أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 568

جلسة 9 من يونيه سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد عادل مرزوق.

(121)
الطعن رقم 572 لسنة 44 القضائية

(1) إستيقاف. قبض. رجال السلطة العامة. مأمورو الضبط القضائى. أحوال مدنية. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق رجل السلطة فى الاستيقاف. ماهيته. مبرراته ؟
مشاهدة الطاعن سائرا بالطريق العام فى ساعة متأخرة من الليل. تبرر استيقافه لاستكشاف أمره. عجز الطاعن عن تقديم بطاقته الشخصية. حق رجل السلطة اقتياده إلى مأمور الضبط لاستيضاحه والتحرى عن حقيقته. أساس ذلك ؟
(2) أسباب الإباحة. دفاع شرعى. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب" . قتل عمد.
التمسك بحق الدفاع الشرعى. فى دفع فعل مشروع. لا يصح. مثال ؟
متى كان الاستيقاف إجراء يقوم به رجل السلطة العامة فى سبيل التحرى عن الجرائم وكشف مرتكبها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف، وكانت المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت لرجال السلطة العامة فى الجرائم التلبس بها إذا لم يكن معرفة شخصية المتهم أن يحضروه إلى أقرب مأمور من مأمورى الضبط القضائى، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الشرطى المجنى عليه وزميله قد شاهدا المطعون ضده سائرا بالطريق فى ساعة متأخرة من الليل، فاسترابا فى أمره وطلبا إليه تقديم بطاقته الشخصية لاستكناه أمره، فإن هذا يعد استيقافا لا قبضا، وإذا توافرت مبررات الاستيقاف وعجز المطعون ضده عن تقديم بطاقته الشخصية بما يوفر فى حقه حالة التلبس بالجريمة المعاقب عليها بمقتضى المادتين 52 و60 من القانون رقم 260 لسنة 1960 فى شأن الأحوال المدنية، فإنه يحق لرجل الشرطة قانونا اقتياده إلى مأمور الضبط القضائى لاستيضاحه والتحرى عن حقيقة أمره، فإذا ما أمسكا بملابسه لاقتياده إلى نقطة الشرطة فإن قيامهما بذلك لا يعد قبضا بالمعنى القانونى، بل مجرد تعرض مادى فحسب.
2 - لما كان لا قيام لحق الدفاع الشرعى مقابل دفع اعتداء مشروع، وكان ما وقع من رجلى الشرطة على ما تناهى إليه الحكم – ليس فيه ما يخالف القانون، فان الخطر الناشئ عنه يكون مشروعا ولا تتوافر معه مبررات الدفاع الشرعى.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه فى يوم 16 مايو سنة 1967 بدائرة قسم الرمل محافظة الإسكندرية قتل الشرطى....... عمدا من غير سبق إصرار ولا ترصد بأن باغته أثناء اقتياده إياه لنقطة سان استفانو وأخرج مسدسا من ملابسه وصوبه إلى صدره ثم أطلق عليه عيارين ناريين قاصدا قتله فأصابه إحداهما وأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات. فقرر ذلك، وادعت أرملة القتيل عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنيا قبل المتهم بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر فى القانون.
ومن حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده من تهمة القتل العمد قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه الفساد فى الاستدلال ذلك بأنه اعتبر المطعون ضده فى حالة دفاع شرعى عن نفسه وماله على الرغم مما أثبته فى مدوناته من أن كل ما وقع من الشرطى المجنى عليه وزميله أنهما أمسكا بملابس المطعون ضده لاقتياده لنقطة الشرطة حين عجز عن تقديم بطاقته الشخصية بعد أن استوقفه أولهما لتحرى حقيقة أمره عندما ما شاهده سائرا بالطريق فى ساعة متأخرة من الليل، وهو أمر مشروع فى ذاته ولا تتوافر به الشروط المنصوص عليها فى المادة 248 من قانون العقوبات التى أباحت حق الدفاع الشرعى لمقاومة رجال الضبط ومن ثم فما كان يجوز للمطعون ضده أن يطلق النار لدرئه محتميا بالدفاع الشرعى، وحتى مع فرض توافر الصفة غير الشروعة فى الخطر الذى هدد المطعون ضده، فان فعل الدفاع لم يكن متناسبا مع جسامة الخطر وهذا يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة مدونات الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى فى قوله: "أنه فى ليلة 16/ 2/ 1967 وبعد أن انقضى جزء كبير من الليل وشارفت الساعة على منتصف الرابعة صباحا كان المتهم..... وهو بدوى من السلوم ناهز الأربعين من عمره ضعيف الأبصار يرتدى نظارة طبية يسير بمفرده على طريق الكورنيش باحثا عن سيارة أجرة يركبها إلى حيث يقيم بفندق بميدان المنشية فقابله المجنى عليه....... وهو شرطى يقوم على حراسة دركه فى المنطقة أمام فندق سان استيفانو وكان يرافقه فى هذا الوقت العريف......... رئيس نقطة سان استيفانو الذى كان يقوم بالمرور على نقطة الحراسة وقد استراب الشرطيان فى أمر المتهم فتقدما منه وسألاه عن بطاقته فلما عجز عن تقديمها طلب منه أن يذهب معهما إلى نقطة الشرطة فامتثل وما أن سارا قليلا حتى شاهد المتهم سيارة أجرة فأشار لها طالبا من سائقها الوقوف فوقف وعرض عليهم أن ينقلهم إلى نقطة الشرطة ولكن العريف........ أمر سائق السيارة........ بأن يستمر فى سيره وكان المجنى عليه فى هذا الوقت قد أمسك بكوفية يرتديها المتهم وجذبه منها لإرغامه على أن يمتثل لأمره، وهنا داخل الشك نفس المتهم واستراب فى أمر الشرطيين وخشى على حياته من أن يكون ما يراد به شرا فأخرج مسدسه المرخص له بحمله وأطلق عليه عيارا ناريا فى الهواء للإرهاب ولكن المجنى عليه عاود الهجوم عليه فأطلق عليه عيارا ناريا أصابه فسقط مدرجا بدمائه ولفظ أنفاسه ولاذ المتهم بالفرار وحاول سائق السيارة منعه بسيارته فأطلق عليها عيارا أصاب إطارها وتمكن بذلك من أن يتم فراره إلى أن قبض عليه فى اليوم التالى واعترف بإطلاق الأعيرة النارية". ثم عرض الحكم لما دفع به المدافع عن المطعون ضده من أنه حين أطلق الأعيرة النارية كان فى حالة دفاع شرعى إذ اعنقد بعد أن استوقفه المجنى عليه وزميله أنهما ليسا من رجال الشرطة وخشى أن يكون قصدهما قد انصرف إلى الإضرار به خصوصا وأنه يحمل مبلغا كبيرا من المال وخلص بعد ذلك إلى القضاء ببراءة المطعون ضده مقدما لقضائه بقوله: "وحيث إن المحكمة ترى من مجمل ما تقدم أن المتهم وهو بدوى جاوز الأربعين من عمره كان يسير بمفرده ليلا وقد أخذ الليل ينصرم وفى ذروة شهور الشتاء بطريق الكورنيش الذى يقع على البحر ثم هو يقابل رجلى شرطة يحس فيهما الامان ولكن عوضا من ذلك يجد فيهما ما يريبه من إمساك به وجذب وشد وهو الذى يحمل قدرا من المال غير قليل – حيث وجد معه عن ضبطة مبلغ 160 ج – وإذ هو على هذه الحال يرى السيارة وقائدها فيستأنس به ولكن الشاهد الأول يأمر قائد السيارة بالانصراف فتأكد شكوكه ويستقر ويطلق النار مدافعا لا عن ماله فقط بل وعن حياته أيضا، هو شخص فى مثل هذا الذى يحيط به لا بد وأن تداخله الريب والشكوك وهى مؤكدة فى ذهنه بما يدور حوله ومعه. وحيث إن المسلم به أن حق الدفاع الشرعى يبيح القتل دفاعا عن النفس والمال حتى ولو اعتقد المتهم تخوف لأسباب مقبولة وجود خطر حال على نفسه أو ماله وأن ما يؤتيه من افعال للخروج من مأزقه حتى ولو راتقت إلى القتل فهى مباحه وبإنزال هذه القواعد على وقائع دعواها هذه ترى المحكمة أن المتهم كان فى حالة دفاع شرعى عن نفسه وماله وترى من وقائع الدعوى طبقا لما سبق بيانها وإحالة المتهم ونفسيته وتكوينه ووضعه أثناء الحادث أنه مارس حقا إباحه له القانون وهو القتل وذلك فهو غير معاقب على ما هو مسند إليه ويتعين القضاء ببراءته عملا بنص المواد 245 ،246 عقوبات، 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكان الأصل أن تقدير الوقائع المؤدية لقيام حالة الدفاع الشرعى أو نفيها من الأمور الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بلا معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون تدليل الحكم سليما لا عيب فيه ويؤدى منطقيا إلى ما انتهى إليه – ولما كانت المادة 52 من القانون رقم 260 فى شأن الأحوال المدنية قد أوجبت على كل مواطن تقديم بطاقته الشخصية إلى مندوبى السلطات العامة كلما طلب إليه ذلك، وكانت المادة 60 من القانون ذاته قد عاقبت كل مخالف لذلك النص بعقوبة الجنحة وهى الغرامة التى لا تجاوز خمسة جنيهات، وكان الاستيقاف إجراء يقوم به رجل السلطة العامة فى سبيل التحرى عن الجرائم وكشف مرتكبها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف، وكانت المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت لرجال السلطة العامة فى الجرائم المتلبس بها إذا لم يكن معرفة شخصية المتهم أن يحضروه إلى أقرب مأمور من مأمورى الضبط القضائى، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الشرطى المجنى عليه وزميله.......... قد شاهدا المطعون ضده سائرا بالطريق فى ساعة متأخرة من الليل فاسترابا فى أمره وطالبا إليه تقديم بطاقته الشخصية لاستكناه أمره فإن هذا يعد استيقافا لا قبضا. وإذا توافرت مبررات الاستيقاف وعجز المطعون ضده عن تقديم بطاقته الشخصية بما يوفر فى حقه حالة التلبس بالجريمة المعاقب عليها بمقتضى المادتين 52 و60 من القانون رقم 260 لسنة 1960 فإنه يحق لرجلى الشرطة قانونا اقتياده إلى مأمور الضبط القضائى لاستيضاحه والتحرى عن حقيقة أمره، فإذا ما أمسكا بملابسه لاقتياده إلى نقطة الشرطة فإن قيامهما بذلك لا يعد قبضا بالمعنى القانونى بل مجرد تعرض مادى فحسب. لما كان ذلك، وكان لا قيام لحق الدفاع الشرعى مقابل دفع اعتداء مشروع، وكان ما وقع من رجلى الشرطة – على ما تناهى إليه الحكم – ليس فيه ما يخالف القانون، فان الخطر الناشئ عنه يكون مشروعا ولا تتوافر معه مبررات الدفاع الشرعى. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيبا بالفساد فى الاستدلال والخطأ فى تطبيق القانون مما يوجب نقضه والإحالة.