أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 497

جلسة 20 من مايو سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن أبو الفتوح الشربينى، وإبراهيم أحمد الديوانى، وعبد الحميد محمد الشربينى، وحسن على المغربى.

(107)
الطعن رقم 474 لسنة 44 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المحاكمات الجنائية. العبرة فيها باقتناع القاضى بناء على الأدلة المطروحة عليه.
حقه فى الأخذ بأقوال الشاهد. وفى تجزئتها.
الأدلة التى يعتمد عليها الحكم. كفاية أن تكون فى مجموعها، مؤدية إلى ما قصد منها.
(2و3) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. أسباب الطعن. ما لا يقبل منها. دفوع. إكراه.
(2) الدفع الذى تلتزم المحكمة بتحقيقه أو الرد عليه. هو الذى يبدى صراحة أمامها. انتهاء الطاعن فى مذكرته إلى استنتاج حصول اكراه. لا يعد دفاعا به.
(3) عدم تمسك الطاعن. أمام الهيئة الجديدة. التى نظرت الدعوى بعد اعادتها للمرافعة وأصدرت الحكم المطعون فيه. بأى دفع. لا تثريب عليها أن لم ترد عليه.
1 - من المقرر أن العبرة فى المحاكمات الجنائية هى باقتناع قاضى الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بادانة المتهم أو ببراءته، ولمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى، وفى إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد ما يفيد ضمنا عدم اطمئنانها إليها ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها – كما أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التى يعتمد عليها الحكم بحيث ينئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
2 - من المقرر أن الدفع الذى تلتزم المحكمة بتحقيقه أو الرد عليه هو الذى يبدى صراحة أمامها دون غيره من القول المرسل الذى لم يقصد به سوى مجرد التشكيك فى مدى ما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت. لما كان ذلك، وكان الثابت من محاضر جلسات المحاكمة الإستئنافية أن المحكمة قدرت إعادة الدعوى للمرافعة ثم تأجلت الدعوى إلى جلسات متلاحقة – بعد تغيير الهيئة – حتى جلسة 27 يناير سنة 1973 وفيها أثبت بمحضر الجلسة أن الدفاع عن الطاعن ترافع فى الدعوى وطلب إلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم وأشار إلى مذكرة سبق أن قدمها فى الدعوى، دون أن يورد فى مرافعته دفعا من الدفوع أو طلبا من الطلبات، ثم صدر الحكم المطعون فيه، كما يبين من الاطلاع على المفردات أن المذكرة المشار إليها بأسباب الطعن قد تضمنت دفاعا للطاعن ناقش فيه الأدلة التى استند إليها الحكم الإبتدائى فى قضائه بالإدانة، وأورد بها أنه لا يعقل أن تقول النسوة اللاتى ضبطن بأحد المسكنين المؤجرين من الطاعن عن ما ورد على لسانهن بمحضر الضبط واستنتج من ذلك أن تلك الأقوال إما أنها لم تصدر أصلا أو أنها كانت وليدة ضغط وتهديد، كما أورد الطاعن بتلك المذكرة أنه لا يتصور أن يوقع من هو فى مثل مركز الشاهد – الذى قال أنه يشغل منصبا كبيرا فى بلد عربى شقيق....... إقرارا بما تضمنه الإقرار المقدم فى الدعوى مستنتجا من ذلك أن توقيع الشاهد على هذا الإقرار لم يكن إلا تحت تأثير إكراه أدبى كان معرضا له هو خشيته من الفضيحة. ولما كان المدافع عن الطاعن لم يتمسك فى مرافعته الأخيرة بأية دفوع، كما خلت المذكرة التى أحال عليها فى دفاعه من دفع صريح ببطلان أقوال من اعتمد الحكم على أقوالهم فى الإدانة لصدورها نتيجة إكراه أو تهديد، وكان ما أشار إليه الدفاع فى هذه المذكرة لا ينصرف إلا إلى مجرد التشكيك فى الدليل المستمد من تلك الأقوال توصلا إلى عدم تعويل المحكمة عليه مما يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تلتزم المحكمة بالرد عليها إذ الرد عليها يستفاد من الحكم بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التى أخذت بها.
3 - من المقرر أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على الدفع إلا إذا كان من قدمه قد أصر عليه، أما الكلام الذى يلقى فى غير مطالبة جازمة ولا إصرار فلا تثريب على المحكمة إذا هى لم ترد عليه. ولما كان الظاهر من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة الإستئنافية أن الطاعن لم يتمسك أمام الهيئة الجديدة – التى نظرت الدعوى بعد إعادتها للمرافعة وأصدرت الحكم المطعون فيه – بأية دفوع، فلا يكون له أن يطالب هذه الهيئة بالرد على دفاع لم يبد أمامها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 18 يونيه سنة 1970 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة. (أولا) شرع فى تسهيل دعارة............ وأخريات وذلك بأن قدمهن لـ.............. و................ لارتكاب الفحشاء معهن وخاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادته هو ضبط الجريمة متلبسا بها. (ثانيا) أجر المسكنين المبينين بالمحضر لـ........... و............. بقصد ممارسة الدعارة فيهما مع علمه بذلك. وطلبت عقابه بالمواد 1/ 1 و7 و9/ 3 و15 من القانون رقم 10 لسنة 1961. ومحكمة جنح آداب القاهرة قضت حضوريا اعتباريا بتاريخ 28 فبراير سنة 1971 عملا بمواد الإتهام مع تطبيق المادة 32/ 1 من قانون العقوبات بحبس المتهم سنتين مع الشغل وكفالة ثلاثة جنيهات لإيقاف التنفيذ وتغريمه مائتى جنيه ووضعه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لعقوبة الحبس وبعد انتهائها فى المكان الذى يخصصه وزير الداخلية عن التهم المسندة إليه وبغلق المحل لمدة شهرين عن التهمة الثانية المسندة إليه بلا مصاريف جنائية. فاستأنف ومحكمة القاهرة الإبتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بتاريخ 27 يناير سنة 1973 بقبول الاستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى شروع فى تسهيل دعارة وتأجير مسكنين لممارسة الدعارة فيهما قد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ذلك بأن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه جزأ أقوال الشاهدين اللذين عول على شهادتهما، وكان ما أورده من تلك الأقوال يدل على أنه لم يتفهم مضمونها، كما اعتمد الحكم على الاقرار الموقع عليه من أحد هذين الشاهدين – الذى يشغل منصبا كبيرا ببلد عربى شقيق........ وعلى الأقوال الصادرة من النسوة المضبوطات وذلك دون أن يعرض – إيرادا وردا – لما أثاره الطاعن فى مذكرته المؤرخة 7 مارس سنة 1972 المقدمة إلى المحكمة الاستئنافية من دفاع جوهرى مؤداه أن التوقيع على ذلك الاقرار وصدور تلك الأقوال كان وليد ضغط وتهديد وإكراه أدبى يتمثل فى تهديد النسوة بالإذاء وفى حرص الشاهد على تفادى ما ينال من مركزه الأدبى ولم يعرض الحكم كذلك لدفاع الطاعن فى تلك المذكرة المؤسس على أن تسجيل المكالمات التليفونية تم فى الفترة ما بين يومي 16 من يونيه و 18 من يونيه سنة 1970 مع أن واقعة الضبط كانت فى مساء يوم 19 من يونيه سنة 1970 بما مفاده أن هذه التسجيلات لا صلة لها بواقعة ضبط النسوة ويؤكد انقطاع الصلة بين الطاعن وبين وجودهن فى أماكن ضبطهن، هذا فضلا عن أن الحكم لم يلتفت إلى باقى ما ضمنه الطاعن تلك المذكرة من دفاع سواء عن الضغينة التى بينه وبين ضابط الشرطة الذى أجرى التحريات وقام بضبط الواقعة وتحرير محضرها أو بالنسبة للعمل الذى يباشره الطاعن ويعد مورد كسبه المؤيد بالمستندات المقدمة منه، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكانت العبرة فى المحاكمة الجنائية هى باقتناع قاضى الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، وكان لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى وفى إغفالها إيراد بعض الوقائع من أقوال الشاهد ما يفيد ضمنا عدم اطمئنانها إليها، ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يشترط أن تكون الأدلة التى يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. ولما كان الحكم المطعون فيه بين بافاضة وتفصيل واقعة الدعوى والأدلة القائمة فيها – ومن بينها الإقرار الصادر من أحد الشاهدين المشار إليهما بوجه الطعن وأقواله بتحقيقات النيابة العامة وأقوال الشاهد الآخر بمحضر ضبط الواقعة وبتحقيقات النيابة – بما يكشف عن إلمام تام وإحاطة كاملة بعناصر الدعوى، ثم خلص الحكم – فى منطق سائغ وتدليل مقبول إلى ثبوت ما نسب إلى الطاعن، ولما كان الطاعن لا يمارى فى أن ما أورده الحكم له معينه الصحيح فى الأوراق، وكانت منازعته قد انصبت على ما استخلصه الحكم من أقوال الشاهدين المذكورين – التى لم يخطئ الحكم فى فهم مضمونها بل كان متفطنا إلى فحواها ومؤداها. فان ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو فى حقيقته أن يكون جدلا فى تقدير أدلة وعناصر الدعوى التى استمدت منها المحكمة اقتناعها واستنبطت معتقدها فلا يجوز مصادرتها فيه أو معاودة الخوض فيه أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة الاستئنافية قررت بجلسة 16 من مايو سنة 1972 حجز الدعوى للحكم بجلسة 13 يونيه سنة 1972 وبهذه الجلسة قررت المحكمة إعادة الدعوى للمرافعة لجلسة تالية لمناقشة الضابط شاهد الواقعة وضم أصل تفريغ شريط التسجيل ثم تأجلت الدعوى إلى جلسات متلاحقة. بعد تغيير الهيئة – لتنفيذ القرار المشار إليه حتى جلسة 27 يناير سنة 1972 وفيها نوقش الشاهد المذكور ثم أثبت بمحضر الجلسة أن الدفاع عن الطاعن ترافع فى الدعوى وطلب إلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم وأشار إلى مذكرة سبق أن قدمها فى الدعوى، دون أن يورد فى مرافعته دفعا من الدفوع أو طلبا من الطلبات، ثم صدر الحكم المطعون فيه، كما يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن المذكرة المؤرخة 7 مارس سنة 1972 - المشار إليها بأسباب الطعن - قد تضمنت دفاعا للطاعن ناقش فيه الأدلة التى استند إليها الحكم الإبتدائى فى قضائه بالإدانة، وأورد بها أنه لا يعقل أن تقول النسوة اللاتى ضبطن بأحد المسكنين المؤجرين من الطاعن ما ورد على لسانهن بمحضر الضبط واستنتج من ذلك أن تلك الأقوال أما أنها لم تصدر أصلا أو أنها كانت وليدة ضغط وتهديد، كما أورد الطاعن بتلك المذكرة أنه لا يتصور أن يوقع من هو فى مثل مركز الشاهد... الذى قال أنه يشغل منصبا كبيرا فى بلد عربى شقيق - إقرارا بما تضمنه الإقرار المقدم فى الدعوى مستنتجا من ذلك أن توقيع الشاهد على هذا الإقرار لم يكن إلا تحت تأثير إكراه أدبى كان معرضا له هو خشيته من الفضيحة. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الدفع الذى تلتزم المحكمة بتحقيقه والرد عليه هو الذى يبدى صراحة أمامها دون غيره من القول المرسل الذي لم يقصد به سوي مجرد التشكيك في مدي ما اطمأنت إليه من أدلة الثبوت وكان المدافع عن الطاعن لم يتمسك فى مرافعته الأخيرة بأية دفوع، كما خلت المذكرة التى أحال عليها فى دفاعه من دفع صريح ببطلان أقوال من اعتمد الحكم على أقوالهم فى الادانة لصدورها نتيجة إكراه أو تهديد، وكان ما أشار إليه الدفاع فى هذه المذكرة لا ينصرف إلا إلى مجرد التشكيك فى الدليل المستمد من تلك الأقوال توصلا إلى عدم تعويل المحكمة عليه مما يعد من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تلتزم المحكمة بالرد عليها إذ الرد عليها يستفاد من الحكم بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التى أخذت بها. هذا فضلا عن أنه من المقرر أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على الدفع إلا إذا كان من قدمه قد أصر عليه أما الكلام الذى يلقى فى غير مطالبة جازمة ولا إصرار فلا تثريب على المحكمة إذا هى لم ترد عليه ولما كان الظاهر من مراجعة محاضر جلسات المحاكمة الاستئنافية – على ما سلف بيانه – أن الطاعن لم يتمسك أمام الهيئة الجديدة – التى نظرت الدعوى بعد إعادتها للمرافعة – وأصدرت الحكم المطعون فيه بأية دفوع، فلا يكون له أن يطالب هذه الهيئة بالرد على دفاع لم يبد أمامها، ومن ثم يكون منعى الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص فى غير محله. لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن فى طعنه لا يعدو أن يكون دفاعا موضوعيا لا يستوجب من المحكمة ردا إذ أنها لا تلتزم بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.