أحكام النقض – المكتب الفني – جنائى
العدد الثالث – السنة 8 – صـ 988

جلسة 16 من ديسمبر سنة 1957

برياسة السيد حسن داود المستشار، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وعثمان رمزى، والسيد أحمد عفيفى، وابراهيم عثمان يوسف المستشارين.

(270)
طعن رقم 1512 سنة 27 ق

(أ) قتل وإصابة خطأ. ركن الخطأ. السرعة التى تصلح أساسا للمساءلة الجنائية.
(ب) قتل وإصابة خطأ. محكمة الموضوع. تقدير ما إذا كانت السرعة عنصرا من عناصر الخطأ أم لا. موضوعى.
1 – السرعة التى تصلح أساسا للمساءلة الجنائية فى جريمتى القتل والإصابة الخطأ هى التى تجاوز الحد الذى تقتضيه ملابسات الحال وظروف المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح ولا يغير من ذلك أن تكون السرعة داخلة فى الحدود المسموح بها طبقا لقرار وزارة الداخلية الصادر بتنفيذ القانون رقم 449 سنة 1955 بشأن السيارات وقواعد المرور.
2 – إن تقرير ما إذا كانت السرعة تعد عنصرا من عناصر الخطأ أو لا تعد هو مسألة موضوعية يرجع الفصل فيها لمحكمة الموضوع وحدها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: تسبب بغير قصد ولا تعمد فى وفاة عبد العزيز عبد المطلب قنون بالاصابات المبينة بالتقرير الطبى وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم مراعاته اللوائح بأن قاد السيارة بسرعة وبحالة ينجم عنها الخطر وأركب شخصا على الرفرف فسقطت السيارة فى ترعة وحدثت الوفاة – وطلبت عقابه بالمادة 238 من قانون العقوبات. ومحكمة السنطة الجزئية قضت فيها حضوريا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة 10 جنيه لوقف التنفيذ. فاستأنف المتهم هذا الحكم ومحكمة طنطا الابتدائية قضت حضوريا بتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثانى هو مخالفة الحكم للقانون لانعدام عنصرى الخطأ ورابطة السببية ذلك أنه ثبت من محضر جمع الاستدلالات ومن التحقيق الذى أجرته محكمة أول درجة أن الحادث وقع فى الساعة الثانية بعد منتصف الليل وأن الطاعن كان أثناء قيادة السيارة يطلق آلة التنبيه ويضئ النور ويلتزم الجانب الأيمن من الطريق أما السرعة التى كان يسير علما فلم يستطع أحد من الشهود أن يحددها، بل نفى أحدهم وهو عبد الملك المرسى حجاج أنه كان يسير بسرعة واعتمد الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه فى إثبات السرعة على ما أثبته المهندس الفنى من أن السرعة التى كان يسير عليها الطاعن لا تقل عن ثلاثين كيلو مترا فى الساعة مع أن هذا التقدير رغم أنه تقريبى فانه يدخل فى حدود السرعة المصرح بها قانونا لأن المادة الأولى من قرار وزير الداخلية بتنفيذ أحكام القانون رقم 449 لسنة 1955 حددت السرعة بخمسين كيلو مترا بداخل المدن وبسبعين كيلو مترا خارج المدن فاذا كان الثابت أن الطاعن كان يسير بسرعة ثلاثين كيلو مترا أو أزيد فى طريق زراعى فانه لا يكون مخالفا لقانون المرور هذا فضلا عن أن الحكم المطعون فيه لم يبين السرعة التى كانت تسير عليها السيارة ولا بين السرعة التى كان يجب على الطاعن ألا يتجاوزها. أما ما نسبه الحكم إلى الطاعن من أنه سمح للمجنى عليه بالركوب على رفرف السيارة فقد أنكره الطاعن فى التحقيق وأيده فى دفاعه الشاهد عبد الملك المرسى حجاج ويؤخذ من ذلك ومن شهادة الشاهد ابراهيم أحمد الأشقر أمام المحكمة أن جميع الركاب كانوا بداخل السيارة عدا المجنى عليه الذى رغب فى الركوب على الرفرف ولم يتمكن الطاعن من أن يثنيه عن رغبته لأنه من أهل بلدته وكانت عودة السيارة من طنطا فى وقت متأخر من الليل بعد توديع الحجاج وأما قول الحكم إن الطاعن كان يقود السيارة بدون رخصة قيادة فلا سند له لأن الطاعن قرر فى محضر البوليس أن لديه رخصة قيادة رقم 689 عمومى غربية وأنها فقدت منه وقت حصول الحادث ولم تعن النيابة بتحقيق هذا الدفاع يضاف إلى كل ذلك انقطاع صلة السببية بين الخطأ وبين الحادث الذى وقع إذ لم يبين الحكم العلاقة بين ركوب المجنى عليه على رفرف السيارة على فرض أن ذلك خطأ من الطاعن وبين انقلاب السيارة الذى أدى إلى وفاة المجنى عليه والثابت أن هذا الانقلاب كان نتيجة انحناء فى الطريق وضعف تربة جسر المصرف الذى كانت تسير عليه السيارة.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعن سمح لبعض الركاب بالركوب بداخل السيارة التى يقودها ليلا وسمح – للبعض الآخر بالوقوف على السلم وقاد السيارة على هذه الصورة وبسرعة قادما من طنطا قاصدا إلى بلدة هؤلاء الركاب وفى الطريق عند مكان الحادث مرت السيارة بمنحن لم يتمكن – الطاعن من تفاديه والانحراف عنه لسرعة السيارة فانقلبت بمن فيها فى مصرف ونشأ عن ذلك إصابة المجنى عليه باصابات أودت بحياته وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن التقرير الطبى وتقرير المهندس الفنى الذى أثبت أنه تبين من معاينة محل الحادث وفحص السيارة أن المتهم كان يقودها بسرعة لا تقل عن ثلاثين كيلو مترا فى الساعة وأن الطريق عند مكان الحادث عبارة عن منحن دائرى على اليسار من اتجاه السيارة وأن السائق قبل أن يجتاز هذا المنحنى لم يتمكن من تجنب المضى فى سيره فى هذا الموضع وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى خلص اليها وعرض الحكم لاستظهار ركنى الخطأ ورابطة السببية فقال " ان الطاعن سمح لعدد من الركاب ومن بينهم المجنى عليه بالركوب على رفارف السيارة وقادها بسرعة لم يتمكن معها من تجنب المنحنى الذى صادفه فى الطريق فانقلبت السيارة بركابها ونشأ عن هذا الخطأ إصابة المجنى عليه بالاصابات الموضحة بالتقرير الطبى والتى أدت إلى وفاته لما كان ذلك وكان حصول الطاعن على ترخيص بقيادة السيارات بفرض صحته لا يؤثر فى قيام المسئولية إذ يكفى لتطبيق المادة 238 من قانون العقوبات أن تتحقق من ظروف الدعوى احدى صور الخطأ المنصوص عليها فى تلك المادة وكانت السرعة التى تصلح أساسا للمساءلة الجنائية فى جريمتى القتل الخطأ والاصابة الخطأ هى التى تجاوز الحد الذى تقتضيه ملابسات الحال ظروف المرور وزمانه ومكانه فيتسبب عن هذا التجاوز الموت أو الجرح ولا يغير من ذلك ن تكون السرعة داخلة فى الحدود المسموح بها طبقا لقرار وزارة الداخلية الصادر بتنفيذ القانون رقم 449 لسنة 1950 بشأن السيارات وقواعد المرور. لما كان ذلك وكان تقرير ما إذا كانت السرعة تعد عنصرا من عناصر الخطأ أو لا تعد هو مسألة موضوعية يرجع الفصل فيها لمحكمة الموضوع وحدها وكانت المحكمة المطعون فى حكمها قد استخلصت فى منطق سائغ سليم من ظروف الدعوى وأدلتها وقوع خطأ من الطاعن لو لم يرتكبه لما وقع الحادث فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون سديدا.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو الإخلال بحق الطاعن فى الدفاع إذ طلب الدفاع عن الطاعن إلى محكمة أول درجة استدعاء المهندس الفنى الذى عاين محل الحادث لمناقشته كما طلب ضم دفتر مرور السيارات بنقطة اشناواى فاستجابت المحكمة لهذين الطلبين ولكن قرارها لم ينفذ ولم تبين فى حكمها سبب عدولها عن تنفيذه وأمام المحكمة الاستئنافية عاد الدفاع إلى التمسك بطلب مناقشة المهندس فأجابته المحكمة إلى هذا الطلب ولكن إعلان المهندس لم يتم فعدلت المحكمة عن قرارها وقضت بتأييد الحكم الابتدائى دون أن تبين سبب عدولها عن تنفيذه، هذا إلى أن الطاعن تغيب عن الحضور بالجلسة الأخيرة بتاريخ 15 من يونيه سنة 1957 لمرضه وقدم الدفاع عنه شهادة صادرة من أحد الأطباء تفيد مرضه بروماتزم مفصلى مع التهاب بالأعصاب ولكن المحكمة أهدرت هذه الشهادة ولم تأخذ بها دون أن تتحقق من عدم صحتها وكان عليها أن تندب الطبيب الشرعى لتوقيع الكشف على الطاعن لتقدير صحة الشهادة.
وحيث إنه يبين من مراجعة محاضر جلسات المحكمة الاستئنافية والحكم المطعون فيه أن المدافع عن الطاعن اقتصر على طلب استدعاء المهندس لمناقشته فأجابته إلى طلبه وأجلت الدعوى لهذا الغرض لجلسة أخرى وبعد أن تداولت القضية بالجلسات عدل محامى الطاعن عن هذا الطلب بجلسة 4 من فبراير سنة 1957 وطلب التصريح له بتقديم رسم كروكى عن محل الحادث كان قد كلف أحد المهندسين بوضعه فأجيب إلى طلبه وأجلت القضية لجلسة 15 من أبريل سنة 1957 لتقديم الرسم وفيها حضر الطاعن وطلب محاميه الحاضر معه التأجيل لتنفيذ القرار السابق فأجلت الدعوى لهذا السبب لجلسة 17 من يونيه سنة 1957 وفى هذه الجلسة لم يحضر الطاعن وقدمت من وكيله شهادة مرضية لم تأخذ بها المحكمة وأمرت بحجز القضية للحكم لجلسة 24 من يونيه سنة 1957 وفيها صدر الحكم المطعون فيه – ولما كان ذلك يفيد أن الدفاع عن الطاعن عدل عن طلب استدعاء المهندس الفنى إلى طلب تقديم رسم تقريبى عن محل الحادث ولكنه لم يقدمه رغم ترخيص المحكمة له فى تقديمه فلا يقبل منه بعد ذلك النعى عليها بأنها لم تجبه إلى طلب مناقشة المهندس، ولما كانت المحكمة فى حدود سلطتها لم تروجها للأخذ بالعذر الذى تذرع به لطلب تأجيل نظر الدعوى أو طلب إعادتها للمرافعة وقالت فى تبرير ذلك " إن المتهم سبق له الحضور أكثر من مرة بجلسات المرافعة الاستئنافية وتخلف بالجلسة الأخيرة دون عذر مقبول خلا التعلل بمرض تفاوت بتفاوت الشهادات المرضية التى بلغت خمس شهادات مرفقة بدوسيه الدعوى ومن ثم يعتبر الحكم حضوريا... وحيث إن المتهم يتعمد تعطيل الفصل فى الاستئناف على الرغم من إفساح المحكمة صدرها له أكثر من مرة الأمر الذى يقطع بأنه غير جاد فيما يرمى إليه من وراء طلبه فتح باب المرافعة فى الدعوى" ولما كان ذلك منها تبريرا مقبولا يكفى لرفض طلب الطاعن فان دعوى الاخلال بحقه فى الدفاع لا يكون لها محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.