أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثامنة عشرة - صـ 108

جلسة 30 من يناير سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمود عزيز الدين سالم، ومحمد أبو الفضل حفني، وأنور أحمد خلف.

(19)
الطعن رقم 1847 لسنة 36 القضائية

(أ) حكم. " وضعه والتوقيع عليه ".
النص على اختصاص رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم بالتوقيع عليه قصد به تنظيم العمل وتوحيده. طروء مانع قهري حال بينه وبين التوقيع على الحكم. التوقيع عليه من أقدم العضوين الآخرين اللذين اشتركا في إصداره. لا بطلان.
(ب) إجراءات المحاكمة. " شفوية المرافعة ". محكمة الجنايات " الإجراءات أمامها ". دفاع. " الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره ".
قعود الطاعن عن سلوك الطريق الذي رسمه قانون الإجراءات الجنائية لسماع شهوده الذين لم تدرج أسماؤهم في قائمة الشهود أمام محكمة الجنايات. لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماعهم. لا يصح النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.
(ج) قتل عمد. " نية القتل ". سبق إصرار. حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب " .
البحث عن توافر نية القتل وقيام ظرف سبق الإصرار لدى الجاني. أمر موضوعي.
(د، هـ) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
(د) المحاكمة الجنائية. تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم. كفايته للقضاء له بالبراءة.
(هـ) التفات الحكم عن الرد على بعض أدلة الاتهام. لا يعيبه.
1 - نصت المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1963 على أنه: " يحرر الحكم بأسبابه كاملا خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره بقدر الإمكان ويوقع عليه رئيس المحكمة وكاتبها، وإذا حصل مانع للرئيس يوقعه أحد القضاة الذين اشتركوا معه في إصداره ". وقد دل الشارع بذلك على أن التوقيع على الحكم إنما قصد منه إستيفاء ورقته شكلها القانوني الذي تكتسب به قوتها في الإثبات وأنه يكفي لتحقيق هذا الغرض أن يكون التوقيع من أي قاض ممن اشتركوا في إصداره. أما النص على اختصاص رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم بالتوقيع فقد قصد به تنظيم العمل وتوحيده، فإن عرض له مانع قهري - بعد صدور الحكم وقبل توقيع الأسباب التي كانت محل مداولة الأعضاء جميعا - فوقع الحكم نيابة عنه أقدم العضوين الآخرين فلا يصح أن ينعى على ذلك الإجراء بالبطلان لإستناده في ذلك إلى قاعدة مقررة في القانون بما لا يحتاج إلى إنابة خاصة أو إذن في إجرائه.
2 - متى كان الثابت من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قد حققت شفوية المرافعة بسماع أقوال شهود الإثبات وأن الطاعن لم يطلب بنفسه أو بلسان محاميه سماع شهود آخرين أو اتخاذ إجراء معين من إجراءات التحقيق، وكان الطاعن لم يسلك من جانبه - بالنسبة إلى الشهود الذين يطلب إلى محكمة الجنايات سماعهم ولم يدرج مستشار الإحالة أسماؤهم في قائمة الشهود - الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185، 186، 187 من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماعهم وليس للطاعن من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها.
3 - البحث في توافر نية القتل لدى الجاني وقيام ظرف سبق الإصرار لديه مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع حسبما يستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها ما دام موجب هذه الظروف وتلك الوقائع لا يتنافى عقلا مع ما انتهى إليه. وإذ كانت المحكمة قد استخلصت في استدلال سائغ أن الحادث لم يكن وليد إصرار سابق بل وقع فجأة على أثر المشاحنة التي قامت بين المجني عليه والجاني وأن هذا الأخير لم يكن ينوي إزهاق روح المجني عليه، فإنها تكون قد فصلت في مسائل موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها فيها.
4 - يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام الظاهر من الحكم أن المحكمة أحاطت بالدعوى وألمت بظروفها عن بصر وبصيرة.
5 - لا يعيب الحكم إلتفاته عن الرد على بعض أدلة الاتهام، ذلك بأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمنا أن المحكمة أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهمين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم في يوم 15/ 2/ 1964 بدائرة مركز دير مواس محافظة المنيا: شرعوا في قتل بقطر إلياس قلاده عمدا ومع سبق الإصرار بأن بيتو النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض آلة حادة (سكينا) حملها الأول وتحينوا فرصة جلوس المجني عليه أمام منزله وانقضوا عليه وعمد المتهمان الثاني والثالث إلى إيثاقه بملحفته ثم طعنه المتهم الأول بتلك السكين قاصدين قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادة المتهمين فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج وشفاؤه. وبتاريخ 14 نوفمبر 1964 أحيل المتهمون إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الإحالة. وادعى المجني عليه مدنيا قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 250 ج على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات المنيا قضت في الدعوى حضوريا بتاريخ 19 يناير سنة 1966 عملا بالمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين مما أسند إليهم ورفض الدعوى المدنية المرفوعة قبلهم وألزمت رافعها مصاريفها. فطعن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتبرئة المطعون ضدهم من تهمة الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه البطلان وانطوى على قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، وذلك بأن الحكم المطعون فيه قد وقع عليه المستشار أحمد عبد الوهاب عضو اليمين في الهيئة التي أصدرته دون رئيسها الذي لم ينبه عنه في ذلك وبغير أن يأذن له رئيس محكمة استئناف بني سويف بذلك. هذا فضلا عن أن الحكم لم يفطن إلى مؤدى أقوال المجني عليه وما أثبته التقرير الطبي الشرعي المؤيد لها من أنه أصيب من آلة حادة بطعنه قاتله وخطيرة نفذت إلى التجويف الصدري، وإلى أن الحادث وقع في وضح النهار مما يسمح للمجني عليه بالتعرف على الأفعال التي وقعت من كل من المطعون ضدهم وإلى ما أظهره التحقيق من أن المطعون ضدهم عقدوا العزم على الاعتداء على المجني عليه وإزهاق روحه لما قام بينهم من خصومة نتيجة تغييره لمذهبه الديني وتحديه إياهم باستدعاء قس كاثوليكي بالقرية إلى أن ظفروا به فانقضوا عليه واعتدوا عليه حتى فقد وعيه فتعذر عليه التحقق من عدد الطعنات التي كالها له أو لهم وهو ما يدل - على خلاف ما ذهب إليه الحكم - على توافر نية القتل وقيام ظرف سبق الإصرار. وأطرح الحكم أقوال المجني عليه استنادا إلى ما أشار إليه من تناقضها فضلا عن تعارضها مع أقوال شاهد الإثبات الثاني لنجي أخنوخ مع أن ذلك إنما كان في بعض نقاط غير جوهرية ليس من شأنها أن تضعف القوة التدليلية لأقوالهما ودون أن يقيم في حق الأخير - الذي اختلفت أقواله بالجلسة عما كان قد قرر بالتحقيقات الابتدائية - دعوى شهادة الزور.
كما اعتمد الحكم على أقوال متضاربة ومتساقطة لشهود نفي تربطهم بالمطعون ضدهم صلة المشاركة أو المصاهرة وذهب على غير سند مقبول إلى القول بتلفيق الاتهام على المطعون ضده الأول على الرغم مما أسفرت عنه تحريات رجال المباحث الجدية من أن المطعون ضدهم قد قارفوا بالفعل الجريمة المنسوبة إليهم وبغير أن تسمع المحكمة أقوال أبو السعد ساويرس أبو السعد دائن المجني عليه أو غيره ممن سبق سؤالهم بالتحقيقات الإبتدائية وكل ذلك مما يفسد استدلال الحكم ويعيبه بالإخلال بحق الدفاع مما يستوجب نقضه.
وحيث أنه يبين من الإطلاع على الأوراق أن هيئة المحكمة التي نظرت القضية بجلسة 19 من يناير سنة 1966 كانت مشكلة برياسة المستشار محمد عبد الله أبو العطا وعضوية المستشار أحمد عبد الوهاب والسيد/ شكري توفيق رئيس المحكمة بمحكمة المنيا الابتدائية وقد صدر الحكم المطعون فيه في تلك الجلسة. ثم عرض لرئيس الدائرة مانع قهري بسبب وفاة شقيقه قبل أن يوقع على أسباب الحكم فوقعها عضو اليمين المستشار أحمد عبد الوهاب. لما كان ذلك، وكانت المادة 312 من قانون الإجراءات الجنائية معدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1962 قد نصت على أنه " يحرر الحكم بأسبابه كاملا خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره بقدر الإمكان، ويوقع عليه رئيس المحكمة وكاتبها، وإذا حصل مانع للرئيس يوقعه أحد القضاة الذين اشتركوا معه في إصداره..... " فدل الشارع بذلك على أن التوقيع على الحكم إنما قصد منه استيفاء ورقة الحكم شكلها القانوني الذي تكتسب به قوتها في الإثبات وأنه يكفي لتحقيق هذا الغرض أن يكون التوقيع من أي قاض ممن اشتركوا في إصداره. أما النص على إختصاص رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم بالتوقيع فقد قصد به تنظيم العمل وتوحيده. فإن عرض له مانع قهري - بعد صدور الحكم وقبل توقيع الأسباب التي كانت محل مداولة الأعضاء جميعا - فوقع الحكم نيابة عنه أقدم العضوين الآخرين فلا يصح أن ينعى على ذلك الإجراء بالبطلان لإستناده في ذلك إلى قاعدة مقررة في القانون بما لا يحتاج إلى إنابة خاصة أو إذن في إجرائه. لما كان ذلك، وكان الثابت من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة قد حققت شفوية المرافعة بسماع أقوال شهود الإثبات وأن الطاعن لم يطلب بنفسه أو بلسان محاميه سماع شهود آخرين أو إتخاذ إجراء معين من إجراءات التحقيق. وكان الطاعن لم يسلك من جانبه - بالنسبة - إلى الشهود الذين يطلب إلى محكمة الجنايات سماعهم ولم يدرج مستشار الإحالة أسماؤهم في قائمة الشهود - الطريق الذي رسمه القانون في المواد 185 و186 و187 من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماعهم وليس للطاعن من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - بعد أن عرض لواقعة الدعوى كما صورها الاتهام وأشار إلى أدلته فيها ومن بينها التقرير الطبي الشرعي ودلل على إنتفاء نية القتل وعلى عدم توافر ظرف سبق الإصرار - قد أفصح صراحة عن عدم إطمئنان المحكمة إلى صحة إسناد الواقعة إلى أي من المطعون ضدهم مبررا ذلك تبريرا سائغا وسليما. لما كان ذلك، وكان البحث في توافر نية القتل لدى الجاني وقيام ظرف سبق الإصرار لديه مما يدخل في سلطة قاضي الموضوع حسبما يستخلصه من وقائع الدعوى وظروفها ما دام موجب هذه الظروف وتلك الوقائع لا يتنافى عقلا مع ما انتهى إليه، وإذ كانت المحكمة قد استخلصت في إستدلال سائغ أن الحادث لم يكن وليد إصرار سابق بل وقع فجأة على إثر المشاحنة التي قامت بين المجني عليه والجاني وأن هذا الأخير لم يكن ينوي إزهاق روح المجني عليه فإنها تكون قد فصلت في مسائل موضوعية لا رقابة لمحكمة النقض عليها فيها. ولما كان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضى له بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أن المحكمة أحاطت بالدعوى وألمت بظروفها عن بصر وبصيرة. وكان لا يعيب الحكم التفاته عن الرد على بعض أدلة الاتهام ذلك بأن في إغفال التحدث عنها ما يفيد ضمنا أن المحكمة أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهمين. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في طعنه ينحل في حقيقته إلى جدل موضوعي مما لا تجوز إثارته إمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماه.