أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثامنة عشرة - صـ 232

جلسة 20 من فبراير سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين صفوت السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمد عبد المنعم حمزاوي، ومحمود أبو الفضل، وأنور أحمد خلف.

(43)
الطعن رقم 2003 لسنة 36 القضائية

قتل عمد. دفاع. " الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره ". إثبات. " خبرة ". حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
تضمين الطاعن دفاعه وجود خلاف بين الدليلين القولي والفني حول قدرة المجني عليه علي التكلم بتعقل عقب إصابته. دفاع جوهري. إلتفات الحكم عن الرد عليه أو العمل على تحقيقه عن طريق المختص فنيا. إخلال بحق الدفاع.
لما كان مفاد ما أورده الطاعن في دفاعه أنه ينازع في استطاعة المجني عليه النطق بعد أربع ساعات من إصاباته الجسيمة وأن المدة التي حددها الطبيب الشرعي في تقريره لإمكان المجني عليه من التكلم بتعقل عقب إصابته - والتي وصفها بأنها فترة قصيرة - كانت قد انقضت قبل وصول رئيس النقطة وشيخ الخفراء. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استند - من بين ما استند إليه - في إدانة الطاعن إلي أن المجني عليه قد تكلم وقت وصول رئيس النقطة وشيخ الخفراء وأنه أفضى إليهما باسمي الجانيين واعتمد في تكوين عقيدته على أقوال هذين الشاهدين بغير أن يعني بالرد على دفاع الطاعن الجوهري أو يعمل على تحقيقه عن طريق المختص فنيا - وهو الطبيب الشرعي - فإن التفات الحكم عن هذا الإجراء يخل بدفاع الطاعن. ولا يقدح في هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن إثارة هذا الدفاع - في خصوص الواقعة المطروحة - يتضمن في ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه أو الرد عليه - ولا يرفع هذا العوار أن يكون الحكم قد استند في إدانة الطاعن إلي أدلة أخرى، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر فتتكون عقيدة القاضي منها مجتمعة بحيث إذا سقط إحداها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلي أن هذا الدليل غير قائم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وأخر بأنهما في يوم 31 من أغسطس سنة 1963 بدائرة مركز أبنوب محافظة أسيوط: (أولا) المتهم الأول: (ا) قتل علي عبد العال محمد عمدا بأن أطلق عليه عيارين ناريين قاصدا قتله فأحدث به الإصابتين الموصوفتين بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته (ب) أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا (بندقية لي أنفيلد). (ج) أحرز ذخيرة " طلقتين " مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصا له بإحراز السلاح (ثانيا) المتهم الثاني: - ضرب المجني عليه سالف الذكر بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلي محكمة الجنايات لمحاكمتهما طبقا للمواد 234/ 1 من قانون العقوبات و1 و6 و26/ 2 (ا) من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند (ب) من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرفق به بالنسبة للأول والمادة 242/ 1 من قانون العقوبات الثاني, فقرر بذلك. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا بتاريخ 5 فبراير سنة 1966 عملا بمواد الاتهام مع إضافة المادة 30 من قانون العقوبات وتطبيق المادة 32/ 2 من القانون ذاته بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالأشغال الشاقة مدة خمس عشرة سنة ومصادرة السلاح المضبوط عن التهم الثلاث المسندة إليه وبعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل مدة شهر. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد شابه قصور في التسبيب وانطوى على إخلال بحق الدفاع , ذلك بأن الطاعن أثار لدى محكمة الموضوع أن الحادث وقع في الساعة السابعة صباحا ولم تخطر به نقطة الشرطة إلا في الساعة العاشرة والدقيقة الأربعين فانتقل رئيسها إلي محل وقوع الجريمة وذكر أنه سأل المجني عليه شفويا فأخبره بأسماء الجناة في حين ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن إصابات القتيل وإن كانت تمكنه من التكلم بتعقل ولكن لفترة قصيرة مما يدل على أن المجني عليه كان قد فارق الحياة وقت وصول رئيس النقطة إلي مكان الحادث بعد أربع ساعات من وقوعه وهو دفاع جوهري لم تعرض له المحكمة بالرد والمناقشة مما يعيب حكمها ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله " أن مواشي الطاعن دخلت في الساعة السابعة من صباح يوم الحادث زراعة ذرة للمجني عليه ورعت فيها فخف الأخير إليها وأخرجها وتوجه بها مع والده إلى والد الطاعن وعاتبه على ترك مواشيه ترعى في زراعته فصفع والد الطاعن المجني عليه على وجهه فما كان من المجني عليه إلا أن رد هذا الاعتداء بمثله وضربه بعصا على رأسه فعز على الطاعن أن يعتدي المجني عليه على والده وأسرع إلي حظيرة مواشيه المجاورة وأحضر منها بندقية لي أنفيلد وأطلق منها عيارين على المجني عليه فأحدث به إصاباته التي أثبتها تقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته كما ضربه أخر بعصا. وأن والد المجني عليه انتقل إلي نقطة شرطة المعابدة وأبلغ رئيسها بالحادث فبادر الأخير ومعه شيخ الخفراء إلى الانتقال إلي مكان الحادث حيث وجدا المجني عليه لا يزال على قيد الحياة فسألاه عمن اعتدى عليه فأخطرهما بأن الطاعن أطلق عليه عيارين ناريين وأن المتهم الأخر ضربه بعصا. ثم قام النقيب أحمد بدر الدين حلمي معاون المباحث والشرطي السري عبد الرحمن أحمد الخطيب بتفتيش منزل الطاعن فعثرا فيه أسفل كمية من البوص على بندقية لي أنفيلد بداخلها طلقة فارغة وقد ثبت من التقرير الطبي الشرعي أنها صالحة للاستعمال ومطلقة حديثا في وقت يتعذر تحديده وقد يتفق وتاريخ الحادث ".
واستند الحكم في ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة إلي أدلة استمدها من أقوال والد المجني عليه ورئيس النقطة وشيخ الخفراء ومعاون المباحث والشرطي السري وإلي تقرير الصفة التشريحية وتقرير فحص السلاح المضبوط. لما كان ذلك، وكان يبين من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع عن الطاعن قد أثار في مرافعته " أن الحادث وقع الساعة السابعة والبلاغ حصل الساعة العاشرة والدقيقة الأربعين صباحا ويقرر الشاهد أنه ذهب فوجد المجني عليه حيا في حين أن التقرير الفني يقرر أن المجني عليه يمكنه أن يتكلم بتعقل لفترة قصيرة وهذا يدل على أن المجني عليه قد فارق الحياة قبل وصول رئيس النقطة الذي أراد أن يقرر كلاما لم يحصل لأنه لم يسأل المبلغ في محضره الذي افتتحه وقد أراد هذا الشاهد أن يجد له سندا في أقواله فاستند إلى أقوال شيخ الخفراء الذي قرر أن المجني عليه عندما ركب الإسعاف توفى في الحال ". كما يبين من مدونات الحكم أنه نقل عن تقرير الصفة التشريحية " إنه من الجائز للمجني عليه ـ بمثل إصاباته الموصوفة - أن يتكلم بتعقل بعد حدوثها لفترة قليلة يتعذر تحديدها " لما كان ذلك، وكان مفاد ما أورده الطاعن في دفاعه أنه ينازع في استطاعة المجني عليه النطق بعد أربع ساعات من إصاباته الجسيمة وأن المدة التي حددها الطبيب الشرعي في تقريره لإمكان المجني عليه من التكلم بتعقل عقب إصابته ـ والتي وصفها بأنها فترة قصيرة ـ كانت قد انفضت قبل وصول رئيس النقطة وشيخ الخفراء. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استند ـ من بين ما استند إليه ـ في إدانة الطاعن إلي المجني عليه قد تكلم وقت وصول رئيس النقطة وشيخ الخفراء وأنه أفضى إليهما باسمي الجانيين واعتمد في تكوين عقيدته على أقوال هذين الشاهدين بغير أن يعني بالرد على دفاع الطاعن الجوهري أو يعمل على تحقيقه عن طريق المختص فنيا ـ وهو الطبيب الشرعي ـ فإن التفات الحكم عن هذا الإجراء يخل بدفاع الطاعن. ولا يقدح في هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن إثارة هذا الدفاع - في خصوص الواقعة المطروحة - يتضمن في ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه أو الرد عليه. ولا يرفع هذا العوار أن يكون الحكم قد استند في إدانة الطاعن إلى أدلة أخرى، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر فتتكون عقيدة القاضي منها مجتمعة بحيث إذا سقط احدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنتهي إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن في أسباب طعنه.