دفعة قوية أوقعته على الأرض وأخذ يلقي بالكراسي التي كانت بالمحل إلى الطريق العام مصراً على وجوب إخلاء الدكان في الحال وتدخل الناس بين الطرفين فانصرف غبريال نخلة عائداً إلى محله الذي يقع على بعد حوالي 100 متر في نفس الطريق - ولكن راشد معوض ما لبث أن تبعه وهو يحمل في يده قطعة الحديد (الدرفيل) التي يستعملها في إغلاق باب محله فلما أدركه في منتصف الطريق بين الدكاكين أهوى بها على رأسه فأصابه إصابة بالغة فوق صيوان أذنه اليسرى بنحو 5 سنتيمترات وعند ذلك أمسك غبريال نخلة بهذه الحديدة لينتزعها من يد راشد معوض وفي هذه الأثناء أقبل رزق جبرائيل ابن عم غبريال نخلة فلما رأى ابن عمه مصاباً انقض على راشد معوض بآلة حادة كانت معه وجعل يطعنه بها قاصداً قتله فأصابه في جنبه الأيمن وتحت ثديه الأيمن في عنقه فوقع هذا الأخير على الأرض متأثراً بإصاباته" وبعد أن تعرض لدفاع الطاعن قال "إن الدفاع أثار حالة الدفاع المنصوص عنها في المادة 246 من قانون العقوبات وقال إن هذا المتهم على فرض وجوده في مكان الحادث وعلى فرض وقوع هذا التعدي منه إنما كان في حالة دفاع شرعي عن ابن عمه غبريال نخلة وقد رآه مصاباً بتلك الإصابة الجسيمة التي كانت تسيل منها دماؤه وأن غبريال نخلة قرر في الجلسة أنه تمكن من أخذ الدرفيل الحديد من يد المتهم الثاني بعد أن أصابه في رأسه. وقد شهد الشهود بأن المتهم الأول رزق جبرائيل إنما حضر بعد حدوث هذه الإصابة فيكون مركز المتهم الأول في هذا الوضع مركز المعتدي على راشد معوض لا مركز المدافع عن غبريال نخلة الذي كان الاعتداء عليه قد وقع وانتهى والذي كان قد استخلص من يد خصمه الأداة التي اعتدى بها عليه وأصبح هو المسلح كما أصبح خصمه هو الأعزل من السلاح. ولذلك يتعين عدم الأخذ بدفاع المتهم الأول أيضاً في هذا الصدد". ولما كان ما أوردته المحكمة من وقائع تبرر بها نفي قيام حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن لا تتفق وما ذكرته من الوقائع التي حصلتها من التحقيقات وسطرتها في صدر الحكم مما لا يمكن لمحكمة النقض مع هذا التناقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على حقيقة واقعة الدعوى ولاضطراب العناصر التي أوردها الحكم عنها وعدم استقرارها الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة. لما كان الأمر كذلك فإن الحكم يكون معيباً متعينا نقضه.
وحيث إنه لما تقدم يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وذلك من غير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن.