أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 126

جلسة 11 من فبراير سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حسن أبو الفتوح الشربينى، وإبراهيم أحمد الديواني، وعبد الحميد محمد الشربينى، وحسن على المغربى.

(29)
الطعن رقم 1265 لسنة 43 القضائية

(1)إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
تساند الأدلة فى المواد الجنائية. عدم تقيد القاضى فى تكوين عقيدته بدليل معين. كفاية أن تكون الأدلة فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها.
(2) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. مالا يوفره". حكم. "بيانات التسبيب".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى على كل شبهه يثيرها. اطمئنانها لأدلة الثبوت التى عولت عليها. مفاده: اطراحها لهذا الدفاع.
(5،4،3) جلب. مواد مخدره. جريمة. "أركان الجريمة". قصد جنائى.
(3) الجلب هى استيراد المخدر بالذات أو بالواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس.
(4) الجلب لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل الجمهورية.
(5) الحيازة المادية للمخدر. ليست شرطا لإعتبار الشخص حائزا لمادة مخدرة. كفاية أن يكون سلطانه مبسوطا على المخدر.
(6) متى بعد المتهم فاعلا أصليا فى جريمة جلب مواد مخدرة.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تركن فى سبيل تكوين عقدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة عليها دون أن تتقيد فى التصوير بدليل بعينه أو بأقوال الشهود بذواتهم أو بالأدلة المباشرة إذ أنه لا يشترط أنه تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئيه من جزئيات الدعوى لأن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجه فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
2 - المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التى يوردها الحكم وفى عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على إنها أطرحته اطمئنانا منها للأدلة التى عولت عليها فى الإدانة.
3 - أن المشرع إذ عاقب فى المادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركى قصدا من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات فى المجتمع الدولي.
4 - إن جلب المواد المخدرة لا يعدو فى واقع الأمر أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضى الجمهورية، فهو فى مدلوله القانونى الدقيق ينطوى على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها.
5 – من المقرر أنه لا يشترط لاعتبار الجاني حائزا لمادة مخدرة أن يكون محرزا ماديا للمادة المخدرة بل يكفي أن يكون سلطانه مبسوطا عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصا غيره.
6 - إذ نصت المادة 39 من قانون العقوبات على أنه يعتبر فاعلا فى الجريمة من يدخل فى ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتى عمدا عملا من الأعمال المكونة لها، فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقا لخطة تنفيذها، فإن كل من تدخل فى هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلا مع غيره ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده , بل تمت بفعل واحد ممن تدخلوا معه فيها، متى وجدت لدى الجانى نية التدخل تحقيقا لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قصد قصد الفاعل معه فى إيقاع تلك الجريمة وأسهم فعلا بدور فى تنفيذها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم فى يومى 30، 31 من ديسمبر سنة 1971 بدائرة قسمى النزهة والموسكى محافظة القاهرة: (المتهمون الثلاثة) جلبوا جوهرا مخدرا (أفيونا) إلى جمهورية مصر العربية دون الحصول على ترخيص كتابى بذلك من الجهة المختصة. (المتهم الثالث أيضا) تعدى على موظف عمومي قائم على تنفيذ القانون رقم 182 سنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم إستعمالها والاتجار فيها هو المقدم محمد حسن عبد العليم الضابط بإدارة مكافحة المخدرات بأن ضربه فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى ومزق سترته وكان ذلك أثناء تأدية وظيفته وبسببها وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالقيد الوصف الواردين بتقرير الإتهام فقرر ذلك فى 8 يوليه سنة 1972. ومحكمة جنايات القاهرة قضت فى الدعوى حضوريا بتاريخ 29 من أكتوبر سنة 1972 عملا بالمواد 1 و2 و3 و33/ 1 و42 من القانون 182 سنة 1960 المعدل بالقانون 40 سنة 1966 مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين الثلاثة بالأشغال الشاقة المؤبدة مع تغريم كل منهم خمسة آلاف جنيه والمصادرة. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطعن المقدم من الطاعنين الثانى والثالث قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن الطاعن الثانى ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة جلب جوهر مخدر قد انطوى على خطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع وخطأ في الإسناد، ذلك بأن مجرد شرائه للجوهر المخدر يجعله مرتكبا جريمة حيازة هذا المخدر وليس جريمة جلبه. كما أن الحكم لم يعرض – إيرادا وردا – لدفاعه المؤسس على أن اسمه لم يرد ذكره على لسان مرشد الشرطة فى محاضر التحريات الأولى وأن وقائع الضبط قد خلت هى الأخرى من ذكره والتفت عن دفعه ببطلاه ضبط بعض البرقيات والصور وعلى الرغم من أنه قد تمسك بجلسة المحاكمة بسماع موظف المبيعات بشركة الطيران إلا أن المحكمة لم تجبه لطلبه، هذا فضلا عن أن الطاعن أرجع ما ورد فى أقوال أخيه المتهم الثالث (الطاعن الثالث) عنه بوجود خلاف بينه وبين والدة أخيه المذكور ومع إقرار المتهم الثالث بوجود هذا الخلاف فإن الحكم أطرح هذا الدفاع استنادا إلى أنه مجرد قول مرسل لم يقم عليه دليل وكذبه المتهم الثالث فى حين أنه وإن كان الأخير قد نفى قيام خلاف بينه وبين أخيه، إلا أنه لم ينف وجود خلاف بين والدته وبين الطاعن الثانى، كما ينعى الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه أنه إذا دانه بجريمة جلب جوهر مخدر والاعتداء على أحد القائمين على تنفيذ قانون مكافحة المخدرات قد انطوى على خطأ فى تطبيق القانون، وشابه قصور فى التسبيب، ذلك بأنه أسس دفاعه على أن الواقعة المسندة إليه – بفرض صحتها – لا توفر سوى جريمة إحراز جوهر مخدر وليست جريمة جلب لأن دوره اقتصر على مجرد التوجه إلى مرشد الشرطة لاستلام المخدر، كما أن الحكم عول فى ثبوت جريمة الجلب فى حقه على ما جاء بأقوال المتهم الأول فى الدعوى من أنه عضو فى عصابة لجلب المخدرات دون أن يورد الحكم تلك الأقوال تفصيلا أو يدلل على صحتها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله "إن المتهمين (الطاعنين الثلاثة) وقد اتفقوا على تكوين عصبة لجلب المخدرات وجدوا فى المواطن........... (مرشد الشرطة) فرصة لتنفيذ غرضهم ليجلبوا بواسطته كمية من المخدرات من بيروت واتفقوا معه على السفر إلى بيروت لجلب كمية المخدرات التى تسلم إليه من عملائهم ببيروت نظير مبلغ 500 جم كأتعاب له وأتعاب لمن يسهل له الخروج من المنطقة الجمركية من رجال الجمارك بخلاف مصاريف السفر ذهابا وإيابا ومصاريف الإقامة ببيروت وتنفيذا لذلك سافر الوسيط إلى بيروت يوم 22 من ديسمبر سنة 1971 بتذكرة سفر سلمها إليه المتهم (الطاعن) الثانى الذى رافقه إلى المطار وسلمه مبلغا من النقود أقام ببيروت بالفندق الذى طلب إليه الإقامة فيه حيث حضر لمقابلته شخصان أحدهما يدعى........... والآخر يدعى................. وسلمه هذا الأخير كمية المخدرات المضبوطة وطلب إليه إخفاءها خلف ملابسه حول جسمه ثم رافقه يوم 30 ديسمبر سنة 1971 إلى مطار بيروت حيث ركب الطائرة العربية التى وصلت ميناء القاهرة الجوى الساعة 4و15 دقيقة م حيث كان رجال مكافحة المخدرات الذين كان قد أخطرهم بالمأمورية قبل سفره من القاهرة ورجال مصلحة الجمارك فى انتظاره فعرض عليهم ما يحمل من مواد مخدرة فأثبتوا حالتها ووزنها وتبين أنها لجوهر الأفيون وزنتها 6 كيلو و500 جرام ثم ولعدم حضور أحد من أفراد العصابة خارج المنطقة الجمركية سلمه إلى رجال مكتب مكافحة المخدرات للاحتفاظ بها حتى يطلبها جالبوها وفى يوم 31 من ديسمبر سنة 1971 اتصل المتهم (الطاعن) الثالث بالوسيط وطلب منه تسليمه المخدرات التى جلبها فحدد له الساعة 8 و 45 دقيقة من مساء ذات اليوم لمقابلته بمقهى........... بشارع............ قسم............... حيث يستلم منه الأجر المتفق عليه ويسلمه البضاعة، وهناك وفى الميعاد المذكور تقابلا ومعهما المقدم.................. الضابط بإدارة مكافحة المخدرات متخفيا وباعتباره موظف الجمرك الذى سهل عملية الخروج من المنطقة الجمركية كما كان العقيد........... يقف بالقرب من مكان جلوسهم متخفيا أيضا باعتباره حمالا، وإذ تعهد المتهم الثالث بدفع مستحقات الوسيط ورجل الجمارك بعد استلامه للمخدرات المجلوبة وتسليمها لشقيقه وللمتهم الأول فإنهما سمحا له باستلام المخدرات التى كان يحملها الرائد................... الذى بادر بمجرد أن امتدت إليه يد المتهم الثالث إلى الإمساك به، وإذ حاول هذا الأخير الهرب أطلق عيه باقى رجال مكتب مكافحة المخدرات الذين كانوا بالقرب من المقهى فاعتدى المتهم على المقدم................ الضابط بإدارة مكافحة المخدرات بالضرب محدثا به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما" ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال مرشد الشرطة ورجال إدارة مكافحة المخدرات ومن تقرير تحليل المادة المخدرة المضبوطة، ومما ورد بالتقرير الطبى عن نتيجة توقيع الكشف الطبى على ضابط إدراة مكافحة المخدرات الذى وقع عليه الاعتداء ومن اعتراف كل من المتهمين على الآخر، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. ثم عرض الحكم لدفاع الطاعنين وأطرحه فى قوله: "وحيث إن دفاع المتهمين ودفوعهم مردود جملة وتفصيلا بما يأتى": (أولا) إن الدليل قبل المتهمين الأولين (الأول والثانى) قام ضدهما من أقوال شاهد الإثبات الأول (مرشد الشرطة) والتى اطمأنت إليها المحكمة والتى جاءت قاطعة فى أن المتهم الأول هو الذى اتفق معه على السفر إلى بيروت لجلب مخدرات أعدها مقدما وأودعها طرف عميل ببيروت كما جاءت قاطعة أيضا فى أن المتهم الثانى هو الذى اشترى له تذكرة السفر ورافقه إلى شركة السياحة ودفع الثمن كما رافقه إلى المطار وسلمه مبلغا من النقود وطلب منه الاتصال بذات الشخص الذى أخبر عنه المتهم الأول والموجود ببيروت وهو................ و (ثانيا) أن الدليل قبل المتهم الثالث قد قام ضده من ماديات الدعوى، إذ أنه وإن كان لم يرد اسمه ضمن من ساهم مع الوسيط عند سفره إلى بيروت فانه هو الذى حضر لاستلام المخدرات المجلوبة وواقعة الجلب كانت مطروحة للمناقشة بين الوسيط وبينه وبحضور المقدم............... الذى تواجد بالمجلس باعتبار أنه موظف الجمرك الذى ساهم فى إخراج المخدرات المجلوبة من المنطقة الجمركية كما أن النقاش كان واضحا بدفع المبلغ المتفق عليه بعد توصيل المخدرات للمتهمين الأولين. وذلك كله يقطع بمساهمته فى عملية الجلب بصفته فاعلا أصليا شأنه فى ذلك شأن المتهمين الأولين و (ثالثا) يؤيد هذا النظر ويؤكده ما قرره المتهم الأول من أن المتهمين الثانى والثالث عضوان فى عصابة لجلب المخدرات ولم يطعن هذان الأخيران على شهادته بأى مطعن وليس له مصلحة فى توجيه الاتهام إليهما زورا كما أن أقواله تأيدت أيضا بالقرائن القاطعة – إذ لو سلمنا جدلا يصدق ما قرره المتهم الثانى من أنه لم يكلف الوسيط بشراء شئ كما أنه لم يكلف أخاه المتهم الثالث بمقابلة الوسيط وكان الثابت من أقوال الوسيط أنه لم يسبق له رؤية المتهم الثالث فمن أين عرف هذا الأخير الوسيط ويتصل به ويقابله بالمقهى إلا أن يكون ذلك ناشئا عن تكليف صادر إليه من آخر بمقابلة الوسيط فإذا أضفنا إلى ذلك بأنه لا مصلحة للمتهم الثالث فى اتهام أخيه المتهم الثانى يكون الثابت فى حق هذا الأخير أنه هو الذى أرسل أخاه المتهم الثالث لاستلام المخدرات خاصة وقد ثبت من أقوال الوسيط أن المتهمين الأول والثانى وحدهما اللذين اتصلا به وسهلا له عملية السفر على الوجه السابق بيانه و (رابعا) إن ادعاء المتهم الثانى بوجود خصومة بينه وبين أخيه المتهم الثالث هو قول مرسل لم يقم على دليل وكذبه المتهم الثالث نفسه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تركن فى سبيل تكوين عقيدتها عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وترتيب الحقائق القانونية المتصلة بها إلى ما تستخلصه من مجموع الأدلة والعناصر المطروحة عليها دون أن تتقيد فى هذا التصوير بدليل بعينه أو بأقوال الشهود بذواتهم أو بالأدلة المباشرة، إذ أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجه فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال، إذ أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت التى يوردها الحكم وفى عدم إيرادها لهذا الدفاع ما يدل على إنها أطرحت اطمئنانا منها للأدلة التى عولت عليها فى الإدانة، وكان الحكم المطعون فيه مع ذلك قد تصدى لدفاع الطاعنين – الموضوعى والقانونى – بتفصيل ينم عن إحاطة شاملة وإلمام كامل به، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى وفى تحصيله لأدلة الإثبات ورده على دفاع الطاعنين – يتحقق به توافر جريمة جلب جوهر مخدر فى حق كل منهما، ذلك بأن الشارع إذ عاقب فى المادة 33 من القانون رقم 182 سنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركى قصدا من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات فى المجتمع الدولى، وإذ كان جلب المواد المخدرة لا يعدو فى واقع الأمر أن يكون حيازة مصحوبة بالنقل عبر الحدود إلى داخل أراضى الجمهورية فهو فى مدلوله القانونى الدقيق ينطوى ضمنا على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها. وكان لا يشترط لاعتبار الجانى حائزا لمادة مخدرة أن يكون محرزا عاديا للمادة المخدرة بل يكفى لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطا عليها ولو لم تكن فى حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصا غيره وكانت المادة 39 من قانون العقوبات إذ نصت على أنه يعتبر فاعلا فى الجريمة من يدخل فى ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتى عمدا عملا من الأعمال المكونة لها فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقا لخطة تنفيذها فإن كل من تدخل فى هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلا مع غيره فيها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد ممن تدخلوا معه فيها متى وجد لدى الجانى نية التدخل تحقيقا لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قصد قصد الفاعل معه إيقاع تلك الجريمة المعينة وأسهم فعلا بدور فى تنفيذها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى منطق سائغ وتدليل مقبول أن المتهمين الثلاثة اتفقت كلمتهم على جلب المواد المخدرة وأن كلا منهم أسهم – تحقيقا لذلك – بالدور الذى أعد له فى خطة تنفيذ تلك الجريمة على النحو الذى أورده الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى وكان الطاعنان لا ينازعان فى أن ما عول عليه الحكم من أدلة الثبوت له مأخذه الصحيح من الأوراق. وقد انصبت مجادلتها على ما استخلصه الحكم من هذه الأدلة ورتب عليه أن كلا منهما قد ارتكب جريمة جلب المخدر، وكان ما يثيره الطاعنان فى هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز أثارته أمام محكمة النقض، فان منعى الطاعنين على الحكم بقالة الخطأ فى تطبيق القانون يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن الثانى من نعى على الحكم لعدم رده على دفعه ببطلان ضبط بعض الصور والبرقيات لديه مردود بأن الحكم قد بنى قضاءه على ما اطمأن إليه من أدلة الثبوت التى قام عليها ولم يعول على أى دليل مستمد من تلك الصور والبرقيات التى لم يشر إليها فى مدوناته ومن ثم فإنه قد انحسر عنه الالتزام بالرد استقلالا على هذا الدفع، ولما كان الطاعن الثانى لم يسلك الطريق الذى رسمه القانون فى المواد 185 و186 و187 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى سماع أقوال مدير المبيعات بشركة الطيران أمام المحكمة، فإنه لا تثريب على المحكمة إذا هى أعرضت عن طلب سماعه، ويكون النعى على الحكم من هذه الناحية فى غير محله. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أن ادعاء الطاعن الثانى بوجود خلاف بينه وبين أخيه المتهم الثالث هو قول مرسل لم يقم عليه دليل وكذبه المتهم الثالث نفسه – له معينه الصحيح من محضر جلسة المحاكمة، مما تنتفي معه عن الحكم دعوى الخطأ فى الإسناد، وكان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات فلها السلطة المطلقة فى الأخذ باعتراف المتهم فى حق نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع، وكانت المحكمة غير ملزمة بأن تورد فى حكمها من الأدلة – إلا ما تقيم عليه قضاءها، وكان الطاعن الثالث لا يمارى فى أن ما أورده الحكم من أن المتهم الأول قد ذكر أن الطاعن المذكور من بين أفراد عصابة لجلب المخدرات له سنده من الأوراق، وكانت المحكمة قد اكتفت بهذا الذى أوردته فى حكمها من أقوال المتهم الأول بجانب أدلة الثبوت الأخرى التى ساندت إليها فى قضائها، فان منعي الطاعن الثالث على الحكم المطعون في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة سائغة لها أصلها فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى مارتبه الحكم عليها. وكان ما يثيره الطاعنان ينحل فى مجموعه إلى جدل موضوعى حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة فى الدعوى مما لا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.


[(1)] هذا المبدأ مقررا أيضا فى الطعن رقم 1219 لسنة 43 ق الصادر بجلسة 21/ 1/ 1974 "لم ينشر".