أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثالث – السنة 8 – صـ 811

جلسة 22 من أكتوبر سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: محمود ابراهيم اسماعيل، ومصطفى كامل، وعثمان رمزى، ومحمود حلمى خاطر المستشارين.

(218)
الطعن رقم 570 سنة 27 ق

شيك. متى يتوفر القصد الجنائى فى جريمة إصدار الأمر بعدم الدفع ؟
إن مجرد إصدار الأمر بعدم الدفع يتوافر به القصد الجنائى بمعناه العام الذى يكفى فيه علم من أصدره بأنه إنما يعطل دفع الشيك الذى سحبه من قبل، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التى دفعته إلى إصداره لأنها من قبيل البواعث التى لا تأثير لها فى قيام المسئولية الجنائية، ولم يستلزم الشارع نية خاصة لقيام الجريمة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أعطى بسوء نية كمال محمد طلعت الفرنساوى شيكا بمبلغ 3000 جنيه ثلاثة آلاف جنيه على بنك مصر لا يقابله رصيد قائم. وطلبت عقابه بالمادتين 336 و337 من قانون العقوبات. وقد ادعى كمال محمد طلعت الفرنساوى بحق مدنى قدره ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض قبل المتهم. ومحكمة الأزبكية الجزئية قضت حضوريا عملا بمادتى الاتهام بحبس المتهم ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة خمسمائة قرش لوقف التنفيذ وبالزامه بأن يؤدى للمدعى المدنى مبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المدنى والمصروفات المناسبة ومائتى قرش مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف هذا الحكم كل من النيابة والمحكوم عليه. ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاثة سنوات تبدأ من اليوم. فطعن الوكيل عن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن الطاعن يبنى طعنه على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه كما شابه فساد الاستدلال، وفى ذلك يقول إن المحكمة بما ذهبت إليه من أن الجريمة تتم بمجرد صدور أمر الساحب بعدم الدفع حتى ولو كان هناك سبب مشروع قد تجاوزت ما قصده الشارع الذى نص فى المادة 337 من قانون العقوبات بعبارة " بسوء نية" مما يفيد أن القصد هو قصد خاص وهو ما يتضح من مناقشة المادة فى مجلس النواب، كما اقترح إضافة عبارة " بغير مبرر شرعى" لولا اعتراض مندوب وزارة العدل على هذه الإضافة وإشارته بترك الأمر لتقدير القضاء، وقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى القول بأن سوء نية المتهم تأيدت بما يبين من أن قيمة الشيك هى جزء من باقى إيجار متفق على سداده وليس محل نزاع بين الطرفين، وقد بنت المحكمة قولها هذا على وقائع لم تؤولها التأويل الصحيح ولم تستشف الحقيقة من المستندات التى قدمها الطاعن والتى يظهر منها أن السبب فى صدور الأمر بعدم الدفع هو تصرفات المستفيد ووالده وإخلالهما بالتزاماتها إذ لم يمكنه المستفيد من الإدارة وتحصيل الإيجار من صغار المزارعين بل إنه وقف فى وجهه منذ صدور قانون الإصلاح الزراعى فلم يمكنه من مقاضاة المستأجرين، وأخيرا فقد أخطأ الحكم فى إلزام الطاعن بالتعويض مع أنه لم يكن سئ النية ولم يكن مخطئا وإنما المخطئ هى مورث المدعى الذى جعل تنفيذ الاتفاق من جانب الطاعن مستحيلا مما ينتفى معه الضرر.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أثبت فى بيانه لواقعة الدعوى أن الطاعن استأجر أطيانا من المرحوم محمد طلعت الفرنساوى وأنه تحاسب مع وكيله بعقد اتفاق مؤرخ 29/ 10/ 1953 واضح منه أن ذمة الطاعن مشغولة بمبلغ 5960 جنيها و95 مليما من إيجار سنة 1952 الزراعية بعد خصم ما دفع كالموضح بالعقد، وتحرر بهذا المبلغ ثلاثة شيكات على بنك مصر الأول رقم 971861 بمبلغ 3000 جنيه مؤرخ 25/ 12/ 1953 وهو موضوع الدعوى الحالية والثانى رقم 971862 بمبلغ 1500 جنيه والثالث بما بقى من المبلغ الأصلى، ولما تقدم مورث المدعين بالحقوق المدنية لصرف الشيك الأول تبين له أن المتهم أصدر أمره إلى البنك بعدم الدفع، واعترف المتهم بذلك، ثم تعرض الحكم لدفاع الطاعن ورد عليه بقوله إن الجريمة المنصوص عليها فى المادة 337 من قانون العقوبات تتم بمجرد صدور الأمر من الساحب إلى المسحوب عليه بعدم الدفع لأن للشيك طبيعة خاصة فهو كالنقود ويقوم بوظيفتها وتتداوله الأيدى، وأن الشيك موضوع الجريمة يمثل جزءا من باقى إيجار سنة 1952 متفق على دفعه بعقد اتفاق وغير متنازع عليه بين المتهم والمجنى عليه، وصدور الأمر للبنك بعدم دفع قيمته من أن الاتفاق على دفعها حصل بعد صدور قانون الإصلاح الزراعى يؤيد سوء نية المتهم، ولما كان ما قاله الحكم من ذلك صحيحا فى القانون إذ أن مجرد إصدار الأمر بعدم الدفع يتوافر به العقد الجنائى بمعناه العام الذى يكفى فيه علم من أصدره بأنه إنما يعطل دفع الشيك الذى سحبه من قبل، ولا عبرة بعد ذلك بالأسباب التى دفعته إلى إصداره لأنها من قبيل البواعث التى لا تأثير لها فى قيام المسئولية الجنائية، ولم يستلزم الشارع نية خاصة لقيام الجريمة كما يذهب الطاعن، لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت أن المدعين بالحقوق المدنية قد نالهم ضرر مادى وأدبى من فعل المتهم، فإن ذلك يكفى لتبرير قضائها فى الدعوى المدنية ولا تكون المحكمة قد خالفت القانون فيما حكمت به من تعويض.
لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.