أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثامنة عشرة - صـ 189

جلسة 13 من فبراير سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمود عز الدين سالم، ونصر الدين عزام.

(38)
الطعن رقم 1980 لسنة 36 القضائية

(أ، ب) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". قتل عمد.
(أ) الاعتداء بالبلطة لا يستتبع حتما أن تكون الإصابة الناتجة عنها قطعية جواز أن تكون رضية.
(ب) آلة الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة.
(ج، د) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". إثبات. " خبرة. " شهود ".
(ج) تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضا يستعصي على الملائمة والتوفيق.
(د) لمحكمة الموضوع الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره.
(هـ) حكم. " تسبيبه . تسبيب غير معيب ". إثبات. " قرائن ".
استناد الحكم إلى استعراف كلب الشرطة كقرينة يعزز بها أدلة الثبوت التي أوردها. جائز.
(و) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها، وإطراح ما يخالفها من صور أخرى. ما دام استخلاصها سائغا.
(ز، ح) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". إثبات. " شهود ".
(ز) لمحكمة الموضوع التعويل على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها بعد ذلك.
(ح) تناقض أقوال الشهود في بعض تفاصيلها. لا يعيب الحكم. ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا.
(ط) حكم. " " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، علة ذلك ؟
(ى) نقض ". المصلحة في الطعن ". قتل عمد. خطف .
ما يثيره الطاعنان من أن الوقائع التي أوردها الحكم تؤدي إلى ثبوت جناية الخطف بالإكراه دون جناية القتل. لا جدوى منه. ما دامت العقوبة المقضي بها عليهما مقررة في القانون لجناية الخطف بالإكراه.
(ك) نقض. " أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
عدم جواز إثارة الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.
1 - الاعتداء بالبلطة لا يستتبع حتما أن تكون الإصابة الناتجة عنها قطعية بل يصح ما انتهى إليه الحكم أن تكون رضية تأويلا لإمكان حصولها من الجزء غير الحاد منها.
2 - آلة الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة.
3 - ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضا يستعصي على الملائمة والتوفيق.
4 - الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره، متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
5 - لا جناح على الحكم إذا ما استند إلى استعراف كلب الشرطة كقرينة يعزز بها أدلة الثبوت التي أوردها ما دام أنه لم يتخذ من هذا الاستعراف دليلا أساسيا في ثبوت الاتهام قبل المتهمين.
6 - من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى، ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية، ما دام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل والمنطق دون تقيد في هذا التصوير بدليل معين.
7 - لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وأن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها بعد ذلك.
8 - لا يعيب الحكم تناقض أقوال الشهود في بعض تفاصيلها، ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه، وما دام أنه لم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكوين عقيدته.
9 - لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
10 - لا جدوى مما يثيره الطاعنان من نعي على الحكم بدعوى أن الوقائع التي أوردها تؤدي إلى ثبوت جناية الخطف بالإكراه دون جناية القتل ما دامت العقوبة المقضي بها عليهما مقررة في القانون لجناية خطف أنثى بالإكراه المعاقب عليها بالمادة 290 من قانون العقوبات.
11 - لا يقبل إثارة الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين بأنهم في يوم 25 ديسمبر سنة 1962 بدائرة مركز أولاد طوق شرق محافظة سوهاج: (أولا) المتهمين الأربعة: قتلوا عمدا يامنه محمود داود مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتلها وأعدوا لذلك أدوات قاتلة (بلط وعصى) ودخلوا إلى منزلها عن طريق أحد المنازل المجاورة وانهالوا عليها ضربا قاصدين من ذلك قتلها وظلوا كذلك حتى زهقت روحها (ثانيا) أخفوا جثة المجني عليها سالفة الذكر بدون إخطار جهات الاقتضاء وقبل الكشف عليها (ثانيا) المتهم الأول (الطاعن الثاني): ضرب سعد محمود داود فأحدث به الإصابة المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد عن عشرين يوما (ثالثا) المتهم الثاني (الطاعن الثاني): ضرب هديه إبراهيم أحمد فأحدث بها الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 230 و231 و239 و242/ 1 من قانون العقوبات. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا بتاريخ 5 فبراير سنة 1966 عملا بالمواد 230 و231 و239 و242/ 1و2 و32 و17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الأول والثاني والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهمين الثالث والرابع بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني (الطاعنين) بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنين عما أسند إليهما وبراءة المتهمين الثالث والرابع مما أسند إليهما. فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه فساد في الاستدلال وتناقض في التسبيب وخطأ في الإسناد، ذلك بأن جثة المجني عليها لم يعثر عليها ولا يسوغ الإستدلال على قتلها بما عثر عليه ضابط المباحث من أثار ما دام التقرير الطبي قد أثبت عدم صلاحية جزء المخ المضبوط للفحص ولم يقطع بوجود دماء بالطرحة وغطاء الرأس أو يجزم بأن الدماء العالقة بباقي المضبوطات هي من فصيلة دماء المجني عليها. هذا فضلا عن أنه مع التسليم جدلا بأن عظام الجمجمة للمجني عليها فليس من دليل يقيني على إسناد جريمة قتلها إلى الطاعنين ما دام الحكم قد خلص إلى أنهما اصطحباها من منزلها وهي على قيد الحياة وأن بلاغ والدتها وشقيقها قد اقتصر على اتهام الطاعنين بخطفها وخاصة أنه لا تلازم بين الخطف والقتل الذي لا يوجد ما يتنافر عقلا مع احتمال وقوعه من غيرها. ومن ناحية أخرى فقد عول الحكم في إدانة الطاعنين على أقوال والدة المجني عليها وشقيقها بمحضر التحقيق المؤرخ 25 فبراير سنة 1962 وأثرها على أقوالهما بالمحضر المؤرخ 9 يونيه سنة 1962 وشهادتهما بجلسة المحاكمة، في حين أن أقوالهما الأولى فضلا من تضاربها تتنافر مع أدلة الدعوى الأخرى، ولا يرفع ذلك التضارب قاله الحكم إنه لا يمس جوهر شهادتهما أو تبريره إياه بحالة الخوف التي اعترت الشاهدين المشار إليهما، لورود التضارب على ماديات لا يسوغ الخلاف عليها فضلا عن أن التماس الخوف عذرا يقتضي إطراح الشهادة برمتها. كما لا يربأ هذا التنافر قاله الحكم - على غير سند من الأوراق - بعدم دقة الشاهد في تصوير الإعتداء، وجزم الحكم بأن الآثار المرفوعة هي لقدمي الطاعنين مع أن تقرير مصلحة تحقيق الشخصية جوز ذلك احتمالا، وأخذ باستعراف كلبي الشرطة على الطاعنين مع أنه لا يصلح دليلا قبلها لأنه أخطأ عدة مرات قبل تعرفه عليهما ثم إن الحكم برر إطراح أقوال الشاهدين المتأخرة بدعوى أنهما أدليا بها خوفا من بطش ذويهم بدليل إقامة الأم لدى عمدة البلدة فترة من الزمن حتى هدأت ثائرة أهلها بتلك الشهادة الجديدة في حين أن خشية الأم لم تدم سوى بضعة أيام عقب الحادث لم تجاوز الستة عددا مكثت خلالها لدى العمدة وبمسكن أخيها ثم عادت للسكنى مع ابنها في منزلها، بينما أدلت بأقوالها الأخيرة في 9 يونيه سنة 1962 أي بعد الحادث بمدة تجاوز ثلاثة شهور بما لا وجه معه لاحتمال بقاء مظنة الخوف الأمر الذي يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وهي في ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل إن لها أن تستخلص صورة الواقعة كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل والمنطق دون تقييد هذا التصوير بدليل معين. وإذا ما كان الحكم المطعون فيه قد اقتنع من الوقائع التي ثبتت لديه أن الطاعنين تسورا على المجني عليها دارها واقتاداها عنوة إلى المزارع حيث نفذا ما أجمع عليه رأيهما من قتلها تخلصا من عارها ثم أخفيا جثتها بعد أن تركا رواءهما من الآثار ما كشف عن فعلتهما من دماء لوثت الأرض والزراعة وقطعة من عظام الجمجمة وطرحة المجني عليها وغطاء رأسها واستظهر الحكم هذه الصورة من أدلة إستمدها من شهادة والدة المجني عليها وشقيقها اللذين كانا بالمنزل عندما هبط الطاعنان واصطحبا المجني عليها بالقوة بعد أن عجز الشاهدان عن مقاومتهما، ومن شهادتي رئيس وضابط المباحث اللذين تقصيا آثار سير الطاعنين بالمجني عليها حتى بلغ قناة جافة عبراها وتتبعا الأثر بالجانب الآخر فعثرا على عظام آدمية ودماء بالأرض والزراعة وعلى طرحة وغطاء رأس المجني عليها، ومما دلت عليه المعاينة من وجود دماء في مجرى مائي جاف وعلى شجيرات القمح، وما كشف عنه التقرير الطبي من أن قطعة العظم المضبوطة هي من عظام الجمجمة شاملة للصفحتين عليها مسحات محمرة ثبت من التحليل أنها من دم آدمي وأن المسحات التي شوهدت بقطع الطين الجاف وأحد أعواد شجيرات القمح هي من دماء آدمية، ثم بما أوراه تقرير مصلحة تحقيق الشخصية من أن آثار الأقدام المرفوعة بمحل الحادث تتفق وطبعة القدم اليمنى لكل من الطاعنين وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي في حكم العقل والمنطق إلى ما رتبه الحكم عليها من ثبوت مقارفة الطاعنين جناية قتل المجني عليها. ولا ينال من سلامة إستخلاص المحكمة أن تكون جثة المجني عليها لم يعثر عليها كاملة ما دامت المحكمة قد بينت الأدلة التي أقنعتها بوقوع جناية القتل على شخص المجني عليها، وكان ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد ينحل في حقيقته إلى جدل تقرير الأدلة التي إطمأنت إليها المحكمة واستنبطت منها معتقدها في الدعوى، مما لا يقبل معاودة التصدي له أمام محكمة النقض. على أنه لا جدوى مما يثيره الطاعنان من نعى على الحكم في هذا الخصوص بدعوى أن الوقائع التي أوردها تؤدي إلى ثبوت جناية الخطف بالإكراه دون جناية القتل ما دامت العقوبة المقضي بها عليهما وهي الأشغال الشاقة سبع سنوات مقررة في القانون لجناية خطف أنثى بالإكراه المعاقب عليها بالمادة 290 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن حصل رواية والدة المجني عليها وشقيقها والتقرير الطبي الموقع عليهما وأشار إلى عدولهما بعد ذلك عن أقوالهما، أبدى اطمئنانه إلى روايتهما الأولى في تدليل سائغ وسليم، وكان لمحكمة الموضوع بما لها من سلطة تقرير الأدلة أن تأخذ بما ترتاح إليه منها وأن تعول على أقوال الشاهد في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو عدل عنها بعد ذلك، ومن ثم فلا يقبل من الطاعنين النعي على الحكم اعتماده في إدانتهما على الأقوال الأولى للشاهدين دون روايتهما المتأخرة. أما القول بأن رواية الشاهدين الأولى قد شابها التناقض في بعض تفاصيلها فإنه - بفرض وقوعه - لا يعيب الحكم ما دام الحكم قد استخلص الإدانة من أقوالهما استخلاصا سائغا لا تناقض فيه، ما دام أنه لم يورد تلك التفصيلات أو يستند إليها في تكون عقيدته. أما عن الخلاف في وصف آلة الاعتداء التي كان يحملها كل من الطاعنين فإنه بفرض قيامه لا يقدح في سلامة الحكم لأن اختلاف الشاهدين في هذا الخصوص لا يفسد استدلال الحكم بأقوالهما فيما اطمئن إليه من الصورة الصحيحة للواقعة كما إرتسمت في وجدان المحكمة، هذا فضلا عن أن آلة الاعتداء ليست من الأركان الجوهرية في الجريمة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضا يستعصي على الملائمة والتوفيق، وكان الاعتداء بالبلطة لا يستتبع حتما أن تكون الإصابة الناتجة عنها قطعية بل يصح ما انتهى إليه الحكم أن تكون رضية تأويلا لإمكان حصولها من الجزء غير الحاد منها. وكانت المحكمة قد أيقنت بما له سنده بالأوراق - من إضطراب الشاهد سعد محمود داود وخوفه من الطاعنين أثناء مقارفتهما للجريمة واستخلصت من ذلك عدم دقته في تصوير الاعتداء الواقع عليه. وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء على أقواله مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات، كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة من محكمة النقض عليها، فإن ما يثيره الطاعنان من جدل في هذا الشأن يكون غير سديد. أما ما أسترد إليه الطاعنان من منازعة في القوة التدليلية لعملية إستعراف كلب الشرطة لأنه أخطأ أكثر من مرة قبل أن يستقر على الإستعراف عليهما فمردود بأنه لا يبين من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين أو الدفاع عنهما أثار هذا الدفاع الموضوعي لدى قضاء الموضوع, ومن ثم فإنه لا يقبل منهما إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. ومع ذلك فإن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه إنما استند إلى استعراف كلب الشرطة كقرينة يعزز بها أدلة الثبوت التي أوردها ولم يتخذ من هذا الإستعراف دليلا أساسيا في ثبوت الاتهام قبل الطاعنين. أما ما يثيره الطاعنان من نعي على الحكم في خصوص اعتماده في إدانتهما على تقرير مصلحة تحقيق الشخصية مع أنه لم يقطع بأن الآثار المرفوعة هي لقدميها بل جوز ذلك إحتمالا فإنه مردود بأن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. ومن المقرر أيضا أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التي إعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع كل جزئية من جزئيات الدعوى، لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي، فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها منتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما إنتهت إليه كما هي الحال في واقعة الدعوى المطروحة. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.