أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 160

جلسة 18 من فبراير سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ سعد الدين عطية، وعضوية السادة المستشارين: حسن أبو الفتوح الشربينى، وإبراهيم أحمد الديواني، وعبد الحميد محمد الشربينى، وحسن على المغربي

(36)
الطعن رقم 94 لسنة 44 القضائية


إثبات "شهود". خبرة. "حكم" تسبيبه. تسبيب معيب. "محكمة الموضوع". سلطتها فى تقدير الدليل. "نقض". أسباب الطعن. ما يقبل منها. "الحكم فى الطعن".
مطابقة أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى. غير لازم.
حق محكمة الموضوع فى المواءمة والتوفيق بين الدليلين القولى والفنى. شرطه ألا تتدخل فى رواية الشاهد فتحيلها عن صريح عبارتها.مثال لتسبيب معيب. نقض الحكم لهذا السبب بالنسبة إلى أحد الطاعنين يقتضى نقضه كذلك بالنسبة إلى الطاعن الآخر الذى لم يقدم أسبابا لطعنه.
لئن كان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملائمة والتوفيق، إلا أنه لا يجوز للمحكمة وهى بصدد المواءمة ورفع التناقض بين الدليلين القولى الفنى أن تتدخل فى رواية الشاهد ذاتها على وجه خاص يخالف صريح عبارتها. ولما كان الحكم حين أراد أن يوائم ويوفق بين الدليلين القولى والفنى فى خصوص عدد الإصابات التى حدثت بالمجنى عليه، قد تساند إلى أن شهود الواقعة لم يتمكنوا من عد الطعنات التى أوقعها الطاعن بالمجنى عليه، وهو ما لا سند له من أوراق الدعوى ولا بما سبق أن أورده الحكم عند سرده مؤدى أقوال هؤلاء الشهود، فإنه بذلك يكون قد تدخل فى روايتهم التى أقام عليها قضاءه وهو ما لا يجوز، ويبقى التعارض بعد ذلك قائما بين الدليلين القولى والفنى لما يرفع. ولما كانت هذه الواقعة لها أثرها فى منطق الحكم واستدلاله، فإنه يكون معيبا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم 8 من أغسطس سنة 1968 بدائرة مركز الزقازيق محافظة الشرقية. (المتهم الأول) ضرب عمدا............... فى بطنه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى به إلى موته. (المتهم الثانى) أحدث................ الاصابة المبينة بالتقرير الطبى الشرعى والتى أعجزته عن أشغاله الشخصية مدة تزيد عن العشرين يوما. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقررت ذلك فى 26 من سبتمبر سنة 1969. وادعت عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنيا بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم الأول. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا بتاريخ 17 أكتوبر سنة 1973 عملا بالمادتين 236/ 1و 241/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدنى مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. و (ثانيا) بمعاقبة المتهم الثانى بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض...الخ.


المحكمة

من حيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مما ينعاه هذا الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة ضرب أفضى إلى موت قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والخطأ فى الإسناد، ذلك بأنه حين تصدى للرد على دفاع الطاعن الذى بناه على قيام التعارض بين الدليلين القولى والفنى نقل عن شهود الإثبات قولهم على أن الطاعن هو الذى اعتدى على المجنى عليه بسكين فى بطنه وأنه لم يتيسر لهم عد الطعنات مع أن أقوالهم جميعا جاءت متفقة على أن الطاعن اعتدى عليه بطعنة مرة واحدة فقط فى بطنه وهو مالا يتلاءم مع التقرير الطبى الشرعى الذى أثبت وجود ثلاث إصابات بالمجنى عليه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى على الصورة التى استخلصها عرض لأدلة ثبوتها فى حق الطاعن المستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير الصفة التشريحية، وقد حصل مؤدى أقوال الشهود الأربعة بأن الطاعن طعن المجنى عليه بسكين فى بطنه محدثا إصابته، ونقل عن تقرير الصفة التشريحية أن بالمجنى عليه إصابتين قطعيتين بالقضيب والأريبة اليمنى تحدثان من آلة حادة كسكين أو مطواه أو ما فى حكمهما وأنهما طفيفتان لا دخل لهما فى إحداث الوفاة وأن به أيضا إصابة ثالثة بالبطن طعنية تحدث من الطعن بآلة حادة كسكين أو مطواه أو ما فى حكمهما وأن الوفاة نشأت عن هذه الإصابة وما أحدثته من قطوع بالأمعاء والمساريقة ثم أورد الحكم فى معرض رده على دفاع الطاعن قوله: "ولا يقدح فى ذلك ما أثاره الدفاع حول ما جاء بتقرير الصفة التشريحية من وجود ثلاث إصابات بالمجنى عليه...... وأن إصابة البطن هى التى أحدثت الوفاة ذلك أن شهادة الشهود انصبت على أن المتهم الأول (الطاعن) هو الذي اعتدى على المجنى عليه المذكور بسكين فى بطنه وأنه لم يعتد عليه أحد غيره فى زمان ومكان الحادث ولم يتيسر لهم عد الطعنات الصادرة من جانب المتهم وهذه الأقوال لا تستعصى على الدليل الفنى المستمد من تقرير الصفة التشريحية". لما كان ذلك، وأنه وإن كان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق، إلا أنه لا يجوز للمحكمة وهى بصدد المواءمة ورفع التناقض بين الدليلين القولى الفنى أن تتدخل فى رواية الشاهد ذاتها على وجه خاص يخالف صريح عبارتها. ولما كان يبين مما سلف أن الحكم حين أراد أن يوائم ويوفق بين الدليلين القولى والفنى فى خصوص عدد الإصابات التى حدثت بالمجنى عليه - قد تساند إلى أن شهود الواقعة لم يتمكنوا من عد الطعنات التى أوقعها الطاعن بالمجنى عليه، وهو ما لا سند له من أوراق الدعوى ولا مما سبق أن أورده الحكم عند سرده مؤدى أقوال هؤلاء الشهود وبذلك يكون قد تدخل فى روايتهم التى أقام عليها قضاءه وهو مالا يجوز، ويبقى التعارض بعد ذلك قائما بين الدليلين القولى والفنى لما يرفع. لما كان ما تقدم، وكانت هذه الواقعة لها أثرها فى منطق الحكم واستدلاله، فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن وذلك بالنسبة إلى هذا الطاعن والطاعن الثانى الذى لم يقدم أسبابا لطعنه لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.