أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثالث – السنة 8 – صـ 786

جلسة 15 من أكتوبر سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، والسيد أحمد عفيفى، ومحمود حلمى خاطر المستشارين.

(211)
طعن رقم 550 سنة 27 ق

(أ) ضرب. علاج المتهم للمجنى عليه علاجا غير مصرح له بإجرائه ترتب عليه المساس بسلامته. توافر عناصر جريمة إحداث الجرح.
(ب) ضرب. القصد الجنائى. متى يتحقق ؟.
(جـ) مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص. معالجة المتهم للمجنى عليه " بوضع مساحيق ومراهم مختلفة على مواضع الحروق. اعتبار ما ارتكبه جريمة تنطبق على م 1 من ق 142 سنة 1948.
(د) نقض. " المصلحة فى الطعن". ضرب. إصابة خطأ. إدانة المتهم لضرب بعقوبة تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة الإصابة خطأ. طلبه تطبيق م 244 ع. لا جدوى منه.
1 – متى كانت الواقعة الثابتة بالحكم أن المتهم أجرى للمجنى عليه علاجا غير مصرح له بإجرائه وترتب عليه المساس بسلامته، فإن جريمة إحداث الجرح عمدا تتوافر عناصرها كما هو معرف بها فى المادة 242 من قانون العقوبات.
2 – إن القصد الجنائى فى جريمة الجرح العمد إنما يتحقق بإقدام الجانى على إحداث الجرح عن إرادة واختيار وهو عالم بأنه فعل يحظره القانون ومن شأنه المساس بسلامة المجنى عليه أو بصحته، ولا يؤثر فى قيام المسئولية أن يكون المتهم قد أقدم على إتيان فعلته مدفوعا بالرغبة فى شفاء المجنى عليه.
3 – إن معالجة المتهم للمجنى عليه بوضع المساحيق والمراهم المختلفة على مواضع الحروق وهو غير مرخص له بمزاولة مهنة الطب تعد جريمة تنطبق عليها المادة الأولى من القانون رقم 142 لسنة 1948 بشأن مزاولة مهنة الطب.
4 – متى كانت العقوبة المقضى بها على المتهم وهى الحبس مع الشغل لمدة شهر واحد عن تهمتى الضرب ومزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة الإصابة خطأ المنصوص عليها فى المادة 244 من قانون العقوبات، فلا جدوى له من طلب تطبيق هذه المادة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين أنهما أولا – الأول تسبب من غير قصد ولا تعمد فى إصابة السعيد فرج عمران بأن نشأ ذلك عن إهماله وعدم احتياطه بأن سكب سائل البنزين على دينامو أثناء إمساك المجنى عليه به وأجرى إصلاحه فاتصلت شرارة من الدينامو إلى البنزين فحدث الحريق – ثانيا – المتهم الثانى – أحدث الاصابات الموضحة بالتقرير الطبى بالمجنى عليه سالف الذكر. ثالثا – المتهم الثانى زاول مهنة الطب بلا ترخيص. وطلبت عقابهما بالمواد 242/ 2 و244 من قانون العقوبات 1، 10 من القانون رقم 142 لسنة 48 وقد ادعى فرج عبد الغنى عمران بصفته بحق مدنى بمبلغ 250ج تعويضا مؤقتا قبل المتهمين. ومحكمة ميت غمر الجزئية قضت حضوريا. أولا – بحبس المتهم الأول شهرين مع الشغل وكفالة 300 قرش لوقف التنفيذ. ثانيا – بحبس المتهم الثانى شهرا مع الشغل عن كل تهمة وكفالة 300 قرش لوقف التنفيذ. ثالثا – بالزام المتهمين متضامنين بأن يدفعا للمدعى 250 ج على سبيل التعويض المؤقت وذلك عملا بمواد الاتهام فاستأنف المتهمان هذا الحكم، ومحكمة المنصورة الابتدائية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الثانى بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف وحبس كل من المتهمين شهرا واحدا مع الشغل عما نسب إليه وإلزام كل منهما بأن يدفع إلى المدعى بالحق المدنى مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف المناسبة عن الدرجتين. فعارضا وقضى فى معارضتهما بتأييد الحكم المعارض فيه. فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول هو الفساد فى الاستدلال ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن الأول تأسيسا على ما استنتجه المجنى عليه وحده بأن الطاعن المذكور أخطأ لأنه عندما سكب البنزين على الدينامو سقطت منه بعض قطرات على الأسلاك الكهربائية فسببت حصول تماس أدى إلى اشتعال النار. وهو استنتاج من شخص ليست له دراية فنية فكان يتعين على المحكمة قبل أن تقر صحة هذا الاستنتاج أن تندب خبيرا فنيا لمعاينة " الموتور" أو لتناقشه فيما إذا كان سقوط البنزين على الأسلاك الكهربائية من شأنه حتما أن يحدث بها تماسا يؤدى إلى اشتعال النار، أما قولها إن مجرد قيام الطاعن المذكور بوضع بنزين فى " الدينامو" يعد خطأ منه لأنه يحترف الحلاقة ولا خبرة له فى هذه الشئون فإنه مردود بأن هذه العملية مادية بحت لا تستلزم خبرة خاصة فضلا عن أنه فى واقع الأمر له دراية بها لأنه مارسها مدة طويلة.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه لأسبابه بين واقعة الدعوى فى قوله " إن المجنى عليه من حوالى ثلاثة شهور سابقة على يوم 10/ 5/ 1953 وهو أول يوم سئل فيه فى محضر البوليس – كان يسير فى الطريق فنادى عليه المتهم الأول (الطاعن الأول) وطلب منه مساعدته فى تعمير دينامو لشحن البطاريات مملوك له بالبنزين وأثناء إمساكه بالقمع الذى كان يضع فيه المتهم الأول البنزين سقط بعض البنزين خارج القمع وحصل تماس كهربائى فى أسلاك الدينامو أدى إلى حدوث حريق وأمسكت النار بيديه وقدميه وبطنه وأجزاء أخرى من جسمه وحضر المتهم الثانى (الطاعن الثانى) وهو حلاق صحة القرية ووالد المتهم الأول وطلب من المجنى عليه عدم الإبلاغ عن الحادث على أن يتولى هو علاجه وفعلا ظل يعالجه بوضع مراهم بعضها أبيض والآخر أسود وبوضع مسحوق اللوف المحروق على مواضع الحروق ولما فشل فى علاجه ذهب به إلى الدكتور وليم تكلا ببنها الذى ظل يعالجه هو الآخر حوالى شهر ولما لم يتم شفاؤه توجه إلى مستشفى القصر العينى بالقاهرة حيث أجريت له عملية جراحية بقسم الجراحة ونتج عن هذا الحادث تشويه تام فى يديه وساقيه وأجزاء أخرى فى جسمه كما تخلفت لديه عاهة مستديمة هى عدم إمكان استعمال يديه". وأورد الحكم على ثبوت حصول الواقعة على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال المجنى عليه ووالده فرج عبد الغنى عمران والشاهد متولى محمد عبد الله والطبيب المعالج الدكتور وليم تكلا الذى قرر أن المجنى عليه حضر إلى عيادته مصابا بحروق متقيحة بالساعدين واليدين وأحد القدمين فقام بعلاجه من التقيح وأجرى له عملية بذراعه الأيسر لوجود تقلص به وإن هذه الإصابات نتيجة حروق نارية متقيحة ويغلب أن تكون نتيجة إطفاء نار باليد ومستمدة أيضا من تقرير الطبيب الشرعى الذى أثبت أنه تخلف لدى المجنى عليه عاهة شديدة هى تشوه اليدين وفقد وظيفتهما وأن آثار الحروق النارية الشديدة من الدرجة الرابعة التى وجدت به والتى يحرق فيها جميع الجلد إذا كانت باليدين أو القدمين أو مقابل مفاصل متحركة فإنها تترك تشويها شديدا وإعاقة كبيرة فى حركات المفاصل رغم العناية فى العلاج واتخاذ التدابير الفنية الواجبة وأنه وإن كان العلاج الذى قام به الحلاق للمصاب وهو علاج غير فنى فضلا عن أنه لم يستعن بجبيرة يبسط عليها اليدين منعا أو تقليلا لحدوث التشوه والانكماش المنتظر إلا أنه لعدم وجود كشف طبى ابتدائى يصف حال الحروق باليدين ومداها لا يمكنه الآن الجزم بتقدير نسبة التشوه باليدين نتيجة للحروق الأصلية ونسبتها نتيجة لسوء العلاج ثم استظهر الحكم ركن الخطأ فقال أنه متوفر بالنسبة إلى المتهم الأول من استدعائه للمجنى عليه لمساعدته فى وضع بنزين بالديناموا وعدم اتخاذه الحيطة الواجبة أثناء عملية وضع البنزين مما أدى إلى سقوط بعضه على الأسلاك الكهربائية التى حدث بها تماس إلى اشتعال النار بالمجنى عليه وحدوث اصاباته كما أن خطأه ثابت من مجرد قيامه بعملية وضع البنزين بالدينامو وهو كما يقرر صناعته حلاق وليس بالرجل الفنى الذى يمكنه القيام باجراء اعمال بآلات ميكانيكية تستلزم فنا ودراية فى ادارتها" ولما كان هذا الذى ساقه الحكم المطعون فيه ورتب عليه إدانة الطاعن الأول بجريمة الاصابة الخطأ سائغا فى المنطق ومؤديا إلى النتيجة التى خلص اليها وكان لا يبين من محاضر جلسات محكمتى أول وثانى درجة أن الطاعن الأول أو المدافع عنه طلب ندب خبير لمعاينة المحرك الذى اشتعلت فيه النار أو طلب استدعاءه لمناقشته فيما جاء بوجه الطعن فليس له أن ينعى على المحكمة عدم اتخاذ هذا الاجراء لما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن فيما تقدم لا يكون له أساس.
وحيث إن مبنى الوجهين الثانى والثالث هو الخطأ فى تطبيق القانون ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن الثانى بجريمة احداث جرح عمدا المنصوص عليها فى المادة 242 من قانون العقوبات تأسيسا على أنه قام بعلاج المجنى عليه وهو يجهل مهنة الطب والعلاج ومع التسليم جدلا بصحة ذلك فان هذا الفعل لا يكون جريمة احداث الجرح عمدا لتخلف ركن القصد الجنائى لأن إرادة الطاعن المذكور لم تنصرف إلى اصابة المجنى عليه بجرح أو نحوه، فكان يتعين إذن اعتبار الواقعة اصابة خطأ. كذلك قرر الطبيب الشرعى فى تقريره أنه لا يمكنه الجزم بتقدير نسبة التشويه باليدين نتيجة للحروق ونسبة التشويه الذى نشأ عن سوء العلاج نظرا لعدم وجود تقرير طبى ابتدائى يتضمن وصف الحروق باليدين ومداها، ومفاد هذا التجهيل جواز عدم حدوث أثر متخلف عن سوء العلاج. سيما وقد قرر المجنى عليه أنه عولج عند الدكتور وليم تكلا ثم عولج مرة أخرى بمستشفى قصر العينى. فمن الجائز أن يكون سوء العلاج قد حدث من احدى هاتين الجهتين. يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه دان الطاعن المذكور بجريمة مزاولة مهنة الطب بغير ترخيص وفقا للمادتين 1 و10 من القانون رقم 142 لسنة 48 وذلك على الرغم من عدم توفر الدليل الكافى على أنه عالج المجنى عليه على فرض أنه اسعفه بعلاج أولى سريع وهو أمر تقتضيه ظروف الحادث وعدم وجود أطباء بالقرية فلا يعد ذلك مزاولة لمهنة الطب التى تستلزم قصدا معينا هو اعداد الجانى نفسه لمزاولة هذه المهنة. أما ولم يستظهر الحكم هذا القصد ولم يقم الدليل عليه وخلط بين الاسعاف الأولى وبين مزاولة مهنة الطب فانه يكون قاصرا مستوجبا للنقض.
وحيث إنه لما كانت الواقعة الثابتة بالحكم المطعون فيه على الصورة المتقدمة تتوافر بها عناصر جريمة احداث الجرح عمدا كما هو معرف بها فى المادة 242 من قانون العقوبات ما دام الطاعن قد أجرى للمجنى عليه علاجا غير مصرح له باجرائه وترتب عليه المساس بسلامته ولا يؤثر فى قيام المسئولية أن يكون الطاعن قد أقدم على اتيان فعلته مدفوعا بالرغبة فى شفاء المجنى عليه إذ القصد الجنائى فى جريمة الجرح العمد إنما يتحقق باقدام الجانى على إحداث الجرح عن ارادة واختيار وهو عالم بأنه فعل يحظره القانون ومن شأنه المساس بسلامة المجنى عليه أو بصحته. لما كان ذلك وكانت العقوبة المقضى بها على الطاعن الثانى وهى الحبس مع الشغل لمدة شهر واحد بالنسبة إلى الطاعن الثانى عن التهمتين الموجهتين إليه تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة الاصابة خطأ المنصوص عليها فى المادة 244 من قانون العقوبات فلا جدوى له من طلب تطبيق هذه المادة، ولما كانت المحكمة فى حدود سلطتها فى تقدير أدلة الدعوى قد استندت فى ثبوت الجريمة الأولى على الطاعن الثانى إلى شهادة المجنى عليه وأقوال الدكتور وليم تكلا والى تقرير الطبيب الشرعى واستخلصت من هذه الأدلة أن لسوء العلاج الذى قام به الطاعن المذكور دخلا فى احداث التشويه الذى أصاب المجنى عليه لم تعرف نسبته وكان استخلاصها سائغا مقبولا، على أنه لا جدوى كذلك مما يثيره الطاعن فى هذا الصدد ما دامت المحكمة قد دانته بالجريمتين المسندتين إليه وطبقت فى حقه المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبته بالعقوبة المقررة لأشدهما وهى عقوبة الجريمة الثانية وموضوعها مزاولة مهنة الطب بغير ترخيص. ولما كانت معالجة الطاعن للمجنى عليه بوضع المساحيق والمراهم المختلفة على مواضع الحروق وهو غير مرخص له بمزاولة مهنة الطب تعد جريمة تنطبق عليها المادة الأولى من القانون رقم 142 لسنة 48 بشأن مزاولة مهنة الطب التى تنص على حظر ابداء مشورة طبية أو وصف أدوية أو علاج مريض بأية طريقة كانت... الخ إلا من طبيب مرخص له بمزاولة مهنة الطب، لما كان كل ذلك فان ما يثيره الطاعن الثانى فى الوجهين المتقدمين لا سند له من القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.