أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 385

جلسة 7 من أبريل سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفه، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد عادل مرزوق.

(83)
الطعن رقم 267 لسنة 44 القضائية

(1 - 5) تهريب جمركى. جريمة "أركانها" قصد جنائى. مسئولية جنائية. مسئولية مفترضة. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دخان.
(1) كفاية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم كى يقضى له بالبراءة مثال.
(2) استنبات التبغ أو زراعته جريمة عمدية. مثال.
(3) عدم مساءلة الشخص إلا عما يكون لنشاطه دخل فيه. المسئولية المفترضة. قصرها على الحالات المحددة قانونا.
(4) مسئولية صانع الدخان فى صدد خلطه أو غشه. مفترضة.
(5) جريمة حيازة بذور التبغ. تميزها عن جريمة زراعته.
1 - من المقرر أنه يكفى أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم كى يقضى له بالبراءة إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
2 - من المقرر أن جريمة استنبات التبغ أو زراعته جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائى فيها متى تعمد الجانى إرتكاب الفعل المنهى عنه بالصورة التى حددها القانون واتجهت إرادته إلى استنبات التبغ أو زراعته مع علمه بأنه يحدثه بغير حق.
3 - من المقرر فى التشريعات الجنائية أن الإنسان لا يسأل بصفته فاعلا أو شريكا إلا عما يكون لنشاطه دخل فى وقوعه من الأعمال التى نص القانون على تجريمها سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذى يجرمه القانون، ولا مجال للمسئولية المفترضة فى العقاب إلا إستثناء وفى الحدود التى نص عليها القانون – لما كان ذلك – فإنه لا محل لما تثيره الطاعنة فى شأن مسئولية المطعون ضده مسئولية فرضية لمجرد كونه الحائز للارض.
4 - لئن كان المشرع قد جعل مجرد إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش جريمة معاقب عليها فى حق الصانع فأنشأ فى حقه نوعا من المسئولية الفرضية مبنية على افتراض قانونى بتوافر القصد الجنائى لديه. إلا أن القول بهذه المسئولية لا ينسحب على حالة استنبات التبغ أو زراعته محليا التى عدها الشارع تهريبا بمقتضى الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 ذلك لأن نصوص هذا القانون لم يرد فيها ما يفيد الخروج عن الأحكام العامة فى المسئولية الجنائية باعتناق نظرية المسئولية المفترضة فى حق من يستنبت التبغ أو يزرعه محليا ولو شاء أن يقيمها لنص على ذلك كما هو الحال فى المادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 بتنظيم زراعة الدخان وتجارته.
5 - جريمة حيازة بذور التبغ هى جريمة متميزة عن جريمة زراعة التبغ ولها أركانها المستقلة – لما كان ذلك – وكانت هذه الجريمة لم يرد لها ذكر فى وصف التهمة الأخيرة التى كانت مطروحة على المحكمة فإن الحكم يكون قد صادف صحيح القانون إذ لم يعرض لها أو يخوض فى مدى توافر أركانها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه فى يوم 23 يونية سنة 1971 بدائرة مركز الغنائم محافظة أسيوط زرع الدخان المبين بالمحضر دون تصريح من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2/ 1 و3 من القانون رقم 92 لسنة 1968 وادعى وزير الخزانة بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك مدنيا قبل المتهم بمبلغ 33600 جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة صدفا الجزئية قضت غيابيا عملا بمواد الاتهام بتغريم المتهم مائة جنيه والمصادرة وإلزامه بأن يؤدى لمصلحة الجمارك مبلغ 33600 ثلاثة وثلاثين ألفا وستمائة جنيه بلا مصاريف جنائية. فعارض المتهم وقضى فى معارضته بقبولها شكلا وفى الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. فاستأنف ومحكمة أسيوط الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية وإلزام رافعها المصاريف. فطعنت مصلحة الجمارك (المدعية بالحقوق المدنية) فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من المدعية بالحقوق المدنية – مصلحة الجمارك – هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده وبرفض الدعوى المدنية قبله، قد شابه فساد فى الاستدلال وأخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الثابت أن الدخان المضبوط عبارة عن نبات أخضر صغير زرع بطريق الشتل ومن ثم فإن اعتقال المطعون ضده حتى يوم 15 يونيه سنة 1971 لا ينهض دليلا على عدم قيامه بنقل شتلات الدخان إلى أرضه فى المدة الواقعة بين تاريخ الإفراج عنه وتاريخ ضبط الواقعة فى 23 يونية سنة 1971. هذا إلى أن المطعون ضده قد اعترف بأن الزارع للارض والحائز لها مما ينبغى معه مساءلته طبقا للمادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 باعتبار أن الشارع جعل مجرد حيازة الدخان المزروع والمستنبت محليا جريمة معاقب عليها منشئا بذلك نوعا من المسئولية الفرضية، كما أن الثابت أنه ضبط بحقل المطعون ضده كيس به ثلاثة كيلو جرامات من بذور الدخان وهى واقعة تعد فى ذاتها تهريبا طبقا للفقرتين الثانية والرابعة من المادة سالفة الذكر ويمكن – على خلاف ما جرى عليه منطق الحكم – تصور وقوعها من المطعون ضده بعد الإفراج عنه.
وحيث إنه من المقرر أنه يكفى أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم كى يقضى له بالبراءة إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة عولت فى تكوين عقيدتها بتبرئة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية قبله على عدم اطمئنانها إلى صلته بالدخان الذى وجد يوم 23 يونية سنة 1971 مزروعا فى أرضه فى مساحة فدان منها بعد أن ثبت أنه كان معتقلا فى المدة من أول يونية سنة 1969 حتى 15 يونية سنة 1971 أى إلى ما قبل ضبط الواقعة بأسبوع، فإن ما تثيره الطاعنة فى شأن استدلال الحكم على نفى صلة المطعون ضده بالزراعة المضبوطة ينحل فى حقيقته إلى جدل فى تقدير الدليل، وفى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن جريمة استنبات التبغ أو زراعته جريمة عمدية يتحقق القصد الجنائى فيها متى تعمد الجانى إرتكاب الفعل المنهى عنه بالصورة التى حددها القانون واتجهت إرادته إلى استنبات التبغ أو زراعته مع علمه بأنه يحدثه بغير حق، وكان يبين من الاطلاع على المفردات أن المطعون ضده أقر بأن الأرض محل الواقعة ملك لوالده وأنه – أى المطعون ضده – هو الزارع لها إلا أنه نفى صلته بالدخان المضبوط واستدل على ذلك بالشهادة المقدمة منه والمثبتة لاعتقاله فترة السنتين السابقتين على تاريخ ضبط الواقعة تقريبا، وكان من المقرر فى التشريعات الجنائية أن الإنسان لا يسأل بصفته فاعلا أو شريكا إلا عما يكون لنشاطه دخل فى وقوعه من الأعمال التى نص القانون على تجريمها سواء أكان ذلك بالقيام بالفعل أو الامتناع الذى يجرمه القانون، ولا مجال للمسئولية المفترضة فى العقاب إلا إستثناءا وفى الحدود التى نص عليها القانون، فإنه لا محل لما تثيره الطاعنة فى شأن مسئولية المطعون ضده مسئولية فرضية لمجرد كونه الحائز للارض. ولئن كان المشرع قد جعل مجرد إحراز الدخان المخلوط أو المغشوش جريمة معاقب عليها فى حق الصانع فأنشأ فى حقه نوعا من المسئولية الفرضية مبنية على افتراض قانونى بتوافر القصد الجنائى لديه، إلا أن القول بهذه المسئولية لا ينسحب على حالة استنبات التبغ أو زراعته محليا التى عدها الشارع تهريبا بمقتضى الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 ذلك لأن نصوص هذا القانون لم يرد فيها ما يفيد الخروج علي الأحكام العامة فى المسئولية الجنائية بإعتناق نظرية المسئولية المفترضة فى حق من يستنبت التبغ أو يزرعه محليا، ولو شاء أن يقيمها لنص على ذلك كما هو الحال فى المادة السابعة من القانون رقم 74 لسنة 1933 بتنظيم زراعة الدخان وتجارته. لما كان ذلك، وكانت جريمة حيازة بذور التبغ هى جريمة متميزة عن جريمة زراعة التبغ ولها أركانها المستقلة لم يرد لها ذكر فى وصف التهمة ولم تكن مطروحة على المحكمة، فإن الحكم يكون قد صادف صحيح القانون إذ لم يعرض لها أو يخوض فى مدى توافر أركانها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.