أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 697

جلسة 27 من أكتوبر سنة 1974

برئاسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد صلاح الرشيدى، وأحمد فؤاد جنينة .

(150)
الطعن رقم 967 لسنة 44 القضائية

حريق عمد. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها ".
كفاية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم كى يقضى بالبراءة. حد ذلك الإحاطة بالدعوى عن بصر وبصيرة وخلو الحكم من عيوب التسبيب. مثال.
يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم كى يقضى بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة – لما كان ذلك – وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بظروف الدعوى وألمت بها وبالأدلة المقدمة فيها وانتهت بعد أن وازنت بين أدلة الإثبات والنفى إلى عدم ثبوت التهمة فى حق المتهم للأسباب السائغة التى أوردها الحكم والتى تكفى لحمل النتيجة التى خلص إليها. ومن ثم فان ما تنعاه النيابة العامة على الحكم فى هذا الصدد يكون نعيا على تقدير الدليل وهو ما لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض – لما كان ذلك – وكان لا يصح النعى على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله – لما كان ما تقدم، فان الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه فى يوم 3 مارس سنة 1967 بدائرة قسم الزيتون محافظة القاهرة وضع النار عمدا فى مبانى شركة النيل للأدوية والصناعات الكمياوية بأن سكب سائل الكيروسين على قصاصات ورق الكرتون المخزنة فى إحدى ردهات بدروم الشركة المذكورة ثم أشعل النار بها فحدث الحريق على النحو المبين بالأوراق والتحقيقات. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بقرار الإحالة. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتبرئه المطعون ضده من تهمة الحريق العمد قد شابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب، ذلك بأنه بنى قضاءه بالبراءة أساسا على عدم اطمئنانه إلى أدلة الثبوت لأسباب لا تؤدى إلى ما رتبه عليها حاصلها أن أحدا لم يشاهد المطعون ضده وهو يرتكب الحادث فى حين أن القاضى الجنائى لا يتقيد بأدلة معينة ومن سلطته أن يأخذ بأى قرينة يرتاح إليها كما ذهب الحكم فى مدوناته إلى أن الشهود قد اختلفوا فى تحديد سبب الحريق فى حين قطع التقرير الفنى بأنه كان نتيجة سكب الكروسين وإشعال النار به مما ينبئ عن أن المحكمة لم تعن بتمحيص الواقعة لم تلم بعناصرها عن بصر وبصيرة مما يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه فى ظهر يوم 3 مارس سنة 1972 أبلغ المطعون ضده كلا من............ ضابط الأمن بشركة النيل للأدوية والصناعات الكيماوية و......... عامل التليفون بها بأن حريقا اشتعل ببدروم الشركة من كابل كهربائى فهرع إلى مكان نشوبه جمع من العمال كانوا بالمسجد المجاور لمكان الحادث حيث قاموا بإطفائه، وقد تبين من التحقيق أن المطعون ضده و........... كانا قد توجها إلى حجرة التكييف الكائنة بالبدروم التماسا للراحة وبعد أن مكثا بها حوالى خمس دقائق كلف أولهما الثانى باحضار مفك من الدور العلوى، ولما عاد بعد سبع دقائق وجد النار مشتعلة وتبين من المعاينة أن هذه الفترة تكفى لإشعال النار وقد ضبط بحجرة التكييف علبة صفيح بها كمية من البنزين وكذا علبة ثقاب ينقصها أربعة عيدان أقر المطعون ضده بأن الأخيرة له وأروى تقرير اللجنة الفنية أن سبب الحريق هو مصدر صناعى مشتعل كعود ثقاب أو ما شابه ذلك وصل بالأوراق المحترقة بعد سكب سائل مساعد على اشتعال هو الكروسين وقد أنكر المطعون ضده ما أسند إليه. وبعد أن ساقت المحكمة أدلة الإثبات كما صورها الاتهام أبدت عدم اطمئنانها إلى هذه الأدلة وبررت قضاءها بالبراءة بما مفاده أن أحدا لم يشهد المطعون ضده وهو يرتكب الحادث كما لم يسمع أحد بأنه قارفه، أما عن القرائن التى أشار إليها الاتهام فإنها تتسع لكثير من الاحتمالات ولا يترتب عليها بالضرورة أن المطعون ضده هو مرتكب الحادث فضلا عن اختلاف روايات الشهود فى سبب نشوب الحريق، ثم ختمت المحكمة أسباب حكمها بقولها "إنه لما تقدم جميعه ترى المحكمة خلو الدعوى من الدليل القاطع المقنع على مقارفة الجريمة وأن الملحوظات والدلائل التى ساقتها سلطة الاتهام لا يمكن الركون إليها لأنها تمس وقائع احتمالية محل ظنون وشكوك الأمر الذى يقطع بعدم صحة التهمة". لما كان ذلك، وكان يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم كى يقضى بالبراءة، إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تقض بالبراءة إلا بعد أن أحاطت بظروف الدعوى وألمت بها وبالأدلة المقدمة فيها وانتهت بعد أن وازنت بين أدلة الإثبات والنفى إلى عدم ثبوت التهمة فى حق المتهم للأسباب السائغة التى أوردها الحكم والتى تكفى لحمل النتيجة التى خلص إليها، ومن ثم فإن ما تنعاه النيابة العامة على الحكم فى هذا الصدد يكون نعيا على تقدير الدليل، وهو ما لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان لا يصح النعى على المحكمة أنها قضت ببراءة المتهم بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله. لما كان ما تقدم، فان الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض.