أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 546

جلسة 3 من يونيه سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى، وعضوية السادة المستشارين: حسن أبو الفتوح الشربينى، وإبراهيم أحمد الديوانى، وعبد الحميد محمد الشربينى، وحسن على المغربى.

(117)
الطعن رقم 557 لسنة 44 القضائية

(1و2) إختلاس أموال أميرية. جريمة. "أركانها". قصد جنائى. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(1) اختلاس الموظف المال المؤتمن عليه. صورة من صور خيانة الأمانة. تمامه بانصراف نيته إلى التصرف فيه على أنه مملوك له. ولو لم يتم التصرف فيه بالفعل. ولو لم يكن المال قد سلم له تسليما ماديا بل تسليما معنويا.
(2) كفاية ايراد الحكم ما يدل على تحقق قصد الاختلاس.
(3و4) تزوير. "أوراق رسمية.". إختلاس أموال أميرية. إرتباط. عقوبة. "العقوبة المبررة". إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(3) الاستدلال على الاشتراك فى التزوير من الظروف والملابسات التى تدل عليه كفايته.
(4) النعى على الحكم بالقصور فى التدليل بالنسبة للجريمة ذات العقوبة الأخف. غير مجد. ما دام قد آخذ المتهم بالجريمة ذات العقوبة الأشد تطبيقا للمادة 32 عقوبات.
(5) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. بوجه عام. "خبرة".
عدم التزام المحكمة بتحديد موضع الدليل فى الدعوى. ما دام له أصل فيها. مثال.
(6) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ادانة المتهم استنادا إلى أدلة الثبوت. كفايتها ردا على دفاعه الموضوعى.
1 - يبين من الرجوع إلى أصل تشريع المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953، وهى المقابلة للمادة 100 من قانون العقوبات الصادر سنة 1883، والمادة 97 من قانون العقوبات الصادر سنة 1904، والمادة 112 من قانون العقوبات الصادر سنة 1937، أن هذا النص ظل على أصله من اشتراط أن تكون الأشياء مسلمة إلى الموظف بسبب وظيفته، وقد جاءت الصيغة الفرنسية لهذا الركن بعبارة: Qui etaint ent e ses mains en vertu de ses functions, بما يعنى أن يكون الشئ بين يدى الموظف بمقتضى وظيفته، وهو التعبير نفسه الذى استعمله المشرع الفرنسى عند صياغة المادة 169 من قانون العقوبات التى أخذت عنها المادة 112 من قانون العقوبات المصرى، وأن هذا التعبير من الشارع لآية على أنه لم يكن مراده عند وضع النص أن يجعل الاختلاس مقصورا على الحالة التى يكون فيها الشئ قد سلم إلى الموظف تسليما ماديا، وإنما أراد أن يجمع إلى هذه الصورة الحالات التى يكون فيها عمل الموظف قد اقتضى وجود الشئ بين يديه، وفرض العقاب على عبث الموظف بالائتمان على حفظ الشئ، وهى صورة خاصة من صور خيانة الأمانة لا شبه بينها وبين الاختلاس الذى نص عليه الشارع فى باب السرقة، ذلك بأن الاختلاس فى هذه الحالة الأخيرة هو انتزاع المال من الحيازة بنية تملكه أما هنا فإن الشئ فى حيازة الجانى بصفة قانونية ثم تنصرف نيته إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له، فمتى وقع هذا التغيير فى نية الحائز استحالت الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة بنية التملك وتوافرت جريمة الاختلاس تامة، وإن كان هذا التصرف لم يتم فعلا. وإذ كان ذلك، وكان الشارع عند استبدال النص الحالى للمادة 112 بالنص السابق، لم يجعله مقصور – كما كانت الحال فى النص السابق – على مأمورى التحصيل أو المندوبين له أو الأمناء على الودائع أو الصيارفة المنوطين بحساب النقود، بل أطلق حكم النص ليشمل كل موظف عام يختلس مالا مما تحت يده متى كان مسلما إليه بسبب وظيفته، وهذا التغيير الأخير هو الذى كان مستقرا عند صياغة هذه المادة منذ أول وضعها، وجاءت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 69 لسنة 1963 أنه رؤى فى صياغة المواد الجديدة ما انتهت إليه لجنة تعديل قانون العقوبات فى مشروعها مع إضافة مواد أخرى يستكمل بها ما فات اللجنة استكماله من نواحى النقص وتعديل بعض المواد الأخرى من مشروع اللجنة ليلائم روح العهد الحاضر وتحقيق أهدافه بشأن القضاء على الفساد والافساد والمحافظة على أموال الدولة وعدم التفريط فيها. فان تأويل التسليم المشار إليه فى النص بالأخذ المادى وحده، فيه تطبيق للمدى الذى يشمله لتطبيقه، وهو ما لا يتفق مع الاتجاه الذى أفصح عن المشرع فى المذكرة الإيضاحية ولا مع ما قصده عند وضع النص من أن تجريم الاختلاس والعقاب عليه لا يستلزم – كما هو مبين فيما سبق – سوى وجود الشئ فى حفظ الموظف الذى عهد إليه به، يستوى فى ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليما ماديا أو أن يكون بين يديه بمقتضى وظيفته ولا يسع محكمة النقض وهى تعرض لتفسير المادة 112 إلا أن تشير كما سلف القول إلى أن الاختلاس المذكور فى تلك المادة – باعتباره صورة خاصة من صور خيانة الأمانة – يقع تاما وضحت نية الحائز فى أنه يتصرف فى الشئ الموكل بحفظه تصرف المالك لحرمان صاحبه منه.
2 - من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالا عن توافر القصد الجنائى فى جريمة الاختلاس، بل يكفى أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه.
3 - الاشتراك فى جرائم التزوير قد يتم دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم فانه يكفى أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغا تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم.
4 - ما يثيره الطاعن بالنسبة لجريمتى الاشتراك فى التزوير فى أوراق رسمية لا يجديه نفعا بافتراض قصور الحكم فى التدليل عليه، لا يستوجب نقضه ما دامت المحكمة قد طبقت عليه حكم المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهى المقررة لجريمة الاختلاس التى أثبتها الحكم فى حقه.
5 - النعى على الحكم عدم إفصاحه عن أى من تقارير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذى استند إليه، مردود بأنه ليس فى القانون ما يلزم المحكمة بتحديد موضع الدليل فى الدعوى، ما دام له أصل فيها.
6 - من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على كل جزئية من دفاع المتهم الموضوعى، لأن الرد عليه مستفاد ضمنا من قضائها بادانته استنادا إلى أدلة الثبوت.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة فى........ برقم 645 سنة 1967 كلا من: 1 - ......... (الطاعن الأول) و 2 - ............ و 3 -.............. (الطاعن الثانى) بأنهم فى الفترة من 18 مايو سنة 1967 إلى 10 من يونيه سنة 1967 بناحية مركز بسيون محافظة الغربية (المتهم الأول) (أولا) بصفته موظفا عموميا مساعد معمل وأمين وحدة الفرستق الصحية شرع فى اختلاس أجولة البرغل المبينة الوصف والقيمة بالأوراق والمملوكه لوزارة الصحة والمسلمة إليه بسبب وظيفته وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو ضبطه والجريمة متلبسا بها، (ثانيا) بصفته سالفة الذكر اختلس كمية علب الزيت المبينة الوصف والقيمة بالأوراق والمملوكة لوزراة الصحة والمسلمة إليه بسبب وظيفته. (ثالثا) اشترك مع مجهول بطريقى الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب تزوير فى ورقتين أميريتين هما الاستمارتين 111 و112 ع. ح المؤرختين 18 مايو سنة 1967 بأن اتفق مع ذلك المجهول على التوقيع على هاتين الاستمارتين بدلا من الطبيب المختص بوحدة الفرستق الصحية بما يفيد اعتمادهما وساعده على ذلك بأن قدم له هاتين الاستمارتين فقام المجهول بالتوقيع عليهما بإمضاء نسب صدوره إلى طبيب وحدة الفرستق فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة (رابعا) استعمل الاستمارتين سالفتى الذكر وهو عالم بتزويرهما بأن أعادهما إلى مركز توزيع الشين دلالة على وصول المواد الثابتة بهما وإضافتها إلى عهدته بوحدة الفرستق الصحية. (خامسا) اشترك مع المتهم الثانى بطريقى الاتفاق والمساعدة فى ارتكاب تزوير فى محرر أميرى وهو الخطاب المصطنع والمنسوب صدوره إلى إدارة التموين الطبى بمديرية الصحة بالعربية بأن اتفق وإياه على اصطناع ذلك الخطاب وساعده على ذلك بأن قدم له خاتم الوحدة عهدته ليضع بصمته على ذلك الخطاب فقام المتهم الأول بذلك وتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. (سادسا) استعمل المحرر الأميرى سالف الذكر وهو عالم بتزويره بأن قدمه إلى طبيب الوحدة الصحية بالفرستق لتنفيذ ما جاء به المتهم الثانى. (أولا) اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فى الشروع فى اختلاس أجولة البرغل سالفة الذكر بأن اتفق وإياه على اختلاسها وساعده على ذلك بأن اصطنع له الخطاب المنسوب صدوره زورا إلى إدارة التموين الطبى لإخفاء واقعة الاختلاس وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبط المتهم الأول والجريمة متلبس بها وفراره هو خشية ضبطة (ثانيا) ارتكب تزويرا فى محرر أميرى وهو الخطاب المنسوب صدوره زورا إلى إدارة التموين الطبى بمديرية الشئون الصحية بالغربية والمؤرخ 18 من يونيه سنة 1967 وذلك بطريق الاصطناع ووقع بإمضاء مزورة بأن اصطنع بيانات هذا الخطاب والمتضمن على خلاف الحقيقة تكليف طبيب وحدة الفرستق الصحية تسليم ما بالوحدة من مواد المعونة لمندوب التموين الطبى وشفع ذلك بوضع إمضاء مزورة نسبها زورا لمديرية التموين الطبى. (ثالثا) استعمل الخطاب المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن تقدم به إلى طبيب وحدة الفرستق الصحية باعتباره مندوب إدارة التموين الطبى لاستلام مواد المعونة بالوحدة. (رابعا) تداخل فى وظيفة من الوظائف العمومية ومن غير أن تكون له صفة رسمية من الحكومة أو إذن منها وأجرى عمل من مقتضيات تلك الوظيفة بأن ادعى كذبا بأنه مندوب إدارة التموين الطبى بمحافظة الغربية وأنه موفد من قبل تلك الإدارة لاستلام مواد المعونة بوحدة الفرستق الصحية. (المتهم الثالث) اشترك بطريقى الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فى الشروع فى اختلاس أجولة البرغل سالفة الذكر بأن اتفق وإياه على ذلك وساعده على هذا بأن استحضر له سيارة لنقلها وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبط المتهم الأول والجريمة متلبس بها وفراره خشية ضبطه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للمواد الموضحة بتقرير الاتهام. فقرر بذلك فى 7 من مارس سنة 1968. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضوريا بتاريخ 13 ديسمبر سنة 1973 عملا بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و46 و112/ 2 و113 و118 و211 و212 و214 و152 و32/ 2 و17 و27 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ثلاث سنوات وعزله من وظيفته. (ثانيا) بمعاقبة كل من المتهمين الثانى والثالث بالحبس مع الشغل لمدة سنة. (ثالثا). تغريم المتهمين الثلاثة متضامنين مبلغ خمسمائة جنيه وذلك عن التهم المسندة إليهم. فطعن المحكوم عليه......... فى هذا الحكم بطريق النقض فى 30 ديسمبر سنة 1973 ولم يقدم أسبابا لطعنه، كما طعن المحكوم عليه......... فى ذلك الحكم بطريق النقض فى 31 ديسمبر سنة 1973 وقدم كل من المحامين عنهما تقريرا بالأسباب فى 22 يناير سنة 1974 موقعا على كل منهما.


المحكمة

من حيث إنه لما كان من المقرر أن التقرير بالطعن بالنقض هو مناط اتصال المحكمة به وأن تقديم الأسباب التى بنى عليها الطعن فى الميعاد الذى حدده القانون هو شرط لقبوله - وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معا وحدة إجرائية لا يغنى أحدهما عن الآخر وكان الطاعن الثانى........ وإن قرر بالطعن فى الميعاد، إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه فيكون طعنه غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول........ قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مبنى هذا الطعن هو الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجنايات اختلاس وشروع فيه واشتراك فى تزوير فى أرواق رسمية واستعمالها قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال وخطأ فى القانون وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه عول فى قضائه فى جريمة اختلاس زيت المعونة، على ظهور عجز فى كمية الزيت التى كانت فى المخزن الذى أؤتمن عليه، فى حين أن مجرد ثبوت العجز لا يعد دليلا على الاختلاس بما يتضمنه من إضافة المال إلى ذمة المختلس بنية إضاعته على صاحبه، كما أنزل الحكم على واقعة الشروع فى اختلاس "البرغل" حكم المادة 113 من قانون العقوبات دون أن يستظهر انصراف نية الطاعن وقت الاستيلاء إلى تملك المال المستولى عليه فضلا عن جمعه بين حكم هذه المادة وحكم المادة 112 مع اختلاف الأركان التى تتطلبها كل منهما، كما أن الحكم لم يفصح عن الأفعال التى قارفها الطاعن واستدل بها على ثبوت اشتراكه فى تزوير الاستمارتين رقمى 111 و 112 ع ح وخطاب إدارة التموين الطبى وجاء قاصرا فى استظهار القصد الجنائى، وقد التفتت المحكمة عن طلب الطاعن عرض الاستمارتين على كبير الأطباء الشرعيين ليندب خبيرا آخر لإجراء المضاهاة ومقارنة ما ينتهى إليه بنتيجة تقرير الخبير المقدم فى الدعوى أو تقديم تقرير خبير استشارى هذا إلى أن الدفاع قد نازع فى قيام جريمتى الشروع فى اختلاس البرغل واختلاس الزيت لأن تسليم البرغل وقع بأمر طبيب الوحدة بعد اطلاعه على الخطاب الذى يجهل الطاعن تزويره، أما الزيت فقد كان موجودا فعلا بالمخازن ولم يقم الدليل على استيلاء الطاعن عليه خاصة وقد ثبت من محضر لجنة الجرد الذى أجرى فى 11 من يونيه سنة 1967 أن كمية البرغل وجدت كاملة ولم تشتبه اللجنة فى عدم وجود الزيت، كما أسفر الجرد الثانى الذى أجرى فى 15 من يونيه سنة 1967 عن وجود علب زيت المعونة ولا محل لمساءلة الطاعن عن أوصاف الزيت أو استبداله لأن الجرد أجرى فى الوقت الذي كان فيه الطاعن مقيد الحرية وثبت وجود عبث بالأختام التى وضعت على باب المخزن، كما أن المدافع عن الطاعن طلب ضم الدفتر رقم 118 ع. ح لبيان عهدة الطاعن وضم أوراق معينة لإعادة إجراء المضاهاة بيد أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه وسكت الحكم عن الإشارة إليه مع جوهريته، كما أهدر الحكم إنكار الطاعن اطمئنانا منه إلى أقوال شهود الدعوى وما ثبت من تقارير قسم أبحاث التزييف والتزوير والجرد رغم أنها لا تكفى للتدليل على ثبوت أية تهمة فى حق الطاعن، وأخيرا فقد نقل الحكم عن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن عبارة محافظة الغربية مديرية الشئون الصحية الواردة بالخطاب المدعى بتزويره تتفق مع مثيلتها ببصمة قالب خاتم الوحدة الصحية الريفية بالفرستق دون أن يفصح الحكم عن التقرير الذى يقصده من بين التقارير الثلاثة المقدمة من قسم أبحاث التزييف والتزوير فى الدعوى ومع مخالفة ذلك للثابت فى أحدها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في أن فى صباح 10 من يونيه سنة 1967 استأذن المحكوم عليهما الثانى والثالث متعهد الأغذية فى استخدام سيارته لقضاء بعض شئونهما فلما إذن استقلاها بقيادة الشاهد الأول وبصحبته مندوب المتعهد وتوجهوا إلى بلدة الفرستق ومروا فى طريقهم بمنزل الطاعن وهو مساعد معمل وأمين وحدة الفرستق الصحية حيث استقل السيارة معهم قبل وصولهم إلى الوحدة بقليل غادر السيارة ثم تلاه المحكوم عليه الثانى زاعما أنه مندوب إدارة التموين الطبى وأيد الطاعن هذا الزعم ثم قدم ذلك المحكوم عليه للطبيب خطابا مزورا منسوبا لإدارة التموين الطبى يتضمن طلب تسليم كمية البرغل – المملوكة لوزارة الصحة والمسلمة إلى الطاعن بسبب وظيفته والمودعة مخازن الوحدة لنقلها للادارة الطبية فوافق الطبيب على ذلك، وقام الطاعن والمحكوم عليهما بنقل شوالات البرغل إلى السيارة وأثناء ذلك ساور الطبيب الشك فى صحة الخطاب فاتصل تليفونيا بالإدارة الطبيبة فأنبئ بأنه غير صحيح فكلف الشاهدة الخامسة بايقاف تسليم الشوالات وفر المحكوم عليهما الثانى والثالث على الأثر، وقد أسفر وجود عهدة الطاعن عن استلامه كمية زيت المعونة الأمريكية المسلم إليه بسبب وظيفته، كما ثبت وقوع ذلك بتزوير الاستمارتين 111 و112 ع. ح بوضع توقيع مزور لطبيب الوحدة عليهما بعد وصول هذه الكمية إلى الوحدة الريفية بالفرستق وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن كتاب مديرية الشئون الصحية ومن تقرير اللجنة التى شكلت لجرد عهدة الطاعن ومما ثبت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير وأورد الحكم محصل أقوال الشهود بما يؤيد الصورة التى ارتسمت فى وجدانه ثم نقل عن تقرير لجنة الجرد أن الطاعن تسلم 1463 رطلا من زيت المعونة الأمريكية من مركز توزيع الشين بموجب الاستمارتين السابق الإشارة إليهما وأنه اختلس هذه الكمية واستبدل زيتا آخر بها كما نقل الحكم عن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى أنه ثبت أن الخطاب المدعى صدوره من إدارة التموين الطبى مزور أنه مكتوب بخط المحكوم عليه الثانى، كما ثبت أن التوقيع المذيل به الخطاب والمنسوب إلى مدير التموين الطبى مزور عليه، كما تبين أن عبارة "محافظة الغربية مديرية الشئون الصحية" بالخطاب تتفق مع نظيرتها ببصمة قالب خاتم الوحدة الصحية الريفية بالفرستق، كما ثبت تزوير توقيع طبيب الوحدة على الاستمارتين بطريق التقليد، ثم عرض الحكم لإنكار الطاعن الإتهام المسند إليه ورد عليه بأن المحكمة لا تعول على إنكاره وقد اطمأنت لأقوال الشهود وما تبين من تقارير قسم أبحاث التزييف والتزوير وجرد مخزن الطاعن إلى صحة ما هو مسند إليه من أفعال.
وحيث إنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن – بما ساقه من أدلة سائغة اطمأنت إليها المحكمة – أنه اختلس كمية الزيت التى أرسلت لوحدة الفرستق الصحية بموجب الاستمارتين رقمى 111 و112 ع. ح اللتين ثبت تزويرهما بما يفيد وصول هذه الكمية على خلاف الحقيقة إلى مخازن الوحدة وإذ أحس الطاعن اكتشاف أمره وضع بالمخزن عهدته زيتا من نوع آخر كما أثبت الحكم كذلك أن الطاعن وزميليه نقلوا البرغل من المخزن إلى السيارة، لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى أصل تشريع المادة 112 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 (وهى المقابلة للمادة 100 من قانون العقوبات الصادر سنة 1883، والمادة 97 من قانون العقوبات الصادر سنة 1904 والمادة 112 من قانون العقوبات الصادر سنة 1937، أن هذا النعي ظل على أصله من اشتراط أن تكون الأشياء مسلمة إلى الموظف بسبب وظيفته، وقد جاءت الصيغة الفرنسية لهذا الركن بعبارة: Qui etaint ente ses mains en vertu des sesfonctions بما يعنى أن يكون الشئ بين يدى الموظف بمقتضى وظيفته، وهو التعبير نفسه الذى استعمله المشرع الفرنسى عند صياغة المادة 169 من قانون العقوبات التى أخذت عنها المادة 112 من قانون العقوبات المصرى، وأن هذا التعبير من الشارع لآية على أنه لم يكن مراده عند وضع النص أن يجعل الاختلاس مقصورا على الحالة التى يكون فيها الشئ قد سلم إلى الموظف تسليما ماديا وإنما أراد أن يجمع إلى هذه الصورة الحالات التى يكون فيها عمل الموظف قد اقتضى وجود الشئ بين يديه، وفرض العقاب على عبث الموظف بالائتمان على حفظ الشئ، وهى صورة خاصة من صور خيانة الأمانة لا شبه بينها وبين الاختلاس الذى نص عليه الشارع فى باب السرقة، ذلك بأن الاختلاس فى هذه الحالة الأخيرة هو انتزاع المال من الحيازة بنية تملكه، أما هنا فإن الشئ فى حيازة الجانى بصفة قانونية ثم تنصرف نيته إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له، فمتى وقع هذا التغيير فى نية الحائز استحالت الحيازة الناقصة إلى حيازة كاملة بنية التملك، وتوافرت جريمة الاختلاس تامة، وإن كان هذا التصرف لم يتم فعلا، لما كان ذلك، وكان الشارع عند استبدال النص الحالي للمادة 112 بالنص السابق، لم يجعله مقصور – كما كانت الحال فى النص السابق – على مأموري التحصيل أو المندوبين له أو الأمناء على الودائع أو الصيارفة المنوطين بحساب نقود، بل أطلق حكم النص ليشمل كل موظف عام يختلس مالا تحت يده متى كان مسلما إليه بسبب وظيفته، وهذا التغيير الأخير هو الذى كان مستقرا في صياغة هذه المادة منذ أول وضعها، وجاء المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 69 لسنة 1953 أنه رؤى فى صياغة المواد الجديدة ما انتهت إليه لجنة تعديل قانون العقوبات فى مشروعها مع إضافة مواد أخرى يستكمل بها ما فات اللجنة استكماله من نواحى النقص وتعديل بعض المواد الأخرى من مشروع اللجنة ليلائم روح العهد الحاضر وتحقيق أهدافه بشأن القضاء على الفساد والإفساد والمحافظة على أموال الدولة وعدم التفريط فيها... وقد تلافت النصوص الواردة فى هذا المشروع المرافق كثيرا من نواحي النقض التى أخذت على النصوص الحالية فى قانون العقوبات والتي تعرض لها شراح القانون الجنائي بالنقد فى مؤلفاتهم. لما كان ذلك، وكان تأويل التسليم المشار إليه فى النص بالأخذ المادي وحده، فيه تطبيق للمدى الذي يشمله تطبيقه، وهو ما لا يتفق مع الاتجاه الذي أفصح عن الشارع فى المذكرة الإيضاحية ولا مع ما قصده عند وضع النص من أن تجريم الاختلاس والعقاب عليه لا يستلزم – كما هو مبين فيما سبق – سوى وجود الشىء فى حفظ الموظف الذى عهد إليه به، يستوى فى ذلك أن يكون قد سلم إليه تسليما ماديا أو أن يكون بين يديه بمقتضى وظيفته، ولا يسع محكمة النقض وهى تعرض لتفسير المادة 112 إلا أن تشير كما سلف القول إلى أن الاختلاس المذكور فى تلك المادة – باعتباره صورة خاصة من صور خيانة الأمانة – يقع تماما متى وضحت نية الحائز فى أنه يتصرف فى الشئ الموكل بحفظه تصرف المالك لحرمان صاحبه منه، ومن ثم فإن الوصف الصحيح لجريمة الطاعن بالنسبة للبرغل والتى أثبتها الحكم المطعون فيه، أنها اختلاس تام لا شروع فيه – على ما ذهب إليه خطأ الحكم – إلا أنه لما كان الطعن مرفوعا من الطاعن وحده ف يسوغ أن يضار بطعنه. لما كان ذلك، وكان ما تسلمه الطاعن من الزيت والبرغل تم بصفته أمينا لوحدة الفرستق الصحية، وكان الطاعن لم يزعم أن ثمة عجزا أو خطأ حسابيا، فان الحكم يكون قد دلل على توافر أركان جريمة الاختلاس المنصوص عليها فى تلك المادة وطبق القانون على الواقعة تطبيقا سليما. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فى مدوناته كاف وسائغ فى بيان نية الاختلاس وكان من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالا عن توافر القصد الجنائى فى تلك الجريمة، بل يكفى أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة – ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون له محل - لما كان ذلك، وكان الاشتراك فى جرائم التزوير قد يتم دون مظاهر خارجة أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ومن ثم فإنه يكفى أن تكون المحكمة قد اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها وأن يكون اعتقادها هذا سائغا تبرره الوقائع التى أثبتها الحكم – الأمر الذى لم يخطئ الحكم فى تقديره – هذا فضلا عن أن ما يثيره الطاعن بالنسبة لجريمتى الاشتراك فى التزوير فى أوراق رسمية لا يجديه نفعا لأنه بافتراض قصور الحكم فى التدليل عليهما، لا يستوجب نقضه ما دامت المحكمة قد طبقت عليه حكم المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهى المقررة لجريمة الاختلاس التى أثبتها الحكم فى حقه. لما كان ذلك، وكان النعى على الحكم عدم إفصاحه عن أى من تقارير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذى استند إليه، مردود بأنه ليس فى القانون ما يلزم المحكمة بتحديد موضع الدليل فى الدعوى، ما دام له أصل فيها. لما كان ذلك، وكان باقى ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية، وكان من المقرر أن المحكمة غير ملزمة بالرد صراحة على كل جزئية من دفاع المتهم الموضوعي، لأن الرد عليه مستفاد ضمنا من قضائها بإدانته استنادا إلى أدلة الثبوت، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.