أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 970

(356)
جلسة 16 من إبريل سنة 1951
القضية رقم 566 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة، وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وأحمد حسني بك وحسن إسماعيل الهضيبي بك ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
( أ ) حكم بالبراءة. اشتمال الحكم الاستئنافي على ما يدل على عدم اقتناع المحكمة الاستئنافية بالإدانة المقضى بها ابتدائياً. يكفي.
(ب) شهود لم تعتمد المحكمة على أقوالهم. يكفي لإطراحها أن تقول عنهم إن أقوالهم سماعية وأنهم من أقارب المجني عليه.
(جـ) قوة الشيء المحكوم فيه. حكم بالبراءة في دعوى بلاغ كاذب من متهم بسرقة ضد من اتهمه. حكم ببراءة المتهم في السرقة. لا تأثير للحكم الأول على دعوى السرقة.
1 - يكفي لسلامة الحكم بالبراءة أن يكون قد اشتمل على ما يدل على عدم اقتناع المحكمة الاستئنافية بالإدانة السابق القضاء بها.
2 - ما دامت المحكمة لم تعتمد على أقوال الشهود فيكفي لإطراح هذه الأقوال أن تقول عن هؤلاء الشهود إنهم أقارب وأصهار المجني عليه وإن أقوالهم سماعية لا يصح التعويل عليها.
3 - الحكم الصادر بالبراءة في دعوى الجنحة المباشرة المرفوعة من المتهم بسرقة عقد ضد من اتهمه بالسرقة بأنه أبلغ في حقه كذباً بالسرقة لا تأثير له على دعوى السرقة وهي المعتبرة أنها الأصل فيه, وقد كانت الدعويان تنظران معاً مما كان مقتضاه حتماً تأثر الأولى بالثانية ووجوب انتظار الفصل في دعوى موضوع الإخبار الأمر الذي يترتب عليه أنه لا يمكن القول بتعدي أثر الحكم الأول إلى دعوى السرقة ليكون له قوة الشيء المحكوم به فيها بحيث إذا ما قضى فيها بالبراءة يخشى التحدي بتضارب الحكمين.


الوقائع

رفع المدعي بالحق المدني (الطاعن) هذه الدعوى مبشرة على المطعون ضدهما أمام محكمة شبرا الجزئية متهماً إياهما بأنهما بدائرة قسم شبرا. الأول: سرق من محمود الحسيني الحصوه عقد بيع صادراً إليه من ماري سمعان المتضمن بيعها له خمسة عشر فداناً والمؤرخ 13 - 12 - 1944 - والثانية: اتفقت مع الأول على سرقة العقد المذكور إضراراً بمحمود الحسيني الحصوه. وطلبت معاقبتهما بالمادتين 311 و318 من قانون العقوبات مع الحكم له بمبلغ 25 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وفي أثناء نظر الدعوى أمام المحكمة المذكورة دفع المتهم الأول بعدم اختصاص المحكمة بنظرها لأن الواقعة جناية. والمحكمة قضت عملاً بمادتي الاتهام مع تطبيق المادتين 55 و56 من قانون العقوبات بحبس كل من المتهمين شهرين مع الشغل وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ 25 جنيهاً مصرياً والمصاريف المدنية وقد ذكرت في أسباب الحكم أن الدفع في غير محله فاستأنف المتهمان كما استأنفته النيابة وفي أثناء نظر الدعوى دفع محامي المتهمين بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى. والمحكمة قضت برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وبإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين مما أسند إليهما وبرفض الدعوى المدنية وألزمت المدعي بالحق المدني بالمصاريف المدنية عن الدرجتين ومبلغ 200 قرش أتعاب محاماة للمتهمين. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهما ورفض دعوى الطاعن المدنية قبلهما جاء باطلاً لخطئه في القانون ولقصوره وتناقضه وذلك أن المحكمة لم تأخذ بأقواله وأقوال شهوده بمقولة إنه مجني عليه وأن شهادة الآخرين سماعية مع أنه ليس ما يمنع من الأخذ بالأولى متى اقتنعت المحكمة بصحتها ومع أنها لم تبين مؤدى أقوال الآخرين حتى يمكن تعرف حقيقة ما قالته عنها. هذا فضلاً عن أن هذه الأقوال لم تكن في صميمها وجوهرها سماعية كما قالت المحكمة بل كانت تنصب على صلب الجريمة وخطواتها الأولى والطريق الذي رسم لتنفيذها ولاستدراج الطاعن وابنه إلى منزله. ثم إن المحكمة قد استندت إلى عدم اتخاذ إجراء رسمي إثر وقوع الحادث للقول ببعد احتمال الواقعة كما يصورها مع أنه في الحقيقة قد قام بالتبليغ عن الحادث في اليوم التالي وأن التأخير إنما كان بسبب الالتجاء إلى الطرق الودية لاسترداد العقد. ويضيف الطاعن أن المحكمة الاستئنافية لم تفند أسباب الحكم الابتدائي القاضي بالإدانة والتعويض وأن ما أوردته عن العقد وجواز وجوده تحت يده هو أو ضياعه منه وتعمده الادعاء بالواقعة ابتغاء الوصول إلى إقرار به إنما هو من قبيل الفروض التي لا تؤيدها الأوراق والتي لا يصح أن تقام عليها الأحكام. كما أن المطعون ضدهما كانا قد رفعا دعوى مباشرة ضده اتهماه فيها بأنه بلغ كذباً في حقهما عن سرقة العقد فقضت المحكمة ببراءته ورفض دعواهما المدنية وقد أصبح هذا الحكم نهائياً بعدم استئنافه ومما يصبح معه الحكم الصادر بالبراءة في هذه الدعوى معيباً لتعارضه وتناقضه مع الحكم الأول إذ يترتب عليه أن الواقعة صحيحة وغير صحيحة في آن واحد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة كما رواها الطاعن في دعواه وناقش الأدلة وأقوال الشهود وفند أسباب الحكم الابتدائي وانتهى في الدعوى الجنائية إلى القول "بأن التهمة مبنية على أقوال المدعي المدني وحده, وأما أقوال من عداه من توفيق أفندي جبر أو منصور أفندي محمد حسن أو غيرهما من الشهود الذين سئلوا في التحقيق الإسماعية عنه هو استقوها منه كما يقولون وهم من أقاربه وأصهاره باعترافهم في التحقيق وأمام محكمة أول درجة. فأقواله وحدها لا تكفي لقيام التهمة قبل المتهمين ولاسيما للنزاع القائم بين الفريقين على الباقي من الثمن يضاف إلى هذا أن الواقعة كما يصورها المدعي بعيدة الاحتمال وإلا لاتخذ على أثر وقوعها إجراءً رسمياً يضفي على ادعائه صبغة الحد وهو كما يقول المجني عليه في سرقة عقد كبير القيمة وفي تهديد بضرب النار. ولا محل لما ذهبت إليه محكمة أول درجة من المقارنة بين مصلحة المتهمين في فقدان العقد ومصلحة المدعي في كسب الوقت فهي فضلاً عن عدم صلاحيتها كدليل على الإدانة فمبناهما أن العقد في الفرضين مفقود وهو ما لم يقم عليه دليل فقد يكون تحت يد المدعي إلى الآن كما يكون قد ضاع منه فعمد إلى هذا الادعاء ابتغاء الوصول إلى إقرار به مع إثارة النزاع على الباقي من الثمن". لما كان الأمر كذلك وكان ما أوردته المحكمة من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي رتبتها عليه فلا محل لما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لأنه جدل في موضوع الدعوى مما لا شأن لمحكمة النقض به ويكفي لسلامة الحكم أن يكون قد اشتمل على ما يدل على عدم اقتناع المحكمة الاستئنافية بالإدانة السابق القضاء بها كما يكفي ما قالته المحكمة عن الشهود الآخرين وأنهم أقارب وأصهار وأن أقوالهم سماعية لا يصح في نظرها التعويل عليها دون حاجة لبيان مؤدى أقوالهم ما دامت لم تستند إلى هذه الأقوال في حكمها أما وهي لم تعتمد على شيء من أقوالهم فلم تكن مكلفة بأن تذكر شيئاً عنها أكثر من القول بما يفيد إطراحها لعدم الاطمئنان إليها. وأما ما يشير إليه الطاعن عن قيام الحكم على الفروض والاحتمالات فمردود بأن ذلك إنما كان معه في سبيل الرد على أسباب الحكم الابتدائي الذي قضى بالإدانة والتعويض ومن جهة أخرى فهي فروض لا تتصل بذات الواقعة موضوع التهمة, وليس ثمة ما يمنع المحكمة من استخلاصها من الوقائع المطروحة ما دام الاستخلاص سائغاً - وأما ما يقوله عن الحكم الصادر في دعوى البلاغ الكاذب فلا محل له إذ لا تأثير لهذا الحكم على دعوى السرقة وهي المعتبرة أنها الأصل فيه وقد كانت الدعويان تنظران معاً على حد ما قاله المطعون ضدهما بالجلسة وهو ما لم يعترض عليه الطاعن مما كان مقتضاه حتماً تأثر الأولى بالثانية ووجوب انتظار الفصل في دعوى موضوع الإخبار ويترتب على ذلك أنه لا يمكن القول بتعدي أثر الحكم الأول إلى هذه الدعوى ليكون له قوة الشيء المحكوم به فيها أو التحدي بخشية تضارب الأحكام مما لا يصح معه النعي على الحكم الصادر في الدعوى الحالية لهذا السبب.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.