أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثانى – السنة 8 – صـ 681

جلسة 19 من يونيه سنة 1957

برياسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، مصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، وأحمد زكى كامل المستشارين.

(184)
الطعن رقم 438 سنة 27 القضائية

(أ) تفتيش. الإذن بتفتيش المكان. عدم تعديه إلى الأشخاص الموجودين فيه. إباحة ذلك استثناء فى م 49. أ ج.
(ب) تفتيش. تنفيذه. متى يجوز تفتيش المتهم فى المكان المأذون بتفتيشه ؟
(جـ) تفتيش. بطلانه. اعتراف. بطلان الاعتراف الصادر فى أعقاب التفتيش الباطل لرجل الضبط.
1 – الأصل أن تفتيش المكان ينصب عليه وعلى ما به من منقولات فحسب، ولا يتعداه إلى الأشخاص الموجودين فيه، لأن حرية الشخص منفصلة عن حرمة منزله، ولكن أباح القانون استثناء فى المادة 49 من قانون الإجراءات الجنائية تفتيش الشخص الموجود فى المكان سواء أكان متهما أم غير متهم، إذا قامت قرائن قوية على أنه يخفى شيئا يفيد فى كشف الحقيقة، وهذا الحق استثنائى فيجب عدم التوسع فيه.
2 – لمأمور الضبط أن يتحقق من خلو المتهم الموجود داخل المنزل المأذون بتفتيشه من الأسلحة التى قد تعطله وهو فى سبيل أداء واجبه، فإذا تحقق رجال القوة خلو المتهم من الأسلحة بعد أن صار فى قبضتهم فإن التفتيش الذى يقع عليه بعد ذلك يكون باطلا.
3 – متى كان التفتيش الذى وقع فى جيب المتهم قد تجاوز به مأمور الضبط القضائى حدوده، وفيه انتهاك لحرمة الشخص المتهم وحريته الشخصية فهو باطل هو وما ترتب عليه من اعتراف صدر فى أعقابه لرجل الضبط.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحرز جواهر مخدرة (حشيشا وأفيونا) فى غير الأحوال المصرح بها قانونا، وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1، 2، 7، 33 جـ، 35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والجدول (أ) الملحق به، فقررت بذلك. وأمام محكمة جنايات المنصورة دفع الحاضر مع المتهم ببطلان التفتيش وما ترتب عليه، لأن إذن النيابة قاصر على تفتيش منزله دون شخصه، ومقصور فيه البحث عن السلاح فقط، وبعد أن أنهت سماعها قضت حضوريا بعد أن رفضت الدفع المذكور بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة وتغريمه خمسمائة جنيه وبمصادرة المواد المخدرة المضبوطة، وذلك تطبيقا للمواد 1، 2، 34، 35 من القانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين رقمى 1، 12 من الجدول رقم (أ) الملحق به.
فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الطاعن هو أن الحكم بنى على إجراء باطل، وأخطأ فى تطبيق القانون وشاب أسبابه القصور، إذ دفع الطاعن ببطلان التفتيش الواقع على شخصه استنادا إلى عدم وجود إذن به من سلطة التحقيق وطلب القضاء ببطلان هذا التفتيش وما ترتب عليه، ولكن الحكم قضى بإدانة الطاعن تأسيسا على الدليل المستمد من هذا التفتيش الباطل بمقولة إن طبيعة الأمور تقتضيه لاحتمال أن يكون المتهم مخفيا فى ملابسه سلاحا، مع ما فى هذا القول من الخلط بين أحكام تفتيش المنازل وتفتيش الأشخاص، وبين التفتيش القضائى والتفتيش الوقائى الذى يجب ألا يتجاوز حدود طبيعة البحث عن السلاح المتخوف منه، وقد تحقق ذلك بتفتيش المتهم ظاهريا قبل تفتيش جيوب صديريته، أما وجه القصور فهو أن الحكم غفل هذه الواقعة الأخيرة مع ما لها من الأثر فى النتيجة التى انتهى إليها.
وحيث إنه يبين من الحكم أنه حصل واقعة الدعوى فى أنه " كان قد نمى إلى الصاغ عبد العزيز اسماعيل أن المتهم أحمد أيوب سالم (الطاعن) يحرز سلاحا ناريا مششخنا فى منزله، فاستأذن النيابة فى تفتيش ذلك المنزل، فأذنت له بذلك، وفى ليلة 16/ 5/ 1955 قام لإجراء ذلك فى صحبة قوة من المخبرين والعساكر، فلما دخلوا منزل المتهم وجدوه فى حجرة مفتوحة يتناول طعام السحور مع عائلته، وقد تقدم إلى تلك الحجرة المخبر عبد ربه مصطفى، وطلب إلى المتهم أن يذهب إلى الضابط لتفتيشه فتوجه إليه متمنعا بادى الارتباك، وبدأ الضابط بتفتيش ملابسه، فوجد فى جيب صديريه قطعة من الحشيش وأخرى من الأفيون وسأل عنهما، فقال أنه يحرزها للتعاطى بسبب مرض يعانيه" وبعد أن أورد الحكم الأدلة على هذه الواقعة تناول دفاع الطاعن فقال " وحيث إن الحاضر عن المتهم دفع ببطلان التفتيش وما ترتب عليه لأن إذن النيابة قاصر على تفتيش منزله دون شخصه ومقصود منه البحث عن السلاح فقط....... وأنه وإن كان إذن النيابة قد صدر بتفتيش منزل المتهم دون ذكر أى شئ عن تفتيش شخصه، فإن هذا الاذن يتضمن تبعا فى مثل هذه الدعوى تفتيش شخصه، إذ أن طبيعة الأمور تقضى إجراء ذلك قبل بدء تفتيش المنزل لاحتمال أن يكون مخفيا فى ملابسه سلاحا كمسدس أو خلافه قد يستعمله أثناء التفتيش، فضلا عن أن الاذن قد صدر بتفتيش المنزل بحثا عن السلاح أو الممنوعات الأخرى، وقد أسفر هذا التفتيش عرضا عن ضبط مخدر مع المتهم، فهو بلا شك مسئول عن إحرازه. ولقد أجرى ضابط البوليس تفتيش المتهم بالنيابة عن سلطة التحقيق التى لها طبقا لنص المادة 94 من قانون الاجراءات الجنائية إجراء ذلك التفتيش.... ومن أجل هذا جميعه يكون الدفع بالبطلان فى غير محله" وهذا الذى قرره الحكم وبنى عليه قضاءه بإدانة الطاعن مبنى على خطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الأصل فى تفتيش المكان ينصب عليه وعلى ما به من منقولات فحسب ولا يتعداه إلى الأشخاص الموجودين فيه، لأن حرية الشخص منفصلة عن حرمة منزله، ولكن أباح القانون استثناء فى المادة 49 من قانون الاجراءات الجنائية تفتيش الشخص الموجود فى المكان سواء أكان متهما أم غير متهم إذا قامت قرائن قوية على أنه يخفى شيئا يفيد فى كشف الحقيقة، وهذا الحق استثنائى فيجب عدم التوسع فيه – لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم من أن المتهم توجه إلى الضابط متمنعا بادى الارتباك لا تتحقق معه القرائن القوية التى تجيز التفتيش، وكان الحكم قد قصر عن إيراد واقعة وردت على لسان الضابط الذى قام بالتفتيش أمام المحكمة، هى أن الطاعن " ارتبك شوية ومكنش راضى ييجى لنا والمخبر على الدين حسس على جلابيته لما وجده مرتبك" مع ما لهذه الواقعة من الأثر فى النتيجة التى انتهى إليها الحكم، إذ هى تدل على انتفاء أى خوف من أن الطاعن يحمل سلاحا قد يقاوم به رجال السلطة، وبالتالى لا يبقى معها محل للقول بأن لمن يباشر تفتيش المكان أن يتخذ كل ما من شأنه أن يمكنه من القيام بمهمته، ولو كان ذلك بطريق الإكراه بالقدر اللازم لتنفيذه وأن لمأمور الضبط أن يتحقق من خلو المتهم الموجود داخل المنزل من الأسلحة التى قد تعطله وهو فى سبيل أداء واجبه لا يبقى محل لهذا القول بعد أن تحقق رجال القوة بهذا التفتيش الظاهرى من خلو الطاعن من الأسلحة؛ وبعد أن صار فى قبضتهم. لما كان ما تقدم، وكان التفتيش الذى وقع فى جيب صديرية الطاعن قد تجاوز به مأمور الضبط حدوده وفيه انتهاك لحرمة شخص الطاعن وحريته الشخصية فهو باطل؛ هو وما ترتب عليه من اعتراف صدر فى أعقابه لرجال الضبط؛ ومن ثم يكون الحكم إذ قضى بادانة الطاعن تأسيسا عليه قد أسس قضاءه على إجراء باطل وأخطأ فى تطبيق القانون مما يتعين معه نقضه والحكم ببراءة الطاعن.