أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 465

جلسة 6 من مايو سنة 1957

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: حسن داود، ومحمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، وأحمد زكى كامل المستشارين.

(129)
القضية رقم 327 سنة 27 القضائية

قتل عمد. قتل بالسم. عقوبة. تطبيق المحكمة المادة 17ع على الجريمة المنصوص عليها فى المواد 45، 46، 233 ع ومعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات. لا خطأ.
متى كان الحكم قد دان المتهم بجناية الشروع فى القتل بجواهر يتسبب عنها الموت المنصوص عليها فى المواد 45، 46، 233 من قانون العقوبات وعاقبه بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات بعد تطبيق المادة 17 من ذلك القانون وكانت العقوبة المقضى بها تدخل فى حدود العقوبة التى نص عليها بعد تطبيق المواد السالفة الذكر، فان الحكم حين أنزل العقوبة بالمتهم يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا، ولا محل للنعى بأن إعمال المادة 17 عقوبات كان يقتضى النزول بالعقوبة إلى السجن أو إلى الحبس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: شرع فى قتل زوجته نجيه مسعود نصر الله بجواهر يتسبب عنها الموت بأن أعد لذلك بعض حامض الكبريتيك وأسقاه إياها كرها عنها فأحدث بها الإصابات المبينة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعافها بالعلاج. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 45، 46، 233/ 1 من قانون العقوبات. فقررت ذلك. وادعت نجيه مسعود نصر الله بحق مدنى قدره 50 جنيها على سبيل التعويض قبل المتهم. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17ع بمعاقبة المتهم ناشد مشرقى عوض بالأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدنى نجيه مسعود نصر الله خمسين جنيها على سبيل التعويض والمصاريف المدنية ومبلغ ألف قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثانى هو الخطأ فى الاستدلال والقصور فى البيان، ذلك بأن الأدلة المادية التى استند إليها الحكم المطعون فيه فى إدانة الطاعن تنحصر فى أن الجروح التى أصيبت بها المجنى عليها نتجت عن إعطائها مادة كاوية سائلة، وأن الثقوب التى وجدت بجلباب الطاعن حدثت من مادة حامض الكبريتيك المخفف كما قال التقرير الطبى والمؤدية إلى الوفاة كما قال الحكم، وتنحصر أخيرا فى العثور على زجاجة قطره فارغة فوق سطح مضيفة العمدة قيل بأنها كانت مع الطاعن وتبين من تقرير المعمل الكيماوى أن غسالتها أعطت تفاعلات إيجابية للسلفات واستدل الحكم على صحة التهمة بأن الآثار التى وجدت بجلابية الطاعن هى ثقوب وآثار لمادة كاوية هى نفس حامض الكبريتيك الذى وجدت آثاره بالزجاجة المضبوطة، وهو استدلال خاطئ كما يبين من التقرير الاستشارى المرافق لتقرير أسباب الطعن الذى جاء فيه: أولا – أنه ليس من المقطوع به علميا أن تكون السلفات أثرا من آثار حامض الكبريتيك وأن هناك مواد أخرى تحتوى على السلفات كسلفات الزنك أو سلفات الصوديوم التى تستعمل فى القطرة لخاصيتها القابضة عند استعمالها فى بعض أمراض العيون. ثانيا – أن حامض الكبريتيك سائل ثقيل شرابى القوام ومن الممكن للشخص العادى أن يخلط بينه وبين زيت الخروع للتشابه بينهما لونا وقواما. ثالثا – أن حامض الكبريتيك المركز هو الذى يعتبر قاتلا، أما المخفف فليس كذلك وإن كان يحدث ضررا كما حدث فى الدعوى ومن التعارف أن المخفف يستعمل كدواء لعلاج الإسهال لخاصيته القابضة، فالخطأ فى الاستدلال واضح إذن فى قول الحكم إن مادة حامض الكبريتيك التى وجدت آثارها فى جلباب الطاعن هى نفس المادة التى وجدت آثارها فى الزجاجة المضبوطة، وأن المادة التى وجدت بالجلباب قاتلة مع أنها من حامض الكبريتيك المخفف وهى غير قاتلة، ومن قول الحكم أيضا – ردا على دفاع الطاعن – إن المجنى عليها شهدت بأن الطاعن أخرج من جيبه فى غفلة من أهلها الزجاجة التى أثبت التحليل أن غسالتها أعطت تفاعلا إيجابيا للسلفات وأنها هى التى سكب منها فى فمها فأحدث بها الحروق والإصابات مع أن المجنى عليها مصابة بالشلل وعاجزة عن النطق ولم تذكر بالجلسة شيئا من ذلك، بل أشارت بالجلسة إلى أن الطاعن أعطاها السائل فى كوب لامن الزجاجة، وأثبت التحليل أن هذه الكوب لا تحتوى على شئ يشتبه فيه أما فى التحقيق فقد عرضت عليها زجاجة زيت الخروع والزجاجة التى وجدت فوق سطح مضيفة العمدة والكوب فقررت بأن الطاعن سقاها من الزجاجتين بعد أن أفرغ ما فيها من الكوب الذى وجد به آثار سائل لزج لم تعرف ماهيته. هذا إلى أن دفاع الطاعن أمام محكمة الجنايات قام أيضا على أنه لم يقصد قتل المجنى عليها ولكن هناك خطأ فى الدواء الذى أسقى لها، فنية القتل إذن منتفية غير أن الحكم المطعون فيه اعتبر الواقعة شروعا فى قتل عمد مستدلا على توفر نية القتل بأسباب خلت من استظهار علم الطاعن بحقيقة المادة التى أسقاها للمجنى عليها وأنها مادة كاوية، وليست دواء للعلاج أو شربة زيت خروع التى تتشابه مع مادة حامض الكبريتيك فى اللون والثقل بحيث يصح الخلط بينهما والخطأ فى استعمال أحدهما فى مكان الأخرى.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله " إنه فى يوم 29 من ديسمبر سنة 1954.... حدث أن زار المتهم ناشد مشرقى عوض " الطاعن" منزل نجيه مسعود نصر الله حيث تقيم زوجته المجنى عليها نجيه نصر الله منذ نحو ثمانية أشهر سابقة على هذا اليوم نظرا لإصابتها بشلل نصفى من الناحية اليمنى من جسمها وفى لسانها عطلها عن النطق فألفى معها أخاها جاد الرب مسعود ووالدتها جوهرة فرج بقطر – وزكريه رزق الله زوجة جاد الرب فأخبرهم أنه أشير عليه أن يعطى زوجته شربة زيت علاجا لها من مرضها ثم أعطى أخاها جاد الرب مسعود خمسة قروش وأرسله لإحضار ذلك الزيت فعاد به بعد قليل وسلمه إلى المتهم الذى طلب منه ثانية قليلا من الماء الساخن فى كوب وضع المتهم فيه زجاجة الزيت ثم طلب إلى جاد الرب مسلة ليفتح بها غطاء الزجاجة كما طلب إلى والدة زوجته أن تحضر له قطعة من السكر تتناولها زوجته عقب الزيت فتركه الأخ والأم إلى حجرة أخرى لينفذ له ما طلب، وما أن تحققت رغبته فى خلوته وزوجته ولم يكن بمكانهما إلا زكريه رزق الله تستدبرهما وهى على قرابة أربعة أمتار منهما حيث كانت تقوم بغسيل الملابس حتى نفذ المتهم ما انتواه وما عقد عليه عزمه من إعطاء زوجته سما قاصدا قتلها بأن أخرج من جيبه زجاجه تحوى مادة كاوية قاتلة – حامض الكبريتيك – وفتح بيده فم زوجته بأن ضغط بإصبعيه على فكها الأسفل ولما انفرج فكاها سكب السائل فى فمها، وما أن أحست بالآلام التى سببها هذا السائل حتى قذفت به على الفور من فمها فتناثرت على ذقنها ورقبتها وصدرها فأحدث بتلك المواضع كما أحدث بلسانها الإصابات المبينة بالتقرير الطبى ثم أسرع أخوها ووالدتها إليها على إثر صراخها – فشاهدا بها تلك الإصابات كما شاهدا حروقا بصدرى جلبابين كانت ترتديهما فأسرعت والدتها وشقت الجلبابين ونزعتهما عنها حتى لا يتأثر جسمها بالسائل الذى انسكب عليهما وأحدث بهما تلك الحروق وألقت بهما جانبا على الأرض بجوار المجنى عليها فأخذهما المتهم ثم اتجه إلى خارج المنزل فسألته والدة الزوجة وأخوها عن سبب أخذه لجلبابيها فأجابهما أنه فى سبيل عرضهما على صاحب الزيت للاستعلام منه عن تلك الآثار التى خلفها بزوجته فتبعه جاد الرب مسعود خارج المنزل فشاهده يخرج من جيبه زجاجة صغيرة ويلقى بها على سطح غرفة لعمدة الناحية تستعمل كمضيفة تقع على مسافة أمتار من منزله وفى مواجهته ثم أخذ الأخ طريقه إلى والده وعمه بالحقل فأخبرهما بما حدث وعادوا أدراجهم وذهب عمه المدعو جاد نصر الله ووالده مسعود نصر الله لإبلاغ العمدة بالحادث وقفل الأخ راجعا إلى البيت حيث علم من والدته وزوجته أن المتهم قد عاد إليهما وأعطاهما زجاجة زيت وطلب منهما وضع ما بها دون تسخين على الحروق لتبريدها فبان له أن تلك الزجاجة التى سبق أن اشتراها هو وكانت لا تزال مغلقة، ولما كان من اجتمعوا على إثر علمهم بالحادث قد أجمعوا على أن المتهم إنما سقى زوجته مادة كاوية " ماء نار" معللين ذلك بأن الزيت لا يحدث تلك الآثار حتى لو سخن فأراد هو أن يتحقق مما سمع ففتح زجاجة الزيت بعد أن سخنها كما فعل المتهم من قبل ووضع قطرات منها على قطعة من القماش وشاركته زوجته تلك التجربة فلم يحدث الزيت بالقماش أثرا فتأكد لديهم جميعا أن المتهم قد سكب فى فم زوجته مادة كاوية بقصد قتلها حتى يتخلص منها ويستطيع أن يتزوج من غيرها لاستحالة إمكان تطليق زوجته تمشيا مع شريعتهم المسيحية...." وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، واستظهر نية القتل لدى الطاعن فقال " إنها ثابتة من حصول المتهم على هذا الحامض القاتل بطبيعته وإعداده فى الزجاجة التى أخفاها فى جيبه وقصد بها منزل المجنى عليها ومن عمله على انفراده بالمجنى عليها وهى إمرأة مصابة بشلل نصفى لا قدرة لها على المقاومة ومن صب هذا الحامض فى فمها كرها عنها بعد أن فتح فمها بيده قاصدا من ذلك إزهاق روحها". واستدل الحكم كذلك على سوء قصد المتهم وعلمه بحقيقة المادة التى أسقاها لزوجته وبأنها مادة كاوية وقاتلة بالظروف والملابسات التى أحاطت بالدعوى وقرائن الأحوال فيها وبمحاولته بعد افتضاح أمره – التخلص من الزجاجة التى كانت تحتوى تلك المادة بإلقائها فوق سطح مضيفة العمدة وبما أثبته الحكم نقلا عن التقرير الطبى الشرعى من أن غسالة بقايا هذه الزجاجة ذات تأثير حمضى واضح على عباد الشمس وأنها أعطت تفاعلا إيجابيا للسلفات، كما جاء بالتقرير المذكور أن الحروق التى شوهدت بالشفة السفلى للمجنى عليها وبمقدم الذقن واللسان والساعد الأيسر حدثت نتيجة انسكاب مادة كاوية سائلة أدخلت فى فراغ الفم ومن الجائز أن تؤدى إلى قتلها وأن الجلباب الذى كان يرتديه الطاعن وقت الحادث عليه بقع كثيرة متآكلة وهشة بالجزء الأمامى من الوسط والصدر وأسفل الكم الأيمن والكم الأيسر وأنه بفحص هذه الثقوب وجدت ذات تأثير حمضى على عباد الشمس الأزرق وورق الكمنجو الأحمر ووجد منقوعا يحتوى كبريتات، وأن هذه البقع تحتوى على حامض كبريتيك مخفف وهى مادة آكلة تؤدى إلى الوفاة عند تعاطيها بالفم، ثم عرض الحكم بعد ذلك لدفاع المتهم ورد عليه بما يفنده ويبرر إطراحه، لما كان ذلك وكان علم الطاعن بطبيعة المادة التى سكبها فى فم المجنى عليها وبأنها مادة قاتلة واستخلاص القصد الذى هدف إلى تحقيقه من فعله وهو قصد إزهاق روحها هما من الأمور الموضوعية التى تستقل بها محكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية، وكان ما ساقه الحكم فى هذا الخصوص سائغا ومؤديا فى المنطق والعقل إلى النتيجة التى خلص إليها، وكان ما تضمنه التقرير الاستشارى الذى تقدم به الطاعن لهذه المحكمة لا يتعارض مع مفاد التقرير الطبى الشرعى وما أخذ به الحكم من أن ثبوت وجود مادة السلفا بالزجاجة لا ينفى أنها كانت تحتوى على حامض الكبريتيك، وكان ذلك التقرير الاستشارى لم يعرض على محكمة الموضوع فلا يجوز عرضه لأول مرة على محكمة النقض، وكان ما يثيره الطاعن فى طعنه غير ذلك هو جدل موضوعى لا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة فان ما ينعاه الطاعن فى الوجهين المقدمين لا يكون له أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن المحكمة دانت الطاعن بجناية الشروع فى القتل العمد وعاقبته عن هذه الجريمة بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وبعد أن أعملت حكم المادة 17 من قانون العقوبات مع أن تطبيق هذه المادة كان يقتضى النزول بالعقوبة إلى السجن أو إلى الحبس.
وحيث إن هذا الوجه مردود بأن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجناية الشروع فى القتل العمد بجواهر يتسبب عنها الموت المنصوص عليها فى المواد 45، 46، 233 من قانون العقوبات عاقبه بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات بعد تطبيق المادة 17 من ذلك القانون، ولما كانت العقوبة المقضى بها تدخل فى حدود العقوبة التى نص عليها القانون بعد تطبيق المواد السالفة الذكر فان الحكم المطعون فيه حين أنزل العقوبة بالطاعن يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.