أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة الثانية - صـ 1109

جلسة 21 من مايو سنة 1951
(405)
القضية رقم 238 سنة 21 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد محمد حسن باشا رئيس المحكمة, وحضور حضرات أصحاب العزة: أحمد حسني بك, وحسن إسماعيل الهضيبي بك, وفهيم إبراهيم عوض بك وإبراهيم خليل بك, المستشارين.
تجمهر. تجمع لغرض مشروع. وقوع تجمهر غير مشروع في أعقابه بيان ذلك في الحكم. الجدل في كونه تجمهراً جنائياً أو لا. لا يقبل.
متى استخلصت المحكمة أن تجمهراً غير مشروع وعلى رأسه الطاعنان وقع في أعقاب التجمع المشروع للانتخاب, وكان الغرض من ذلك التجمهر هو الأخذ بالثأر وارتكاب الجرائم وأن الطاعنين كانا يعلمان الغرض من ذلك التجمهر وأن المتجمهرين في سبيل تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر اقتحموا باب المدرسة بعد أن كسروه واعتدوا على رجال الضبط الذين وقفوا في سبيلهم ثم اقتحموا حجرة الانتخاب وقتلوا المجني عليه ووقع هذا القتل تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر, فالجدل في كون التجمهر الجنائي متوافراً أم لا. لا محل له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة 1 - عبد الرحمن محمد عمرو 2 - علي عمر عامر الكبير و3 - علي عمر عام الصغير (الطاعنين) و4 - محمد موسى عامر و5 - عبد الحميد موسى عامر 6 - عمر محمد عامر. بأنهم بناحية بهيج مركز ومديرية أسيوط: أولاً - المتهم الأول قتل المجني عليه نصر علي عامر عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أزهقت روحه وثانياً - باقي المتهمين من الثاني إلى الأخير: اشتركوا في تجمهر مكون من أكثر من خمسة أشخاص كتان الغرض منه ارتكاب جرائم القتل والتعدي مع علمهم بالغرض المقصود منه وقد وقعت الجرائم الآتية تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر وهي: (1) قتل محمد حسن عبد الجواد عمداً إذ انهال المتجمهرون الذين كان بينهم المتهمون آنفو الذكر عليه ضرباً بآلات راضة غليظة وأخرى قاطعة على رأسه وأجزاء أخرى من جسمه قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته الأمر المنطبق على المادة 234 فقرة أولى من قانون العقوبات و(2) التعدي على الملازم ثانٍ محمود سعد الدين عباس رئيس القوة المنوط بها المحافظة على لجنة الانتخابات الفرعية بناحية بهيج وذلك أثناء تأديته وظيفته وبسببها بأن ضربه أحد المتجمهرين بآلة راضة فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة أكثر من عشرين يوماً الأمر المنطبق على المادتين 136 و137 بفقرتيهما من قانون العقوبات. و(3) التعدي على الأمباشي أحمد عبد الرحمن محمد بأن ضربه أحد المتجمهرين بآلة راضة أثناء تأديته لوظيفته (أحد أفراد القوة المنوط بها المحافظة على لجنة الانتخابات آنفة الذكر) فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة أقل من عشرين يوماً الأمر المنطبق على المادتين 136 و137 فقرة أولى من قانون العقوبات. وطلبت من قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم الأول بالمادة 234 - 1 من قانون العقوبات والباقين بالمواد 2, 3 - 2 من القانون رقم 10 لسنة 1914 الخاص بالتجمهر فقرر بذلك وقد ادعى عبد الجواد محمد حسن عبد الجواد ابن القتيل محمد حسن عبد الجواد عن نفسه وبصفته وكيلاً عن نفيسة محمدين منصور زوجة القتيل وأولاده البلغ آمنة وفاطمة وأحمد وزينب وبصفته وصياً على إخوته القصر وهم صفية وحليمة ومحمد بحق مدني وطلب القضاء له قبل المتهمين من الثاني إلى الأخير بمبلغ خمسة آلاف جنيه بصفة تعويض. ومحكمة جنايات أسيوط قضت عملاً بمواد الاتهام والمواد 136 و137 فقرة أولى من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثاني والثالث (الطاعنين) أولاً: بمعاقبتهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحقوق المدنية عبد الجواد محمد حسن عبد الجواد عن نفسه بصفته وصياً على إخوته القصر صفية وحليمة ومحمد ولزوجة المجني عليه نفيسة محمدين منصور وأولاده آمنة وفاطمة وأحمد وزينب ثلثمائة جنيه والمصاريف المدنية المناسبة وألف قرش مقابل أتعاب محاماة. وثانياً - ببراءة المتهمين عبد الرحمن محمد عمرو ومحمد موسى عامر وعبد الحميد موسى عامر وعمر محمد عمر عامر مما أسند إليهم ورفض الدعوى المدنية قبلهم. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

... حيث إن الوجه الأول من وجهي الطعن يتحصل في القول بأن الحكم المطعون فيه أخطأ إذ طبق المادتين 2 و3 من قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914 على واقعة الدعوى ذلك لأن هذا القانون على ما يبين من نصوصه ومن مذكرته الإيضاحية, لا يعاقب في مادتيه المذكورتين إلا على التجمهر الذي يؤلف من مبدئه خصيصاً لغرض إجرامي من الأغراض المذكورة في المادة الثانية منه أما إذا كان التجمهر بدأ مشروعاً كما هو الحال في هذه الدعوى للقيام بواجب وطني هو انتخاب عضو لمجلس النواب فإنه إذا وقعت جريمة في خلال هذا الاجتماع ولو تعدد مرتكبوها فلا تعتبر أنها وقعت في تجمهر غير مشروع. وإذ كان ما وقع هو أن الفريق المنافس لفريق الطاعنين أطلق أثناء عملية الانتخاب أعيرة نارية خارج بناء المدرسة التي كانت لجنة الانتخاب منعقدة فيها كان من أثرها قتل رجل من فريق الطاعنين فاندفع بعض الناس إلى فناء المدرسة للاحتماء بها من المقذوفات النارية وثار نفر من فريق الطاعنين فقتلوا المجني عليه فإن ما قاله الحكم من توافر أركان التجمهر الجنائي لا يكون سديداً فضلاً عن تناقضه في الاستدلال على هذا النظر ولأنه قضى لكل المتهمين بالبراءة فيما عدا الطاعنين ولا يمكن أن يكون اثنان قد تجمهرا بالمعنى المقصود بالقانون رقم 10 لسنة 1914.
وحيث إنه لا وجه لما يثيره الطاعنان من ذلك فالحكم المطعون فيه حين دانهما بالجرائم التي آخذهما عليها قد بين الواقعة بما تتوافر فيه جميع العناصر القانونية لتلك الجرائم وذكر الأدلة التي استخلصت المحكمة منها ثبوت وقوعها منهما وهي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ثم تعرض لما أثاره الطاعنان في هذا الوجه فرد عليه في قوله: "إن الدفاع عن المتهمين (الطاعنين) دفع التهمة بأن الواقعة ليست تجمهراً معاقباً عليه إذ أن المتهمين اجتمعوا لتأدية واجب يفرضه عليهم القانون وهو الانتخاب", وأن القانون رقم 10 لسنة 1914 يؤاخذ عن "الجرائم التي تقع متى كان المتجمهرون يعلمون بالجرائم التي يرتكبونها أو اجتمعوا لأجلها كما يشترط القانون وقوعه في مكان عام. وحيث إن المحكمة ترى أن الفاعلين لجريمة قتل محمد حسن عبد الجواد والاعتداء على الضابط والعسكري وقد كانوا أكثر من خمسة وقد ثبت أنهم تجمهروا وتجمعوا أمام المدرسة للانتخاب وهو طريق عام من طرق بلدة بهيج وحقيقة كان هذا التجمهر بريئاً مسموحاً به عند بدئه إلا أنه عندما قتل نصر علي عامر تجمهر المتهمان مع أقربائهما أمام باب المدرسة بفكرة أخرى وغرض آخر وهو الاعتداء على محمد حسن عبد الجواد انتقاماً لقتل قريبهم فكسروا باب المدرسة واعتدوا على الضابط والعسكري واقتحموا حجرة الانتخاب بهذه النية وضربوا المجني عليه حتى قتلوه فجميع الأشخاص الذين يتألف منهم هذا التجمهر وقت ارتكاب هذه الجريمة يتحملون مسئوليتها جنائياً بصفتهم شركاء إذ يعلمون بالغرض المذكور وأن كسرهم باب المدرسة واقتحامهم حجرة الانتخاب بعد قتل قريبهم لم يكن إلا للإجرام والاعتداء والانتقام لا للتوبيخ أو اللوم ثم إن هجوم هذا العدد من المتهمين دفعة واحدة لناحية موحدة هي باب المدرسة ثم كسره واتجاههم بعد ذلك لناحية خاصة وهي حجرة الانتخاب ثم ضرب المجني عليه وحده ليدل على أن الغرض من التجمهر كان لارتكاب جريمة وأن قتل المجني عليه قد وقع بقصد تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر وكان المتهمان الثاني والثالث يعلمان بالغرض المذكور وقت أن ابتدؤوا يتجمهرون.
وحيث إن القول بأن المتهمين دخلوا المدرسة احتماء من ضرب الرصاص هو قول غير مقبول إذ أن الذي يريد الاحتماء والرصاص ينهال حوله يبحث عن مكان يسرع إليه للنجاة بنفسه ولا يذهب لمكان يحتاج فيه إلى مقاومة رجال البوليس ومدافعتهم وتحتاج منهم إلى الانتظار حتى تكسر الأبواب ثم إذا فرض جدلاً وكان هذا القول صحيحاً بالنسبة لبعض الأشخاص الأبرياء فإنه غير صحيح بالنسبة للمتهمين الذين هرعوا إلى غرفة الانتخابات قاصدين الثأر". ويبين من ذلك أن المحكمة استخلصت أن تجمهراً غير مشروع وعلى رأسه الطاعنان وقع في أعقاب التجمع المشروع للانتخاب وكان الغرض من ذلك التجمهر هو الأخذ بالثأر وارتكاب الجرائم وأن الطاعنين كانا يعلمان الغرض من ذلك التجمهر وأن المتجمهرين في سبيل تنفيذ الغرض المقصود من التجمهر اقتحموا باب المدرسة بعد أن كسروه واعتدوا على رجال الضبط الذين وقفوا في سبيلهم ثم اقتحموا حجرة الانتخاب وقتلوا المجني عليه وقد وقع هذا القتيل تنفيذاً للغرض المقصود من التجمهر. ومتى كان الأمر كذلك فإن الجدل على الصورة الواردة بالطعن لا يكون له محل.
وحيث إن مؤدى الوجه الثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه تأسس على أن الغرض المقصود من التجمهر ومن الاندفاع إلى المدرسة وإلى غرفة الانتخاب كان لارتكاب جريمة هي الاعتداء على المجني عليه. واعتبر الطاعنين على هذا الأساس مسئولين كشريكين في جريمة القتل التي وقعت طبقاً للقانون رقم 10 لسنة 1914 دون حاجة إلى ثبوت مساهمتهما واشتراكهما في القتل العمد طبقاً للقواعد العامة غير أنه عاد فذكر من العبارات ما يؤخذ منه أنه اعتبر الطاعنين فاعلين أصليين أو شريكين في جريمة القتل بمقتضى قواعد القانون العام وأورد من العبارات ما يفيد اقتناع المحكمة بثبوت نية القتل لديهما. وهذا منه تناقض وغموض يعيبه فضلاً عن أن المحكمة تكون بذلك قد أضافت واقعة جديدة لم ترفع بها الدعوى دون أن تنبه الدفاع إليها.
وحيث إن العبارات التي يشير إليها الطاعنان لا يؤخذ منها أن المحكمة قد آخذت الطاعنين كفاعلين أصليين أو شريكين للفاعلين في جريمة القتل التي وقعت تطبيقاً لمبادئ الاشتراك العادية بل إن الواضح في الحكم أنه آخذهما باعتبارهما شريكين تطبيقاً لقانون التجمهر ولذا فإن الجدل الوارد بالطعن لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.