أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 684

جلسة 20 من أكتوبر سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، ومحمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، وصلاح الرشيدى .

(147)
الطعن رقم 1023 لسنة 44 القضائية

(1 - 2) تزوير. "أوراق عرفية". إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع ما لا يوفره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
(1) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها. لها استنباطها من كافة الأدلة المباشرة وغير المباشرة المطروحة عليها. مثال.
(2) جواز إثبات الجرائم بكافة طرق إثبات إلا ما استثنى منها بنص خاص.
إثبات جريمتى تزوير المحررات واستعمالها. بطرق الإثبات كافة.
(3) عدم إلتزام المحكمة بندب خبير. متى وضحت لديها واقعة الدعوى.
1 - من حق محكمة الموضوع أن تبين الواقعة على حقيقتها وأن تردها إلى صورتها الصحيحة من مجموعة الأدلة المطروحة عليها دون التقيد فى ذلك بالأدلة المباشرة ولها أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤديا عقلا إلى النتيجة التى انتهت إليها ومتى أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة لها أصلها الثابت بالأوراق فإن ما تخلص إليه فى هذا الشأن يكون قبيل فهم الواقع فى الدعوى مما يدخل فى نطاق سلطتها، والأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل فى بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه – لما كان ذلك – وكان الواضح من مطالعة مدونات الحكم المطعون فيه إنه قد تأدى من أقوال المجنى عليه والشهود التى عول عليها فى قضائه إلى أن المجنى عليه لم يسلم الورقة التى وقعها على بياض باختياره إلى الطاعن وأن له عدة توقيعات على أوراق قضائية وقد حصل الطاعن على الورقة الموقعة على بياض بطريقة ما واستعان بمجهول اتفق معه على انتحال شخصية المجنى عليه وقدمه للأستاذ............ المحامى وأقر أمامه بصحة توقيعه على الورقة وتخالصه فأثبت المحامى فيها إقرار التخالص، والواقعة على هذه الصورة توفر فى حق الطاعن جريمة الاشتراك فى تزوير محرر عرفى بطريق الاصطناع وبجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات القانونية وهو ما خلص إليه الحكم ولا يعيبه بعد ذلك أن هو أغفل بيان الظروف التى حرر فيها التوقيع للصحيح على الإقرار المزور أو عدم استظهار كيفية حصول الطاعن على الورقة المشار إليها ما دامت المحكمة قد اقتنعت من وقائع الدعوى وأدلتها بحصول الطاعن عليها بطريقة ما بتزويرها ويكون النعى على الحكم فى هذا الخصوص فى غير محله وكذلك الحال بالنسبة لما ينعاه الطاعن خاصا باعتماد الحكم – من بين ما اعتمد عليه – فى قضائه على ما استخلصه من شهادة الأستاذ........ المحامى ومن عدم الحصول على دليل كتابى مؤيد بشهادة شاهد على أداء الثمانية آلاف جنيه إلى المدعى بالحقوق المدنية.
2 - لما كان الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه قصوره عن بيان صورة التزوير الذى دانه به بأن لم يكشف عن الظروف التى وصلت إليه فيها الورقة المقول بتزويرها خاصة وأن أمرها يختلف بين ما إذا كانت قد سلمت اختيارا للطاعن فلا يجوز حينذاك إثبات عكس ما حوته بغير الكتابة أو أن التوقيع الذى حملته قد اختلس وبذلك يجوز الإثبات بشهادة الشهود والقرائن وكان الحكم قد عرض لهذا الدفاع وأطرحه فى قوله "وهذا الذى مردود بأن الأصل أن الجرائم على اختلاف أنواعها عدا ما استثنى منها بنص خاص جائزة الثبوت بكافة الطرق ومنها البينة والقرائن، وإذا كانت جريمة الاشتراك فى التزوير المسندة إلى المتهم لا يشملها الاستثناء فانه يجرى عليها ما يجرى على سائر المسائل الجنائية من طرق الإثبات.......... كذلك فإن إثبات التزوير ليس له طريق خاص والعبرة بما تطمئن إليه المحكمة بالأدلة السائغة ولا يلزم فى هذا الصدد التزام القواعد المتعلقة بإثبات صحة المحررات والتى نص عليها قانون الإثبات فى المواد 28 وما بعدها. لما كان ذلك. وكانت الأدلة المطروحة فى الدعوى كافية لتكوين عقيدة المحكمة فى شأن جريمة الاشتراك والاستعمال فانه لا على المحكمة إن هى لم تلتزم قواعد الإثبات فى المواد المدنية وتبين كيف وصل توقيع المدعى المدنى الصحيح إلى المخالصة المدعى بتزويرها" وما أورده الحكم صحيح فى القانون مجزئ فى الرد على ما أثاره الطاعن فى أوجه طعنه.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن فى قضية الجنحة رقم 1343 سنة 1971 بأنه فى المدة من أول سبتمبر سنة 1969 حتى 17 ديسمبر سنة 1969 بدائرة قسم ثان المنصورة محافظة الدقهلية – أولا – اشترك مع آخر حسن النية هو الأستاذ....... المحامى بطريق المساعدة فى ارتكاب تزوير فى محررات أحد الناس هو المخالصة المؤرخة 29 سبتمبر سنة 1969 والمنسوب صدورها........ وكان ذلك بطريق الاصطناع وجعله واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن قدم له ورقة بيضاء تحمل توقيع المجنى عليه وتقدم معه آخر مجهول تسمى باسم المجنى عليه وقرر بتخالصه عن الأحكام الصادرة ضد المتهم وساعده على ملء بيانات الورقة فتمت الجريمة بناء على تلك المساعدة – ثانيا – استعمل المحرر المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه فى المحضر رقم 3443 سنة 1969 إدارى مركز السنبلاوين والدعوى رقم 298 سنة 1969 مدنى السنبلاوين – ثالثا – تحصل على ورقة ممضاة على بياض وهى الورقة التى تحمل توقيع المجنى عليه سالف الذكر فخان الأمانة واشترك بطريق المساعدة مع آخر حسن النية هو الأستاذ......... المحامى وكتب فى البياض الذى فوق الإمضاء سند المخالصة بما يترتب عليه حصول ضرر بمال المجنى عليه. وطلبت عقابه بالمواد 340 و41 و215 و340 من قانون العقوبات. وادعى........... (المجنى عليه) مدنيا وطلب القضاء له قبل المتهم بمبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة السنبلاوين الجزئية قضت حضوريا عملا بمواد الإتهام والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات – أولا – بحبس المتهم لمدة سنتين مع الشغل وكفالة مائة جنيه عن التهمتين الأولى والثانية مع إلزامه بدفع مبلغ 51 ج تعويضا مؤقتا للمدعى بالحق المدنى والمصروفات – ثانيا – براءة المتهم من التهمة الثالثة المنسوبة إليه. فاستأنف المتهم هذا الحكم ومحكمة المنصورة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به فى الدعويين الجنائية والمدنية وألزمت المتهم المصروفات فطعن الأستاذ....... المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى الاشتراك فى تزوير محرر عرفى واستعماله قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال كما انطوى على إخلال بحق الدفاع ذلك بأنه قصر عن بيان صورة التزوير فلم يكشف عن الظروف التى وصلت إليه فيها الورقة المقول بتزويرها خاصة وأن أمرها يختلف بين ما إدا كانت قد سلمت اختيارا للطاعن فلا يجوز حينذاك إثبات عكس ما حوته بغير الكتابة، أو أن التوقيع الذى حملته قد اختلس وبذلك يجوز الإثبات بشهادة الشهود والقرائن. هذا وقد عجز المدعى بالحقوق المدنية عن بيان كيفية حصول الطاعن على التوقيع وكان رد الحكم على دفاعه فى هذا الشأن قاصرا على نحو يعيبه. كما ركن كثيرا – فيما قضى به – إلى شهادة الأستاذ......... المحامى فى أن آخر - غير المدعى بالحقوق المدنية – هو الذى حضر إليه مع الطاعن لتحرير المخالصة فى حين أن هذه الواقعة لا تؤدى إلى ثبوت التزوير ما دام أن التوقيع الذى تحمله صحيحا فضلا عن عدم صدق تلك الشهادة لمجافاتها للمعقول إذ لا يسوغ أن يعرف الشاهد الطاعن من آمد بعيد ولا يعرف ابن أخيه المدعى بالحقوق المدنية، وليس بسديد ما تردى فيه الحكم من عدم استساغته لأداء الطاعن مبلغ ثمانية آلاف من الجنيهات دون الحصول على ورقة تحمل توقيع شاهد عليها إذ أنه يغنى الطاعن عن ذلك توقيع الدائن الصحيح. هذا ولم تستجب المحكمة لما طلبه الطاعن بشأن إحالة المخالصة المذكورة إلى قسم التزييف والتزوير لفحصها لمعرفة ما إذا كانت قد كتبت صلبا وتوقيعا فى آن واحد أم لا، وقد اقحمت المحكمة نفسها فى أمر فنى عصى عليها حين ذهبت إلى أن واقعات الدعوى تشير إلى أن لم يمض وقت يجاوز الأسبوعين بين التوقيع على المخالصة وتحريرها وكل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الواضح من مطالعة مدونات الحكم المطعون فيه إنه قد تأدى من أقوال المجنى عليه والشهود التى عول عليها فى قضائه إلى أن المجنى عليه لم يسلم الورقة التى وقعها على بياض باختياره إلى الطاعن وأن له عدة توقيعات على أوراق قضائية وقد حصل الطاعن على الورقة الموقعة على بياض بطريقة ما واستعان بمحهول اتفق معه على انتحال شخصية المجنى عليه وقدمه للأستاذ........... المحامى وأقر أمامه بصحة توقيعه على الورقة وتخالصه فأثبت المحامى فيها إقرار التخالص، والواقعة على هذه الصورة توفر فى حق الطاعن حريمة الاشتراك فى تزوير محرر عرفى بطريق الاصطناع وبجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات القانونية وهو ما خلص إليه الحكم، ولا يعيبه بعد ذلك، أن هو أغفل بيان الظروف التى حرر فيها التوقيع للصحيح على الإقرار المزور أو عدم استظهار كيفية حصول الطاعن على الورقة المشار إليها ما دامت المحكمة قد اقتنعت من وقائع الدعوى وأدلتها بحصول الطاعن عليها بطريقة ما وبتزويرها ويكون النعى على الحكم فى هذا الخصوص فى غير محله. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تبين الواقعة على حقيقتها وأن تردها إلى صورتها الصحيحة من مجموعة الأدلة المطروحة عليها دون التقيد فى ذلك بالأدلة المباشرة ولها أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤديا عقلا إلى النتيجة التى انتهت إليها ومتى أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة لها أصلها الثابت بالأوراق فإن ما تخلص إليه فى هذا الشأن يكون قبيل فهم الواقع فى الدعوى مما يدخل فى نطاق سلطتها، والأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل فى بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن خاصا باعتماد الحكم – من بين ما اعتمد عليه – فى قضائه على ما استخلصه من شهادة الأستاذ......... المحامى ومن عدم الحصول على دليل كتابى مؤيد بشهادة شاهد على أداء الثمانية آلاف جنيه إلى المدعى بالحقوق المدنية. أما ما يثيره الطاعن بخصوص حجية الورقة الحاملة لتوقيع المدعى بالحقوق المدنية فقد عرض له الحكم وأطرحه فى قوله "وهذا الدفع مردود بأن الأصل أن الجرائم على اختلاف أنواعها عدا ما استثنى منها بنص خاص جائزة الثبوت بكافة الطرق ومنها البينة والقرائن، وإذا كانت جريمة الاشتراك فى التزوير المسندة إلى المتهم لا يشملها الاستثناء فإنه يجرى عليها ما يجرى على سائر المسائل الجنائية من طرق الإثبات.......... كذلك فإن إثبات التزوير ليس له طريق خاص والعبرة بما تطمئن إليه المحكمة بالأدلة السائغة ولا يلزم فى هذا الصدد التزام القواعد المتعلقة بإثبات صحة المحررات والتى نص عليها قانون الإثبات فى المواد 28 وما بعدها. لما كان ذلك، وكانت الأدلة المطروحة فى الدعوى كافية لتكوين عقيدة المحكمة فى شأن جريمة الاشتراك والاستعمال فإنه لا على المحكمة إن هى لم تلتزم قواعد الإثبات فى المواد المدنية وتبين كيف وصل توقيع المدعى المدنى الصحيح إلى مخالصة المدعى بتزويرها". وما أورده الحكم صحيح فى القانون مجزئ فى الرد على ما أثاره الطاعن فى وجه طعنه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما طلبه الطاعن بشأن ندب قسم أبحاث التزييف والتزوير لفحص الورقة المذكورة وأطرحه فى قوله "وحيث إنه لما كانت العناصر المطروحة على المحكمة تكفى لتكوين اعتقادها بشأن الاشتراك فى جريمة التزوير واستعمال الورقة المزورة ولا على المحكمة أن هى التفتت عن ندب الطبيب الشرعى سيما وإن واقعة الدعوى تشير إلى أنه لم يمض سوى وقت لا يجاوز الأسبوعين بين التوقيع وتحريرا المخالصة" .لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن القانون لم يعين للمحاكم الجنائية طرقا مخصوصة للاستدلال لا بد منها فلم يوجب تعيين خبراء الكشف أمور وضحت لديها بل جعل للقاضى مطلق الحرية فى أن يقرر بنفسه الحقيقة التي يقتنع بها استمداد من الأدلة المقدمة في الدعوي ما دام لقضائه وجه محتمل ومأخذ صحيح فله أن يرفض طلب الخبرة إدا ما رأى أنه فى غنى عنها بما استخلصه من الوقائع التى ثبتت لديه، وكانت المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات من أن الطاعن حصل على ورقة موقعة على بياض من المجنى عليه وعرضها فى أوائل سبتمبر على اثنين من كتبة المحامين لملء فراغ الورقة بالمخالصة وإذ رفضا لجأ إلى الأستاذ..... المحامى مصطحبا آخر مجهول انتحل شخصية المجنى عليه فحرر لهما المحامى عبارات المخالصة فى فراغ الورقة معطيا لها تاريخ 25 سبتمبر سنة 1969 بناء على رغبتهما – وكان لامراء فى أن لذلك أصله فى الأوراق – وأطرحت ترتيبا على هذا فى حدود سلطتها دفاع الطاعن فى شأن عدم وجود فاصل زمنى بين توقيع المجنى عليه على الورقة وتحرير صلبها ورتبت على ذلك عدم الحاجة إلى إجراء المضاهاة تحقيقا لما أثاره الطاعن فى هذا فان المحكمة لا تكون قد أتت أمر يعيب قضاءها وتضحى مقالة الطاعن فى هذا الصدد من قبيل الجدل فى موضوع الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، وإذ أطرحت المحكمة ندب خبير فى الدعوى بعد أن وضحت لديها الواقعة فلا تكون قد خالفت القانون وينحسر عن حكمها الإدعاء بالإخلال بحق الدفاع.
وحيث إنه لكل ما سبق يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين لذلك رفضه موضوعا.