أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثالث – السنة 8 – صـ 939

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وعثمان رمزى، والسيد أحمد عفيفى، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(258)
طعن رقم 1215 سنة 27 ق

قتل عمد. نية القتل. حكم " تسبيب كاف". انتهاء الحكم إلى أن واقعة الدعوى صورة من صور القصد غير المحدد. عدم إفصاحه عن شخص من انصرفت نية المتهم إلى قتله. لا عيب.
لا يعيب الحكم عدم إفصاحه عن شخص من انصرفت نية المتهم إلى قتله أو أنه تردد فى تحديد هذا الشخص، ذلك أن عدم تحديد القصد بشخص معين بذاته أو تحديده وانصراف أثره إلى شخص آخر لا يؤثر فى قيامه ولا يدل على انتفائه مادامت واقعة الدعوى لا تعدو أن تكون صورة من صور القصد غير المحدد أو من حالات الخطأ فى الشخص، فإن كانت الأولى فالمسئولية متوافرة الأركان وإن كانت الثانية فالجانى يؤخذ بالجريمة العمدية حسب النتيجة التى انتهى إليها فعله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كل من 1 – شحاته آدم مصطفى و2 – الشطورى هارون على و3 – محمد علام رضوان. بأنهم المتهم الأول – قتل نهاية زكى أحمد علام عمدا بأن أطلق عليها مقذوفا من سلاح نارى " بندقية" قاصدا من ذلك قتلها فأحدث بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها. والمتهم الثانى – شرع مع آخر فى قتل زكى أحمد علام وفكرى أحمد علام عمدا بأن أطلق كل منهم عليهما مقذوفات من أسلحة نارية " بندقيتين" قاصدين من ذلك قتلهما وخاب أثر الجريمة بسبب لا دخل لإرادتهما فيه وهو عدم أحكام الرماية. والمتهم الثالث – قتل كمال عيسى هرون عمدا وكان ذلك مع سبق الإصرار بأن انتوى قتله وأعد لذلك سلاحا ناريا " بندقية" وتوجه إليه بحقله ثم أطلق عليه مقذوفا ناريا قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابة المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقا للمواد 42 و46 و230 و231 و234/ 1 من قانون العقوبات. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات للأول والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الاجراءات الجنائية للثانى والثالث. أولا – بمعاقبة المتهم شحاته آدم مصطفى بالأشغال الشاقة المؤبدة. ثانيا – ببراءة المتهمين الشاطورى هارون على ومحمد علام رضوان مما نسب إلى كل منهما. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

.... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو قصور الحكم عن بيان نية القتل فى حق الطاعن إذ أن مجرد تصويب السلاح القاتل إلى ناحية المجنى عليها لا يؤدى حتما إلى قيام نية القتل وتوافرها لدى الفاعل. كما أن تردد الحكم فى تحديد هدف الجانى وهو يطلق العيار يكشف عن اضطراب صورة الواقعة فى ذهن القاضى فتارة يقول الحكم المطعون فيه إن الطاعن صوب سلاحه نحو المجنى عليها وذويها وتارة يقول نحوها هى بالذات فلم يبين الحكم من كان مقصودا بذلك من هؤلاء ولا أفصح الشهود عنه صراحة فى التحقيقات ولا كانت مجرد إصابة المجنى عليها الأولى هى الفيصل وحدها – كما تراءى للمحكمة – فى الكشف عن نية القتل فقد نفاها نفس الحكم عن متهم آخر فى الدعوى بمقولة " عدم قيام الدليل على أن الأعيرة الثلاثة التى أطلقها إنما أطلقها بنية القتل وإلا لتمكن من الإصابة فى يسر وسهولة". وفى هذه العبارة ما يدل على أن المحكمة قد عولت فى الاقتناع بقيام تلك النية على نتيجة أطلاق النار لا على القصد منه فاعتمدت فى التدليل على قيام النية عنصرا لا يؤدى بذاته إلى ثبوتها مع أن أحدا لم يقرر أن الطاعن قصد إلى قتل المجنى عليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده " أن الطاعن وفريقه حضروا على استغاثة غلام من أقاربهم كان فريق المجنى عليها قد قبضوا عليه يسرق قطنا من حقلهم ولما لم يستجيبوا لوعيد أهل الغلام إن لم يخلو سبيله. صوب الطاعن بندقيته نحوهم وأطلق منها عيارا ناريا قاصدا قتل أحدهم فأصاب المجنى عليها بالاصابة التى أودت بحياتها وخلص الحكم إلى ثبوت نية القتل لدى الطاعن من حمله لسلاح نارى سريع الطلقات ومن حشوه بالرصاص وهو سلاح قاتل بطبيعته ومن تصويب هذا السلاح ناحية المجنى عليها ووالدها وعمها على أثر القسم التهديدى الذى صدر من قريبه الشاطورى هارون". وأضاف الحكم " ولو أن المتهم كان يقصد مجرد التخويف لإفلات الغلام السارق لأطلق العيار إلى أعلا ولم يصوبه فى مستوى المجنى عليها وذويها" – لما كان ذلك وكان الحكم قد استخلص الدليل على ثبوت نية القتل من وقائع مؤدية بطبيعتها – وفى الظروف التى وقع فيها الحادث وفصلها الحكم – إلى النتيجة التى انتهى إليها. وكان لا يجدى الطاعن التحدى بأن الحكم لم يفصح عن شخص متى انصرفت نيته إلى قتله أو أنه تردد فى تحديد هذا الشخص لأن عدم تحديد القصد بشخص معين بذاته أو تحديده وانصراف أثره إلى شخص آخر لا يؤثر فى قيامه ولا يدل على انتفائه مادامت واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم لا تعدو أن تكون صورة من صور القصد غير المحدد أو من حالات الخطأ فى الشخص فإن كانت الأولى فالمسئولية الجنائية متوافرة الأركان وإن كانت الثانية فالجانى يؤخذ بالجريمة العمدية حسب النتيجة التى انتهى إليها فعله. لما كان ما تقدم وكان القول بأن الحكم قد جعل مناط توفر النية أو انعدامها هو حصول الاصابة مردودا بأن الحكم قد وازن بين إطلاق الطاعن للعيار وإطلاق المتهم الثانى للأعيرة وبين الظروف التى أحاطت بكل منهما واستخلص أن الطاعن قصد القتل فأصاب ولم يقصد الثانى غير الارهاب فلم يصب فلم تكن الاصابة هى المقدمة التى استخلص منها الحكم ثبوت نية القتل بل كانت النتيجة التى استهدفها الطاعن بفعله. لما كان ذلك فإن هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد.
وحيث إن الطاعن ينعى بعد ذلك على الحكم خطأ الاسناد حينما انتهى إلى أن الطاعن ومرافقيه حضروا من منازلهم على صراخ قريبهم الذى قبض عليه وهو يسرق من حقل والد المجنى عليه. بينما الثابت فى الأوراق أن المسافة بين منازلهم ومكان الحادث لا تسمح لهم بسماع استغاثته كما أسند الحكم إلى والد المجنى عليها وعمها أنهما رفضا الاذعان لتهديد الشاطورى هارون فلم يطلقا سراح الغلام الذى ضبطاه وكان الرفض سبب اطلاق النيران مع أن أحدا من الشهود لم يقرر بأن رفضا قد حصل كما أسند الحكم إلى الدفاع عن الطاعن قوله إن التهمة شائعة بين واحد من الثلاثة الذى اتهمهم والد المجنى عليها – ومنهم الطاعن – قد أطلق العيار مما كان له أثره فى تكوين عقيدة المحكمة الخاطئة بإدانة الطاعن مع أن عبارات الدفاع المثبتة بمحضر الجلسة لا تؤدى إلى المعنى الذى خلص إليه الحكم – ويضيف الطاعن إلى هذا الوجه تخاذل أسباب الحكم وفساد استدلاله حين تصدى للرد على دفاعه بأن والد المجنى عليها وعمها لم يحددا فى بلاغهما اسم مطلق العيار الذى أصاب المجنى عليها فأرجع الحكم ذلك إلى أنه من قبيل الايجاز الذى يقتضيه المقام كسبا للوقت حتى يبادروا إلى إسعاف المجنى عليها ومنعا لتفاقم الشر وهو تعليل غير سائغ إذ التفصيل لا يقتضى وقتا – وأخيرا ينعى الطاعن على الحكم قصور البيان إذ اكتفى عن تحصيل أقوال الشاهد فكرى أحمد علام بقوله إنها جاءت مطابقة لأقوال الشاهد الأول – هذا فضلا عن أن ما أثبت منها بمحضر الجلسة لا تطابق فيه وأنه إن صح التطابق فهو دليل الزيف.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه لم يفصح عن أن الطاعن وفريقه حضروا من منازلهم بل اقتصرت مدوناته على القول إنهم حضروا على أثر استغاثة قريبهم المقبوض عليه ولا يعيب الحكم أن تقصر مدوناته عن هذا التحديد وكان ما أورده الحكم بشأن رفض الاستجابة للتهديد واطلاق سراح الغلام السارق إنما كان من قبيل الاستنتاج الصحيح المحمول على مقدمات تؤدى إليه ويفصح عنه المقام وظروف الحال – وكان دفاع الطاعن على ما أثبته محضر جلسة المحاكمة لم يقم على إنكار وجوده فى محل الحادث بل قال المدافع عنه إن المسئولية شائعة ولم يكن معرفة الضارب. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر معه جميع العناصر القانونية للجريمة التى دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. وكانت محكمة الموضوع ليست ملزمة بتقصى دفاع الطاعن الموضوعى والرد استقلالا على كل شبهة يثيرها مادام الرد عليها مستفادا من قضائها بالإدانة للأسباب التى بنت عليها حكمها والتى تتضمن اطراحها لهذا الدفاع وكان باقى ما يثيره الطاعن فى أسباب طعنه لا يعدو أن يكون محاولة منه لمعاودة الجدل فى موضوع الدعوى وتقدير الدليل فيها مما يستقل به قاضى الموضوع الذى له فى سبيل تكوين عقيدته أن يأخذ بشطر من أقوال الشاهد يطمئن إليه دون شطر آخر فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.