أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثالث – السنة 8 – صـ 866

جلسة 4 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وعثمان رمزى، وابراهيم عثمان يوسف، ومحمود حلمى خاطر المستشارين.

(235)
طعن رقم 877 سنة 27 ق

إثبات. حكم. " تسبيب كاف". تشكك المحكمة فى صحة إسناد التهمة إلى المتهمين. كفايته لسلامة الحكم بالبراءة.
جرى قضاء هذه المحكمة على أنه يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن تتشكك المحكمة فى صحة إسناد التهمة إلى المتهمين، وأن يدل حكمها على عدم اقتناعها بإدانتهم وارتيابهم فى أقوال الشهود، إذ المرجع فى ذلك إلى ما تطمئن إليه فى تقدير الدليل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم قتلوا عبد اللطيف محمد السيد عمدا ومع سبق الاصرار والترصد بأن انتووا قتله وصمموا عليه وترصدوه فى الطريق الذى يعلمون أنه سيمر منه حاملين عصيا غليظة حتى إذا مر بهم اعتدوا عليه بهذه العصى وأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى أودت بحياته وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230، 231، 232 من قانون العقوبات وقد ادعى كل من: 1 – هانم السيد عبد العزيز – 2 – عبد الحميد محمد السيد بحق مدنى قبل المتهمين الثلاثة متضامنين وطلبا القضاء لهما بمبلغ مائة جنيه ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضوريا عملا بالمادتين 304/ 1، 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين مما أسند إليهم وبرفض الدعويين المدنيتين وألزمت كل مدع منهما بمصروفات دعواه فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الأوجه الثلاثة الأولى من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور فى التسبيب وخطأ فى الاسناد وفساد فى الاستدلال، ذلك أن الحكم قد استبعد ظرف سبق الإصرار والترصد مستندا فى ذلك إلى قوله إن الحادث وقع قى طريق اعتاد الفريقان – فريق المتهمين وفريق المجنى عليه – المرور فيه وأنه لما بين الفريقين من عداء اشتبكا فى عراك وانتصر لكل فريق نفر من أهله فأصيب المجنى عليه بالاصابة التى قضت على حياته وانتهى من ذلك إلى أن الحادث لم يقع نتيجة لإصرار سابق وترصد دون أن يبين مصدر هذا الرأى الذى انتهى إليه هذا فضلا عن مخالفته لما هو ثابت من المعاينة التى أجرتها النيابة وكذلك استند الحكم فى عدم الأخذ بما شهد به الشهود من أنهم رأوا المتهمين عند اعتدائهم على المجنى عليه إلى قوله " إن أقوال هؤلاء الشهود قد تضاربت وتناقضت كما أن الحادث وقع فى وقت مبكر من صباح يوم 11 ديسمبر سنة 1931 وكان الضباب مخيما مما تعذر معه الرؤية ان لم تكن مستحيلة وهذا الذى ذهب إليه الحكم يعيبه قصور البيان إذ لم يبين مواضع التضارب أو التناقض فى أقوال الشهود كما يعيبه فساد الاستدلال ذلك أن القول بأن رؤية الشهود للحادث وقت وقوعه أو أنها لم تكن كذلك يختلف باختلاف قوة إبصار كل منهم. وقد أجمع هؤلاء الشهود على أن الرؤية كانت ممكنة من مسافات قريبة وأنهم رأوا المتهمين يضربون المجنى عليه كما أن القول بأن الضباب كان مخيما بحيث تتعذر مع الرؤية أو تستحيل ليس صحيحا على اطلاقه ذلك أن الحادث وقع فى الساعة الخامسة أو الخامسة والنصف من صباح يوم الحادث وأن الشمس تشرق فى الساعة الخامسة والنصف على ما جاء بأسباب الحكم ولا جدال فى أن نور الصباح يسبق شروق الشمس كما أنه لا جدال فى أن حالة الضباب تختلف وتتغير بين لحظة وأخرى وعلى ذلك لا يكون تعذر الرؤية أو استحالتها نتيجة لازمة للمقدمات التى ساقها الحكم واستخلص منها تلك النتيجة".
وحيث إن هذا النعى مردود فى أوجهه الثلاثة، بما ورد فى أسباب الحكم المطعون فيه خصوصها إذ قال " وقد بان من المعاينة وأقوال عبد السلام السيد خولى الزراعة المجاورة ومن أقوال شيخ البلد محمد محمد سلام أن الحادث يرجع لأكثر من سبب فقد كان هناك طريق يمر بين زراعة عبد اللطيف محمد السيد المجنى عليه وأحمد سليمان صقر ويصل إلى غيط السيد ابراهيم فرج وكان مرور المتهمين فيه مثار نزاع بين الفريقين كما شهد العمدة وقد عمل فريق المجنى عليه على إزالته بعد الحادث. كما سبق حدوث سرقة فى منزل أحمد سليمان صقر أتهم فيها ابراهيم السيد فرج زوج ابنته زينب أحمد سليمان وترتب لى هذا الاتهام غضبها ورفعها دعوى بنفقة وكان القتيل يناصرها فيها". وحيث إنه يبين من ذلك أن الحادث له أكثر من سبب وأنه وقع فى طريق اعتاد الطرفان أن يسلكاه فمن المتعذر مسايرة الاتهام فى القول بأن الحادث كان وليد سبق إصرار وترصد. ثم تحدث الحكم بعد ذلك عما شهد به شهود الإثبات فقال: وحيث إن الإجماع على أن الحادث وقع فى الصباح الباكر فى الساعة الخامسة على حد قول البعض أو الساعة الخامسة والنصف على قول البعض الآخر وكان الضباب مخيما فاذا أضيف إلى ذلك أن الشمس تشرق يوم الحادث وهو يوم 11 من ديسمبر سنة 1951 بعد منتصف الساعة السادسة لوضح من ذلك أن الحادث وقع فى وقت تتعذر فيه الرؤية إن لم تكن مستحيلة. وحيث أن هذا الظرف كان له أثره فى أقوال الشهود ففى الوقت الذى يقررون فيه بتعذر الرؤية إلا من أمتار قليلة جاءوا يقررون أنهم كانوا على ابعاد متفاوتة تزيد على العشرة أمتار وتصل إلى الثلاثين مترا ويزعمون أنهم رأوا الضاربين وكشف فساد هذا الزعم تضارب بعضهم فى أقواله وتضارب أقوالهم مع أقوال غيرهم فى عدد الموجودين ومن الذى ضرب المجنى عليه والأداة المستعملة حتى إذا ما وضح من الصفة التشريحية أن إصابة المجنى عليه رضية أجمعوا على أنه ضرب بعصى غليظة إلى أن قال: " وحيث إنه بناء على ما سلف تكون أقوال الشهود وهى أدلة الاتهام محل شك كبير......"
ولما كان الواضح مما تقدم أن المحكمة لم تقض فى الدعوى بالبراءة ورفض الدعوى المدنية إلا بعد أن أحاطت بوقائعها وظروفها عن بصر وبصيرة وفندت أدلة الاتهام القائم فيها وكشفت عن رأيها فيها بحسب ما استقر عليه عقيدتها واطمأن إليه ضميرها فلا يصح مجادلتها فى الرأى الذى انتهت إليه مادامت قد أوردت أسبابا سائغة لقضائها لأن ذلك واقع فى نطاق تقديرها دون معقب عليها – لما كان ذلك فان ما يثيره الطاعنون فى هذه الأوجه لا يكون إلا جدلا فى موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إن حاصل الوجه الرابع أن الحكم أخطأ فى تطبيق القانون إذ لم يأخذ المتهمين بالقدر المتيقن فى حقهم فقضى ببراءتهم على الرغم من اجماع الشهود على أن الذى اعتدى على المجنى عليه هم المتهمون.
وحيث إن هذا النعى مردود بأنه يتعين من أسباب الحكم المطعون فيه سالفة الذكر أنه أقام قضاءه ببراءة المتهمين على الشك فى صحة ما شهد به الشهود للأسباب التى أثارت هذا الشك وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه يكفى لسلامة الحكم بالبراءة أن تتشكك المحكمة فى صحة إسناد التهمة إلى المتهمين وأن يدل حكمها على عدم اقتناعها بإدانتهم وارتيابها فى أقوال الشهود إذ المرجع فى ذلك إلى ما تطمئن إليه فى تقدير الدليل.
وحيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.