أحكام النقض -المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 1006

جلسة 17 إبريل سنة 1951
(367)
القضية رقم 1394 سنة 20 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد فهمي إبراهيم بك وكيل المحكمة وأحمد حسنى بك, وحسن إسماعيل الهضيبي بك, وفهيم إبراهيم عوض بك, المستشارين.
( أ ) تفتيش. إذن من الحاكم العسكري بتفتيش سكن شخص على أن له نشاطاً صهيونياً والحرب قائمة بين مصر والصهيونيين. صحيح.
(ب) المراسيم التي تصدرها السلطة التنفيذية بين دوري الانعقاد. عدم دعوة البرلمان لاجتماع غير عادي لعرض هذه المراسيم عليه. لا جزاء عليه.
(جـ) شيوعية. المرسوم رقم 117 سنة 1946. القول ببطلانه مخالفته المادة 14 من الدستور. غير سديد.
1 - إن إذن التفتيش الصادر من الحاكم العسكري بتفتيش مسكن شخص على أساس أن له نشاطاً صهيونياً ذلك لا يقدح في صحة القول بعدم تعلق موضوع هذا الإذن بسلامة الجيوش المحاربة في فلسطين بل إن هذا القول لا وجه له ما دام الثابت بالحكم أن الإذن قد بني على ما جاء بتحريات البوليس من أن ذلك الشخص من اليهود ذوي النشاط الصهيوني والحرب وقتئذ كانت قائمة بين مصر والصهيونيين.
2 - إن المادة 41 من الدستور وإن أوجبت دعوة البرلمان لاجتماع غير عادي لتعرض عليه المراسيم التي تصدرها السلطة التنفيذية بين دوري انعقاده بالاستناد إليها فإنها لم ترتب جزاء على مخالفة ذلك كما فعلت بالنسبة إلى حالة عدم عرض تلك المراسيم على البرلمان في أول انعقاد له وحالة عدم إقرارها من أحد المجلسين.
 3 - إن القول ببطلان المرسوم بقانون رقم 117 سنة 1946 لمساسه بما كفله الدستور من حرية الرأي والعقيدة لا وجه له. إذ المادة 14 من الدستور حين نصت على أن حرية الرأي مكفولة قد أعقبت ذلك بأن الإعراب عن الفكر بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك يكون في حدود القانون, فإن حرية الإعراب عن الفكر شأنها شأن ممارسة سائر الحريات لا يمكن قيامها بالنسبة إلى جميع الأفراد إلا في حدود احترام كل منهم لحريات غيره. وإذن فإن من شأن المشرع بل من واجبه بمقتضى الدستور أن يعين تلك الحدود حتى لا يكون من وراء استعمال هذه الحريات الاعتداء على حريات الغير. وأحكام المرسوم السالف الذكر لا تمس حرية الرأي ولا تتجاوز تنظيم ممارسة الفرد لحرية التعبير عن فكره ووضع الحدود التي تضمن عدم المساس بحريات غيره.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - أيريك ادكر. 2 - البرت ترجمان "الطاعن". 3 - دكتور شريف حتاته. 4 - محمد كمال عبد الحليم. 5 - الفريد زكي كوهين. 6 - موريس زكي كوهين. 7 - فرج الله إسكندر غبريال. 8 - محمد أبو اليزيد رمضان. 9 - مصطفى كمال حرازي. 10 - شوقي بدروس الضبع. بأنهم بمحافظة الإسكندرية أولاً - انضموا إلى مؤسسة سرية بالمملكة المصرية تعمل على هدم المبادئ الأساسية للدستور المصري وقلب النظم الأساسية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة المصرية والقضاء على طبقة اجتماعية وتغليب طبقة على أخرى وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل الأخرى الغير مشروعة ملحوظاً في ذلك وذلك عن طريق طبع نشرات وإعطاء دروس بقصد الوصول إلى إقامة حكم الطبقة العاملة بالقطر المصري والقضاء على طبقة الملاك والرأسماليين والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج متوسلة إلى ذلك بنشر مبادئ لينين الثورية وما تحض عليه من استعمال العنف وتطبيقها العمالي بروسيا ومتوسلة إلى ذلك أيضاً بإحداث الإضرابات وتحريض الطوائف على بعضها والتحريض على بغض طائفة الملاك والرأسماليين والازدراء بها تحريضاً من شأنه أن يكدر السلم العام - ثانياً - حبذوا وروجوا علناً المذاهب التي ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية وكذلك النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالمملكة المصرية بالقوة والإرهاب وكل وسيلة أخرى غير مشروعة وذلك بأن دعوا في محاضرات ودروس ونشرات ملخصة في المحضر وفي قائمة الشهود تحض على اعتناق المذاهب الشيوعية بمصر بالأسلوب الثوري الذي نادى به لينين وما تهدف إليه من إقامة حكم الطبقة العاملة بالقطر المصري والقضاء على طبقة الملاك والرأسماليين والملكية الخاصة بوسائل الإنتاج مستعينين في ذلك بالتحريض على الإضراب والاعتصابات وتحريض الطوائف على بعضها تحريضاً من شأنه أن يكدر السلم العام - ثالثاً: حبذوا وروجوا علناً المذاهب التي ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية في المملكة المصرية بالقوة والإرهاب والوسائل غير المشروعة وذلك بأن دعوا في نشرات ملخصة في المحضر وفي قائمة الشهود إلى تطبيق المذاهب الشيوعية بالأسلوب الثوري الذي نادى به لينين وما تهدف إليه من حكم الطبقة العاملة بالقطر المصري من القضاء على طبقة الملاك والرأسماليين والملكية الخاصة لوسائل الإنتاج مستعينين في ذلك بالتحريض على الإضراب والاعتصابات وتحريض الطوائف على بعضها تحريضاً من شأنه أن يكدر السلم العام. رابعاً: حرضوا علناً على بغض طائفة من الناس والازدراء بها وكان من شأن هذا التحريض تكدير السلم العام وذلك بأن دعوا في النشرات والمحاضرات المشار إليها فيما تقدم إلى بغض طائفة الرأسماليين والازدراء بها ووصفهم بأنهم أعوان المستعمر وخلفاؤه وأن القضاء عليهم جزء من الكفاح الوطني ولا سبيل إلى التحرر إلا بإزالتهم من الوجود - وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمحاكمتهم بالمواد 98 - أ و98 - ب و171 و174 و176 من قانون العقوبات فقرر بذلك وفي أثناء نظر الدعوى بجلسة 2 مايو سنة 1949 طلبت النيابة العامة إحالة القضية إلى المحكمة العسكرية العليا لاختصاصها طبقاً للأمر العسكري رقم 79 الصادر بتاريخ 27 مارس سنة 1949 فقررت المحكمة بالجلسة المذكورة إحالة القضية إلى المحكمة العسكرية العليا بحالتها. فطعن المتهمون في هذا القرار أمام محكمة النقض وبتاريخ 13 يونيه سنة 1949 فقضت هذه المحكمة بإعادة القضية إلى محكمة الجنايات العادية. أعيدت القضية بعد ذلك إلى محكمة جنايات الإسكندرية وتقدم إليها المتهمون بثلاثة دفوع فرعية وهي - أولاً: عدم قيام المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 الذي أضيفت بمقتضاه إلى قانون العقوبات المواد من 98 - أ إلى 98 - هـ وأنه بفرض اعتبار هذا القانون قائماً فإنه لا يجوز تطبيقه لأن أحكامه مخالفة لنصوص الدستور - وثانياً: بطلان إجراءات التحقيق بطلاناً مطلقاً لأنه لم يكن هناك محل للسرية وحرمان المتهمين من حضور المحامين معهم - وثالثاً - بطلان إجراءات تفتيش مساكن المتهمين والقبض عليهم وبعد نظرها فقضت فيها حضورياً بتاريخ 23 مارس سنة 1950 عملاً بالمواد 98 أ فقرة 3 و98 هـ من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الثاني عن التهمة الأولى و50 - 2 من قانون تشكيل محاكم الجنايات بالنسبة له أيضاً عن باقي التهم المسندة إليه وكذلك لباقي المتهمين عن التهم المسندة إليهم أولاً - بقبول الدفع المقدم من فرج الله إسكندر غبريال بشأن بطلان التفتيش وبرفض ماعدا ذلك من الدفوع المقدمة منه ومن باقي المتهمين - ثانياً: بمعاقبة ألبرت ترجمان بالسجن مدة ثلاث سنوات وبغرامة قدرها خمسون جنيهاً ومصادرة الأشياء المضبوطة لديه وذلك عن التهمة الأولى وبراءته من باقي التهم المسند إليه - ثالثاً: براءة إيريك ادلر ودكتور شريف حتاته ومحمد كمال عبد الحليم والفريد زكي كوهين وموريس زكي كوهين وفرج الله إسكندر غبريال ومحمد أبو اليزيد رمضان ومصطفى كمال حرازي وشوقي بدروس الضبع مما أسند إليهم.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض كما طعنت النيابة فيه أيضاً... إلخ.


المحكمة

... حيث إن النيابة العامة بنت طعنها على عدم ختم الحكم في الثمانية الأيام المحددة بالقانون, وإذ كان هذا السبب وحده لا يكفي لنقض الحكم كما استقر على ذلك قضاء هذه المحكمة - وقد مكنت الطاعنة من أن تقدم في خلال عشرة أيام كاملة ما عسى أن يكون لديها من أسباب للطعن على الحكم فلم تقدم شيئاً. فيتعين إذن رفض طعنها موضوعاً.
وحيث إنه مبنى الطعن المقدم من الطاعن الآخر هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه "بأنه انضم إلى مؤسسة سرية تعمل على هدم المبادئ الأساسية للدستور المصري وقلب النظم الأساسية الاجتماعية والاقتصادية والقضاء على طبقة اجتماعية وتغليب طبقة على أخرى وكان استعمال القوة والإرهاب والوسائل الأخرى الغير مشروعة ملحوظاً فيه" - قد جاء قاصراً وأقيم على ما لا سند له وأخطأ في تفسير القانون وتطبيقه وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن المحكمة استندت إلى ما قالته عن ضبط بعض الأوراق لديه مع أنه كان قد أنكر هذا الضبط فكان يتعين عليها أن تتعرض لهذا الإنكار وتبين الأدلة على ذلك الضبط وبخاصة وقد تسرب إليها الشك في سلامة ما قام به رجال البوليس السياسي من إجراءات الضبط والتفتيش لدى متهمين آخرين قضت ببراءتهم - كما أن المحكمة في صدد تبرير إذن التفتيش الصادر عن مسكنه قالت إنه بني على ما أدت إليه التحريات من أنه بوصفه إسرائيلياً كان له نشاط صهيوني مع أن الثابت بالأوراق أن الإذن إنما بني على بلاغ ضده, بأنه يقوم بالدعوة إلى الشيوعية وعلى ما تضمنه المنشور الذي تقدم به الشاهد إلى البوليس وقد قرر رئيس القلم المخصوص نفسه بالتحقيق أنه استصدر الإذن من الحاكم العسكري على أساس النشاط الشيوعي ليس إلا - ثم إن المحكمة قد استخلصت من أقواله ما سمته اعترافاً منه بانضمامه لإحدى المنظمات الشيوعية في حين أن قصارى ما يستخلص من هذه الأقوال إنه كان على اتصال بفرد واحد كان يلقي عليه بعض الدروس توطئه لانضمامه إلى الحركة الشيوعية بعد إتمام هذه الدراسة وكان كل ما فهمه منها أن القائمين بالحركة في مصر يسعون لإيجاد حزب يعترف به للكفاح بالطرق المشروعة عن حقوق العمال. ويضيف الطاعن في صدد بطلان إذن التفتيش وما ترتب عليه أنه قد صدر من الحاكم العسكري اعتماداً على القانون رقم 73 لسنة 1948 مع أنه لم يكن هناك محل لتطبيق هذا القانون لأنه إنما يطبق في شأن ما تقتضيه سلامة الجيوش المحاربة من إجراءات سريعة لدرء كل خطر عنها. ولم يثبت في الدعوى أنه كانت هناك مؤامرة ضد رجال الجيش أو أي حركة موجهة إليهم بل كان الأمر خاصاً بالنشاط الشيوعي وحده ولا علاقة لشيء منه بالحرب الفلسطينية وهذا كله يبطل الإذن الصادر من الحاكم العسكري لاختصاص النيابة العمومية وحدها به طبقاً للقانون. ثم إن المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1947 الذي طبقته المحكمة في حقه باطل لعدم استيفائه شروط صحته إذ أنه صدر في عطلة البرلمان ولم يدع إلى اجتماع غير عادي لعرضه عليه طبقاً للمادة 41 من الدستور مما كان مقتضاه أن تقضي المحكمة ببطلانه أو على الأقل بعدم اعتباره قائماً وقابلاً للتطبيق ولا يحول دون استعمال هذا الحق سوى إقرار البرلمان للقانون والثابت في الحكم أنه لم يقره بعد, ومن جهة أخرى فقد خالف المرسوم حكم المادة 41 من الدستور من ناحية مساسه بصميم ما كفله الدستور لأفراد الناس من حرية الرأي والعقيدة إذ تشترط المادة لصحة المراسيم التي تصدرها السلطة التنفيذية في عطلة البرلمان أن لا تكون أحكامها مخالفة للدستور.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى وذكر الأدلة التي استخلص منها ثبوتها وتعرض لدفاع الطاعن عن المضبوطات ففنده ولم يأخذ به كما عرض لأقواله في التحقيق واستخلص منها ومن تلك المضبوطات ما انتهى إليه عن التهمة. ولما كان الأمر كذلك وكان ما استخلصته المحكمة من الوقائع المطروحة أمامها استخلاصاً سائغاً مقبولاً وكان ما أوردته من ذلك من شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي وصلت إليها فلا يكون هناك محل لما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لأنه لا يخرج في حقيقته عن المجادلة في تقدير أدلة الدعوى مما تستقل به محكمة الموضوع ولا معقب عليها فيه - أما ما يثيره بشأن الإذن الصادر من الحاكم العسكري لعدم تعلق موضوعه بسلامة الجيوش المحاربة في فلسطين فلا وجه له إذ الثابت من أوراق هذا الإذن - وقد أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن - أن ما ورد بالحكم عنها لم يخالف الواقع وقد ذكر فيه "إنه بني على ما جاء ببلاغ النقيب وتحريات البوليس من أنه وزميله من اليهود ذوي النشاط الصهيوني والحرب وقتئذ كانت قائمة بين مصر والصهيونيين ومن ثم كان اختصاص الحاكم العسكري" - وأما ما يقوله من بطلان المرسوم بقانون رقم 117 لسنة 1946 لعدم استيفاء شرط دعوة البرلمان لدور غير عادي فمردود بأن المادة 41 من الدستور وإن أوجبت دعوة البرلمان لاجتماع غير عادي لتعرض عليه المراسيم التي تصدرها السلطة التنفيذية بين دوري انعقاده بالاستناد إليها إلا أنها لم ترتب جزاء على مخالفة ذلك كما فعلت بالنسبة إلى حالة عدم عرض تلك المراسيم على البرلمان في أول انعقاد له وحالة عدم إقرارها من أحد المجلسين وأما القول ببطلان هذا المرسوم لمساسه بما كفله الدستور من حرية الرأي والعقيدة فلا وجه له - ذلك بأن المادة 14 من الدستور إذ نصت على أن حرية الرأي مكفولة فقد أعقبت ذلك بأن الأعراب عن الفكر بالقول أو الكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك يكون في حدود القانون ذلك لأن حرية الإعراب عن الفكر شأنها كشأن ممارسة سائر الحريات لا يمكن قيامها بالنسبة إلى جميع الأفراد إلا في حدود احترام كل منهم لحريات غيره. وإذن فإن من شأن المشرع بل من واجبه بمقتضى الدستور أن يعين تلك الحدود حتى لا يكون من وراء استعمال هذه الحريات الاعتداء على حريات الغير. لما كان ذلك وكانت أحكام المرسوم السالف الذكر لا تمس حرية الرأي ولا تتجاوز ممارسة الفرد لحرية التعبير عن فكره ووضع الحدود التي تضمن عدم المساس بحريات غيره فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.