أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 646

جلسة 11 من يونيه سنة 1957

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة: وبحضور السادة محمود محمد مجاهد وفهيم يسى جندى وأحمد زكى كامل والسيد أحمد عفيفى المستشارين.

(177)
الطعن رقم 442 سنة 27 القضائية

إثبات. دفاع. الطلب الذى لم يقصد منه المتهم الا إثارة شبهة فى دليل لا تذهب بصلاحيته بفرض قيامها. عدم اعتباره من الطلبات الجوهرية.
متى كان المتهم لم يقصد من وراء طلبه إلا إثارة شبهة فى الدليل وليس من شأنها – بفرض قيامها – أن تذهب بصلاحيته القانونية للاثبات – فان مثل هذا الطلب فى مثل هذه الظروف – لا يعتبر من الطلبات الجوهرية التى تلتزم المحكمة بتنفيذه أو الرد عليه صراحة، ورفض المحكمة إياه ولو ضمنا لا يعتبر إخلالا بحق الدفاع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولا – ارتكب تزويرا فى محررات عرفية هى الإيصالات المقدمة منه لهنرى ستون واخوان كرازى وسيماريباس المبينة بالمحضر بأن وضع عليها إمضاء مزورا لعبد الكريم محمد الجرايه ومحمد محمد الجرايه. وثانيا: استعمل المحررات المزورة سالفة الذكر مع علمه بتزويرها بأن قدمها لهنرى ستون واخوان كرازى وسمياريباس. ثالثا – بدد مبلغ 996 جنيها و665 مليما لمحمد محمد الجرايه وعبد الكريم محمد الجراية إضرارا بهما وكان هذا المبلغ قد سلم إليه من المستأجرين لأملاكهما بصفته وكيلا عنهما لتوصيله إليهما فاختلسه لنفسه.وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات. وقد ادعى المجنى عليهما عبد الكريم محمد الجرايه ومحمد محمد الجرايه بحق مدنى قبل المتهم بمبلغ 996 جنيها و665 مليما على سبيل التعويض والمصروفات والأتعاب. وفى أثناء نظر الدعوى أمام محكمة جنح المنشية الجزئية عدلت النيابة وصف التهمة المنسوبة إلى المتهم وهى الاشتراك مع مجهول فى تزوير محررات عرفية والمحكمة قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام والمواد 40/ 2 - 3 و212 و215 و32/ 2 عقوبات بحبس المتهم سنة مع الشغل عن التهم الثلاث المسندة إليه وكفالة ألف قرش لوقف التنفيذ وبإلزامه بأن يدفع للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ 996 جنيها و665 مليما والمصروفات المدنية بغير مصروفات جنائية فاستأنف المتهم. وفى أثناء نظر الاستئناف أمام محكمة الاسكندرية الابتدائية دفع المتهم ببطلان الحكم المستأنف لعدم توقيعه فى الميعاد القانونى، والمحكمة قضت حضوريا بقبوله شكلا وفى الموضوع برفض الدفع ببطلان الحكم المستأنف وبصحته ورفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المتهم بالمصروفات المدنية عن الدرجتين بلا مصروفات جنائية. فطعن الوكيل عن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الطعن هو الإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب ذلك بأن الحكم المطعون فيه اعتمد فى إدانة الطاعن على اعترافه فى محضر البوليس فى حين أن هذا الاعتراف غير صحيح ألجأته إليه ظروف الدعوى – حتى يقف الاتهام عند حد المبالغ المدعى بتبديدها إذ كانت يد الطاعن خلوا من الدليل على سداد ماعداها من إيرادات مختلفة – هذا وقد طلب الطاعن فى سبيل نفى الاختلاس فى كلتا درجتى التقاضى ضم دفاتر الحساب التى أعدت لتنظيم هذه العملية – والتى قال الشاكى عنها إنه أمكنه بواسطتها حصر المبالغ المختلسة. ولكن المحكمة رفضت إجابة هذا الطلب بحجة عدم لزومه لاعتراف الطاعن بالتزوير أمام البوليس فى حين أن التزوير المزعوم إنما قيل بوجوده لإخفاء الاختلاس فإذا ثبت عدم وجود الاختلاس كما يبين من الاطلاع على الدفاتر – فلا يتصور بالبداهة قيام التزوير هذا وقد دفع الطاعن بأن الواقعة التى اعترف بها كذبا يرجع تاريخها إلى ثلاث سنوات سابقة على تاريخ التهمة – وعلى فرض أنها صحيحة فإنها تكون قد انقضت بمضى المدة – ولكن المحكمة أغفلت هذا الدفع على أهميته مع أنه من شأنه لو صح أن يمنع من نظر الدعوى مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى فى قوله " إن المجنى عليهما يملكان منشآت تجارية وبعض عقارات وأن المتهم (الطاعن) يعمل موظفا لديهما يقوم بتحصيل ربع هذه العقارات وبإمساك الدفاتر الخاصة بالمنشآت التجارية وكانت الطرق المتبعة أن يسلم المجنى عليهما إلى المتهم إيصالات الأجرة فى أول كل شهر موقعا عليها من المجنى عليه عبد الكريم محمد جرايه ويقوم المتهم بتسليم هذه الإيصالات للمستأجرين بعد تحصيل الأجرة على أن يرد فى نهاية الشهر الإيصالات التى لم يتم تحصيلها مع المبالغ التى حصلها – وذلك بمقتضى كشوف ومن ثلاثة شهور سابقة على التبليغ لاحظ المجنى عليه عبد الكريم الجراية تأخير المتهم فى تقديم كشوف الإيراد المحصلة والإيصالات التى لم يحصل قيمتها فطالبه بتاريخ 25 فبراير سنة 1954 بالإيصالات التى لم يتم تحصيلها واستلمها منه فعلا – وطلب إليه تحرير كشوف الإيراد المحصلة، ولكنه لم يقدمها ثم اعترف بأن الإيصالات التى لم يسلمها قام بتحصيلها من المستأجرين وأنفقها كما أنه قام بتحصيل جميع المبالغ المطلوبة من الأريباس وإخوان كرازى وقد سبق أن رد إيصالاتهم وأنه حرر إيصالات لهم بمعرفته عند التحصيل وبجرد المبالغ التى اختلسها منه تبين أنها تبلغ 1046 جنيها 655 مليما سلم منه مبلغ 50 جنيها وأصبح المبلغ الذى فى عهدته هو 996 جنيها و66 مليما فقام المجنى عليه باسترداد الإيصالات التى زورها المتهم وسلمها للمستأجرين وأعطاهم بدلا منها وتبين من التقرير الطبى الشرعى – المؤرخ 9/ 5/ 1954 أن ايصالات محمود عبد الكريم الجراية الموقع بها على الثلاثة عشر إيصالا عن الأشهر سبتمبر وأكتوبر وديسمبر سنة 1953 ويناير وفبراير سنة 1954 لم تكتب من محمد محمد الجراية كما تبين من التقرير المؤرخ 1/ 7/ 1954 أن الامضاءات الموقع بها على الايصالات الثلاث عشر السابق ذكرها فى التقرير السابق هى إمضاءات غير صحيحة ومقلدة" وأورد الحكم مؤدى أقوال المجنى عليها وصراف شركة الأريباس ووكيل شركة كرازى إخوان وهنرى ستون وقد قرر هؤلاء الأخيرون أنهم سددوا الايجار المستحق عليهم فى الشهور أكتوبر ونوفمبر وديسمبر سنة 1953 ويناير وفبراير سنة 1954 إلى المتهم الذى سلمهم الإيصالات المزورة – كما أورد الحكم اعتراف الطاعن فى البوليس فقال " وحيث إنه بسؤال المتهم بمحضر تحقيق البوليس اعترف بالتهمة المسندة إليه وقرر أنه اختلس مبلغ 1046 جنيها و665 مليما من متحصلات الايجارات وذلك لظروفه المالية السيئة وأنه كان يقوم بالتوقيع على بعض الايصالات ويقدمها للمستأجرين ويحصل قيمتها ثم يقدم الايصالات الحقيقية للمجنى عليهما لافهامهما أن هذه القيمة لم يقم بتحصيلها وعلل ارتكابه هذه الجرائم بضيق ذات يده" واعتمد الحكم فى ثبوت التهم الثلاثة المسندة إلى الطاعن على أقوال المجنى عليهما والمستأجرين وعلى اعترافه بمحضر البوليس بأنه كان يقوم بتحرير إيصالات موقع عليها بإمضاء المجنى عليهما بدلا من الإيصالات المسلمة إليه والموقع عليها منهما، وانه كان يقدمها للمستأجرين ويحصل على قيمتها ومن التقرير الطبى الشرعى الذى يبين منه أن الإيصالات سالفة البيان مزورة ومن استعماله هذه الايصالات المزورة من أول سبتمبر سنة 1953 حتى 25/ 2/ 1954 والحصول على قيمتها وإضافتها إلى ملكه، لما كان ذلك وكانت المحكمة قد كونت اعتقادها واستقر اقتناعها بإدانته بالجرائم المسندة إليه من الأدلة السائغة التى أوردتها والتى استخلصت منها الادانة استخلاصا سائغا، وكان الاعتراف فى المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الاثبات. فلقاضى الموضوع دون غيره البحث فى صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه لا يطابق الواقع ومتى تحقق أن الاعتراف صحيح وسليم مما يشوبه واطمأنت إليه نفس القاضى كان له أن يأخذ به رغم عدول المتهم عنه أمام النيابة وبجلسة المحاكمة استنادا إلى ما ظهر له من أنه عدول قصد به التخلص من المسئولية وهو فى ذلك غير خاضع لمحكمة النقض – هذا وليس فى القانون ما يفرض على المحكمة وهى بسبيل التدليل على ما ثبت لها فى الواقع أن تتعقب الدفاع فى كل شبهة يثيرها أو استنتاج يستنتجه من ظروف الدعوى وترد عليه شبهة شبهة واستنتاجا استنتاجا بل يكفى أن تؤكد توافر أركان الجريمة من أفعال وقصد جنائى وأنها قد وقعت من المتهم وأن تشير إلى الأدلة التى قامت لديها واطمأنت إليها – ومتى كان الأمر كذلك وكان الحكم قد استظهر فى رده على طلب ضم الدفاتر أن الدفاتر إذا سلم بما يدعيه الطاعن عنها من أنها نتيجة عدم وجود التبديد لا تمثل الحقيقة ـ إذ أن عدم إثبات الطاعن فيها للمبالغ التى حصلها من المستأجرين واختلسها لنفسه – بقصد إخفاء جريمته وهذا من عمله – ليس من شأنه أن ينفى الاختلاس الواقع فعلا – وقد قامت عليه الدلائل من عناصر أخرى لها أصل فى الأوراق ومن بينها اعتراف الطاعن نفسه أمام البوليس ومادام أن الطاعن لم يقصد من وراء طلب ضم الدفاتر إلا إثارة شبهة فى الدليل وليس من شأنها بفرض قيامها – أن تذهب بصلاحيته القانونية للإثبات – فإن مثل هذا الطلب فى مثل هذه الظروف – لا يعتبر من الطلبات الجوهرية التى تلتزم المحكمة بتنفيذه أو بالرد عليه صراحة فرفض المحكمة إياه – على الصورة الواردة فى الطعن ولو ضمنا لا يعتبر إخلالا بحق الدفاع – لما كان ذلك وكان لا يبين من مراجعة أوراق المحاكمة أن الطاعن تمسك بالدفع بانقضاء الدعوى العمومية بمضى المدة فلا يقبل منه وهذا الدفع يتطلب تحقيقا موضوعيا – أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض – لما كان ذلك فإن الطعن برمته لا يكون له محل متعينا رفضه موضوعا.