أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 974

(357)
جلسة 16 من إبريل سنة 1951
القضية رقم 1827 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة, وأحمد حسني بك, وفهيم إبراهيم عوض بك, ومحمد أحمد غنيم بك المستشارين.
(أ وب) شيوعية. المرسوم بقانون رقم 117 سنة 1946. صدوره صحيحاً من حيث الشكل. تقدير موجبات الإسراع متروك للسلطة التنفيذية.
(جـ) القول بمخالفة هذا المرسوم للمادة 14 من الدستور. غير سديد.
(د) تفتيش. إذن مبني على التحريات الدالة على ترويج شخص للمذهب الشيوعي. صحيح.
(هـ) تفتيش. صدور الإذن باسم شخص اشتهر به في المحيط الذي يعمل فيه. لا يقدح في صحته.
(و) شيوعية. القانون لا يشترط أن يكون الجاني قد قام بالفعل بعمل من أعمال القوة والعنف. يكفي أن يكون استعمال القوة والعنف والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في تحقيق الغرض.
(ز) سرية الجلسة. للمحكمة أن تجعل الجلسة سرية للمحافظة على النظام العام.
1 - إن المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 قد صدر على الصورة التي فرضتها المادة 41 من الدستور إذ أنه صدر بين دوري انعقاد البرلمان من السلطة التنفيذية ونشر في الجريدة الرسمية وصار تقديمه للبرلمان في دورته العادية التالية لصدوره. والبرلمان بمقتضى المادة 41 المذكورة هو صاحب الحق في إسقاط مثل تلك المراسيم بمجرد عدم إقرارها من أحد مجلسيه, وهذه المادة لم ترتب جزاء على عدم دعوة البرلمان لاجتماع غير عادي كما فعلت حين رتبت زوال قوة القانون عن المراسيم التي لا تعرض على البرلمان في أول انعقاد له أو على عدم إقراراها من أحد المجلسين. وإذن فالقول بأن هذا المرسوم باطل شكلاً قول غير سديد.
2 - إن المادة 41 من الدستور قد أعطت السلطة التنفيذية تقدير موجبات الإسراع في اتخاذ التدابير التي لا تحتمل التأخير, وإذا ما استعملت هذه السلطة هذا الحق المخول لها ثم عرضت المرسوم على البرلمان في أول اجتماع له وهو صاحب الحق في إسقاطه بعدم إقراره من أحد مجلسيه فإنه لا يسوغ لسلطة أخرى أن تتدخل في تقدير تلك الموجبات.
3 - إن القول بأن هذا المرسوم مخالف للمادة 14 من الدستور مردود بأن تلك المادة إذ نصت على أن حرية الرأي مكفولة قد أعقبت ذلك بأن الإعراب عن الفكر بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك يكون في حدود القانون. ذلك لأن حرية الإعراب عن الفكر شأنها شأن ممارسة سائر الحريات لا يمكن قيامها بالنسبة إلى جميع الأفراد إلا في حدود احترام كل منهم لحريات غيره. وإذن فإن من شأن المشرع بل من واجبه بمقتضى الدستور أن يعين تلك الحدود حتى لا يكون من وراء استعمال هذه الحريات الاعتداء على حرية الغير. ولما كانت أحكام المرسوم سالف الذكر لا تمس حرية الرأي ولا تتجاوز ممارسة الفرد لحرية التعبير عن فكره ووضع الحدود التي تضمن عدم المساس بحريات غيره فإن القول بمخالفة هذا المرسوم لحكم هذه المادة لا يكون له محل.
4 - يكفي لصحة إذن النيابة بالتفتيش أن يكون رجل الضبطية القضائية قد علم بتحرياته واستدلالاته أن جريمة وقعت وأن هناك دلائل وأمارات قوية ضد من يطلب الإذن بتفتيش مسكنه. فإذا كان طلب الإذن مبنياً على وقوع جريمة الترويج للمذهب الشيوعي الذي من مقاصده قلب نظم الدولة بالعنف والقوة فإن النيابة إذا أذا أذنت بالتفتيش لا تكون قد أخطأت في القانون.
5 - إن صدور إذن التفتيش باسم شخص معين لا يقدح في سلامة الحكم ما دام قد استظهر أن من وقع عليه التفتيش قد اشتهر بهذا الاسم في البيئة الشيوعية وأنه يتراسل به في محيط الجمعية التي ينتمي إليها.
6 - ما دام الحكم قد استظهر أن الطاعن عضو عامل في جمعية بالمملكة المصرية ترمي إلى سيطرة طبقة العمال على غيرها من الطبقات وإلى محو الرأسمالية والملكية الفردية والقضاء على الأسس الاجتماعية المصرية وقلب نظام الحكم من ملكية إلى جمهورية, وذلك باستعمال القوة والعنف عن طريق تسليح العمال والقيام بثورة مسلحة لتحقيق تلك الأغراض غير المشروعة وأن الطاعن يروج لتلك المبادئ بكتابة نشرات وتقارير شهرية, فإنه يكون قد بين واقعة الدعوى بما يتوافر فيه جميع العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها إذ القانون لا يشترط أن يكون الجاني قد قام بالفعل بعمل من أعمال القوة أو العنف أو أن تكون المؤسسة المنضمة إليها قد قامت فعلاً بشيء من ذلك بل يكفي في القانون أن يكون استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في تحقيق تلك الأغراض.
7 - إن كلمة "الآداب" الواردة في المادة 235 من قانون تحقيق الجنايات في مقام سرية الجلسات عامة مطلقة ذات مدلول واسع جامع لقواعد حسن السلوك المقررة بموجب القانون أو العرف فكل الاعتبارات الخاصة بالنظام العام تدخل في مدلوها. وإذن فسواء أكان الشارع قد ذكر في هذا المقام عبارتي "الآداب" و"محافظة على النظام العام" كما في المادة 25 من قانون نظام القضاء والمادة 129 من الدستور أو ذكر هاتين العبارتين و"حرمة الأسرة" كما في المادة 121 من قانون المرافعات أم كان قد اقتصر عن لفظ "الآداب" كما في المادة 235 من قانون تحقيق الجنايات فإنه يجوز للمحكمة الجنائية أن تجعل الجلسة سرية للمحافظة على النظام العام.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما بدائرة قسم شبرا محافظة القاهرة انضما إلى جمعية بالمملكة المصرية ترمي إلى سيطرة طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات وإلى القضاء على طبقة اجتماعية وقلب نظام الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والقضاء على النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك وذلك بأن انضما إلى جمعية سرية تعمل على القضاء على طبقة الملاك للدولة والرأسمالية وسيادة الطبقة العاملة وحكمها المطلق وإلغاء الملكية الخاصة بوسائل الإنتاج ونلقها للدولة كل ذلك عن طريق خلق مجتمع مصري على غرار الوضع القائم في روسيا وبالأسلوب الثوري الذي اتبعه لينين وستالين في الثورة الروسية وبتحريض العمال على الاغتصاب والاعتداء على حق الغير وتحريضهم على بغض طائفة الملاك والرأسماليين تحريضاً من شأنه تكدير السلم العام وكذلك روجا في المملكة المصرية لتغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية ولتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات وللقضاء على طبقة اجتماعية ولقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية والاقتصادية ولهدم النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة ملحوظاً في ذلك بأن انضما إلى الجمعية السرية سالفة الذكر وهي تعمل على ترويج مثل هذه المبادئ عن طريق إصدار نشرات وتأليف خلايا وترويج الأفكار التي من شأنها قيام حكم الطبقة العاملة في مصر وسلطانها المطلق والقضاء على طبقة الملاك والرأسماليين وإلغاء الملكية الخاصة بوسائل الإنتاج اتباعاً للبرنامج الثوري الذي نادى به لينين وستالين واقتفاء لأسلوبهما الثوري الذي حقق هذا الانقلاب في روسيا السوفيتية. وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 98 - أ فقرة ثالثة و98 - ب فقرة أولى و98 - هـ من قانون العقوبات. فقرر بذلك ولدى نظر الدعوى أمام محكمة جنايات مصر دفع المتهمون ببطلان التفتيش. والمحكمة قضت عملاً بمواد الاتهام والمادة 98 - هـ و2 من قانون العقوبات أولاً: برفض الدفوع المقدمة من الدفاع فيما يتعلق ببطلان التفتيش. وثانياً: بمعاقبة كل من المتهمين حامد عبد الحليم حامد ومحمود موسى محمود بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وأمرت بحل التشكيلات التي انضم لها المتهمان وإغلاق أمكنتها ومصادرة الأوراق التي ضبطت معهما وغيرها مما يستعمل في ارتكاب الجريمة وتغريم كل من المتهمين خمسين جنيهاً. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

(عن الطاعن الأول)

... حيث إن الوجهين الأولين من طعن هذا الطاعن ومحاميه يتحصل في القول بأن الحكم المطعون فيه إذ طبق المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 على واقعة الدعوى قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك لأن هذا المرسوم باطل شكلاً لمخالفته لنص المادتين 25 و41 من الدستور وباطل موضوعاً لمخالفته للمادتين 12 و14 منه ويقول محاميه إن الحكومة أجازت لنفسها إصداره استناداً إلى الرخصة الممنوحة للسلطة التنفيذية في المادة 41 من الدستور. وأنه لما كانت هذه المادة تستلزم لاستعمال هذه الرخصة أن يحصل بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير وتوجب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي وعرض المرسوم عليه وكان لم يقع حادث ظاهر أو خفي يوجب اتخاذ مثل تلك التدابير العاجلة وكان البرلمان لم يدع للانعقاد لدور غير عادي لعرض هذا المرسوم عليه فإنه لا تكون له قوة القانون وبالتالي فلا يسوغ للمحاكم تطبيقه. ولا يغير من ذلك النظر أن الحكومة قد عرضت ذلك المرسوم على البرلمان عند انعقاده في دورته العادية ولم يصدر من أي المجلسين إلى الآن قرار بالموافقة عليه أو بإبطاله وإذ لا يمكن أن يقال بأن إجازة صدرت من البرلمان تصحح البطلان الذي لحقه بعدم دعوة البرلمان لدورة غير عادية لأن هذه الإجازة لا تكون إلا بموافقة صريحة عليه وإن قيل بأن المناقشة في مدى هذه الإجازة هي مناقشة في موضوع القانون لا في شكله فإن المحاكم المصرية غير ممنوعة من بحث دستورية القوانين شكلاً وموضوعاً.
وحيث إن هذا الوجه مردود (أولاً) بأنه من الناحية الشكلية فإن المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 قد صدر على الصورة التي فرضتها المادة 41 من الدستور إذ أنه صدر بين دوري انعقاد البرلمان من السلطة التنفيذية ونشر في الجريدة الرسمية وصار تقديمه للبرلمان في دورته العادية التالية لصدوره. لما كان ذلك. وكان البرلمان بمقتضى المادة 41 سالفة الذكر هو صاحب الحق في إسقاط مثل تلك المراسيم بمجرد عدم إقرارها من أحد مجلسيه. وكانت تلك المادة لم ترتب جزاء على عدم دعوة البرلمان لاجتماع غير عادي كما فعلت حين رتبت زوال قوة القانون عن المراسيم التي لا تعرض على البرلمان في أول انعقاد له أو على عدم إقرارها من أحد المجلسين فإن ما جاء في الطعن من ناحية الشكل لا يكون سديداً. (وثانياً) بأنه من ناحية الموضوع فإن المادة 41 من الدستور قد أعطت للسلطة التنفيذية تقدير موجبات الإسراع في اتخاذ التدابير التي لا تحتمل التأخير وبأن هذه السلطة إذ استعملت هذا الحق المخول لها ثم عرضت المرسوم على البرلمان في أول اجتماع له وهو صاحب الحق في إسقاطه بعدم إقراره من أحد مجلسيه فإنه لا يسوغ لسلطة أخرى أن تتدخل في تقدير تلك الموجبات أما القول بمخالفة هذا المرسوم للمادة 14 من الدستور فمردود بأن تلك المادة إذ نصت على أن حرية الرأي مكفولة فقد أعقبت ذلك بأن الإعراب عن الفكر بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك يكون في حدود القانون, ذلك لأن حرية الإعراب عن الفكر شأنها كشأن ممارسة سائر الحريات لا يمكن قيامها بالنسبة إلى جميع الأفراد إلا في حدود احترام كل منهم لحريات غيره وإذن فإن من شأن المشرع بل من واجبه بمقتضى الدستور أن يعين تلك الحدود حتى لا يكون من وراء استعمال هذه الحريات الاعتداء على حرية الغير. لما كان ذلك وكانت أحكام المرسوم السالف الذكر لا تمس حرية الرأي ولا تتجاوز ممارسة الفرد لحرية التعبير عن فكره ووضع الحدود التي تضمن عدم المساس بحريات غيره فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني من هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ اعتمد في إدانة الطاعن على الدليل المستمد من تفتيش باطل ذلك لأن طلب الإذن بالتفتيش لم يبن على وقوع جريمة حتى كان يصح للنيابة أن تأذن به وإنما كان مقصوراً على القول بأن الضابط علم أن شخصاً اسمه رشدي يعتنق المبادئ الشيوعية ويعمل على ترويج هذه المبادئ وله نشاط ظاهر في الحركة الشيوعية وهو حذر في اتصالاته وممن يطلق عليهم اسم محترف شيوعي. وهذه العبارة لا تتضمن بذاتها توافر العناصر المكونة للجريمة التي نص عليها القانون التي دين بها الطاعن يضاف إلى ذلك أن المدافعين عن الطاعن دفعا أمام محكمة الموضوع ببطلان التفتيش لأن الإذن به صدر ضد شخص آخر غير الطاعن اسمه رشدي ولذا فإن البوليس يكون قد فتش منزله هو بغير إذن من النيابة.
وحيث إنه يكفي لصحة إذن النيابة بالتفتيش أن يكون رجل الضبطية القضائية قد علم بتحرياته واستدلالاته أن جريمة وقعت وأن هناك دلائل وأمارات قوية ضد من يطلب الإذن بتفتيش مسكنه ولما كان طلب الإذن مبنياً على وقوع جريمة الترويح للمذهب الشيوعي الذي من مقاصده قلب نظم الدولة بالعنف والقوة فإن النيابة إذ أذنت بالتفتيش لا تكون قد أخطأت في القانون - أما ما قاله الطاعن من أن إذن التفتيش قد صدر ضد شخص آخر سواه اسمه "رشدي" فمردود بأن الحكم المطعون فيه قد استظهر أن الطاعن قد اشتهر بهذا الاسم في البيئة الشيوعية وهو يتراسل به في محيط الجمعية التي ينتمي إليها.
وحيث إن الوجه الثالث يتحصل في القول بأن المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 الذي دين الطاعن على مقتضى نصوصه يتطلب أن يكون المتهم نفسه هو الذي استعمل القوة أو ركن إليها أو استعان بها لتحقيق الأغراض الغير المشروعة المبينة بالقانون أو أن تكون المنظمة التي انضم إليها قد استعانت بالقوة فعلاً لتحقيق تلك الأغراض ولم يثبت في الحكم المطعون فيه أن الطاعن قد بدر منه شيء من ذلك وأذن فتكون الجريمة التي دين بها قد فقدت ركناً من أركانها ويكون الحكم المطعون فيه إذ دانه بها قد أخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن الطاعن عضو عامل في جمعية بالمملكة المصرية ترمي إلى سيطرة طبقة العمال على غيرها من الطبقات وإلى محو الرأسمالية والملكية الفردية والقضاء على الأسس الاجتماعية المصرية وقلب نظام الحكم من ملكية إلى جمهورية وذلك باستعمال القوة والعنف عن طريق تسليح العمال والقيام بثورة مسلحة لتحقيق تلك الأغراض الغير مشروعة وأن الطاعن يروج لتلك المبادئ بكتابة نشرات وتقارير شهرية فإنه يكون قد بين واقعة الدعوى بما يتوافر فيه جميع العناصر القانونية للجريمة التي دانه بها إذ القانون لا يشترط أن يكون الجاني قد قام بالفعل بعمل من أعمال القوة أو العنف أو أن تكون المؤسسة المنضم إليها قد قامت فعلاً بشيء من ذلك بل يكفي في القانون أن يكون استعمال القوة أو الإرهاب والوسائل الغير المشروعة ملحوظاً في تحقيق تلك الأغراض.
وحيث إن الطاعن يضيف في الطعن الذي قدمه بنفسه وجهاً آخر هو أن شاهدة الإثبات ما كان يصح التعويل على شهادتها للتناقض البادي في أقوالها.
وحيث إن هذا لا يعدو أن يكون جدلاً في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع دون معقب عليها فيه من محكمة النقض إذ الطاعن لم يبين وجه التناقض الذي يزعمه وإذن فإن ما يثيره في هذا الشأن لا يكون مقبولاً.
عن الطاعن الثاني
وحيث إن الطاعن الثاني قد قدم بنفسه أسباباً للطعن لا تخرج عن الأسباب المقدمة من الطاعن الأول والتي سبق الرد عليها وأضاف أن محاكمته كانت في جلسة سرية وهو أمر يتعارض مع ما أوجبه القانون بالمادة 235 من قانون تحقيق الجنايات.
وحيث إنه لما كان الثابت في محضر الجلسة أن ممثل النيابة العمومية قد طلب من المحكمة جعل الجلسة سرية محافظة على النظام العام عملاً بالمادة 121 من قانون المرافعات واعتراض الدفاع على ذلك الطلب والمحكمة بعد المداولة أصدرت قرارها بجعل جلسة المحاكمة سرية للسبب الذي أبدته النيابة ولما كانت كلمة "الآداب" الواردة في المادة 235 من قانون تحقيق الجنايات في مقام سرية الجلسات عامة مطلقة ذات مدلول واسع جامع لقواعد حسن السلوك المقررة بموجب القانون أو العرف فكل الاعتبارات الخاصة بالنظام العام تدخل في مدلوها. وإذن فسواء أكان الشارع قد ذكر في هذا المقام عبارتي "الآداب" و"محافظة على النظام العام" كما في المادة 25 من قانون نظام القضاء والمادة 129 من الدستور أو ذكر هاتين العبارتين و"حرمة الأسرة" كما في المادة 121 من قانون المرافعات أم كان قد اقتصر على لفظ "الآداب" كما في المادة 235 من قانون تحقيق الجنايات فإنه يجوز للمحكمة الجنائية أن تجعل الجلسة سرية للمحافظة على النظام العام.
وحيث إن الوجه الأول من الطعن المقدم من محامي هذا الطاعن يتحصل في القول بأن التفتيش الذي أجراه الكونستابل على الطاعن نفسه وقع باطلاً لأنه حين اتخذ هذا الإجراء ما كان يعلم أن النيابة قد أصدرت إذنها به وأن انقطاع الصلة على تلك الصورة بين من أجرى التفتيش وبين الإذن الصادر به يجعل التفتيش باطلاً لصدوره من شخص لا يملكه وإذن فما كان يصح الاعتماد على الدليل المستمد منه في الإدانة.
وحيث إن المدافع عن الطاعن تقدم بهذا الدفع أمام محكمة الجنايات وقد رفضته وقالت في ذلك "إنه لا محل للتعرض لهذه الواقعة وإذ الثابت من الأوراق أن المتهم الثاني (الطاعن) محمود موسى محمود وصل إلى القسم بناءً على تكليف ممن صدر إليه الأمر بضبطه وأن أحداً لم يقم بتفتيشه ولأنه كان مضبوطاً وإنما جرى التفتيش بعد أن قام المتهم بإخراج ورقة من جيبه ومضغها إخفاء لمحتوياتها وطمسا لمعالمها وهو بتصرفه هذا قد انتقل إلى حالة تلبس تجيز تفتيشه إذ أن المخبرين علي السيد مصطفى وعبد الفتاح إبراهيم السيد شاهدا هذه الواقعة حال ارتكابها وأخرجا الورقة مبتلة من فم المتهم وسلماها للكونستابل الذي أجرى التفتيش. وحيث إنه لا نزاع في أن هذه الحالة هي حالة من حالات التلبس التي تجيز لرجل الضبطية القضائية التفتيش دون إذن من النيابة ومن ثم يكون الدفع ببطلان التفتيش الواقع على المتهم محمود موسى محمود متعين الرفض". ومتى كان الأمر كذلك وكانت حالة التلبس تخول رجل الضبطية القضائية إجراء ذلك التفتيش من غير حاجة لصدور الإذن به من النيابة فلا محل لما يثيره الطاعن من جدل حول علم الكونستابل حين قام بهذا الإجراء بصدور إذن التفتيش من عدمه.
وحيث إن مؤدى الوجه الثاني من هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد اعتوره خطأ في الاستدلال حين استندت المحكمة إلى أقوال أدلى بها الطاعن أمامها بالجلسة واستخلصت منها ما لا تؤدي إليه وحين عولت على ما لا أصل له في أوراق الدعوى بصدد شخص قال الطاعن عنه أنه زميل له قضى نحبه في السجن وقالت المحكمة عنه إنه كان مسجوناً لترويجه للمذهب الشيوعي وأن الطاعن ينعاه لزمالته له في اعتناق هذا المبدأ مع أن سبب سجنه غير ظاهر في الأوراق ولم تعن المحكمة بتحقيقه.
وحيث إنه لما كانت أقوال الطاعن على ما يبين من الاطلاع على محضر الجلسة تؤدي إلى ما استخلصته المحكمة منها في الحكم المطعون فيه استخلاصاً سائغاً - وكان ما قالته المحكمة عن الشخص المشار إليه في وجه الطعن له أصله في الأوراق التي ضبطت مع الطاعنين على ما هو ظاهر من الحكم المطعون فيه, فإن ما يثيره الطاعن من ذلك لا يكون سديداً.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.