أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 14 - صـ 548

جلسة 17 من يونيه سنة 1963

برياسة السيد المستشار/ محمود حلمي خاطر، وبحضور السادة المستشارين: عادل يونس، وتوفيق الخشن، وأديب نصر، وحسين السركي.

(105)
الطعن رقم 300 لسنة 33 القضائية

( أ ) وصف التهمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
إتباع شكل خاص لتنبيه المتهم إلى تغيير الوصف أو تعديل التهمة. لا يلزم. هذا التنبيه يتم بأية كيفية تراها المحكمة محققة لذلك الغرض. سواء أكان صريحاً أو ضمنياً أو باتخاذ أي إجراء ينم عنه في مواجهة الدفاع وينصرف مدلوله إليه. مثال.
(ب) دفوع. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بشيوع التهمة. من الدفوع الموضوعية. لا يستأهل رداً خاصاً. قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها. يفيد اطراحه.
(ج) أسباب الإباحة. "دفاع شرعي". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع.
تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيها. من الأمور الموضوعية. استقلال محكمة الموضوع بالفصل فيها. مثال.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. شهود.
للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها الأخذ بأقوال الشاهد في إحدى مراحل التحقيق متى اطمأنت إليها، وإطراح أقواله في مرحلة أخرى، دون أن تكون ملزمة ببيان السبب.
(هـ) عقوبة. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير العقوبة".
تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون. مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع. عدم التزامها ببيان الأسباب التي دعتها لتوقيع العقوبة بالقدر الذي رأته.
(و) مسئولية مدنية. خطأ. ضرر. تعويض. نقض. "أسباب الطعن". "ما لا يقبل من الأسباب".
العمل الضار موجب لمسئولية فاعله عن التعويض. إثبات الحكم المطعون فيه اعتداء الطاعنين على المدعي بالحق المدني وإحداث إصاباته. إثارة الطاعنين في طعنهما مساهمة المجني عليه في الخطأ الذي تسبب عنه الضرر الذي لحق به. لا محل له. علة ذلك: تعلقه بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما يخضع لتقدير محكمة الموضوع وحدها بغير معقب عليها.
1- لا يتطلب القانون إتباع شكل خاص لتنبيه المتهم إلى تغيير الوصف أو تعديل التهمة، وكل ما يشترطه هو تنبيهه إلى ذلك التعديل بأية كيفية تراها المحكمة محققة لهذا الغرض - سواء أكان هذا التنبيه صريحاً أو ضمنياً أو باتخاذ إجراء ينم عنه في مواجهة الدفاع وينصرف مدلوله إليه. ولما كان الثابت أن الطاعنين قدما للمحاكمة بوصف إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه وكان يبين من مطالعة محضر الجلسة أن المحكمة لفتت نظر الدفاع عنهما إلى أنه قد أسند إلى الطاعن الثاني في التحقيقات إحداث إصابة المجني عليه بجداريته اليسرى - وهى التي تخلفت عنها العاهة - كما أسند إلى الطاعن الأول إحداث الإصابة بجداريته اليمنى، وترافع محاميهما على هذا الأساس، ثم دانهما الحكم بمقتضى هذا الوصف، فإن هذا يعد كافياً في لفت نظر الدفاع عن الطاعن الأول إلى ذلك التعديل، أما الطاعن الثاني فقد دانه الحكم بمقتضى الوصف الوارد بقرار الاتهام. ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم الإخلال بحق الدفاع لا يكون سديداً.
2 - الدفع بشيوع التهمة من الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً خاصاً، بل إن في قضاء المحكمة بإدانة الطاعنين استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها ما يفيد اطراحه.
3 - تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيها من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها. ولما كان ما أثبته الحكم من تلك الوقائع مؤدياً إلى النتيجة التي استخلصها من أن الطاعنين لم يكونا في حالة دفاع شرعي عن النفس وأنهما كانا البادئين بالعدوان فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم بالقصور في التسبيب لا يكون مقبولاً.
4 - للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في إحدى مراحل التحقيق متى اطمأنت إليها وتطرح أقواله في مرحلة أخرى دون أن تكون ملزمة ببيان السبب.
5 - تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون هو مما يدخل في سلطة المحكمة الموضوع، وهى غير ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها لتوقيع العقوبة بالقدر الذي رأته.
6 - العمل الضار يستوجب مسئولية فاعله عن التعويض طبقاًً لأحكام القانون. ولما كان الحكم قد أثبت اعتداء الطاعنين على المدعي بالحق المدني وإحداث إصاباته بالتقرير الطبي، فإنه لا محل لما يثيره الطاعنان في طعنهما من مساهمة المجني عليه في الخطأ الذي تسبب عنه الضرر الذي لحق به لتعلقه بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما يخضع لتقدير محكمة الموضوع وحدها بغير معقب عليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 22 إبريل سنة 1959 بدائرة مركز أسيوط محافظة أسيوط. المتهمان الأول والثاني: 1 - أحدثا عمداً بالمتهم الثالث الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلف لديه من جرائها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي فقد عظمى بالجدارية اليسرى يتفرع عنه عدة كسور شرخية بالجدارية اليسرى والجبهة و2 - أحدثا عمداًً بالمتهم الرابع الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد عن العشرين يوماً. والمتهمان الثالث والرابع: أحدثا عمداً بالمتهمين الأول والثاني الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تتجاوز العشرين يوماً. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 240/ 1، 242/ 1 عقوبات بالنسبة للأول والثاني و242/ 1 عقوبات بالنسبة للثالث والرابع. فقررت الغرفة ذلك. وادعى المتهم الثالث بحق مدني بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض قبل المتهمين الأول والثاني متضامين. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً بتاريخ 21 نوفمبر سنة 1962 عملاً بالمواد 240/ 1، 241/ 1 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني، 242/ 1 من ذات القانون بالنسبة إلى المتهمين الثالث والرابع: أولاً - بمعاقبة الطاعن الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة والطاعن الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامهما بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني بطريق التضامن مبلغ مائة جنيه مصري مع المصاريف. وثانياً - بمعاقبة كل من المتهمين الثالث والرابع بغرامة عشرة جنيهات. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع. ذلك أن النيابة العامة أقامت الدعوى على الطاعنين لأنهما أحدثا بالمجني عليه حكيم أبادير بشاي عاهة مستديمة إلا أن الحكم دان الطاعن الثاني على اعتبار أنه المحدث لإصابة المجني عليه التي تخلفت عنها العاهة بجداريته اليسرى ودان الطاعن الأول لأنه ضرب المجني عليه المذكور في جداريته اليمنى فأحدث إصابته التي عولج من أجلها مدة تزيد على العشرين يوماً دون أن تلفت المحكمة نظر الدفاع إلى هذا التعديل ودون أن يحدد المجني عليه محدث كل إصابة من إصاباته.
وحيث إنه لا وجه لما ينعاه الطاعن الثاني من الإخلال بحقه في الدفاع ذلك لأن الحكم دانه بمقتضى الوصف الوارد بقرار الاتهام. وأما ما ينعاه الطاعن الأول من ذلك فإن الدعوى وإن كانت قد أحيلت على المحكمة بوصف أن الطاعنين ضربا المجني عليه حكيم أبادير بشاي فأحدثا إصابته التي تخلفت عنها العاهة إلا أنه يبين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة لفتت نظر الدفاع عن الطاعنين إلى أنه قد أسند إلى الطاعن الثاني في التحقيقات إحداث إصابة المجني عليه بجداريته اليسرى وهى التي تخلفت عنها العاهة - كما أسند إلى الطاعن الأول إحداث الإصابة بجداريته اليمنى وترافع محامى الطاعنين على هذا الأساس. ولما كان القانون لا يتطلب إتباع شكل خاص لتنبيه المتهم إلى تغيير الوصف أو تعديل التهمة وكل ما يشترطه هو تنبيه المتهم إلى ذلك التعديل بأية كيفية تراها المحكمة محققة لذلك الغرض - سواء أكان هذا التنبيه صريحاً أو بطريق التضمن أو باتخاذ إجراء ينم عنه في مواجهة الدفاع وينصرف مدلوله إليه. وكان ما أثبت بمحضر الجلسة على النحو المتقدم كافياً في لفت نظر الدفاع إلى ذلك التعديل كما أن محامى الطاعنين ترافع على هذا الأساس فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الصدد لا يكون سديداً.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو القصور في التسبيب. فقد دفع الطاعنان بشيوع التهمة ومع ما لهذا الدفاع من أهمية فقد أغفلت المحكمة الرد عليه. كما تمسك الطاعنان بأنهما كانا في حالة دفاع شرعي عن النفس عندما وقع الاعتداء على المجني عليه فرد الحكم على ذلك رداً قاصراً مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه عن الدفع بشيوع التهمة فهو من الدفوع الموضوعية التي لا تستأهل رداً خاصاً بل إن في قضاء المحكمة بإدانة الطاعنين استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردتها في حكمها ما يفيد اطراحه. وأما ما تمسكا به من قيام حالة الدفاع الشرعي في حقهما فهو في غير محله. ذلك أن الحكم بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان كلا من الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها، عرض لدفاعهما ورد عليه بقوله. ".... وأما قول الحاضر مع المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) بأنهما كانا في حالة دفاع شرعي عن النفس فمردود بأن الثابت من ظروف الدعوى وملابساتها حسبما سبق بيانه أنهما هما البادئان في الاعتداء عندما حضر إليهما حكيم أبادير يشكو سمعان لوالده ونظراً لأنهما موتوران من نزع الأرض من تحت أيديهما وقيام الثالث والرابع بزراعتها فكان الاعتداء من جانبهما بقسوة تتفق مع ذلك" - لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال المجني عليه حكيم أبادير بشاي وابنه أبادير بما مفاده أن أولهما وجد الطاعن الثاني سمعان بطرس يعبث بزراعة الفول ولما ذهب إلى والده الطاعن الأول لمعاتبته بادره سمعان بضربة بعصا بها صامولة على رأسه أصابته في الجهة اليسرى منها ثم ضربه الطاعن الأول على رأسه أيضاً بعصا أصابته في الجهة اليمنى منها. لما كان ذلك، وكان تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيها هو من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - وكان ما أثبته الحكم من تلك الوقائع مؤدياً إلى النتيجة التي استخلصها فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الوجه لا يكون مقبولاً.
وحيث إن مبنى الوجهين الثالث والخامس من الطعن هو الخطأ في الإسناد ومخالفة الثابت في الأوراق فقد استند الحكم المطعون فيه في إدانة الطاعنين على أقوال المجني عليه حكيم أبادير بشاي والشاهد محمد عبد الرحيم فأثبت في مدوناته أن المجني عليه شهد بأن الطاعن الثاني ضربه بعصا على رأسه من الجهة اليسرى فأحدث إصابته التي تخلفت عنها العاهة. كما أثبت أن الطاعن الأول ضربه بعصا على رأسه من الجهة اليمنى فأحدث بها إصابة استلزمت علاجه مدة تزيد على عشرين يوماً مع أن أقوال المجني عليه في التحقيقات الأولية وبجلسة المحاكمة تخالف الثابت بالحكم. كما أن أقوال الشاهد محمد عبد الرحيم تنفى التهمة عن الطاعن الثاني.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن في هذين الوجهين في غير محله ذلك لأنه يبين من مطالعة المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن أن المجني عليه حكيم أبادير شهد في محضر تحقيق النيابة بأن سمعان بطرس غطاس ضربه في رأسه من الناحية اليسرى وأن بطرس غطاس عبد المسيح ضربه ضربة أخرى على رأسه وثبت من التقرير الطبي وجود إصابتين برأسه إحداهما بالجدارية اليسرى والأخرى بالجدارية اليمنى. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استند في إدانة الطاعنين إلى أقوال المجني عليه في تحقيق النيابة وحصلها بما يطابق ما تقدم كما حصل أقوال الشاهد محمد عبد الرحيم بما مفاده أنه أبصر المجني عليه حكيم أبادير يسقط على الأرض أثر تعدى الطاعن الثاني عليه ورأى الطاعن الأول بمكان الحادث يحمل عصا من الشوم ولكنه لم يشاهده يضرب المجني عليه. لما كان ذلك، وكان للمحكمة في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد في إحدى مراحل التحقيق متى اطمأنت إليها وتطرح أقواله في مرحلة أخرى دون أن تكون ملزمة ببيان السبب. وكان لا يلزم أن ترد شهادة الشاهد على كافة وقائع الحادث فمن المحتمل أن يكون قد شاهد بعضها دون البعض الآخر - لما كان ما تقدم، فإن ما ينعاه الطاعنان في هذين الوجهين لا يكون له محل ويتعين اطراحه.
وحيث إن مبنى الوجهين الرابع والسادس من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون. وبياناً لذلك يقول الطاعنان إن الحكم مع تسليمه بأن الحادث عبارة عن مشاجرة قامت بين الطرفين اعتدى فيها كل منهما على الآخر وبالرغم من أن إصابات الطاعنين تزيد جسامة على إصابات المجني عليهما فقد رفض ما تمسك به الطاعنان من قيام حالة الدفاع الشرعي في حقهما وقضى بمعاقبة الطاعن الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة ومعاقبة الطاعن الثاني بالسجن لمدة ثلاث سنوات في حين أنه قضى بمعاقبة كل من المتهمين الثالث والرابع بغرامة قدرها عشرة جنيهات. هذا إلى أن الحكم شابه خطأ آخر في القانون حين قضى بإلزام الطاعنين بتعويض مدني قدره مائة جنيه مع أن ما أورده في مدوناته يفيد أن كلاً من الطرفين المتشاجرين قد ساهم في الخطأ الذي تسبب عنه الضرر مما كان يتعين معه عدم مساءلتهما عن التعويض.
وحيث إن ما ينعاه الطاعن في هذين الوجهين في غير محله ذلك لأن الحكم استخلص استخلاصاً سائغاً من وقائع الدعوى وملابسات الحادث أن الطاعنين لم يكونا في حالة دفاع شرعي عن النفس وأنهما كانا البادئين بالعدوان. لما كان ذلك، وكانت العقوبة التي أنزلها الحكم بالطاعنين تدخل في نطاق العقوبة المقررة للجريمتين اللتين دانهما من أجلهما. وكان تقدير العقوبة في الحدود المقررة في القانون هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع وهى غير ملزمة ببيان الأسباب التي دعتها لتوقيع العقوبة بالقدر الذي رأته، وكان الحكم قد أثبت اعتداء الطاعنين على المدعي بالحق المدني وإحداث إصاباته المبينة بالتقرير الطبي. وكان العمل الضار يستوجب مسئولية فاعله عن التعويض طبقاً لأحكام القانون فلا محل لما يثيره الطاعنان في طعنهما من مساهمة المجني عليهما في الخطأ الذي تسبب عنه الضرر بالمجني عليهما لتعلقه بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما يخضع لتقدير محكمة الموضوع وحدها بغير معقب عليها.
وحيث إنه لما تقدم جميعه يكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعنين بالمصروفات المدنية.