أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثالث – السنة 8 – صـ 765

جلسة 8 من أكتوبر سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، وعثمان رمزى، والسيد أحمد عفيفى المستشارين.

(205)
الطعن رقم 506 سنة 27 ق

(أ) قبض. تلبس. ظهور الحيرة والارتباك على المتهم ووضع يده فى جيبه. عدم اعتبارها دلائل كافية على وجود اتهام يبرر القبض عليه. م 34 أ. ج.
(ب) قبض. استيقاف المتهم والإمساك بذراعيه واقتياده على هذا الحال إلى مركز البوليس. هو قبض بمعناه القانونى.
(ج) إثبات. اعتراف. قبض. حكم " تسبيب معيب". تعويل المحكمة فى إدانة المتهم على اعترافه إثر القبض الباطل. عدم تحدثها عنه كدليل قائم بذاته ومنفصل عن إجراءات القبض. قصور.
1 – لا تعرف القوانين الجنائية الاشتباه لغير ذوى الشبهة والمتشردين، وليس فى مجرد ما يبدو على الفرد من حيرة وارتباك أو وضع يده فى جيبه – على فرض صحته – دلائل كافية على وجود اتهام يبرر القبض عليه مادام أن المظاهر التى شاهدها رجل البوليس ليست كافية لخلق حالة التلبس بالجريمة التى يجوز لغير رجال الضبطية القضائية من آحاد الناس القبض فيها.
2 – متى كان المخبران قد استوقفا المتهم وهو سائر فى الطريق وأمسكا بذراعيه واقتاداه على هذا الحال إلى مركز البوليس، فإن ما قاما به ينطوى على تعطيل لحريته الشخصية فهو القبض بمعناه القانونى المستفاد من الفعل الذى يقارفه رجل السلطة فى حق الأفراد والذى لم تجزه المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية إلا لرجال الضبط القضائى وبالشروط المنصوص عليها فيها.
3 – متى كانت المحكمة قد عولت أيضا فيما عولت لإدانة المتهم على الاعتراف المنسوب إليه إثر القبض الباطل الذى وقع عليه دون أن تتحدث عنه كليل قائم بذاته ومنفصل عن تلك الاجراءات الباطلة ولا هى كشفت عن مدى استقلاله عنها فإن الحكم يكون معيبا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن. بأنه أحرز جواهر مخدرة (أفيونا) وذلك على غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته على محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للمواد 1 و2 و7 و33 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند رقم 1 من الجدول أ المرفق، فقررت الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات سوهاج بعد أن نظرت الدعوى قضت فيها حضوريا عملا بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم ثابت مرسى حسين بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه والمصادرة. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ


المحكمة

.... وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب، ذلك أن الثابت من مدونات الحكم أن الذى قام بالقبض عليه هما المخبران على عواد وعبد الرحمن محمد وأولهما أومباشى والثانى عسكرى بوليس فهما ليسا من رجال الضبط القضائى وأنه من أجل ذلك تمسك المدافع عنه أمام محكمة الجنايات ببطلان القبض والتفتيش فقضى الحكم المطعون فيه برفض هذا الدفع بمقولة إن ما وقع على الطاعن لم يكن قبضا وإنما كان " مجرد اشتباه بعد ما بدا عليه من حيرة وارتباك عندما رأى رجلى البوليس اللذين يدخل هذا الإجراء فى صميم عملهما".
وحيث إن واقعة الدعوى كما استظهرها الحكم المطعون تتحصل فى " أن المخبرين الأومباشى على عواد والعسكرى عبد الرحمن محمد كانا يمران بشارع القيساريه بندر سوهاج فشاهدا المتهم ثابت مرسى حسين واقفا بجوار إحدى المحلات التجارية وما أن رآهما المذكور على بعد حوالى خمسة أمتار منه حتى اعترته حالة من الحيرة والارتباك فأخذ ينظر يمنة ويسرة ويتحسس فى نفس الوقت أحد جيوبه فأثار ذلك اشتباه المخبرين فيه فاقتربا منه وسألاه عما به أجابهما بأن معه أمانة لشخص يدعى سيد ومد يده نحو جيبه لاخراجها فحال المخبران بينه وبين ذلك وازدادت شبهتهما فيه فأمسك كل منهما بإحدى يديه واقتاداه على هذا الحال إلى بندر سوهاج للتحرى واستطلاع أمره وأدخلاه على الضابط النوبتجى فسأله الضابط عما معه فأعلمه أنه يحمل منديلا به شئ لا يعرفه سلمه له شخص يدعى سيد فطلب منه الضابط إخراجه فأخرج المتهم من جيبه منديلا به عقدتان سلمه للضابط الذى ما أن شمه حتى وجد رائحة الأفيون تنبعث منه فحرر الضابط محضرا بما حصل ثم أحال الأوراق والمتهم والمنديل إلى مأمور المركز الذى قام بفض العقدتين فى مواجهة المتهم فوجد العقدة الأولى مربوطة على قطعة من مادة لينة داكنة اللون وفى حجم الليمونة ملفوفة داخل ورق سلوفان شفاف ووجد الثانية مربوطة على قطعة مماثلة للأولى وأصغر منها حجما تنبعث منها رائحة الأفيون فقام المأمور بإخطار النيابة بالحادث من تحليل المادة المضبوطة أنها أفيون.... الخ".
وحيث إن ما قارفه المخبران على الصورة التى أوردها الحكم المطعون فيه من استيقاف المتهم وهو سائر فى الطريق والإمساك بذراعيه واقتياده على هذا الحال إلى مركز البوليس عمل ينطوى على تعطيل لحريته الشخصية فهو القبض بمعناه القانونى المستفاد من الفعل الذى يقارفه رجل السلطة فى حق الأفراد والذى لم تجزه المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية إلا لرجال الضبط القضائى وبالشروط المنصوص عليها. لما كان ذلك وكان رجلا البوليس اللذان قاما بالقبض على الطاعن لم يكونا من رجال الضبط القضائى كما أنه ليس فى مجرد ما يبدو على الفرد من حيرة وارتباك أو وضع يده فى جيبه إن صح ما أدليا به دلائل كافية على وجود اتهام يبرر القبض عليه مادام أن المظاهر التى شاهداها ليست كافية لخلق حالة التلبس بالجريمة التى يجوز لغير رجال الضبطية القضائية من آحاد الناس القبض فيها وكانت القوانين الجنائية لا تعرف الاشتباه لغير ذوى الشبهة والمتشردين ولم يكن الطاعن منهم – فإن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن ما وقع على الطاعن " ليس قبضا وإنما هو مجرد اشتباه بعدما بدا عليه من حيرة وارتباك عندما رأى رجلى البوليس اللذين يدخل فى هذا الإجراء فى صميم عملهما" يكون هذا الذى قالته المحكمة تقريرا خاطئا فى القانون لا يؤدى إلى تبرير القبض على الطاعن ويكون هذا القبض بالتالى وما ترتب عليه قد وقع باطلا – أما مسألة الاعتراف المنسوب إلى الطاعن والذى عول الحكم عليه أيضا فيما عول لإدانته – فإن المحكمة لم تتحدث عنه كدليل قائم بذاته ومنفصل عن تلك الإجراءات الباطلة ولا هى كشفت عن مدى استقلاله عنها مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات سوهاج للفصل فيها مجددا بهيئة أخرى.