أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 391

جلسة 9 من أبريل سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد محمد حسانين، وفهيم يسى جندى المستشارين.

(106)
القضية رقم 196 سنة 27 القضائية

(أ) تحقيق. وجود عيب فى تحقيق النيابة. لا تأثير له على سلامة الحكم.
(ب) إثبات. شهادة. سلطة محكمة الموضوع فى تقدير قيمة الشهادة ولو كانت منقولة.
1 – تعييب التحقيق الذى أجراه وكيل النيابة لا تأثير له على سلامة الحكم.
2 – ليس فى القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ بشهادة منقولة عن شاهد أنكر صحتها وصدورها عنه، إذ المرجع فى تقدير قيمة الشهادة ولو كانت منقولة هو إلى محكمة الموضوع وحدها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة فى دعواها 1 – رشوان محمود ريحان (الطاعن) 2 – كمال محمود ريحان. 3 – عبد الراضى محمود ريحان. بأنهم: قتلوا عمدا حماده محمد عثمان وكان ذلك مع سبق الاصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أسلحة نارية " بنادق " وكمنوا له فى طريق عودته إلى بلدته حتى إذا ما ظفروا به أطلقوا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الاصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات، فصدر قرارها بذلك. وادعت بهانة على معتوق والدة القتيل بحق مدنى وطلبت الحكم لها قبل المتهمين الثلاثة متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا. أولا – بمعاقبة رشوان محمود ريحان بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية مائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية وخمسمائة قرش أتعابا للمحاماة وذلك عملا بمواد الاتهام والمادة 17 من قانون العقوبات. وثانيا – ببراءة المتهمين كمال محمود ريحان وعبد الراضى محمود ريحان مما أسند إليهما ورفض الدعوى المدنية المرفوعة عليهما تطبيقا للمادتين 304/ 1، 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الطعن هو التناقض والقصور وفساد الاستدلال، ذلك بأن أدلة الثبوت التى قامت ضد الطاعن وشقيقيه اللذين قضى ببراءتهما انحصرت فى شهادة أحمد عثمان عم القتيل وفى وجود آثار أقدام على جانبى المسقى الواقعة بحرى الطريق التى كان المجنى عليه يسير عليها وقت إصابته بالأعيرة النارية وفى تعرف الكلب البوليسى على المتهمين عندما شم هذه الآثار وسار بين الزراعات حتى دل على منزلهم، ونفى الدفاع عن الطاعن حضور شاهد الإثبات فى محل الحادث كما نفى صحة شهادته بفرض أنه كان حاضرا وأنكر أية دلالة يمكن أن تستمد من عملية الاستعراف وسايرته المحكمة فى شأن هذا الاستعراف وقالت بوجوب استبعاده من عداد أدلة الاثبات ولكنها مع ذلك اتخذت منه دليلا ينقض وجهة نظر الدفاع فى أن الجانى أطلق النار من الناحية القبلية من الطريق لا من الناحية البحرية كما زعم الشاهد المذكور وهى وجهة نظر تهدم شهادته وتهدم الاتهام كله وبذا تكون المحكمة قد استندت إلى دليل فى موطن من أسبابها واستبعدته فى موطن آخر مما يفسد استدلالها، كذلك اعتمد الدفاع عن الطاعن فى تكذيب أقوال الشاهد المتقدم الذكر وفى تأييد القول بأن الجانى كان فى الناحية القبلية على أن حذاء وجد فى زراعة الذرة القبلية سلمه المحقق إلى الشاهد المذكور لمجرد ادعائه أنه حذاؤه دون تجربته عليه ودون الاحتفاظ به لعله يهدى بعد ذلك إلى الجانى الحقيقى خصوصا وأنه يحتمل ألا يكون هذا الشاهد محتذيا شيئا وقت الحادث كما كانت حالة ابن أخيه القتيل، ولكن المحكمة ردت على ذلك بما لا يصلح ردا عليه هذا إلى أن الشاهد المذكور كان قد قرر أمام البوليس أن الشاهد زكى ثابت كان يسير معهما وقت وقوع الحادث وشاهد المتهمين، ولكن هذا الأخير نفى ذلك وقرر فى التحقيق أنه لم ير أحدا من الجناة أثناء ارتكاب الجريمة وقبيل ختام التحقيق زعم الضابط محمد سعيد أنه عندما استحضر هذا الشاهد – زكى ثابت – للمحقق أخبره فى الطريق بأنه رأى المتهمين الثلاثة وشاهد أحدهم وهو الطاعن يطلق النار على القتيل، وقد فند الدفاع أمام محكمة الجنايات زعم الضابط بدلائل قاطعة، غير أن المحكمة رغم ذلك استندت فى الاثبات إلى أقوال الضابط المذكور والعسكرى زكى عبد العظيم دون أن تعنى بمناقشة ما أورده الدفاع فى تكذيبهما، خصوصا وأن تلك الأقوال منقولة عن الشاهد المتخلف زكى ثابت الذى كذبهما صراحة فى التحقيق، ومن المشكوك فيه كثيرا أن تملك محكمة الموضوع حق الأخذ بأقوال منقولة عن شخص يكذب ناقلها.
وحيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بينما كان المجنى عليه ومعه عمه أحمد عثمان حسين وزكى ثابت عبد الرجال عائدين من سوق أخميم كل منهم يمتطى دابة ومع المجنى عليه جوال معبأ بالذرة ومع أحمد عثمان صفيحة، وفى طريقهم إلى بلدتهم خرج عليهم الطاعن من زراعة الذرة القائمة على الجانب البحرى من الطريق وعبر المسقى وأطلق على المجنى عليه مقذوفات نارية أصابته بعضها فأردته قتيلا، وتمكن أحمد عثمان فى تلك الأثناء من الفرار إلى زراعة الذرة القائمة بالجهة القبلية تاركا دابته حتى وصل إلى البلدة حيث أبلغ العمدة بما رآه أما زكى ثابت عبد الرجال فقد سقط من فوق دابته عند إطلاق الأعيرة النارية وظل منكفئا على الأرض اتقاء للاذى حتى إذا ما توقف صوت الأعيرة نهض من مكانه ووجد المجنى عليه قتيلا فركب دابته وعاد بها إلى بلدته، ويرجع السبب فى ارتكاب الجريمة إلى تبادل جنايات القتل بين الطرفين أخذا بالثأر، وكان آخرها جناية قتل محمد ريحان عم الطاعن بيد اسماعيل محمد عثمان شقيق المجنى عليه الذى حكم عليه فى تلك الجناية بالأشغال الشاقة المؤبدة وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال الشاهد أحمد عثمان حسين ومما قرره الضابط محمد سعيد والعسكرى زكى عبد العظيم بأنهما علما من زكى عبد الرجال بأنه رأى الطاعن وهو يطلق النار على المجنى عليه، ومستمدة من تقرير الصفة التشريحية ومن معاينة محل الحادث التى دلت على وجود جثة القتيل ملقاة فى المسقى الواقعة بحرى الطريق، وعلى مقربة منها جوال صغير به كمية من الذرة وطاقية مملوكان للقتيل، ودابتان أحداهما لهذا الأخير، وأخرى للشاهد أحمد عثمان، كما وجد لهذا الشاهد فى زراعة الذرة القبلية حذاؤه والصفيحة التى كان يضعها فوق دابته وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى إدانة الطاعن، ولما كان الواضح من تقريرات الحكم المطعون فيه أن المحكمة استبعدت من عداد أدلة الثبوت التى تقدمت بها سلطة الاتهام الدليل المستمد من استعراف الكلب البوليسى على الطاعن وعلى بافى المتهمين فى الدعوى بعد أن شم آثار الأقدام التى وجدت على جانبى المسقى فى محل الحادث، ولم تعول المحكمة على هذا الدليل ولم تتخذ منه حجة تدحض بها دفاع الطاعن، بل اقتنعت بواقعة خروج الطاعن على المجنى عليه من زراعة الذرة البحرية، مستندة فى ثبوتها إلى شهادة أحمد عثمان حسنين التى تأيدت بالمعاينة وبوجود آثار أقدام، دون أن تنسب هذه الآثار إلى الطاعن، لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن على تصرف وكيل النيابة المحقق بتسليم الحذاء إلى الشاهد المذكور ليس إلا تعييبا للتحقيق الذى أجراه لا تأثير له على سلامة الحكم، وقد عرضت المحكمة لهذا التصرف وبررته فقالت " أنه وقد ثبت على وجه اليقين وجود الشاهد أحمد عثمان حسين فإن دلائل الإتهام لا يمكن أن تتأثر من تسليم الحذاء إليه مادام أن مجموع التحقيقات تدل على أن الحذاء له بالفعل وعلى أن الطاقية إن هى إلا أثر من آثار القتيل" واستدل الحكم أيضا على ملكية الحذاء للشاهد بما دلت عليه المعاينة من وجود مطيتى المجنى عليه والشاهد فى مكان الحادث والعثور فيه على الجوال المعبأ بالذرة الذى كان يحمله المجنى عليه، والعثور كذلك فى زراعة الذرة القائمة على جانب الطريق من الجهة القبلية على الحذاء والصفيحة التى كان يحملها الشاهد وقت الحادث، ولما كان هذا الذى بررت به المحكمة مسلك المحقق بتسليم الحذاء للشاهد سائغ مقبول، ولا مأخذ عليه وكان ما يثيره الطاعن فى شأن شهادة الضابط محمد سعيد والعسكرى زكى عبد العظيم مردودا بأنه ليس فى القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ بشهادة منقولة عن شاهد أنكر صحتها أو صدورها عنه إذ المرجع فى تقدير قيمة الشهادة ولو كانت منقولة هو إلى محكمة الموضوع وحدها، فمتى كانت قد صدقتها واطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة، فلا تصح مصادرتها فى الأخذ بها والتعويل عليها، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على كل ما يثيره المتهم من أوجه دفاع موضوعية، إذ الرد عليه يكون مستفادا ضمنا من القضاء بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت التى أوردها الحكم، لما كان كل ذلك فإن ما ينعاه الطاعن فى طعنه لا يكون له محل.
وحيث انه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.