أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 496

جلسة 14 من مايو سنة 1957

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، وأحمد زكى كامل، والسيد أحمد عفيفى المستشارين.

(136)
الطعن رقم 310 سنة 27 القضائية

(أ) دعوى مدنية. متى يسقط حق المدعى المدنى فى اختيار الطريق الجنائى ؟
(ب) دعوى مباشرة. دفوع. الدفع بسقوط حق المدعى المدنى فى اختيار الطريق الجنائى. ليس من النظام العام.
(ج) دعوى مباشرة. دعوى مدنية. نيابة عامة. متى تتم إجراءات الادعاء المباشرة وأثره.
(د) دعوى جنائية. دعوى مدنية. نيابة عامة. إقامة النيابة الدعوى الجنائية بعد تحريكها بمعرفة المدعى بالحق المدنى وقبل الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية. استقامة الدعوى الجنائية واستقلالها عن الدعوى المدنية.
(هـ) دعوى مباشرة. شيك. رفع الدعوى بعد تاريخ استحقاق الشيك الذى توفرت له مقوماته. امتناع القول برفعها قبل الأوان.
1 – الالتجاء إلى الطريق المدنى الذى يسقط به حق اختيار الطريق الجنائى إنما يكون برفع دعوى التعويض فعلا أمام المحاكم المدنية وهى لا تعتبر مرفوعة إلا بإعلان عريضتها إعلانا صحيحا أمام جهة مختصة ومن ثم فإن برتستو عدم الدفع لا يسقط به حق اختيار الطريق الجنائى.
2 – الدفع بسقوط حق المدعى فى اختيار الطريق الجنائى ليس من النظام العام فهو يسقط بعدم إبدائه قبل الخوض فى موضوع الدعوى.
3 – تتم اجراءات الادعاء المباشرة بتكليف المتهم مباشرة بالحضور أمام محكمة الجنح والمخالفات من قبل المدعى بالحقوق المدنية، ويترتب على رفع الدعوى المدنية بطريق الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنائية تحرك الدعوى الجنائية تبعا لها ويصبح حق مباشرتها من حقوق النيابة وحدها.
4 – من المتفق عليه أن سلطة القضاء لا تتصل بالدعوى العمومية – عند تحريكها بمعرفة المدعى بالحق المدنى – إلا إذا كانت الدعوى المدنية مرفوعة من ذى صفة كانت مقبولة قانونا، كما أنه من المتفق عليه كذلك أنه إذا أقامت النيابة دعواها قبل الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية فانها تستقيم بذاتها وتسير فى طريقها مستقلة عن الدعوى المدنية.
5 – متى كان الشيك قد توفرت له مقوماته وكان رفع الدعوى بعد تاريخ استحقاقه امتنع القول برفعها قبل الأوان وانتفت الحاجة إلى بحث موضوع الخلاف بين المتهم والشركة المدعية على تنفيذ الصفقة التى حرر الشيك ضمانا لتنفيذها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أصدر إلى شركة اخوان الغندرى وشركاهم شيكا بمبلغ 275 جنيها مسحوبا على بنك أثينا بالقاهرة بدون رصيد. وطلبت عقابه بالمادتين 336، 337 من قانون العقوبات. وقد ادعت شركة اخوان الغندرى بحق مدنى قدره 275 جنيها على سبيل التعويض قبل المتهم. ومحكمة عابدين الجزئية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم شهرا واحدا مع الشغل وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ وبإلزامه بأن يدفع إلى المدعية بالحقوق المدنية مبلغ 275 جنيها مائتين وخمسة وسبعين جنيها والمصروفات المدنية و200 قرش أتعابا للمحاماة بلا مصروفات جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم وفى أثناء نظر هذا الاستئناف أمام محكمة مصر الابتدائية دفع الحاضر عن المتهم بالدفوع الآتية – أولا – عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة – ثانيا – سقوط حق المدعية مدنيا فى تحريك الدعوى الجنائية ـ وثالثا – عدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان – ورابعا – تنازل المدعية المدنية عن حقها فى تحريك الدعوى الجنائية. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بقبوله شكلا وفى الموضوع أولا بالنسبة للدعوى الجنائية بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بتغريم المتهم عشرة جنيهات بلا مصاريف جنائية. وثانيا: بالنسبة للدعوى المدنية بالغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية وألزمت المدعى بالمصروفات وقد ذكرت فى أسباب حكمها أن الدفوع فى غير محلها.
فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض........ الخ


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ فى القانون والتناقض وقصور الأسباب، فقد دفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لانعدام صفة الشركة المدعية بالحق المدنى فى رفع دعوى الجنحة المباشرة، إذ أنها لا تعدو أن تكون ممثلة للشركة المصدرة التى صدر الشيك فى واقع الأمر لصالحها، وهى فى هذه الحدود لا تملك التقاضى عنها بغير توكيل خاص غير أن المحكمة رفضت الدفع بمقولة أن الشيك محرر باسم الشركة المدعية وأن لها شخصية معنوية وفاتها أن تتعرض للعلاقة التى تربط هذه الشركة بالشركة المصدرة ومبلغ ما يترتب على هذه العلاقة من حقوق، ويضيف الطاعن أنه دفع بسقوط حق المدعية فى تحريك الدعوى العمومية بالطريق المباشر لسبق التجائها إلى الطريق المدنى بتوجهها بروتستو عدم الدفع إلى الطاعن ومع أن هذا الإجراء يعتبر مطالبة قضائية باعتباره متضمنا التنبيه بالوفاء ومثبتا للتوقف عن الدفع، فان المحكمة لم تأخذ بذلك، وذهبت خطأ إلى أن المطالبة القضائية لا تكون إلا بالمباشرة الفعلية للدعوى بما لها من مقومات كاملة، ودفع الطاعن كذلك بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان نظرا لقيام الخلاف بين الطاعن والشركة المدعية على تنفيذ الصفقة التى حرر الشيك ضمانا لتنفيذها مما لا يحل به حق الشركة المدعية فى مباشرة الدعوى إلا بعد الفصل فى النزاع لصالحها، وأخيرا فقد دفع الطاعن بأن المدعية بالحق المدنى قد تنازلت فى عريضة دعواها عن تحريك الدعوى بأن ذكرت بها أنها أعلنت " وكيل النيابة بصفته لتوجيه الدعوى العمومية" وبذلك فقد فقدت هذه الصحيفة قيمتها، وهى لا تعتبر بهذه المثابة أكثر من شكوى إن شاءت النيابة أخذت بها ورتبت عليها نتائجها وإن شاءت اطرحتها وليس فى الأوراق ما يدل على أن النيابة قد رفعت الدعوى بأى إجراء من جانبها ومع أن المجنى عليه فى الدعوى المباشرة هو الذى يحرك الدعوى العمومية ويباشرها وهو قد تنازل عن هذا الحق للنيابة، فأن المحكمة قد ردت بأن هذا لا يعتبر تنازلا وأن ما أتخذ من إجراء قد ترتب عليه تحريك الدعوى العمومية مما ينطوى على خطأ وتناقض. هذا إلى أن المحكمة قد أخطأت حين قررت فى حكمها المطعون فيه أن النيابة رفعت الدعوى الجنائية بأن وجهت إلى الطاعن التهمة قبل المحاكمة وفقا لما تقضى به المادة 232/ 2 إجراءات، وطلبت عقابه بالمادة 337 عقوبات مما يجعل الدعوى العمومية تستقيم بذاتها وهى فيما فعلت قد طبقت المادة 232/ 2 إجراءات فى غير وجهها الصحيح وخالفت الأصل الذى يقضى بأن تحريك الجنحة المباشرة يكون بمعرفة المدعى بالحق المدنى، وأن يتم بطريقة صحيحة فضلا عن أن النيابة لم توجه التهمة إلى الطاعن، وكل ما اتخذته فى هذا الشأن هو إجراء كتابى نقل به الوصف بحالته من صحيفة افتتاح الدعوى إلى محضر الجلسة، وقد أخطأ المحكمة كذلك إذ اعتبرت أن تاريخ استحقاق الشيك هو نفس التاريخ الوارد به فى حين أنه صدر فى تاريخ سابق ضمانا لتنفيذ اتفاق، وهذا ثابت من إيصال محرر بين الطرفين، وأخيرا فقد قضت المحكمة فى الدعوى الجنائية رغم قضائها بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية التى لا تستقيم الدعوى الجنائية بغيرها مما يعتبر تناقضا يعيب الحكم.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها – لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة بما مؤداه أن الشيك محرر باسم الشركة المدعية بالحق المدنى وأن الدعوى رفعت باسمها وممن يمثلها قانونا، فكان فى هذا القدر ما يفى بالرد على الدفع بغير ما حاجة إلى مزيد من بحث أو ضرورة لتناول علاقة هذه الشركة بغيرها. ولما كان الحكم قد أصاب فيما قرره من أن بروتستو عدم الدفع لا يسقط به حق اختيار الطريق الجنائى، إذ أن الالتجاء إلى الطريق المدنى الذى يسقط به حق اختيار الطريق الجنائى، إذ أن الالتجاء إلى الطريق المدنى الذى يسقط به هذا الحق إنما يكون برفع دعوى التعويض فعلا أمام المحاكم المدنية وهى لا تعتبر مرفوعة إلا باعلان عريضتها إعلانا صحيحا أمام جهة مختصة، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يقوم البروتستو مقام رفع الدعوى، يضاف إلى ذلك أن هذا الدفع ليس من النظام العام فهو يسقط بعدم إبدائه قبل الخوض فى موضوع الدعوى وقد سكت الطاعن عن ابدائه أمام محكمة أول درجة حتى قضى ضده حضوريا، فتقدم به بعد سقوط حقه فيه أمام محكمة ثانى درجة – لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد رد على ما أبداه الطاعن من أن الشيك صدر فى تاريخ سابق على تاريخ الاستحقاق الثابت به بقوله " إن ذلك لا يمنع من العقاب على إعطاء شيك بدون رصيد قائم وقابل للسحب وذلك حماية للثقة المفروضة فى الشيكات لأنه متى كان الثابت أن الورقة التى أعطاها المتهم للمجنى عليه على أنها شيك ظاهر فيها أن تاريخ الاستحقاق هو ذات تاريخ السحب، فهى تعد شيكا ولو كان تاريخ سحبه يختلف فى الحقيقة عن تاريخ الدفع المثبت به ولا يجوز الدفع بأن الحقيقة غير ذلك ولا إثبات ما يخالف ظاهر الشيك" إلى أن قال " ولا يتغير الوضع إذا كان لدى الساحب دليل مكتوب على إصدار الشيك فى تاريخ قبل التاريخ الموضوع عليه" وهذا الذى أورده الحكم صحيح فى القانون ويصح به كذلك ما استند إليه فى رفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان مما مؤداه أنه متى كان الشيك قد توفرت له مقوماته وكان رفع الدعوى بعد تاريخ استحقاقه امتنع القول برفعها قبل الأوان وانتفت الحاجة إلى بحث موضوع النزاع المدعى به. هذا ولما كانت إجراءات الادعاء المباشرة تتم بتكليف المتهم مباشرة بالحضور أمام محكمة الجنح أو المخالفات من قبل المدعى بالحقوق المدنية وكان يترتب على رفع الدعوى المدنية بطريق الادعاء المباشر أمام المحكمة الجنائية تحرك الدعوى الجنائية تبعا لها، ومتى تحركت هذه الدعوى أصبحت مباشرتها من حقوق النيابة وحدها، فان الحكم قد أصاب فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى استنادا إلى ما تضمنته عريضتها من عبارة ذهب الطاعن إلى أنها تتضمن معنى تنازل المدعية بالحق المدنى عن حقها فى تحريك الدعوى الجنائية للنيابة التى لم تتخذ إجراء من جانبها، ذلك لأن ما تم صحيحا فى القانون وجب أن ترتب عليه آثاره بغض النظر عما يرد من عبارات لا تؤثر فى الجوهر، ولما كان من المتفق عليه أن سلطة القضاء لا تتصل بالدعوى العمومية – عند تحريكها بمعرفة المدعى بالحق المدنى – إلا إذا كانت الدعوى المدنية مرفوعة من ذى صفة وكانت مقبولة قانونا فانه من المتفق عليه كذلك أنه إذا أقامت النيابة دعواها قبل الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية فانها تستقيم بذاتها وتسير فى طريقها مستقلة عن الدعوى المدنية وقد حدث فى هذه الدعوى أن وجهت النيابة أمام محكمة أول درجة إلى المتهم الحاضر (الطاعن) الذى لم يدفع أمامها بعدم قبول الدعوى المدنية لأى من الأسباب التى أبداها فيما بعد أمام محكمة ثانى درجة فقضى فى الدعوى ابتدائيا، وبذا فقد سارت الدعوى العمومية فى طريقها الصحيح وأمكن أن تستقل عن الدعوى المدنية، ومن ثم فانه لا وجه لما يقوله الطاعن من تناقض الحكم حين قضى فى الدعوى العمومية مع قضائه بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية – لما كان كل ذلك، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا والزام الطاعن بالمصروفات وتغريمه خمسة جنيهات.