أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 640

جلسة 10 من يونيه سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، وفهيم يسى جندى، وأحمد زكى كامل، والسيد أحمد عفيفى المستشارين.

(176)
الطعن رقم 453 سنة 27 القضائية

(أ) عقوبة. وقف التنفيذ. سلطة قاضى الموضوع فى الأمر بوقف تنفيذ العقوبة التى يحكم بها.
(ب) إثبات. اشتراك. الاستدلال على توفر الاشتراك بالاتفاق والتحريض من قرائن الدعوى وملابساتها. جوازه.
(جـ) حكم. بياناته. اشتراك. إشارة الحكم فى بيان مادة القانون التى طبقتها على الشريك إلى م 40 ع عدم الإشارة إلى فقراتها. لا عيب.
1 – الأمر بوقف تنفيذ العقوبة هو كتقدير نوعها ومقدارها من صميم عمل قاضى الموضوع، ومن حقه أن يأمر أولا يأمر بوقف تنفيذ العقوبة التى يحكم بها على المتهم وهذا الحق لم يجعل الشارع للمتهم شأنا فيه، بل خص به قاضى الدعوى ولم يلزمه باستعماله بل رخص له فى ذلك وتركه لمشيئتة وما يصير إليه رأيه.
2 – الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية من مخبآت الصدر ودخائل النفس التى لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، كما أن الاشتراك بالتحريض قد لا توجد له سمات أو شواهد ظاهرة تدل عليه، والقاضى الجنائى إذا لم يقم على الاتفاق والتحريض دليل مباشر أن يستدل عليهما من قرائن الدعوى وملابساتها.
3 – إشارة الحكم إلى المادة 40 من قانون العقوبات تكفى فى بيان مادة القانون التى طبقتها المحكمة على المتهم بوصف كونه شريكا، ولو لم تشر إلى فقرتيها الخاصتين بطريق الاتفاق والتحريض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: الأول – أولا – بصفته موظفا عموميا كاتب ورشة البرادين بسلاح الأسلحة والمهمات: ارتكب تزويرا ماديا فى محرر رسمى هو سركى عمال اليومية المحرر على النموذج 66 ع. ح الخاص بأجر العامل محمد إبراهيم خاطر فى شهر سبتمبر سنة 1954 فى الخانة المخصصة ليوم 13 سبتمبر سنة 1954 وكان ذلك بتقييده أحد بياناته بأن استبدل كلمة (بأجر) بكلمتى (بدون أجر) ووضع إمضاء مزورا نسبه إلى الكاتب المختص محمد صالح: ثانيا: استعمل المحرر المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه لمصلحة المهمات لصرف أجر المتهم الثانى على أساس ما اقترفه المتهم من بيانات مزورة: والمتهم الثانى: اشترك بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فى ارتكاب جريمتى التزوير والاستعمال سالفى الذكر بأن حرضه واتفق معه على إحداث التزوير فى المحرر وتقديمه للكاتب المختص وساعده فى ذلك بأن مكنه من الحصول على المحرر من كاتب الأجور وقد تمت الجريمة بناء على ذلك التحريض والاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و40/ 1 و2 و3 و41 و211 و214 من قانون العقوبات، فقررت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة بعد أن سمعت الدعوى قضت حضوريا بتاريخ 12 من مارس سنة 1957 عملا بالمواد 40 و41 و211 و214 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين مع تطبيق المادة 32 من نفس القانون بالنسبة إلى المتهم الأول: بمعاقبة كل من سيد محمد أحمد رجب ومحمد ابراهيم خاطر بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة. فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول "..........." يتحصل فى أن الحكم المطعون فيه جاء مشوبا بالقصور إذ لم يرد على ما طلبه الطاعن من وقف تنفيذ الحكم الصادر بالعقوبة لما تبين من شهادة رئيسه من أنه كان فى عمله حسن السمعة.
وحيث إن ما يقوله الطاعن مردود بأن الأمر بوقف تنفيذ العقوبة هو كتقدير نوعها ومقدارها من صميم عمل قاضى الموضوع الذى ينظر الدعوى ويصدر فيها حكما بالإدانة، فمن حقه تبعا لما يراه من ظروف الجريمة وحال مرتكبها أن يأمر أولا يأمر بوقف تنفيذ العقوبة التى يحكم بها عليه، وهذا الحق لم يجعل الشارع للمتهم شأنا فيه، بل خص به قاضى الدعوى ولم يلزمه باستعماله بل رخص له فى ذلك وتركه لمشيئته، وما يصير إليه رأيه، ومتى تقرر ذلك، فإن ما يشكو منه الطاعن من أن المحكمة لم تستمع إلى ما طلبه من وقف تنفيذ العقوبة لا يكون مقبولا.
وحيث إن مبنى الطعن تقدم من الطاعن الثانى " محمد ابراهيم خاطر" هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون وشابه القصور ذلك بأن التزوير المنسوب للمتهم الأول وقع فى سركى معد لإثبات أيام حضور وانقطاع الطاعن وأيام الأجازات التى منحت له وما يعتبر منها بأجر وما لا يستحق عنه أجرا، وهذا الإثبات منوط بالكاتب محمد صالح أحمد أما المتهم الأول فهو عامل بورشة البرادين ندبته المصلحة لاستلام وتسليم أوراق الأجازات دون أن يكون له اختصاص فى إثبات ما يدون فى هذه الأوراق، ومن ثم تكون إدانته على أساس المادة 211 من قانون العقوبات منطوية على خطأ فى تطبيق القانون، ثم إن الحكم المطعون فيه لم يبين الأدلة القائمة ضد الطاعن والتى أسس عليها إدانته بتهمة الاشتراك فى جريمة تزوير الأوراق الرسمية واستعمالها، مع أن الحكم اعتبره شريكا بطريقى الاتفاق والمساعدة، فقد اكتفى بذكر المادة 40 من قانون العقوبات دون أن يذكر الفقرات التى تنص على طريق الاشتراك المنسوبة إليه، هذا إلى أن الطاعن لم يحرض المتهم الأول على ارتكاب التزوير، وإنما طلب منه مجرد تصحيح ما دون خطأ اعتقادا منه أنه كان على حق فى طلبه هذا لأنه توجه للكاتب محمد صالح معترضا على احتساب يوم 13/ 9/ 1954 بدون أجر، فقبل احتساب هذا اليوم من الإجازة التى تمنح سنويا لعمال المياومة، وأمر المتهم الأول بإجراء هذا التصحيح وقد أبدى الدفاع ذلك للمحكمة، ولكنها لم تعن بالرد عليه، يضاف إلى ما تقدم أن الحكم المطعون فيه أغفل التحدث عن ركن القصد الجنائى فى جريمة التزوير.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فيما قاله: " إن واقعة هذه الدعوى كما استظهرتها المحكمة من التحقيقات المدونة بالأوراق ومما دار بالجلسة تتحصل فى أن المتهم الثانى الطاعن منح إجازة يوم 13/ 9/ 1954 وقيدت بالسركى الخاص به، على أنها إجازة بدون أجر لأن المتهم كان مستنفدا لكل إجازاته المستحقة له بأجر، وأرسل السركى إلى قسم الأجور لملاحظة ذلك عند الصرف وقد لاحظ الموظف المنوط به قيد الإجازات وهو محمد صالح أن المتهم الثانى يتردد على المتهم الأول الذى يعمل مندوبا للورشة فشك فى الأمر فسأل الموظف المنوط به ملاحظة الصرف وهو " محمد محمود أحمد" عن السركى الخاص بالمتهم الثانى ومنه علم أن البيان الخاص بيوم الإجازة بدون أجر عدل واعتبر أنه بأجر، ووقع على التعديل بإمضاء مزوره أسندت إلى محمد صالح المذكور وبسؤال المتهم الأول اعترف فى التحقيقات وبمحضر الجلسة اعترافا مفصلا مؤداه أنه أجرى التعديل بالسركى على أنه صادر من محمد صالح ووقع بامضاء أسنده إلى هذا الأخير وكان ذلك بناء على طلب المتهم الثانى وتحريضه ...." ثم أورد الحكم الأدلة على اشتراك الطاعن فى جريمتى التزوير فى ورقة رسمية واستعمالها مع العلم بتزويرها مما شهد به الشاهد محمد صالح أحمد من أنه لاحظ تعدد اتصال الطاعن بالمتهم الأول، وأنه علم من الشاهد محمد محمود أحمد بأنه بعد أن تسلم هذا السركى مؤشرا فيه باجازة يوم بدون أجر حضر الطاعن مع المتهم الأول وأفهماه أن محمد صالح طلب هذا السركى لتعديله لما تبين من أن للمتهم الثانى إجازات متوفرة يستحق عنها أجرا، فسلمهما السركى، وفى اليوم الثانى أعاداه إليه معدلا. وقد اتضح للشاهد أن هذا التعديل مزور، وقد أجرى بغير علم منه، وأن الامضاء المنسوبة إليه على هذا التعديل مزورة، وقد اعترف المتهم الأول أنه هو الذى كتبها بخطه، لما كان ذلك، وكان الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية من مخبآت الصدر ودخائل النفس التى لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، كما أن الاشتراك بالتحريض قد لا توجد له سمات أو شواهد ظاهرة تدل عليه – ولما كان القاضى الجنائى – مع استثناء ما قيده به الشارع من أدلة مخصوصة فى الإثبات – حرا فى أن يستمد عقيدته من أى مصدر يطمئن إليه وله إذا لم يقم على الاتفاق والتحريض دليل مباشر أن يستدل عليهما من قرائن الدعوى وملابساتها، ولما كان ما أورده الحكم يبرر ما استخلصه من اعتبار الطاعن شريكا فى جريمتى التزوير والاستعمال، لما كان ذلك وكانت إشارة الحكم إلى المادة 40 من قانون العقوبات تكفى فى بيان مادة القانون التى طبقتها المحكمة على الطاعن بوصف كونه شريكا، ولو لم تشر إلى فقرتيها الخاصتين بطريقى التحريض والاتفاق، ولما كان الحكم قد استخلص استنادا إلى الأدلة السائغة التى أوردها أن الطاعن هو الذى أوعز إلى المتهم الأول واتفق معه على تغيير الحقيقة الثابتة بالسركى والتوقيع بامضاء مزور للموظف المختص وأن هذا التزوير وقع نتيجة للاتفاق والتحريض الحاصلين من الطاعن، وهو صاحب المصلحة فى هذا التزوير، فان ما أثبته من ذلك يكفى لبيان أن الطاعن قصد الاشتراك فى فعل التزوير – وفى استعمال السركى المزور مع علمه بتزويره، وذلك بقصد الحصول على أجر يوم بغير حق – لما كان ذلك، وكان لا يلزم بعد هذا أن يتحدث الحكم عن ركن القصد الجنائى على استقلال مادام قد أورد ما يدل على توافره، ولما كان ما يثيره الطاعن من أن المحكمة لم ترد على دفاعه بشأن ذهابه إلى الكاتب المختص معترضا على ما أثبت بالسركى من احتساب يوم الأجازة بغير أجر ما يثيره الطاعن من ذلك هو من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تلتزم المحكمة الرد عليها مادام الرد مستفادا ضمنا من حكمها بالادانة لأدلة الثبوت التى أوردتها، أما ما يقوله الطاعن من أن المتهم الأول ليس مختصا بتحرير السركى الذى حصل فيه التزوير، وأن إدانته بنص المادة 211 من قانون العقوبات تنطوى على خطأ فى تطبيق القانون – ما يقوله الطاعن من ذلك لا يجديه، مادامت المحكمة قد حكمت عليه إعمالا للمادة 17 من قانون العقوبات بالحبس مع الشغل لمدة سنة. وهو ما تؤول إليه عند استعمال موجبات الرأفة عقوبة المادة 212 الخاصة بجناية التزوير فى الأوراق الرسمية من موظف مختص بتحريرها، لما كان جميع ما تقدم فان الطعن المقدم من الطاعن الثانى لا يكون له أساس ويتعين رفضه موضوعا.