أحكام النقض – المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 24 - صـ 67

جلسة 8 من يناير سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ محمود عباس العمراوى، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وابراهيم أحمد الديوانى، ومصطفى محمود الأسيوطى، وعبد الحميد محمد الشربينى.

(16)
الطعن رقم 1303 لسنة 42 القضائية

(1) تبغ. دخان. جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". جمارك.
حيازة التبغ أو زراعته مؤثمة.
الإحراز المادى. ليس شرطا لاعتبار الشخص حائزا للدخان المكون لجسم الجريمة. كفاية أن يكون سلطانه مبسوطا عليه بأية صورة عن علم وإرادة ولو كان المحرز شخصا آخر نيابة عنه. مثال لتدليل سائغ على انتفاء حيازة المتهم شجيرات التبغ المزروعة فى ملكه.
(2) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تبغ. دخان. جمارك. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التناقض الذى يعيب الحكم. ماهيته؟
(3) إثبات. "بوجه عام". "إعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المحاكمات الجنائية. العبرة فيها باقتناع القاضى.
حق محكمة الموضوع فى الأخذ بأقوال المتهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين.
1- لئن كان من المقرر أن القانون رقم 92 لسنة 1964 يؤثم حيازة التبغ شأنها فى ذلك شأن زراعته، كما أنه لا يشترط لاعتبار الشخص حائزا للدخان المكون لجسم الجريمة أن يكون محرزا له ماديا، بل يكفى لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطا عليه بأية صورة عن علم وإرادة ولو كان المحرز له شخصا آخر بالنيابة عنه، إلا أنه لما كان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع – فى حدود سلطتها التقديرية وأخذا بالشواهد والبينات التى أوردتها – قررت أن المطعون ضده وقد أجر ثمار حديقته لآخر انحسر سلطانه عن الحديقة وثمارها فلا عليها من بعد أن ترتب على ذلك انتفاء حيازته لشجيرات التبغ المضبوطة وانتقال تلك الحيازة إلى المستأجر.
2- من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة.
3- العبرة فى المحاكمات الجنائية هى باقتناع القاضى بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو براءته وأن له أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه طالما كان له مأخذه الصحيح من الأوراق، وأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع. ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة (المدعية بالحقوق المدنية) فى شأن اعتراف الخفير... "المتهم الثانى" (من أنه أدلى باعترافه تجنيبا لإلزام متبوعه – المطعون ضده – بالتعويض الكبير المطالب به) يكون غير سديد.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المطعون ضده وآخر بأنهما فى يوم 20 أكتوبر سنة 1968 بدائرة مركز البدارى محافظة أسيوط: قاما بزراعة أدخنة محظور زراعتها محليا. وطلبت عقابهما بالمواد 1 و2 و3 من القانون رقم 92 لسنة 1964 وادعت مصلحة الجمارك مدنيا قبل المتهمين متضامنين. ومحكمة جنح البدارى الجزئية قضت حضوريا بتاريخ 8 من أبريل سنة 1970 عملا بمواد الاتهام بتغريم كل من المتهمين مائة جنيه والمصادرة وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا لمصلحة الجمارك تعويضا قدره أربعة عشر ألفا ومائتان وثمانين جنيها بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم، ومحكمة أسيوط الإبتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بتاريخ 7 ديسمبر سنة 1971 عملا بالمادة 304/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية قبله وإلزام رافعها المصروفات. فطعن الأستاذ ..... المحامى بإدارة قضايا الحكومة عن مصلحة الجمارك فى هذا الحكم بطريق النقض ..... الخ.


المحكمة

حيث إن مصلحة الجمارك – المدعية بالحقوق المدنية – تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى برفض دعواها قبل المطعون ضده إستنادا على أنه لم يزرع شجيرات التبغ موضوع المحاكمة قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه القصور والتناقض فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ذلك بأنه قد فاته أنه – بفرض صحة ذلك – فإن المطعون ضده هو مالك الحديقة التى ضبطت بها شجيرات التبغ بما يجعله حائزا لتلك الشجيرات مما يندرج تحت نص البند الرابع من المادة الثانية من القانون رقم 92 لسنة 1964 فى شأن تهريب التبغ الذى أثم مجرد حيازة الدخان شأنه فى ذلك شان البند الأول من المادة المذكورة الذى يحرم زراعته. يضاف إلى ذلك أنه فى الوقت الذى أثبت فيه الحكم قيام المطعون ضده بتأجير ثمار الحديثة لآخر بما يفيد أنه هو الذى زرع الأشجار التى أجر ثمارها، إذا به يناقض نفسه ويقرر أن الخفير (المتهم الثانى) هو الذى زرع شجيرات التبغ موضوع المحاكمة أخذا باعترافه الذى لم يدل به إلا تجنبا لإلزام متبوعه بالتعويض الكبير المطالب به ومغفلا بذلك صفته كخفير مهمته الحراسة لا الزراعة.
وحيث إن الحكم الإبتدائى – الذى أحال إليه الحكم المطعون فيه – فى بيان واقعة الدعوى أورد: "أن الواقعة تتحصل فيما أثبته النقيب ....... معاون مباحث مركز البدارى فى محضره المؤرخ 3/ 6/ 1965 من أن تحرياته قد دلت على وجود زراعة فى حديقة ملك ....... بجزيرة البدارى القبلية فقام بضبط كمية كبيرة من الدخان المذكور حيث قام بحصد نصف فدان كان منزرعا بأشجار من دخان المعسل فى مساحات متفرقة فى الحديقة، وضبط كميات من ورق أشجار الدخان محصودة وكان يجرى تجفيفها داخل نفس الحديقة تزن 95 كيلو جرام، وضبط تقاوى دخان كانت بداخل نفس الحديقة تزن 1200 كيلو جرام. وكان بالحديقة المتهم ........ مالكها وخفيرها...... وحيث إنه بسؤال ....... قرر أنه مالك الحديقة وأن خفيرها ......... هو الذى قام بزراعة الدخان المضبوط وأنه يبيع ثمار الحديقة لمن يدعى ...... وبسؤال ....... (الخفير) قرر أنه زرع تقاوى فلفل وشطة إشتراها من شخص مجهول ثم عرف أنها زراعة دخان بعد أن استوى عودها". وبرر الحكم المطعون فيه قضاءه ببراءة المطعون ضده فى قوله: "أنه يبين من ظروف الواقعة على النحو المتقدم أن المتهم وإن كان هو مالك الأرض المزروعة إلا أنه قام بتأجير ثمارها كحديقة إلى آخر وأن الخفير...... هو الذى قام بزراعة الشجيرات المضبوطة، واعترف الأخير بذلك ومن ثم لا تكون ثمة صلة بين المستأنف والأشجار والبذور المضبوطة، ويكون الحكم المستأنف بإدانته للمستأنف قد جانب الصواب فى إسناد التهمة إلى المتهم المستأنف بما يتعين معه القضاء ببراءة المتهم المستأنف". لما كان ذلك، فإنه وإن كان من المقرر أن القانون رقم 92 لسنة 1964 المشار إليه يؤثم حيازة التبغ شأنها فى ذلك شأن زراعته، كما أنه لا يشترط لاعتبار الشخص حائزا للدخان المكون لجسم الجريمة أن يكون محرزا له ماديا، بل يكفى لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطا عليه بأية صورة عن علم وإرادة ولو كان المحرز له شخصا آخر بالنيابة عنه، إلا أن مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه ان محكمة الموضوع – فى حدود سلطتها التقديرية وأخذا بالشواهد والبينات التى أوردتها – قررت أن المطعون ضده وقد أجر ثمار حديقته لآخر انحسر سلطانه عن الحديقة وثمارها فلا عليها من بعد أن ترتب على ذلك انتفاء حيازته لشجيرات التبغ المضبوطة وانتقال تلك الحيازة إلى المستأجر، ومن ثم يكون النعى على الحكم فى هذه الخصوصية غير قويم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضده يؤجر ثمار حديقته لآخر بما مفاده أن المستأجر هو الذى زرع أشجارها المثمرة لا يتعارض مع ما أثبته الحكم بعد ذلك من أن الخفير ...... هو الذى زرع شجيرات التبغ المضبوطة، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم من قالة التناقض فى التسبيب لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكانت العبرة فى المحاكمات الجنائية هى باقتناع القاضى بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته وأن له أن يستمد اقتناعه من أى دليل يطمئن إليه طالما كان له مأخذه الصحيح من الأوراق وأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع، فإن ما تثيره الطاعنة فى شأن اعتراف الخفير ...... (المتهم الثانى) يكون غير سديد ولا يعتد به. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا وإلزام الطاعنة المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.