أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 1043

جلسة 7 مايو سنة 1951
(380)
القضية رقم 146 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وبحضور حضرات أصحاب السعادة والعزة: أحمد فهمي إبراهيم باشا وكيل المحكمة, وحسن إسماعيل الهضيبي بك, وفهيم إبراهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك المستشارين.
رشوة. متى تتحقق الجريمة؟ دفع المال مقابل الامتناع عن عمل غير حق. لا يمنع تحققها. مثال. موظف تموين.
إن جريمة الرشوة تتحقق متى قبل المرتشي الرشوة مقابل الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته ولو ظهر أنه غير حق. وإذن فإذا كان الغرض الذي من أجله قدم المال على الموظف (مفتش بوزارة التموين) هو عدم تحرير محضر لمن قدمه وكان تحرير المحضر يدخل في اختصاص هذا الموظف بوصف كونه مفتشاً بوزارة التموين ومن عمله التفتيش على محلات الباعة لمراقبة تنفيذ القوانين الخاصة بالتسعير الجبري وتحرير المحاضر لمخالفيها بصفة من رجال الضبطية القضائية في هذا الشأن فإن جريمة الرشوة تكون متحققة ولو لم يكن هناك موجب لتحرير المحضر الذي دفع المال للامتناع عن تحريره.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بدائرة قسم عابدين محافظة مصر: بصفته موظفاً عمومياً "مفتش مراقبة الأسعار بوزارة التموين" قبل مبلغ جنيهين من البقال إبراهيم أحمد القباني بصفة رشوة مقابل الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته وهو تحرير محضر ضد البقال المذكور. وطلبت من قاضي الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادتين 103, 108 من قانون العقوبات. فقرر بذلك ومحكمة جنايات مصر قضت عملاً بالمادتين 103, 108 فقرة أولى وثالثة من قانون العقوبات - بمعاقبة عبد الباقي سعد الدين الشريف بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ عشرة جنيهات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض إلخ.


المحكمة

وحيث إن أوجه الطعن تتحصل في القول بأن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ دان الطاعن بواقعة لا عقاب عليها ذلك لأن الواقعة التي أراد الطاعن تحرير محضر مخالفة عنها للمجني عليه لا يعاقب عليها القانون ومن ثم كان امتناع الطاعن عن تحرير ذلك المحضر مقابل استيلائه على الرشوة ليس عملاً من أعمال وظيفته - كما أخطأ الحكم إذ قضى برفض الدفع الذي تمسك به الطاعن من بطلان القبض والتفتيش وجاء رده قاصراً إذ قال إن التفتيش حصل برضاء الطاعن وأنه هو الذي أخرج النقود من جيبه وهذا الذي قاله الحكم يتناقض مع الثابت بأوراق الدعوى - ويضيف الطاعن أن المحكمة خالفت قواعد الإثبات في تقديرها لأدلة الدعوى إذ قضت بإدانته بناءً على أقوال متناقضة يحوطها الشك الذي يجب أن يفسر دائماً لمصلحة المتهم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعن وذكر الأدلة التي استخلصت المحكمة منها ثبوت وقوعها منه وهي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك وكان من المقرر قانوناً أن الرشوة تتحقق إذا قبلها المرتشي مقابل الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته ولو ظهر أنه غير حق. ولما كان ما قاله الحكم بهذا الصدد صحيحاً إذ ما دام الغرض الذي من أجله قدم المال إلى الموظف هو عدم تحرير محضر لمن قدمه وكان تحرير المحضر يدخل في اختصاص هذا الموظف بوصف كونه مفتشاً بوزارة التموين ومن عمله التفتيش على محلات الباعة لمراقبة تنفيذ القوانين الخاصة بالتسعير الجبري وتحرير المحاضر لمخالفيها بصفته من رجال الضبطية القضائية في هذا الشأن فإن جريمة الرشوة تكون متحققة ولو لم يكن هناك موجب لتحرير المحضر الذي دفع المال للامتناع عن تحريره.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تعرض لدفاع الطاعن الخاص بالدفع ببطلان التفتيش ورد عليه رداً سديداً في قوله: "إنه ثابت من الاطلاع على محضر البوليس المؤرخ 13 من فبراير سنة 1949 الذي حرره مأمور قسم عابدين أن تفتيش المتهم تم برضائه وبقبوله وقد أيد هذه الواقعة الضابط مصطفى عبد العزيز أفندي الذي شهد في التحقيقات وأمام المحكمة أن تفتيش المتهم تم برضائه وموافقته. وحيث إن هذا الذي أثبته المأمور في محضره وشهد به الضابط أمام المحكمة قد أيده المتهم تأييداً صريحاً إذ أقر في عبارة صريحة عند سؤاله أمام النيابة أنه أخرج النقود لحضرة الضابط وفي هذا ما يقطع في الدلالة على أن المتهم إنما فتش برضائه وأنه هو الذي أخرج ما بجيبه طائعاً مختاراً" لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعن من منازعة في هذا الشأن لا يعدو في حقيقة الأمر أن يكون جدلاً في تقدير الأدلة في الدعوى مما يستقل به قاضي الموضوع فإن الطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.