أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 461

جلسة 13 من مايو سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن أبو الفتوح الشربينى، وإبراهيم أحمد الديوانى، وعبد الحميد محمد الشربينى، وحسن على المغربى.

(98)
الطعن رقم 57 لسنة 44 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
القضاء بالبراءة لاحتمالات ترجحت لدى للقاضى. كفايته. النعى بقيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيره. لا يقبل.
مثال لتسبيب سائغ للقضاء بالبراءة للتشكك فى علم المتهم بوجود المخدر داخل العمود المضبوط معه.
(2) إثبات. "بوجه عام". "تسجيل صوتي". إستدلال. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية التشكك فى إسناد التهمة للقضاء بالبراءة. مثال لإطراح الدليل المستمد من التسجيل الصوتى.
(3) حكم. "مالا يعيبه". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إلتفات حكم البراءة عن الرد على أحد أدلة الاتهام. لايعيبه. ما دام قد اشتمل على ما يفيد أنه فطن إليه. مثال.
1 - لا يصح النعى على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمالات ترجحت لديها بدعوى قيام احتمالات أخر تصح لدى غيرها، لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم أنه استخلص انتفاء علم المطعون ضده الأول بوجود المخدر فى العمود الذى كان يحمله مما جاء على لسان بعض الشهود من رجال الضبط من أنه لم يظهر عليه أى انفعال وقت اكتشاف المخدر داخل العمود وأن تصرفه كان طبيعيا، ومما رجحه بعضهم من أنه لم يكن يعلم بوجود المخدر داخل العمود وإنما كان يحترف حمل البضائع للتجار فى سبيل تخفيض الرسوم الجمركية المستحقة على تلك البضائع، وهى احتمالات يتسع لها مسلك المطعون ضده الأول وقت الضبط، فإن الطعن على قضاء الحكم ببراءة المطعون ضده الأول يكون غير سديد.
2 - من المقرر أنه يكفى فى المحاكمات الجنائية أن يتشكك القاضى فى إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى له بالبراءة لأن المرجع فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بعناصر الدعوى وبأدلتها عن بصر وبصيرة. ولما كان الحكم قد خلص إلى تبرئة المطعون ضده الثانى فى قوله: "أما الدليل قبل المتهم الثانى (المطعون ضده الثانى) فلا يعدو أقوال المتهم الأول الذى لم يقم الدليل المقنع عليها من أنه هو الذى سلمه العمود الذى عثر بداخله على المخدر مع علمه بوجود المخدر فيه، أما أمر التسجيل المقدم ضده فإن المحكمة لا تطمئن إليه فضلا عن أن المعروف أن الأصوات تتشابه فان أمر إمكان الصيغة الدخيلة على التسجيل أمر لا تستبعده من اعتقادها وبذلك تكون نسبة التهمة إلى هذا المتهم مشكوك فيها أيضا مما يتعين معه القضاء ببراءته". وكانت المحكمة قد أفصحت عن الأسباب السائغة التى من أجلها التفتت عن دلالة ما أدلى به المطعون ضده الأول فى حق المطعون ضده الثانى وعن عملية التسجيل الصوتى شاملة أقوال من شهودها، فإنه ينحسر بذلك عن الحكم قالة القصور فى التسبيب أو الفساد فى الاستدلال.
3 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على أحد ادلة الاتهام ما دام قد اشتمل على ما يفيد أن المحكمة فطنت إليه، وفى إغفال الرد على ذلك الدليل ما يفيد ضمنا أنها أطرحته ولم تر فيه ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما بأنهما فى يوم 6 فبراير سنة 1972 بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية: جلبا إلى أراضى جمهورية مصر العربية جوهرين مخدرين (أفيون وحشيش) دون الحصول على ترخيص كتابى من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و2 و3 و33/ أ و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 سنة 1966 والبندين 1 و12 من الجدول رقم 1 المرافق. فقرر ذلك فى 27 يونيه سنة 1976، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت فى الدعوى حضوريا بتاريخ 30 من أكتوبر سنة 1972 عملا بمواد الاتهام ببراءة المتهمين مما أسند إليهما ومصادرة المخدر المضبوط. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدهما من جريمة جلب جوهر مخدر قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، ذلك بأنه أغفل الإشارة إلى ما جاء على لسان الشاهدين.......... و........... من مقابلتهما للمطعون ضدهما فى بيروت وعلمهما بأن الأول يعمل لدى الثانى وأن العمود المضبوط مملوك لهذا الأخير، وقد أسست المحكمة قضاءها ببراءة المطعون ضده الأول على انتفاء علمه بما كان يحتويه العمود الذى كان يحمله من مواد مخدرة لعدم ظهور علامات الانفعال عليه عند اكتشاف المخدر الأمر الذى قد يرجع فى الواقع إلى اطمئنانه إلى أحكام وسيلة الإخفاء ورباطة جأش أمثاله من المهربين كما أن إقراره بالعمل لحساب المطعون ضده الثانى الذى تولى الإنفاق على رحلته ونقده أجرا عنها لا يستقيم وزعمه بأن الغرض من الرحله كان مجرد إحضار بضائع ثبت أن قيمتها ضئيلة ولا تتناسب ونفقات السفر والأجر. هذا فضلا عن أن الحكم – من ناحية أخرى – لم يعرض الدليل المستمد من أقوال الشهود........... و............. و.............. الذين ذكروا أن المطعون ضده الثانى أقر أمامهم بملكيته للمخدر المضبوط وأنه سلمه للمطعون ضده الأول فى بيروت، ولا يكفى تبريرا لمسلك الحكم فى ذلك إطراحه الدليل المستمد من التسجيل الصوتى الذى تقدم به المطعون ضده الأول حاملا اعتراف المطعون ضده الثانى أمام أولئك الشهود. وقد أغفل الحكم أيضا واقعة ضبط تذكرتى السفر داخل السيارة التى أقلت المطعون ضده الثانى إلى قسم الشرطة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى كما صورها الاتهام أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده الأول على قوله: "وحيث إن المحكمة ترى أن الدليل قبل المتهم الأول (المطعون ضده الأول) ينحصر فى ضبط العمود الذى يحتوى على المخدر معه وأن ظروف الدعوى وملابساتها لاتقطع بعلم هذا المتهم باحتواء العمود على المخدر المضبوط يؤيد ذلك ما جاء على لسان رجال الضبط من أن هذا المتهم لم يظهر عليه أى انفعال عند ضبط العمود وفتحه وأن اعتقادهم أنه ما كان يعلم بوجود المخدر بالعمود المضبوط وقد وضح هذا من قول........... معاون المباحث من أنه يعتقد وقد حضر واقعة الضبط أن هذا المتهم ما كان يعلم بوجود المخدر وما رجحه الرقيب.......... من عدم علم المتهم بما يحويه العمود، وأن مجمل وقائع الدعوى يقطع بأن هذا المتهم يعمل حاملا لآخرين للبضائع بقصد تقليل الرسوم الجمركية المحصلة عليها وهو سواء أكان يعمل للثانى كما يقرر أن لأشخاص آخرين لم يكشف عنهم التحقيق فإن علمه بالمخدر مشكوك فيه لا تطمئن إليه المحكمة مما يتعين معه القضاء ببراءته". كما خلص الحكم إلى تبرئة المطعون ضده الثانى فى قوله: "أما الدليل قبل المتهم الثانى (المطعون ضده الثانى) فلا يعدو أقوال المتهم الأول الذى لم يقم الدليل المقنع عليها من أنه هو الذى سلمه العمود الذى عثر بداخله على المخدر مع علمه بوجود المخدر فيه أما أمر التسجيل المقدم ضده فان المحكمة لا تطمئن إليه ففضلا عن أن المعروف أن الأصوات تتشابه فان أمر إمكان الصيغة الدخيلة على التسجيل أمر تستبعدة من اعتقادها وبذلك تكون نسبة التهمة إلى هذا المتهم مشكوك فيها أيضا مما يتعين معه القضاء ببراءته ". وحيث إنه يبين من مدونات الحكم المطعون فيه – وعلى ما سلف بيانه – أنه استخلص انتفاء علم المطعون ضده الأول بوجود المخدر فى العمود الذى كان يحمله مما جاء على لسان بعض الشهود من رجال الضبط من أنه لم يظهر عليه أى انفعال وقت اكتشاف المخدر داخل العمود وأن تصرفه كان طبيعيا ومما رجحه بعضهم من أنه لم يكن يعلم بوجود المخدر داخل العمود وإنما كان يحترف حمل البضائع للتجار فى سبيل تخفيض الرسوم الجمركية المستحقة على تلك البضائع وهى احتمالات يتسع لها مسلك المطعون ضده الأول وقت ضبط الواقعة. لما كان ذلك، وكان لا يصح النعى على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمالات ترجحت لديها بدعوى قيام احتمالات أخر تصح لدى غيرها، لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله. لما كان ذلك، فان الطعن على قضاء الحكم ببراءة المطعون ضده الأول يكون غير سديد. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بتبرئة المطعون ضده الثانى على خلو الأوراق مما يساند قول المطعون ضده الأول بأنه هو الذى سلمه العمود المضبوط مع علمه بوجود المخدر بداخله وعلى عدم اطمئنان المحكمة لأمر التسجيل الصوتى بما مؤداه أنها أهدرت الدليل المستمد من عملية التسجيل ذاتها شاملة أقوال من استشهد بهم المطعون ضده الأول ممن قاموا بهذه العملية ورددوا ما جرى فى جلسة التسجيل – لما كان ذلك، وكان يكفى فى المحاكمات الجنائية أن يتشكك القاضى فى إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى له بالبراءة، لأن المرجع فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل مادام الظاهر – من الحكم أنه أحاط بعناصر الدعوى وبأدلتها عن بصر وبصيرة – كما هو الحال فى الدعوى - وكانت المحكمة قد أفصحت عن الأسباب السائغة التى من أجلها التفتت عن دلالة ما أدلى به المطعون ضده الأول فى حق المطعون ضده الثانى وعن عملية التسجيل الصوتى شاملة أقوال من شهدوها فانه ينحسر بذلك عن الحكم قالة القصور فى التسبيب أو الفساد فى الاستدلال ولايقدح فى سلامة الحكم سكوته عن التعرض لدلالة واقعة العثور على تذكرتى سفر المطعون ضدهما داخل السيارة التى أقلت المطعون ضده الثانى إلى قسم الشرطة إذ من المقرر أنه لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على أحد ادلة الاتهام ما دام قد اشتمل على ما يفيد أن المحكمة فطنت إليه، وفى إغفال الرد على ذلك الدليل ما يفيد ضمنا أنها أطرحته ولم تر فيه ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.