أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثامنة عشرة - صـ 219

جلسة 14 من فبراير سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، محمد عبد المنعم حمزاوي، ونصر الدين عزام، وأنور أحمد خلف.

(42)
الطعن رقم 1813 لسنة 36 القضائية

(أ، ب) تحقيق. " مراقبة المكالمات التليفونية ". محكمة الموضوع. حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
(أ) مدلول كلمتي الخطابات والرسائل المشار إليهما في المادة 206 من قانون الإجراءات المعدلة وإباحة ضبطهما في أي مكان خارج منازل المتهمين طبقا للإحالة على الفقرة الثانية من المادة 91 من القانون المذكور يتسع في ذاته لشمول كافة الخطابات والرسائل والطرود والرسائل التلغرافية كما يندرج تحته المكالمات التليفونية.
استصدار النيابة العامة الإذن بالمراقبة التليفونية من القاضي الجزئي عمل من أعمال التحقيق سواء قامت بتنفيذ الإذن بنفسها أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي.
نص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية نص عام مطلق. سريانه على كافة إجراءات التحقيق. شرط ذلك: أن يصدر صريحا ممن يملكه، وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق - غير استجواب المتهم - دون أن يمتد إلى تحقيق قضية برمتها، وأن يكون ثابتا بالكتابة إلى أحد مأموري الضبط مكانيا ونوعيا.
(ب) تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بمراقبة المحادثات التليفونية. أمر موضوعي.
(ج) دعارة.
لا يشترط للعقاب على جريمة التحريض أو المساعدة على ارتكاب الفجور أو الدعارة أو تسهيلها أو استغلال بغاء شخص أو فجوره - اقتراف الفحشاء بالفعل.
(د) تلبس. حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
حالة التلبس. ماهيتها ؟ تقدير الدلائل على صلة المتهم بالجريمة المتلبس بها ومبلغ كفايتها. أمر موضوعي.
(هـ) قبض. بطلان. دفوع.
القبض الباطل لا يستفيد منه إلا من وقع عليه.
(و) دفاع. " الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره ".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
(ز) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". إثبات. " إثبات بوجه عام ".
المحاكمة الجنائية: العبرة فيها باقتناع القاضي. عدم تقيده بالأخذ بدليل معين إلا بنص.
(ح، ط، ى) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ". محكمة الموضوع. " سلطتها في تقدير الدليل ".
(ح) لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها الأخذ بأقوال الشاهد أو المتهم في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى اطمأنت إليها.
(ط) أخذ المحكمة بأقوال شاهد يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(ى) التناقض في أقوال الشهود أو المتهمين. لا يعيب الحكم. ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
1 - تنص المادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 353 لسنة 1952 الواردة في الباب الرابع من الكتاب الأول الخاص بالتحقيق بمعرفة النيابة العامة على أنه: " لا يجوز للنيابة العامة في التحقيق الذي تجريه تفتيش غير المتهمين، أو منازل غير المتهمين، أو ضبط الخطابات والرسائل في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة 91 إلا بناء على إذن من القاضي الجزئي ". وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن مدلول كلمتي الخطابات والرسائل التي أشير إليهما وإباحة ضبطهما في أي مكان خارج منازل المتهمين طبقا للإحالة على الفقرة الثانية من المادة 91 يتسع في ذاته لشمول كافة الخطابات والرسائل والطرود والرسائل التلغرافية كما يندرج تحته المكالمات التليفونية لكونها لا تعدو أن تكون من قبيل الرسائل الشفوية. ولما كان استصدار النيابة العامة الإذن بالمراقبة التليفونية من القاضي الجزئي بعد أن كانت قد اتصلت بمحضر التحريات وقدرت كفايتها لتسويغ اتخاذ الإجراء، هو عمل من أعمال التحقيق سواء قامت بتنفيذ الإذن بعد ذلك بنفسها أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي لتنفيذه عملا بالمادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية التي يجري نصها على أنه: " لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه ". وهو نص عام مطلق يسري على كافة إجراءات التحقيق وينتج أثره القانوني بشرط أن يصدر صريحا ممن يملكه وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق - غير استجواب المتهم - دون أن يمتد إلى تحقيق قضية برمتها وأن يكون ثابتا بالكتابة إلى أحد مأموري الضبط مكانيا ونوعيا - وهو ما جرى تطبيقه في الدعوى المطروحة - ومن ثم يكون ما إنتهى إليه الحكم المطعون فيه من رفض الدفع ببطلان الإذن الصادر من القاضي الجزئي بوضع جهاز تليفون الطاعنة تحت المراقبة سديدا في القانون.
2 - تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بمراقبة المحادثات التليفونية هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق وإلى القاضي الجزئي المنوط به إصدار الإذن تحت إشراف محكمة الموضوع. ولما كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية استدلالات التي بني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة والقاضي الجزئي على تصرفهما في هذا الشأن، فإنه لا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
3 - القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة إذ نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى على أن: " كل من حرض شخصا ذكرا كان أو أنثى على ارتكاب الفجور أو الدعارة أو ساعده على ذلك أو سهله له وكذلك كل من استخدمه أو استدرجه أو أغواه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة من مائة جنيه إلى ثلاثمائة جنيه ". ونص في الفقرة الثانية من المادة السادسة على: " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات كل من استغل بأية وسيلة بغاء شخص أو فجوره ". ثم نص في المادة السابعة على: " يعاقب على الشروع في الجرائم المبينة في المواد السابقة بالعقوبة المقررة للجريمة في حالة تمامها ". فقد دل بذلك على أنه لا يشترط للعقاب على التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستغلال اقتراف الفحشاء بالفعل.
4 - التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها، ومتى قامت في جريمة صحت إجراءات القبض والتفتيش في حق كل من له اتصال بها سواء أكان فاعلا أو شريكا. وتقدير الدلائل على صلة المتهم بالجريمة المتلبس بها ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع. ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن ضباط مكتب الآداب لم يقبضوا على المتهمات من الثانية إلى الخامسة إلا بعد تحققهم من اتصالهن بجريمة تسهيل الدعارة واستغلال البغاء وأن ذلك كان عن طريق مشروع هو سماع الحديث الذي دار بين المتهمتين الثانية والثالثة وبين الطاعنة عن طريق تليفونها الموضوع تحت المراقبة بإذن صحيح صادر ممن يملكه وهو ما أقرته محكمة الموضوع ورأت كفايته لتسويغ القبض عليهن، فإنه لا تثريب على الحكم إذا هو عدل في قضائه بالإدانة على الدليل المستمد من تلك الإجراءات والأقوال التي صدرت من أولئك المتهمات بعد ذلك.
5 - لا صفة في الدفع ببطلان القبض لغير صاحب الشأن فيه ممن وقع القبض عليه باطلا.
6 - لا يقبل من الطاعنة أن تنعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.
7 - العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على ما يجريه من تحقيق في الدعوى ومن كافة عناصرها المعروضة على بساط البحث، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين، إذ جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلا لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه.
8 - الأصل أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد أو المتهم في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى وثقت فيها وارتاحت إليها.
9 - الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
10 - التناقض في أقوال الشهود أو المتهمين لا يعيب الحكم، ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة وآخرين بأنهم في يوم 20 نوفمبر سنة 1966 بدائرة قسم مصر القديمة (أولا): (الأولى والثانية) (أ) سهلا الدعارة للثالثة والرابعة والخامسة حالة كون الثالثة والرابعة لم تبلغا من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية (ب) استغلا بغاء الثالثة والرابعة والخامسة (ثانيا): (المتهمات الثالثة والرابعة والخامسة) إعتدن ممارسة الدعارة (ثالثا): (المتهم السادس) سهل الدعارة لمجهولات بالاشتراك مع المتهمة الأولى. وطلبت عقابهم بالمواد 1/ أب و6/ ب و9/ ج و15 من القانون رقم 10 لسنة 1961. ومحكمة الآداب الجزئية عدلت وصف التهمتين المسندتين إلى الطاعنة إلى الشروع في ارتكابهما وقضت في الدعوى بتاريخ 19 من أبريل سنة 1966 عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمتين الأولى والثالثة والمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى باقي المتهمين حضوريا للمتهمات الخمسة الأول وحضوريا اعتباريا للأخير (أولا) بحبس المتهمة الأولى - الطاعنة - سنة مع الشغل وتغريمها 200 ج (مائتي جنيه) ووضعها تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ (ثانيا) بحبس المتهمة الثالثة ثلاثة أشهر مع الشغل ووضعها تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ. (ثالثا) ببراءة المتهمتين مما نسب إليهم. فاستأنف المحكوم عليهما هذا الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا للأولى وغيابيا للثالثة بقبول الإستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنة بالشروع في ارتكاب جريمتي تسهيل الدعارة واستغلال البغاء قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه بطلان في الإجراءات وفساد في الاستدلال وقصور وتناقض في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الدفاع، وفي بيان ذلك تقول الطاعنة إنها دفعت ببطلان الإذن الصادر من قاضي محكمة جنح الآداب بوضع جهاز تليفونها تحت المراقبة لضبط ما يكون مخالفا لأحكام القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة على أساس أن الاختصاص بإصدار الإذن ينعقد - وفقا للمادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية - لقاضي التحقيق دون القاضي الجزئي، ولا محل للإستناد إلى المادة 206 من ذلك القانون لأن حق النيابة العامة في طلب الإذن مشروط بأن يكون بصدد تحقيق تجريه لا بمجرد طلب يقدم إليها من الغير ولو كان أحد رجال الضبط القضائي، إلا أن الحكم رد على هذا الدفع بما لا يتفق وصحيح القانون. ثم إن المحكمة عولت في إدانة الطاعنة على أقوال المتهمتين الثانية والثالثة بمحضر التحقيق على الرغم من تضارب أقوالهما وعدولهما عنها بجلسة المحاكمة والتفتت عن دفاع الطاعنة في شأن بطلان تلك الأقوال لصدورها وليدة إجراءات ضبط باطلة. ومن ناحية أخرى فإن المحكمة على الرغم من إطراحها للدليل المستمد من الشريط المسجل فإنها اعتمدت في إدانة الطاعنة على أقوال ضابط الشرطة الذي قام بالتسمع والمراقبة مع أن أقواله لا تعدو أن تكون مجرد ترديد لما جاء بالشريط المسجل كما التفت الحكم عما أثاره الدفاع من عدم جدية التحريات التي بني عليها إذن المراقبة لأن رقم التليفون الوارد بتلك التحريات يغاير رقم تليفون الطاعنة إبان قيام رجال مكتب الآداب بتحرياتهم وهو دفاع جوهري كان يقتضي من المحكمة أن تعمل على تحقيقه. ولم يبين الحكم العناصر القانونية للجريمتين المسندتين إلى الطاعنة. وعدل وصف التهمة من فعل تام إلى شروع فيه مع أنه لا يتصور قيام حالة الشروع في إرتكاب جريمتي التسهيل واستغلال البغاء لأنهما إما ألا تقعا فيكون الفعل مجرد عمل تحضيري لا تجريم فيه. وإذ كان الفعل المسند إلى الطاعنة لا يعدو أن يكون اشتراكا في فعل أصلي هو مقارفة الفاحشة وكان هذا الفعل لم تتم مقارفته، فإنه لا يتصور وقوع الاشتراك ما دام الأصل معدوما. هذا إلى أن المحكمة لم تجب الدفاع إلى طلب الاستماع إلى شريط المسجل، ولا يغير من الأمر أن تكون المحكمة قد استبعدت الدليل المستمد من هذا الشريط لأنه في حقيقته عصب الدعوى وسببها وجودا وعدما.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنة بهما، وأورد على ثبوتهما في حقها أدلة مستمدة من أقوال المقدم محمد صفوت عباس والرائد زكريا ربيع ومن أقوال المتهمات الثانية والثالثة والرابعة، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. ثم عرض الحكم إلى الدفع ببطلان إذن مراقبة التليفون ورد عليه في قوله " إن رئيس مكتب حماية الآداب بعد أن تجمعت لديه المعلومات التي توصل إليها نتيجة المراقبة والتحريات التي أجراها عن المتهمة الأولى - الطاعنة - والتي أسفرت عن ارتكابها لجريمة المساعدة وتسهيل دعارة النسوة تقدم بتاريخ 9 نوفمبر سنة 1965 إلى السيد وكيل نيابة الآداب بمحضره الذي ضمنه هذه المعلومات وانتهى فيه إلى طلب الموافقة على مراقبة التليفون المركب بمسكن هذه المتهمة وقد جاء خطابه في هذا الشأن موجها رأسا إلى النيابة العامة فقامت بدورها بعد ذلك بعرض الأمر على القاضي الجزئي. وأشر وكيل النيابة على محضر التحريات بما يفيد ذلك ولا تعد هذه التأشيرة مجرد طلب ضمني من النيابة العامة للتصريح بمراقبة المكالمات التليفونية ولكنها تتضمن طلبا صريحا في هذا الخصوص وتدل في ذات الوقت على موافقة النيابة العامة على كفاية التحريات التي توصل إليها مكتب الآداب لأنها إذا كانت راغبة عن اتخاذ هذا الإجراء أو رأت عدم ضرورته ما عرضت الأمر كلية على القاضي المختص لأن ذلك من إطلاقاتها باعتبار أن مراقبة المكالمات التلفونية عمل من إجراءات التحقيق وهي صاحبة الولاية العامة في التحقيق الإبتدائي وتدخل مباشرة المراقبة التليفونية بحسب الأصل في سلطتها وإن خضعت في ذلك إلى قيد الرجوع إلى القاضي الجزئي عملا بنص المادة 206 إجراءات إلا أنها تسترد بعد ذلك كامل سلطتها في مباشرة الرقابة بما يتراءى لها سواء قامت بها بنفسها أو عن طريق انتداب أحد مأموري الضبط القضائي " ويبين من الإطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقا للطعن أن رئيس مكتب حماية الآداب تقدم إلى النيابة العامة في 9 نوفمبر سنة 1965 بمحضر تضمن أن تحرياته ومراقبته أسفرت عن قيام الطاعنة بتسهيل دعارة النسوة عن طريق جهاز التليفون رقم 846515 المركب في مسكنها وأنها تحدد المواعيد للراغبين من الرجال والنسوة وقد تأكدت له تلك التحريات من المراقبة التي قام بها مع بعض ضباط المكتب وطلب الموافقة على عرض الأمر على القاضي للإذن بمراقبة جهاز التليفون فأشر وكيل النيابة في اليوم ذاته بعرض الأوراق على القاضي الذي أذن في الساعة الواحدة والدقيقة العاشرة من مساء ذلك اليوم بمراقبة المخابرات السلكية عن المحادثات التي تجري من ذلك التليفون وإليه، على أن تتم المراقبة في خلال شهر من تاريخ الإذن لتسجيل وضبط ما يخالف أحكام القانون رقم 10 لسنة 1961، ثم أشر وكيل النيابة بعد ذلك بندب المقدم محمد صفوت عباس أو من يندبه من رجال الضبط القضائي لتنفيذ الإذن. ثم باشرت النيابة العامة تحقيق واقعة الضبط عند إخطارها في يوم 21 نوفمبر سنة 1965. لما كان ذلك، وكانت المادة 206 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 353 لسنة 1952 - الواردة في الباب الرابع من الكتاب الأول والخاص بالتحقيق بمعرفة النيابة العامة - تنص على أنه " لا يجوز للنيابة العامة في التحقيق الذي تجريه تفتيش غير المتهمين , أو منازل غير المتهمين، أو ضبط الخطابات والرسائل في الحالة المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة 91 إلا بناء على إذن من القاضي الجزئي ". وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مدلول كلمتي الخطابات والرسائل التي أشير إليهما وإباحة ضبطهما في أي مكان خارج منازل المتهمين طبقا للإحالة على الفقرة الثانية من المادة 91 يتسع في ذاته لشمول كافة الخطابات والرسائل والطرود والرسائل التلغرافية كما يندرج تحته المكالمات التليفونية لكونها لا تعدو أن تكون من قبيل الرسائل الشفوية. وكان استصدار النيابة العامة الإذن بالمراقبة التليفونية من القاضي الجزئي بعد أن كانت قد اتصلت بمحضر التحريات وقدرت كفايتها لتسويغ اتخاذ ذلك الإجراء، هو عمل من أعمال التحقيق سواء قامت بتنفيذ الإذن بعد ذلك بنفسها أو عن طريق ندب من تراه من مأموري الضبط القضائي لتنفيذه عملا بنص المادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية التي يجري نصها على أنه " لكل من أعضاء النيابة العامة في حالة إجراء التحقيق بنفسه أن يكلف أي مأمور من مأموري الضبط القضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه "، وهو نص عام مطلق يسري على كافة إجراءات التحقيق وينتج أثره القانوني بشرط أن يصدر صريحا ممن يملكه وأن ينصب على عمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق - غير استجواب المتهم - دون أن يمتد إلى تحقيق قضية برمتها وأن يكون ثابتا بالكتابة إلى أحد مأموري الضبط مكانيا ونوعيا وهو ما جرى تطبيقه في الدعوى المطروحة. ومن ثم يكون ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من رفض الدفع سديدا في القانون. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة من جدل حول استدلال الحكم بأقوال المتهمين الثانية والثالثة على الرغم من تناقضها وفي أقوالهما وعدولهما عنها بجلسة المحاكمة مردودا بأن التناقض في أقوال الشهود أو المتهمين - بفرض وجوده - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه. والأصل أن لمحكمة الموضوع في سبيل تكوين عقيدتها أن تأخذ بأقوال الشاهد أو المتهم في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى وثقت فيها وارتاحت إليها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى دفع الطاعنة في شأن بطلان أقوال المتهمين الثانية والثالثة لصدورها وليدة إجراءات ضبط باطلة ورد عليه في قوله " الثابت من وقائع الدعوى أن ضابط مكتب الآداب المنتدب لمراقبة المحادثات التليفونية قد سمع محادثة تليفونية دارت بين المتهمتين الأوليين محورها ارتكاب جريمة تسهيل دعارة بعض النسوة المعتادات هذه الممارسة. وقد تأكد من هذه المحادثة عن المكان الذي يتم فيه تنفيذ الاتفاق الخاص بهذه الجريمة وكان اكتشافه لذلك عن طريق مشروع وهو بصدد القيام على المراقبة التليفونية المأذون بها قانونا وبذلك فإن هذه الحالة تكون حالة تلبس بالجريمة لأن الرؤية الشخصية ليس شرطا في كشف حالة التلبس بل يكفي أن يكون الشاهد قد أدرك بوقوع الجريمة بأية حاسة من حواسه ولو بطريق السمع وأنه أحس بوقوعها بطريقة لا تحتمل الشك، فقد يحصل العلم بالجريمة دون أن يشاهد فاعلها لأن ذلك التلبس وصف يلازم الجريمة نفسها بغض النظر عن شخص مرتكبها ولذلك فإن علم مأمور الضبط القضائي بوقوع الجريمة وتعرفه على تفصيلاتها ومكان وزمان وقوعها على النحو المبين بالتحقيقات يبيح له أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها وأن يدخل منزله ويفتشه، ومن ثم فقد جاء قبض ضابط مكتب الآداب على المتهمات من الثانية إلى الخامسة متفقة وأحكام القانون " وما أورده الحكم فيما تقدم سديد في القانون، ذلك بأن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها بصرف النظر عن شخص مرتكبها ومتى قامت في جريمة صحة إجراءات القبض والتفتيش في حق كل من له اتصال بها سواء أكان فاعلا أم شريكا، وتقدير الدلائل على صلة المتهم بالجريمة المتلبس بها ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائي تحت رقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع. ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن ضباط مكتب الآداب لم يقبضوا على المتهمات من الثانية إلى الخامسة إلا بعد تحققهم من اتصالهن بجريمة تسهيل الدعارة واستغلال البغاء، وأن ذلك كان عن طريق مشروع وهو سماع الحديث الذي دار بين المتهمين الثانية والثالثة وبين الطاعنة عن طريق تليفونها الموضوع تحت المراقبة بإذن صحيح صادر ممن يملكه وهو ما أقرته محكمة الموضوع ورأت كفايته لتسويغ القبض عليهن، فإنه لا تثريب على الحكم إذا هو عول في قضاءه بالإدانة على الدليل المستمد من تلك الإجراءات والأقوال التي صدرت من أولئك المتهمات بعد ذلك. على أنه لا جدوى للطاعنة من النعي على الحكم إقراره صحة القبض على المتهمات من الثانية إلى الخامسة، لأنه على فرض أن القبض عليهن وقع باطلا فإنه لا يستفيد من بطلانه سوى صاحب الشأن فيه ممن وقع القبض عليه باطلا - وهو غير الطاعنة - ومن ثم فلا شأن لها في طلب بطلان هذا الإجراء. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع القاضي بناء على ما يجريه من تحقيق في الدعوى ومن كافة عناصرها المعروضة على بساط البحث، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين، إذ جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلا لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه. والأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الإعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض. ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة أخذت بشهادة الضابط زكريا ربيع من استماعه إلى الاتفاق الذي انعقد بين الطاعنة والمتهمة الثانية على أن تقوم الأولى بتقديم امرأتين إلى ضيفي مخدوم الثانية والتي تأيدت بإقرار المتهمتين الثانية والثالثة، ولم تر - بعد أن اطمأنت إلى رواية الشاهد - أن تعتمد في قضاءها على الشريط الذي سجلت عليه هذه المحادثة وغيرها, وكانت الطاعنة - وقد استمعت إلى الشريط المسجل في التحقيق - لا تزعم أن هناك تضاربا بين التسجيل وشهادة الشاهد، فإنه لا يقبل منها مصادرة المحكمة في عقيدتها أو النعي عليها أخذها بأقوال الشاهد وإطراحها الدليل المستمد من الشريط المسجل لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى دفاع الطاعنة في شأن عدم جدية التحريات التي بني عليها إذن المراقبة ورد عليه ردا سائغا أفحص به عن اطمئنان المحكمة إلى معلومات رئيس مكتب الآداب التي سطرها في محضر تحرياته وكفايتها لتسويغ إصدار الإذن بالمراقبة. لما كان ذلك، وكان تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بمراقبة المحادثات التليفونية هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق وإلى القاضي الجزئي المنوط به إصدار الإذن تحت إشراف محكمة الموضوع. وكانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها الإذن وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة والقاضي الجزئي على تصرفهما في هذا الشأن، فإنه لا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض إلى التكييف القانوني للأفعال التي قارفتها الطاعنة وما أثاره الدفاع عنها من أنها لا تعدو أن تكون أعمالا تحضيرية غير مجرمة ورد عليه في قولها: " لا محل لما أثاره الدفاع عن المتهمة الأولى - الطاعنة - من أن محكمة أول درجة عدلت وصف التهمة إلى شروع في ارتكاب الجريمة وأن الشروع غير معاقب عليه، وترى المحكمة أن ما جاء بأسباب محكمة أول درجة كان واضحا في أن الأفعال المسندة إليها تكون جريمة مساعدة وتسهيل الدعارة، أما ما قصدت إليه محكمة أول درجة فهو أن جريمة الدعارة لم تتم إلا أنه كان هناك شروع في هذه الجريمة، وترى هذه المحكمة أنه لا يشترط للعقاب على التحريض أو المساعدة أو التسهيل ارتكاب الفحشاء بالفعل، كما تشير المحكمة في أسبابها إلى أنه حتى مع مسايرة الدفاع في هذا القول فإن الشروع أيضا في هذه الجريمة معاقب عليه بالمادة السابعة من القانون " وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم سديد في القانون، ذلك بأن القانون رقم 10 لسنة 1961 إذا نص في الفقرة الأولى من المادة الأولى على أن " كل من حرض شخصا ذكرا كان أو أنثى على ارتكاب الفجور أو الدعارة أو ساعده على ذلك أو سهله له وكذلك كل من استخدمه أو استدرجه أو أغواه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة من مائة جنيه إلى ثلاثمائة جنيه ". ونص في الفقرة الثانية من المادة السادسة على " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن ثلاث سنوات كل من استغل بأية وسيلة بغاء شخص أو فجوره ". ثم نص في المادة السابعة على " يعاقب على الشروع في الجرائم المبينة في المواد السابقة بالعقوبة المقررة للجريمة في حالة تمامها ". فقد دل بذلك على أنه لا يشترط للعقاب على التحريض أو المساعدة أو التسهيل أو الاستغلال إقتراف الفحشاء بالفعل. وإذا ما كانت الوقائع التي أوردها الحكم تتحقق بها العناصر القانونية لجريمتي تسهيل الدعارة واستغلال البغاء اللتين دان الطاعنة بهما فأورد على ثبوتها في حقها أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها، فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما تنعاه الطاعنة على الحكم من قالة الإخلال بحقها في الدفاع بدعوى أنه لم يجبها إلى طلب سماع الشريط المسجل مردودا بأنه لا يبين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة بدرجتيها أن الطاعنة أو الدفاع عنها قد تمسك أي منهما بسماع الشريط المسجل، كما أنه لا يبين من الإطلاع على مذكرتي الطاعنة المتقدمتين لدى محكمة أول درجة أن الدفاع عنها طلب من المحكمة إجراء تحقيق في هذا الشأن، ومن ثم فإنه لا يقبل من الطاعنة أن تنعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. لما كان تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.