أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 355

جلسة أول أبريل سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ سعد الدين عطية وعضوية السادة المستشارين: حسن أبو الفتوح الشريبنى، وابراهيم أحمد الديوانى، وعبد الحميد محمد الشربينى، وحسن على المغربى.

(77)
الطعن رقم 239 لسنة 44 القضائية

(1، 2) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. مالا يقبل منها". محكمة ثانى درجة. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(1) عدم جواز النعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها. مثال ؟
(2) يجب لقبول النعى أن يكون واضحا محددا.
(3، 4) بلاغ كاذب. جريمة. "أركانها". قصد جنائى. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ضرر. تعويض. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(3) أركان جريمة البلاغ الكاذب ؟
(4) التبليغ من الوقائع الجنائية. حق واجب على كل إنسان. معاقبته واقتضاء التعويض منه لا تصح إلا إذ كان قد تعمد الكذب فى بلاغه. مثال.
إلزام المبلغ بالتعويض فى حالة تبرئته من تهمة البلاغ الكاذب. شرطه ؟
(5) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام".
حق محكمة الموضوع في القضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية.
1 - متى كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن أو المدافع عنه لم يتمسك بالدفاع الذى يقول أنه ضمنه المذكرة المقدمة منه أمام محكمة أول درجة، وكان الطاعن لا يدعى بغير ذلك، فإنه لا يكون له من بعد النعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها.
2 - من المقرر أنه يجب لقبول الطعن أن يكون واضحا محددا، وإذ كان الطاعن لم يفصح عن أوجه الدفاع التى ضمنتها المذكرة المقدمة منه حتى يتضح مدى أهميتها فى الدعوى المطروحة، فإن منعى الطاعن على الحكم إغفاله التعرض لما يضحى فى غير محله.
3 - يشترط القانون لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها وأن يكون الجانى عالما بكذبها ومنتويا السوء والاضرار بالمجنى عليه.
4 - من المقرر أن التبيلغ عن الوقائع الجنائية حق لكل إنسان بل هو واجب مفروض عليه، فلا تصح معاقبته عليه واقتضاء التعويض منه إذ كان قد تعمد الكذب فيه، أما اقتضاء التعويض من المبلغ مع القضاء ببراءته فى هذه الجريمة فلا يكون لمجرد كذب بلاغه ولحوق الضرر بالمبلغ ضده بل يجب أيضا أن يكون قد أقدم على التبليغ عن رعونة وعدم ترو دون أن يكون لذلك من مبرر. لما كان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة المطعون ضدها ورفض الدعوى المدنية المقامة قبلها من الطاعن تأسيسا على أن الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة فى القضية ................. بالغاء الحكم المستأنف القاضى بادانة الطاعن فى تهمة السرقة المسندة إليه قد قام على الشك فى الدليل المسند من أقوال المجنى عليها (المطعون ضدها) والشهود وأنه ما دام هذا الحكم يقطع بكذب البلاغ فانه لا يعدو دليلا على كذب ما أبلغت به المطعون ضدها وخاصة أن الحكم المستأنف قد قضى بادانة الطاعن عما أسندته إليه المطعون ضدها، وكان يبين من مدونات هذا الحكم (المشار إليه) أنه بعد أن عرض للأدلة القائمة فى الدعوى على الإتهام المسند إلى المتهمين وملاحظاته على تلك الأدلة انتهى إلى عدم الاطمئنان إليها لأنها لا تبلغ فى وجدانه الدليل المقنع الكافى على اقتراف المتهمين (والطاعن أحدهما) للجريمة المسندة إليها وأنه إزاء هذا الشك فى أدلة ثبوت الجريمة فانه لا يكون هناك محل للحكم بالتعويض فانه يثير الطاعن أن يكون على غير أساس.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة ورفض الدعوى المدنية متى تشككت فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت ما دام حكمها قد اشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى أحاطت بظروفها عن بصر وبصيرة وفطنت إلى أدلة الثبوت التى قام الاتهام عليها ووازنت بينها وبين أدلة النفى فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك فى صحة عناصر الإتهام وما دام قد أقام على أساس يحمله وطالما كانت تلك الأسباب قد جاءت خالية من الخطأ فى القانون ومن عيوب التسبيب.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية (الطاعن) دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة السيدة زينب الجزئية ضد المطعون ضدها متهما إياها بأنها فى يوم 25 نوفمبر سنة 1969 بدائرة قسم السيدة زينب محافظة القاهرة: أبلغت كذبا وبسوء القصد ضده بأن زعمت أنه سرق مستندا مزعوما بمبلغ ألف وسبعمائة جنيه. وطلبت عقابها بالمادة 30 من قانون العقوبات مع إلزامها بأن تدفع له مبلغ واحد وخمسين حنيها على سبيل التعويض والمحكمة المذكورة قضت حضوريا بتاريخ 10 يونيه سنة 1971 عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمة مما أسند إليها ورفض الدعوى المدنية وإلزام المدعى بالحق المدنى المصروفات. فاستأنف المدعى بالحقوق المدنية هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بتاريخ 17 نوفمبر سنة 1971 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى المدنية وألزمت المستأنف المصاريف المدنية الاستئنافية وخمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المدعى بالحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتأييد الحكم الابتدائى الصادر برفض الدعوى المدينة قد شابه القصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه كان قد التفت عما تضمنته المذكرة المقدمة من الطاعن إلى المحكمة على اعتبار أنها قدمت بعد الميعاد المصرح بتقديمها فيه وإذ كانت المذكرة معروضة على المحكمة الاستنئافية بين أوراق الدعوى، فإنه كان يتعين عليها أن تعرض فى حكمها المطعون فيه لما اشتملت عليه من دفاع وترد عليه حتى يبين أنها كانت محيطة به وعلى بينة من أمره. هذا فضلا عن أن الحكم حصل الأسباب التى قامت عليها براءة الطاعن من تهمة السرقة التى أسندتها إليه المطعون ضدها وتأسست عليها دعوى البلاغ الكاذب بأن سندها الشك فى الدليل مع أن عماد حكم البراءة المشار إليه كان عدم إرتكاب الطاعن للواقعة أصلا، كما أن مفاد حكم البراءة أن هناك جزءا – على الأقل – من بلاغ المطعون ضدها كاذب وهو الخاص بتصوير الواقعة ودليلها عليها بما يتوافر به كذب البلاغ إذ أنه يكفى للايقاع بالطاعن، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن الطاعن أو المدافع عنه لم يتمسك بالدفاع الذى يقول أنه ضمنه المذكرة المقدمة منه أمام محكمة أول درجة، وكان الطاعن لا يدعى بغير ذلك، فإنه لا يكون له من بعد النعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثره أمامها. هذا فضلا عن أنه من المقرر أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحا محددا، وإذ كان الطاعن لم يفصح عن أوجه الدفاع التى ضمنها المذكرة المقدمة منه حتى يتضح مدى أهميتها فى الدعوى المطروحة، فإن منعى الطاعن على الحكم إغفاله التعرض لما يضحى فى غير محله. لما كان ذلك، وكان القانون يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب توافر ركنين هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها وأن يكون الجانى عالما بكذبها ومنتويا السوء والاضرار بالمجنى عليه، وكان التبليغ عن الوقائع الجنائية حق لكل إنسان بل هو واجب مفروض عليه، فلا تصح معاقبته عليه، واقتضاء التعويض منه إلا إذ كان قد تعمد الكذب فيه، أما اقتضاء التعويض من المبلغ مع القضاء ببراءته فى هذه الجريمة فلا يكون لمجرد كذب بلاغه ولحوق الضرر بالمبلغ ضده بل يجب أيضا أن يكون قد أقدم على التبليغ عن رعونة وعدم ترو دون أن يكون لذلك من مبرر. ولما كان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة المطعون ضدها ورفض الدعوى المدنية المقامة قبلها من الطاعن تأسيسا على أن الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة فى القضية المقيدة برقم 1928 سنة 1970 استئناف مصر (رقم 10676 سنة 1969 جنح السيدة زينب) بالغاء الحكم المستأنف القاضى بادانة الطاعن فى تهمة السرقة المسندة إليه قد قام على الشك فى الدليل المستمد من أقوال المجنى عليها (المطعون ضدها) والشهود وأنه ما دام هذا الحكم يقطع بكذب البلاغ فانه لا يعدو دليلا على كذب ما أبلغت به المطعون ضدها وخاصة أن الحكم المستأنف قد قضى بادانة الطاعن عما أسندته إليه المطعون ضدها. وكان يبين من الاطلاع على الصورة الرسمية للحكم الصادر من محكمة الجنح السمتأنفة فى 23 ديسمبر سنة 1970 فى قضية النيابة العامة رقم 1928 سنة 1970 استئناف مصر (التى كانت مقيدة برقم 106076 سنة 1969 جنح السيدة زينب) المرفقة بالمفردات المضمومة أن النيابة العامة اتهمت الطاعن وأخرى بأنهما فى يوم 15 نوفمبر سنة 1969 بدائرة السيدة سرقا الإيصال المبين بالمحضر والمملوك لـ........... (المطعون ضدها) وطلبت عقابهما بالمادة 318 من قانون العقوبات وقضت محكمة الجنح فى 24 نوفمبر سنة 1970 بحبس كل من المتهمين شهرا واحدا مع الشغل وبأن يؤديا للمدعية بالحق المدنى (المطعون ضدها) مبلغ 51ج على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. فاستأنف المتهمان هذا الحكم وقضى فى الاستئناف بقبوله شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم السمتأنف وببراءة كل من المتهمين وبرفض الدعوى المدنية قبلهما وألزمت المدعية بالحقوق المدنية مصاريفها عن الدرجتين، ويبين من مدونات هذا الحكم أنه بعد أن عرض للأدلة القائمة فى الدعوى على الإتهام المسند إلى المتهمين وملاحظاته على تلك الأدلة انتهى إلى عدم الاطمئنان إليها لأنها لا تبلغ فى وجدانه الدليل المقنع الكافى على اقتراف المتهمين الجريمة المسندة إليهما وأنه إزاء هذا الشك فى أدلة ثبوت الجريمة فانه لا يكون هناك محل للحكم بالتعويض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة ورفض الدعوى المدنية متى تشككت فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت ما دام حكمها – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – قد اشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى أحاطت بظروفها عن بصر وبصيرة وفطنت إلى أدلة الثبوت التى قام الاتهام عليها ووازنت بينها وبين أدلة النفى فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك فى صحة عناصر الإتهام وما دام قد أقام قضاءه على أسباب يحمله وطالما كانت تلك الأسباب قد جاءت خالية من الخطأ فى القانون ومن عيوب التسبيب. ولما كان الحكم الابتدائى القاضى ببراءة المطعون ضدها ورفض الدعوى المدنية الذى اعتنق أسبابه الحكم المطعون فيه فى صدد تأييده له فيما قضى به من رفض الدعوى المدنية قد أقام قضاءه على أسباب سائغة تؤدى إلى ما انتهى إليه من نتيجة ولم يجانب التطبيق القانونى الصحيح، وكان ما يثيره الطاعن لا يعدو جدلا موضوعيا لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.