أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 486

جلسة 13 من مايو سنة 1957

برياسة السيد المستشار حسن داود وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمد محمد حسانين، وفهيم يسى جندى المستشارين.

(134)
القضية رقم 351 سنة 27 القضائية

اختصاص. دعوى مدنية. رفعها تبعا للدعوى الجنائية. شرط إحالتها إلى المحكمة المدنية.
عدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية عن تعويض ضرر ليس ناشئا عن جريمة هو مما يتعلق بولايتها القضائية فهو من النظام العام، ومن ثم فمتى كانت الدعوى المدنية قد أقيمت أصلا على أساس جريمة التبديد التى رفعت بها الدعوى فليس فى وسع المحكمة – وقد انتهت إلى القول بانتفاء الجريمة – إلا أن تقضى برفضها وما كان فى مقدورها أن تحيل الدعوى المدنية بحالتها إلى المحاكم المدنية لأن شرط الإحالة – كمفهوم نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية – أن تكون الدعوى المدنية داخلة أصلا فى اختصاص المحكمة الجنائية أى تكون ناشئة عن الجريمة وأن تكون الدعوى فى حاجة إلى تحقيق تكميلى قد يؤدى إلى تأخير الفصل فى الدعوى الجنائية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة، عزيز ديمترى صليب. بأنه بدد المنقولات المبينة بالمحضر والمملوكة لشركة الكوكاكولا إضرارا بها والتى لم تسلم إليه إلا على سبيل الوكالة. وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وقد ادعى ألفريدو شواب بصفته مديرا لمصانع تعبئة سيكو بحق مدنى قدره 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة الجيزة الجزئية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرا مع الشغل وكفالة 200 قرش لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية المناسبة بلا مصاريف جنائية. فاستأنف هذا الحكم كل من المتهم والنيابة – ومحكمة الجيزة الابتدائية قضت حضوريا بالغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم من التهمة المسندة إليه وبرفض الدعوى المدنية المقامة ضده من المدعية بالحق المدنى وألزمت الأخيرة بمصروفاتها عن الدرجتين ومبلغ ثلاثمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة بلا مصاريف جنائية. فطعن الأستاذ جلال ابراهيم رأفت المحامى والوكيل عن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.


المحكمة

..... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله والقصور والتناقض فى التسبيب، ذلك أن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه برفض الدعوى المدنية على القضاء ببراءة المطعون ضده فى حين أن الدعويين مختلفتان فالدعوى الجنائية أساسها الجريمة، أما دعوى التعويض فأساسها الفعل الضار مما يتصور معه قانونا وعملا القضاء بالتعويض مع الحكم بالبراءة فى وقت واحد، وكان لها إذا رأت أن الدعوى المدنية تستلزم تحقيقا خاصا يترتب عليه تأخير الفصل فى الدعوى الجنائية أن تحيل الدعوى المدنية بحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة عملا بالمادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية. هذا وقد أشار الحكم إلى أن التقصير الذى وقع من المطعون ضده – وإن كان لا يكون جريمة – يصلح أن يكون أساسا للتعويض، ثم عاد وقضى برفض الدعوى المدنية وبذا جاءت أسبابه مناقضة بعضها لبعض، كما أن الحكم اكتفى ببيان أقوال ومستندات كل طرف فى الدعوى ولكنه أغفل الرد على واقعتين هامتين هما واقعة الستة جنيهات التى قبضها المطعون ضده من مصطفى حمدان وواقعة الاثنى عشر جنيها التى قبضها من عملاء آخرين ولم يوردهما للشركة ولو كان الحكم المطعون فيه قد تعرض لهما وقطع فيهما برأى لبان له أن المطعون ضده قد بدد على القليل هذين المبلغين بعد أن حصلهما من عملاء الشركة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالغاء الحكم الابتدائى وبراءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية قبله أقام قضاءه على أن اختلاسا لم يحصل وأن المبالغ التى يدعى تبديدها مازالت قائمة فى ذمة عملاء الشركة لما تحصل، إذ بعد أن أورد الحكم وقائع الدعوى صحيحة مردودة إلى أصلها فى الأوراق تولى مناقشة الأدلة القائمة فيها وفندها تفنيدا سائغا وأورد عبارات معقولة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها، وخلص إلى القول " إنه يبين من الوقائع السالفة الذكر أنه لا جدال فى أن المتهم (المطعون ضده) كان يبيع منتجات الشركة إلى العملاء لأجل أسوة بغيره من موزعى الشركة كما أن الثابت من أوراق الدعوى أن للمتهم بصفته وكيلا عن الشركة زجاجات لدى العملاء" ثم استطرد الحكم بعد أن أشار إلى الواقعتين اللتين أوردتهما الطاعنة فى طعنها إلى القول " وحيث إنه بالنسبة للنقود المنسوب للمتهم تبديدها فالثابت أن المتهم لم يستلم هذه النقود من عملاء الشركة بدليل ما ذكره الشاهد أحمد فؤاد شاهين من أنه قام بتحصيل مبلغ 420 جنيها نيابة عن المتهم من العملاء، كما شهد بأنه توجه مع المتهم إلى أحد العملاء وأخذ منه إيصالا بمديونيته للمتهم بمبلغ 57 جنيها. هذا فضلا عما قدمه المتهم من مستندات تقطع بأن للشركة نقودا لدى العملاء، الأمر الذى يؤكد أن عجز المتهم عن رد المبالغ المدعى باختلاسها يرجع إلى عدم تسليمها له من العملاء وقد يكون المتهم مقصرا فى تأخيره فى تحصيل هذه المبالغ، إلا أن هذا التقصير يمكن أن يستوجب مسئولية المتهم مدنيا لا جنائيا" لما كان ذلك وكان الأصل فى دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون بصفة استثنائية رفعها إلى المحاكم الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعى به ناشئا مباشرة عن ضرر حصل للمدعى من الجريمة المرفوع بها الدعوى، أو بعبارة أخرى أن تكون الدعوى المدنية مرفوعة عن ذات الفعل الموجه إلى المتهم باعتباره فى ذاته جريمة معاقبا عليها – ومؤدى هذا أن عدم اختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى المدنية عن تعويض ضرر ليس ناشئا عن جريمة هو مما يتعلق بولايتها القضائية فهو من النظام العام وكانت الدعوى المدنية قد أقيمت أصلا على أساس جريمة التبديد فليس فى وسع المحكمة – وقد انتهت إلى القول بانتفاء الجريمة، إلا أن تقضى برفضها وما كان بمقدورها أن تحيل الدعوى المدنية بحالتها إلى المحاكم المدنية كما تطلب الطاعنة لأن شرط الإحالة كمفهوم نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية أن تكون الدعوى المدنية داخلة أصلا فى اختصاص المحكمة الجنائية أى تكون ناشئة عن الجريمة وأن تكون الدعوى فى حاجة إلى تحقيق تكميلى قد يؤدى إلى تأخير الفصل فى الدعوى الجنائية، وهو ما لا يتوفر فى الدعوى الحالية على ما سبق بيانه، ومثل هذا الحكم المطعون فيه لا يمنع وليس من شأنه أن يمنع الطاعنة من إقامة الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية المختصة محمولة على سبب آخر – لما كان ذلك، وكان أساس الأحكام الجنائية إنما هو حرية محكمة الموضوع فى تقدير الأدلة المطروحة عليها فى الدعوى وإذن مادام يبين من حكمها كما هو الحال فى الدعوى أنها لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بتلك الأدلة فلم يقتنع وجدانها بكفايتها، فلا يجوز معاودتها فى اعتقادها وهى إذ تقضى بالبراءة غير مكلفة قانونا أن تتعقب الاتهام فى كل دليل يقدم ضد المتهم أو أمارة يستدل بها عليه لأن فى إغفال التحدث عنها ما يفيد أنها لم تر فيها ما يطمئن معه إلى إدانة المتهم فأطرحتها، فان الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.