أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 236

جلسة 10 من مارس سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد عادل مرزوق.

(54)
الطعن رقم 244 لسنة 44 القضائية

1 - إهمال جسيم. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ الجسيم فى صدد تطبيق المادة 116 مكرر ب عقوبات صورة: الإهمال الجسيم فى أداء الوظيفة. وإساءة استعمال السلطة. والإخلال بواجبات الوظيفة.
الإهمال الجسيم فى نطاق الأموال والوظائف العامة. صورة من الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه وقوامه تصرف إرادى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الجانى أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها تقدير ذلك الخطأ هو ما يتعلق بموضوع الدعوى.
2 - نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الجدل الموضوعى أمام محكمة النقض. غير جائز.
3 - إثبات. "قوة الشئ المحكوم به". قوة الشئ المحكوم به. حكم "حجيته ".
مناط حجية الأحكام هى: وحدة الخصوم والموضوع والسبب.
4 - حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفاع الظاهر البطلان لا يستوجب ردا.
1 - حدد المشرع للخطأ فى صدد تطبيق المادة 116 مكرر  ب صورا ثلاث هى الإهمال الجسيم فى أداء الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة ومن المقرر أن الخطأ الذى يقع من الأفراد عمدا فى الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفا لا يتفق والحيطة التى تقضى بها ظروف الحياة العادية وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادى المتبصر الذى أحاطت به ظروف خارجية مماثلة للظروف التى أحاطت بالمسئول والإهمال الجسيم فى نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه وقوامه تصرف إرادى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها. ولكنه لم يقبل إحداثها ولم يقبل وقوعها – والسلوك المعقول العادى للموظف تحكمه الحياة الإجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس فى أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها – فإن قعد عن بذل القدر الذى يبذله أكثر الناس تهاونا فى أمور نفسه كان تصرفه خطأ جسيما – وتقدير ذلك الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو مما يتعلق بموضوع الدعوى – ولما كان ذلك – وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن من الواقع الذى استبان للمحكمة بما لها من سلطة التقدير أنه أهمل إهمالا جسيما فى أداء أعمال وظيفته وأغفل ما تتطلبه واجبات عمله كرئيس لأكبر فرع من فروع الشركة من حذر وحيطة ودلل على ذلك بقبوله التعامل بشيكات مع شخصين لم يسبق له التعامل معهما ولا يعلم عن قدرتهما المالية ويسارهما المالي شيئا ودون أن يتحقق من شخصيتهما ويتعرف على عملهما أو أن يطلع على سجلهما التجارى واكتفى بضمان عميل آخر لهما على الرغم من تحذير زميل له فى العمل وفى حضور رئيس مجلس إدارة الشركة من أن ذلك العميل الضامن سبق إشهار إفلاسه وقد تسبب ذلك الخطأ الفاحش من الطاعن فى خسارة للشركة بلغت 29590 ج و 882 م فإن هذا الذى أورده الحكم سائغ ويستقيم به قضاؤه وتندفع به دعوى الفساد فى الاستدلال.
2 - من المقرر أن المنازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها لا تعدو أن تكون جدلا موضوعيا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع وفى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن مناط حجية الأحكام هى وحدة الخصوم والموضوع والسبب وإذ كان ذلك وكان الطاعن لا يدعى أن محاكمة جنائية جرت له تتحد موضوعا وسببا وأشخاصا مع الدعوى المماثلة وصدر فيها حكم معين فان منعى الطاعن على الحكم بأن فى القضاء بادانته إخلال بقاعدة قوة الشئ المقضى يكون غير سديد.
4 - لا على المحكمة إن هى التفتت عن الرد على دفاع طالما أنه دفاع ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى خلال المدة من أكتوبر إلى ديسمبر سنة 1969 بدائرة قسم المنشية محافظة الاسكندرية. بوصفه مدير فرع (سوق الخيط) بالشرطة العامة لتجارة السلع الاستهلاكية بالجملة وهى إحدى شركات المؤسسة العامة للسلع الاستهلاكية تسبب بخطئه الجسيم فى إلحاق ضرر جسيم بأموال ومصالح الشركة التى يعمل بها. وكان ذلك ناشئا عن إهماله الجسيم فى أداء وظيفته وواجباتها بأن أغفل التحقق من شخصية كل من......... و......... ومن شخصيتهما التجارية وقدراتهما المالية قبل إبرام الصفقات معهما وتعامل مع.......... وقبل ضمانته للعميلين المذكورين رغم تحذيره من التعامل معه، وقام بتسليم هؤلاء العملاء الثلاثة بضائع بلغت قيمتها 29590 ج و 881م مقابل شيكات لا يقابلها أرصدة قائمة وقابلة للسحب مما سهم لهم الإستيلاء على هذه البضائع، وضيع على الشركة فرصة استردادها. وطلبت عقابه بالمواد 111/ 6 و116 مكرر (ب) و 119 من قانون العقوبات. وادعت الشركة المجنى عليها مدنيا ضد الطاعن طالبة إلزامه بمبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة المنشية الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 15 من أبريل سنة 1971 عملا بمواد الإتهام بحبسه سنتين مع الشغل وكفالة مائة جنيه لإيقاف التنفيذ وإلزامه بأن يدفع للشركة المدعية بالحق المدنى مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم. ومحكمة الاسكندرية الابتدائية بهيئة استئنافية – قضت حضوريا بتاريخ 28 يونيه سنة 1973 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والإكتفاء بتغريم الطاعن مائة جنيه وتأييده فيما عدا ذلك. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة تسببه بخطئه الجسيم فى إلحاق ضرر جسيم بأموال ومصالح إحدى شركات القطاع العام قد شابه فساد فى الاستدلال وخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن البين من مجموع التحقيقات أن تعامل الطاعن مع الشخصين المأخوذ عليه التعامل معهما إنما كان بناء على ضمان أحد عملاء الشركة المعروفين لها وذلك بتوقيعه على شيكين على بياض ضمانا لمسحوباتهما بما يغنى عن التحقق من مقدرتهما المالية أو الاطلاع على السجل التجارى الخاص بهما وينتفى به عنه ركن الإهمال الجسيم، هذا إلى أنه متى كان الثابت أن هذين الشخصين مع ذلك العميل الضامن قد دانهم القضاء فى قضية أخرى بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد بما يؤيد ما ذهبت إليه النيابة العامة فى مذكرتها من أن الطاعن كان ضحية جريمة احتيال وقعت عليه منهم، فإن إدانة الطاعن فى الدعوى الماثلة بتهمة الإهمال الجسيم ينطوى على مساس بقاعدة قوة الشئ المقضى فيه وهو ما أوضحه فى دفاعه والتفت الحكم فى الرد عليه.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الخطأ الجسيم الذى تسبب عنه إلحاق ضرر جسيم بأموال إحدى شركات القطاع العام التى دان الطاعن بها بمقتضى المواد 111و 116 مكروب و 119 من قانون العقوبات، وأقام عليها فى حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان المشرع فى صدد تطبيق المادة 116 مكررا ب سالفة الذكر قد حدد للخطأ الجسيم صورا ثلاث هى الإهمال الجسيم فى أداء الوظيفة وإساءة استعمال السلطة والإخلال الجسيم بواجبات الوظيفة، وكان من المقرر أن الخطأ الذى يقع من الأفراد عمدا فى الجرائم غير العمدية يتوافر متى تصرف الشخص تصرفا لا يتفق والحيطة التى تقضى بها ظروف الحياة العادية، وبذلك فهو عيب يشوب مسلك الإنسان لا يأتيه الرجل العادى المتبصر الذى أحاطت لديه ظروف خارجية مماثلة للظروف التى أحاطت بالمسئول والإهمال الجسيم فى نطاق الأموال والوظائف العامة هو صورة من صور الخطأ الفاحش ينبئ عن انحراف مرتكبه عن السلوك المألوف والمعقول للموظف العادى فى مثل ظروفه وقوامه تصرف إرادى خاطئ يؤدى إلى نتيجة ضارة توقعها الفاعل أو كان عليه أن يتوقعها ولكنه لم يقصد إحداثها ولم يقبل وقوعها – والسلوك المعقول العادى للموظف تحكمه الحياة الإجتماعية والبيئة والعرف ومألوف الناس فى أعمالهم وطبيعة مهنتهم وظروفها – فإن قعد عن بذل القدر الذى يبذله أكثر الناس تهاونا فى أمور نفسه كان تصرفه خطأ جسيما – وتقدير ذلك الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو مما يتعلق بموضوع الدعوى. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن من الواقع الذى استبان للمحكمة بما لها من سلطة التقدير أن أهمل إهمالا جسيما فى أداء أعمال وظيفته وأغفل ما تتطلبه واجبات عمله كرئيس لأكبر فرع من فروع الشركة من حذر وحيطة، ودلل على ذلك بقبوله التعامل بشيكات مع شخصين لم يسبق له التعامل معهما ولا يعلم عن قدرتهما المالية ويسارهما المالى شيئا ودون أن يتحقق من شخصيتهما ويتعرف على عملهما أو أن يطلع على سجلهما التجارى واكتفى بضمان عميل آخر لهما على الرغم من تحذير زميل له فى العمل وفى حضور رئيس مجلس إدارة الشركة من أن ذلك العميل الضامن سبق إشهار إفلاسه، وقد تسبب ذلك الخطأ الفاحش من الطاعن فى خسارة للشركة بلغت 29590 ج و 882 م، فإن هذا القدر الذى أورده الحكم سائغ ويستقيم به قضاؤه وتندفع به دعوى الفساد فى الاستدلال. أما ما يثيره الطاعن من منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها لا تعدو أن تكون جدلا موضوعيا فى تقدير الدليل وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط حجية الأحكام هى وحدة الخصوم والموضوع والسبب وإذ كان الطاعن لا يدعى أن محاكمة جنائية جرت له تتخذ موضوعا وسببا وأشخاصا مع الدعوى المماثلة وصدر فيها حكم معين، فإن منعى الطاعن على الحكم بأن فى القضاء بادانته إخلال بقاعدة قوة الشئ المقضى يكون غير سديد، ولا على المحكمة إن هى التفتت عن الرد على ذلك الدفاع بفرض إثارته فى مذكراته طالما أنه دفاع ظاهر البطلان وبعيد عن محجة الصواب. لما كان ما تقدم، فان الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا مع مصادرة الكفالة.