أحكام النقض – المكتب الفني– جنائى
العدد الثالث – السنة 8 – صـ 901

جلسة 18 من نوفمبر سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وعثمان رمزى، والسيد أحمد عفيفى، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(246)
طعن رقم 1173 سنة 27 ق

إثبات. شهادة. سلطة المحكمة فى التعويل على أقوال شاهد لم يعلن بالحضور لأداء الشهادة أمامها.
للمحكمة بمقتضى القانون أن تعول فى حكمها على أقوال شاهد أو أكثر أدلى بها فى التحقيق الابتدائى ولو لم يعلن بالحضور لأداء الشهادة أمام المحكمة مادامت أقواله فى ذلك التحقيق كانت مطروحة على بساط البحث بالجلسة، على معنى أنها مدونة بملف القضية الذى كان تحت نظر الدفاع.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين: بأنهما المتهمان الأول والثانى – شرعا فى قتل عمر ابراهيم حماده عمدا مع سبق الإصرار على ذلك والترصد بأن عقدا قصدهما المصمم على قتله وأعد لذلك سلاحين ناريين فردتين خرطوش وتربصا له بهما داخل زراعة أذرة فى طريقه المعتاد من بلدته إلى مقر عمله صباحا فلما ظفرا به أطلقا عليه مقذوفين ناريين بغرض قتله فأحدثا به الجروح الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة بسبب لا دخل لإرادتهما فيه هو مداركة المجنى عليه بالعلاج. والمتهم الثانى – حامد سليمان الشويخ أيضا أحرز سلاحا ناريا ذا ماسورة مصقولة من الداخل صالحا للاستعمال بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه (فرد خرطوش عيار 16) وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما على محكمة الجنايات لمحاكمتهما بمقتضى المواد 45 و46 و230 و231 و232 من قانون العقوبات والمواد 1 و26/ 1 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر والجدول رقم 2 الملحق به، فقررت الغرفة بذلك. وادعى عمر ابراهيم حماده بحق مدنى قبل المتهمين متضامنين بمبلغ ألف جنيه تعويضا. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت حضوريا عملا بالمواد 45 و46 و230 و231 و232 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من نفس القانون. أولا – بمعاقبة كل من محمد محمد الشويخ وحامد سليمان الشويخ بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وبالزامهما أن يدفعا متضامنين للمدعى بالحق المدنى مبلغ خمسمائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية و1000 قرش مقابل أتعاب المحاماة. وثانيا – ببراءة حامد سليمان الشويخ من تهمة إحراز السلاح والمصادرة.
فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن دفاع الطاعنين أمام محكمة الجنايات قام على أن الجانى كان مجهلا كما دل على ذلك البلاغ عن الحادث وتقرير الطبيب الشرعى وطبيعة المكان الذى وقعت فيه الجريمة إذ تحفه زراعة ذرة عالية قائمة على جانبى الطريق، ودل على ذلك أيضا ما قررته زوجة المجنى عليه من أنها علمت من ابنها أن المجنى عليه أصيب من عيار نارى أطلق عليه من زراعة الذرة، هذا فضلا عما شاب أقوال المجنى عليه وباقى شهود الإثبات من تخالف وتضارب وقد حاول الحكم المطعون فيه عبثا رفع هذه الاختلافات فى أقوال بعض الشهود، ولم يتناول تفنيد دفاع الطاعنين بما يبرر اطراحه يضاف إلى ذلك أن الحكم أورد واقعة الدعوى واستدل على صحتها ببيان قاصر متخاذل لا يبين منه الإصابة التى أحدثها الطاعن الثانى والمسافة بينه وبين المجنى عليه وإن كان يحمل بندقية قصيرة أو طويلة، ولا ما إذا كانت الأسلحة النارية التى استخدمت فى الحادث تطلق الرصاص أو الخرطوش، وسكت الحكم عن بيان زمان الجريمة ومكانها وظروف ارتكابها ولم يستظهر نية القتل لدى الطاعنين ولا البواعث التى حملتهما على الفتك بالمجنى عليه، ولا المصدر الذى استقى منه الدليل على أن الإصابات فى مقتل من جسمه وأغفل بيان رابطة السببية بين إطلاق الأعيرة النارية وبين الإصابات التى أوردها التقرير الطبى، هذا إلى أنه فى معرض استدلال الحكم على توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد استند إلى القول بأن الطاعنين كانا مختفيين فى زراعة الذرة مع أنه ليس لهذا الاختفاء سند من أوراق الدعوى وتخاذل الحكم فى مواطن كثيرة، منها أنه ذكر فى بيان الواقعة أن السلاح الذى استعمل هو بندقية قصيرة وقال فى هذا البيان وفى وصف التهمة إنه أطلق على المجنى عليه عياران ناريان، مع أنه حين تحدث عن نية القتل لم يذكر شيئا عن وصف البندقية إن كانت طويلة أو قصيرة وذكر أن الذى أطلق هى أعيرة نارية ولم يبين عددها، وقال أيضا فى وصف التهمة إن الطاعنين أعدا لارتكاب الجريمة فردتين تطلقان الخرطوش، ثم انتهى إلى إدانتهما بجناية القتل العمد بينما قضى ببراءة الطاعن الثانى من جريمة إحراز البندقية بغير ترخيص. كذلك أثبت الحكم المطعون فيه نقلا عن العمدة ووكيل شيخ الخفراء أنه لم يكن من الممكن سؤال المجنى عليه عن الحادث فاستفسرا عن ذلك من ابنه مصطفى عمر حماده، بينما عاد الحكم بعد ذلك واثبت أن محمد شبل حماده ومحمد السيد عطيه شهدا بأنهما سألا المجنى عليه عن الجناة فأخبرهما بأسمى الطاعنين وأثبت الحكم أيضا أن زوجة المجنى عليه سألت زوجها عقب وقوع الحادث فلم يتمكن من إجابتها فسألت ابنتها ابتسام فأخبرتها بأن الطاعن الأول أطلق النار على أبيها وكان فى رفقته الطاعن الثانى، وكل ذلك ينفى ما انتهى إليه الحكم من أن الطاعن الثانى أعد سلاحا ناريا وأطلقه على المجنى عليه، فضلا عن أنه يوضح الخلافات الجوهرية فى أقوال الشهود بين بعضهم وبعض. ويضيف الطاعنان إلى ما تقدم أن الحكم المطعون فيه إذ اعتمد فى إدانتهما على شهادة شيخ البلد ومحمد شبل حماده مع أنهما ليسا من شهود الإثبات الوارد ذكرهم بقائمة الشهود التى أعلنت للطاعنين، ولم يدليا بشهادتهما فى جلسة المحاكمة، ولم تكن أقوالهما فى التحقيق مطروحة على بساط البحث بالجلسة، فانه يكون قد خالف حكم المادتين 187 و302 من قانون الإجراءات الجنائية، هذا فضلا عن أن أقوال هذين الشاهدين فى التحقيقات تخالف ما استخلصه الحكم مما يعد خطأ فى الإسناد يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بيانا وافيا مشتملا على ظروفها وزمانها ومكانها والعناصر القانونية لجناية الشروع فى القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد التى دان الطاعنين بها فقال " إنها تتحصل فى أن المجنى عليه عمر ابراهيم حماده يقطن بناحية كفر تييس ونظرا لأنه يعمل مدرسا بمدرسة الأقباط الإعدادية بالبتانون ولأن ابنته وابنه تلميذان بمدرسة شبين الكوم فقد اعتاد يوميا مصاحبتهما والسير معهما فى الصباح الباكر فى الطريق الزراعى ليصلوا منه إلى الطريق العمومى ليستقلوا إحدى السيارات الذاهبة إلى شبين، وفى منتصف الطريق وحوالى الساعة السادسة على يمين طريقهم بادره أولهما بعيار أطلقه من بندقية قصيرة كان يحملها بيده فأصابه فى وجهه وكان واقفا على مسافة متر ونصف منه تقريبا فحاول أن يمسك به إلا أن المتهم الثانى عاجله بإطلاق عيار آخر عليه وكان وقتئذ أمامه وعلى يساره قليلا وفرا هاربين، وثبت بالتقرير الطبى الشرعى وجود إصابتين بالمجنى عليه من عيارين ناريين إحداهما فى وجهه والأخرى بالساق واليد اليسرى وأيسر الصدر ووسط أعلى البطن". وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة فى حق الطاعنين أدلة سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى رتبها عليها، ومن هذه الأدلة شهادة المجنى عليه وولديه شاهدى الرؤية اللذين كانا مرافقين له وقت الحادث وشهادة محمد شبل حماده ومحمد السعيد عطية اللذين قررا بأنهما سألا المجنى عليه عقب وقوع الجريمة فأخبرهما بأن الطاعنين هما اللذان أطلقا عليه النار، وتقرير الطبيب الشرعى الذى أثبت إصابة المجنى عليه بجرح نارى فى وجهه، وبجروح نارية أخرى من رش منتشر بالساعد واليد اليسرى وأيسر الصدر ووسط أعلى البطن وأن هذه الإصابات حدثت من مقذوفين ناريين أطلق عليه أحدهما الذى أصاب الوجه من مسافة متر أو متر ونصف متر وأطلق الآخر من مسافة نحو أربعة أمتار ذلك إذا كان السلاح الذى استعمل هو آلة قصيرة، واستظهر الحكم بعد ذلك ومطابقة رواية المجنى عليه وولديه شاهدى الرؤية للتقرير الطبى وأثبت أخذا بشهادتهم التى اقتنعت بها واطمأنت إلى صدقها أن كلا الطاعنين كان يحمل بندقية وأن الطاعن الأول أطلق على المجنى عليه المقذوف النارى الأول الذى أصابه فى وجهه وأن الطاعن الثانى هو مطلق المقذوف الآخر الذى أصاب المجنى عليه فى جسمه وأورد الحكم على وجه التفصيل البواعث التى حملت الطاعنين على ارتكاب الجريمة ثم استدل على توافر نية القتل لدى الطاعنين بقوله إنها " ثابتة من الآلة التى استعملت وهى بندقية ومن إطلاق الأعيرة فى مقتل من جسم المجنى عليه – الرأس وجنبه الأيسر ومن الدافع إلى ارتكاب الجريمة وظروف وكيفية اقترافها وحيث إن سبق الاصرار والترصد واضحان كل الوضوح من البواعث على ارتكاب الجريمة وهى الضغائن السابق إيضاحها بأقوال المجنى عليه ومن اعتداء المتهمين بسلاح قاتل بندقية مخروطة واختفائهما فى زراعة الذرة وتربصهما له فى الطريق وفى الميعاد الذى اعتاد فيه يوميا الخروج والسير فيه للذهاب إلى مقر عمله بناحية البتانون ومن مباغتتهما له وإطلاق النار عليه مرتين، كل هذا يدل على أن الجريمة وقعت نتيجة تدبير سابق عن تبصر ورويه". وهذا الذى قاله الحكم صحيح فى الواقع لأن الوجه والصدر والبطن تعد من المقاتل بغير حاجة إلى تدليل وكاف فى بيان قصد القتل ويتحقق به ظرفا سبق الاصرار والترصد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن التناقض فى أقوال الشهود – على فرض قيامه – لا يؤثر على سلامة الحكم ما دامت المحكمة قد استخلصت الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا سليما من شائبة التناقض وكان لا يؤثر على سلامته كذلك عدم ذكر أوصاف البندقية التى استعملها كل من الطاعنين ونوعها، فضلا عن أن المجنى عليه الذى صدقت المحكمة قوله قرر أن كلا منهما كان يحمل بندقية قصيرة " مقروطة" وأطلق منها عليه عيارا ناريا أصابه وكان إيراد مؤدى التقرير الطبى وأن الطاعنين أطلقا على المجنى عليه عيارين ناريين فأحدثا الاصابات الموضحة بهذا التقرير يتضمن بذاته قيام رابطة السببية بين الاصابات التى حدثت وبين الفعل المرتكب، ولما كان ما ينعاه الطاعنان من وجود تعارض بين إدانتهما بجناية الشروع فى القتل العمد وبراءة الطاعن الثانى من جريمة إحراز السلاح غير صحيح، لأن الحكم أثبت أن الفرد الخرطوش موضوع هذه الجريمة ولا صلة للطاعن الثانى به لأنه ضبط فى العراء بعد وقوع جريمة القتل بستة أيام ولأن فى وسع أى شخص أن تصل يده إلى هذا الموضع، كذلك غير صحيح ما يدعيه الطاعنان فى طعنهما من وجود تناقض بين أقوال العمدة ووكيل شيخ الخفراء وبين أقوال الشاهدين محمد شبل حماده ومحمد السيد عطيه مادام يصح فى العقل أن يكون المجنى عليه عقب الحادث فى حالة غير مستقرة، تعتريه غشية تفقده القدرة على الكلام بسبب وطأة الإصابة تارة ثم يصحو ويفيق فيقدر عليه تارة أخرى، ولما كان للمحكمة بمقتضى القانون أن تعول فى حكمها على أقوال شاهد أو أكثر أدلى بها فى التحقيق الابتدائى ولو لم يعلن بالحضور لأداء الشهادة أمام المحكمة ما دامت أقواله فى ذلك التحقيق كانت مطروحة على بسط البحث بالجلسة على معنى أنها مدونة بملف القضية الذى كان تحت نظر الدفاع، لما كان كل ذلك فإن ما يثيره الطاعنان فيما تقدم لا يكون له أساس ولا يكون فى حقيقته إلا جدلا موضوعا فى واقعة الدعوى وتقدير أدلة الإثبات فيها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تقبل اثارته أمام محكمة النقض، أما ما يدعيه الطاعنان بوقوع خطأ فى الإسناد فلا محل له لأنهما لم يبينا فى طعنهما وجه هذا الخطأ ولا صلته بأدلة الإثبات التى اعتمد عليها الحكم أو بالعقيدة التى كونتها المحكمة عند قضائها بادانتهما.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.