أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين - ص 715

جلسة 10 من نوفمبر سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد صلاح الرشيدى، وأحمد فؤاد جنينة .

(155)
الطعن رقم 812 لسنة 44 القضائية

(1) مواد مخدرة. قرائن. قرائن قانونية "قوة الأمر المقضى". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". قوة الأمر المقضى.
حجية الأحكام مناطها وحدة الخصوم والموضوع والسبب. ورودها على المنطوق وما لا يقوم إلا به من الأسباب.
تقدير الدليل فى دعوى لا يحوز قوة الأمر المقضى فى أخرى.
(2) تفتيش. "التفتيش بغير إذن". "مأمورو الضبط القضائى" "اختصاصاتهم" محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق مأمورى الضبط القضائى فى القبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه بجناية وتفتيشه ولو لم تكن الجناية متلبسا بها. المادتين 34 ،46 إجراءات جنائية – تقدير كفاية تلك الدلائل. موضوعى. مثال.
جواز تفتيش المنازل برضاء أصحابها.
(3- 5) إثبات. "اعتراف" دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف للاكراه" محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". خبرة. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره "نقض". أسباب الطعن. ما لا يقبل منها .
(3) تقدير صحة الاعتراف وقيمته فى الإثبات. موضوعى.
(4) تقدير آراء الخبراء من أطلاقات محكمة الموضوع. مثال.
(5) حق محكمة الموضوع فى الالتفات عن تحقيق دفاع المتهم إذا كان غير منتج فى الدعوى أو كانت الواقعة قد وضحت لديها.
1 - من المقرر أن مناط حجية الأحكام هو وحدة الخصوم والموضوع والسبب، ومن ثم فانه لا يكفى سبق صدور حكم جنائى نهائى فى محاكمة جنائية معينة بل يجب أن يكون بين هذه المحاكمة والمحاكمة التالية اتحاد فى الموضوع وفى السبب وفى أشخاص المتهم أو المتهمين المرفوعة عليهم الدعوى – ولما كان ذلك – وكان الثابت أن حكم محكمة جنايات إسكندرية الصادر بتاريخ 28 يونيو سنة 1972 قد صدر فى الدعوى التى أقيمت على المتهم الآخر فإن وحدة الخصوم فى الدعويين تكون منتفية. ولئن كانت الواقعتان المسندتان إلى الطاعن والمتهم الآخر تكونان حلقة من سلسلة وقائع اقترافها الاثنان لغرض جنائي واحد إلا أن لكل واقعة على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه ذاتية وظروف خاصة تتحقق بها المغايرة التى يمتنع معها القول بوحدة السبب فى الدعويين – لما كان ذلك فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد لا يكون سديدا ولا محل للتحدى فى هذا الخصوص بأن أسباب ذلك الحكم السابق قد نفت عن الطاعن والمتهم الآخر واقعة جلب المخدر ذلك بأن الأصل فى الأحكام ألا ترد الحجية إلا على منطوقها ولا يمتد أثرها إلى الأسباب إلا ما كان منها مكملا للمنطوق ومرتبطا به إرتباطا وثيقا غير متجزئ لا يكون للمنطوق قوام إلا به أما إذا استنتاجا المحكمة استنتاجا ما من واقعة مطروحة عليها فإن هذا الاستنتاج لا يجوز حجية ولا يمنع محكمة أخرى من أن تستنبط من واقعة مماثلة ما تراه متفقا وملابسات الدعوى المطروحة عليها هذا إلى أن تقدير الدليل فى الدعوى لا يجوز قوة الأمر المقضى فى دعوى أخرى. فإذا كانت المحكمة وهى بصدد محاكمة المتهم الآخر قد استخلصت من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها أن الواقعة ليست إحرازا مجردا لمخدر وليس جلبا فإن ذلك لا يعدو كونه تقديرا منها للدليل القائم فى الدعوى بالوصف الذى طرحت به عليها واستنتاجا موضوعيا لا يحوز أيهما حجية ولا يلزم المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه.
2 - يؤخذ من عموم نص المادتين 34 ،46 من قانون الإجراءات الجنائية أن الشارع قد خول مأمورى الضبط القضائى القبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه بجناية. وأن يفتشه بغير إذن من سلطة التحقيق وبغير حاجة إلى أن تكون الجناية متلبسا بها بالمعنى الذى تضمنته المادة 30 من القانون ذاته – لما كان ذلك – وكان تقدير الدلائل التى تسوغ لمأمور الضبط القبض والتفتيش ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائى على أن يكون تقديره هذا خاضعا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى كفاية تلك الدلائل وفضلا عن ذلك فقد أثبت الحكم المطعون فيه أن تفتيش منزل الطاعن قد تم رضائه وكان تقدير هذا الرضا ما تفصل فيه محكمة الموضوع بما لها من السلطة فى تقديره وكان غير لازم أن يكون الرضا بالتفتيش ثابتا كتابة ممن حصل تفتيشه فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون مقبولا.
3 - من المقرر أن افتراض بطلان التفتيش ليس من شأنه أن يمنع المحكمة من الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى التى قد ترى من وقائع الدعوى وظروفها أنها مستقلة عنه وقائمة بذاتها – لما كان ذلك – وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى اعتراف الطاعن بتحقيق النيابة واعتبرته دليلا قائما بذاته ومستقلا عن الإجراءات المقول ببطلانها، فان حكمها يكون سليما وبمنأى عن الخطأ فى تطبيق القانون – لما كان ذلك – وكان الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات فلها بغير معقب تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه وليد إكراه ما دامت تقيمه على أسباب سائغة – كالشأن فى الدعوى الماثلة – ومتى خلصت المحكمة إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فإن مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به مما لا يجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض لكونه من الأمور الموضوعية.
4 - تقدير أراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص مما حواه تقرير الطبيب المندوب لفحص قوى الطاعن العقلية ومن اعتراف هذا الأخير عقب ضبط الواقعة بما تتفق وماديات الدعوى أنه لا يعانى من اضطرابات عقلية وانه مسئول عن أفعاله فى القضية الماثلة فإنه لا يجوز مصادرتها فيما انتهت إليه من تقرير مسئولية الطاعن ولا جناح عليها إن هى لم تستجب بطلب استدعاء الطبيب المندوب والطبيب الاستشاري لمناقشتهما إذ ليس فى القانون ما يحتم عليها إجابة ذلك الطلب ما دامت قد رأت أنها فى غنى عنه مما استخلصته من الوقائع التى ثبتت لديها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة كلا من (1)............... (2).......... بأنهما فى يوم 26 سبتمبر سنة 1970 بدائرة قسم العطارين محافظة الإسكندرية جلبا جوهرا مخدرا (حشيشا) دون أن يكونا حاصلين على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1/ 1 و2 و3 و7/ 1 و33/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 1 من الجدول رقم 1 المحلق. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا للمتهم الأول وغيابيا للثانى عملا بالمواد 1 و2 و37 و38 و42 من القانون المشار إليه (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة عشر سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه (ثانيا) بمعاقبة المتهم االثانى بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ ألف جنيه (ثالثا) بمصادرة المخدر المضبوط وذلك على اعتبار أن المتهمين حازا وأحرزا بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصى جوهرا مخدرا حشيشا فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. فطعن المحكوم عليه الأول والنيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض.. الخ. ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات الإسكندرية لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. والمحكمة المذكورة – مشكلة من دائرة أخرى – قضت حضوريا بمعاقبة المتهم.......... بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه خمسة آلاف جنيه ومصادرة جوهر المخدر المضبوط فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب جوهر مخدر قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب وفساد فى الإستدلال وإخلال بحق الدفاع ذلك بأنه انطوى على إخلال بقوة الأمر المقضى التى حازها الحكم النهائى الصادر من محكمة جنايات اسكندرية بتاريخ 28 من يونيه سنة 1972 فى الدعوى ذاتها بشأن المتهم الآخر وهو الحكم الذى انتهى إلى تكييف واقعتها بأنها إحراز مجرد لمخدر وليست جلبا له بأسباب بينت وحدة الواقعة التى جمعت بين الطاعن والمتهم الآخر ونفت أن أيا منهما قد جلب المخدر مما كان يتعين على الحكم المطعون فيه أن يلتزمه باعتبار أن الحكم السابق هو عنوان للحقيقة وقرينة قاطعة على صحة ما قضى به. هذا إلى أن الطاعن دفع ببطلان تفتيش مسكنه إلا أن الحكم رد على هذا الدفاع ردا خاطئا، كما دفع بأن اعترافه بتحقيق النيابة العامة كان نتيجة إجراءات باطلة بسبب عدم صدور إذن من النيابة بتفتيش مسكنه ولأن الجريمة لم تكن متلبسا بها ولأن ذلك التفتيش انبنى على قبض باطل بالنسبة للمتهم الآخر لخلو الإذن الصادر بالقبض عليه من اسم المندوب للتفتيش أو صفته أو وظيفته إلا أن الحكم سكت عن هذا الدفاع إيرادا له وردا عليه، وانتهى إلى سلامة اعتراف الطاعن بتحقيقات النيابة وارتكن فى تكوين عقيدته إلى خلو الأوراق من دليل يظاهر ادعاء الطاعن بوقوع إكراه عليه وإلى أن ذلك الإعتراف صدر منه أمام النيابة وفى غيبة الضابطين فى حين أن ما أثبته الحكم من ذلك يخالف الثابت بالأوراق التى حوت ما يؤيد وقوع ضغط أو إكراه من رجال الشرطة على الطاعن. وأخيرا فقد طلب الدفاع إحضار الحقيبة المضبوطة وإحراز المخدر واستدعاء مأمور الجمرك المندوب الذى قام بتفتيش أمتعة الطاعن لدى وصوله من لبنان، وكذلك استدعاء الطبيب المندوب لفحص قوى الطاعن العقلية والطبيب الاستشارى وضم أوراق علاج الطاعن بالسجن والتقارير الطبيبة المرفقة بها إلا أن الحكم لم يستجب إلى بعض هذه الطلبات ورد على البعض الآخر منها ردا غير سائغ.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة جلب المخدر التى دان الطاعن بها، وأقام عليها فى حقه أدلة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مناط حجية الأحكام هو وحدة الخصوم والموضوع والسبب فإنه لا يكفى سبق صدور حكم جنائى نهائى فى محاكمة جنائية معينة بل يجب أن يكون بين هذه المحاكمة والمحاكمة التالية اتحاد فى الموضوع وفى السبب وفى أشخاص المتهم أو المتهمين المرفوعة عليهم الدعوى. ولما كان الثابت أن حكم محكمة جنايات اسكندرية الصادر بتاريخ 28 يونيو سنة 1972 قد صدر فى الدعوى التى أقيمت على المتهم الآخر، فإن وحدة الخصوم فى الدعويين تكون منتفية. ولئن كانت الواقعتان المسندتان إلى الطاعن والمتهم الآخر تكونان حلقة من سلسلة وقائع اقترافها الاثنان لغرض جنائى واحد إلا أن لكل واقعة على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه ذاتية وظروف خاصة تتحقق بها المغايرة التى يمتنع معها القول بوحدة السبب فى الدعويين. لما كان ذلك فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد لا يكون سديدا. ولا محل للتحدى فى هذا الخصوص بأن أسباب ذلك الحكم السابق قد نفت عن الطاعن والمتهم الآخر واقعة جلب المخدر ذلك بأن الأصل فى الأحكام ألا ترد الحجية إلا على منطوقها ولا يمتد أثرها إلى الأسباب إلا ما كان منها مكملا للمنطوق ومرتبطا به إرتباطا وثيقا غير متجزئ لا يكون للمنطوق قوام إلا به أما إذا استنتجت المحكمة استنتاجا ما من واقعة مطروحة عليها فإن هذا الاستنتاج لا يجوز حجية ولا يمنع محكمة أخرى من أن تستنبط من واقعة مماثلة ما تراه متفقا وملابسات الدعوى المطروحة عليها هذا إلى أن تقدير الدليل فى الدعوى لا يحوز قوة الأمر المقضى فى دعوى أخرى. فإذا كانت المحكمة وهى بصدد محاكمة المتهم الآخر قد استخلصت من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها أن الواقعة ليست إلا إحرازا مجردا لمخدر وليست جلبا فإن ذلك لا يعدو كونه تقديرا منها للدليل القائم فى الدعوى بالوصف الذى طرحت به عليها واستنتاجا موضوعيا لا يحوز أيهما حجية ولا يلزم المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى وأورد أدلة الثبوت فيها عرض للدفع المبدى من الطاعن ببطلان إجراءات القبض والتفتيش ورد عليه بقوله "إن المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت لمأمور الضبط القضائى أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على أتهامه فى جناية. لما كان ذلك، وكان الثابت من أوراق القضية أن المأذون بتفتيشه قد ضبط معه قطعة من مادة الحشيش وأنه قرر أنها جزء من كمية يحرزها المتهم الأول فى مسكنه الذى عينه وأرشد عنه فإنه إجراء القبض عليه يكون صحيحا، وغنى عن البيان أنه لا يشترط لاعتبار المتهم حاضرا فى معنى نص هذه المادة أن يكون ماثلا أمام رجل الضبطية القضائية وإلا تعذر على رجال الضبط القضائى أن يقوموا بأداء واجباتهم التى فرضها القانون عليهم من المبادرة إلى القبض على المتهم الذى توفرت الدلائل على اتهامه، وعلى هذا الاساس فإنه يكفى فى هذا الخصوص حصول ضبط جوهر مخدر مع المأذون بتفتيشه واعترافه بأنه عينه للعرض من كمية يحرزها المتهم (الطاعن) وفى مسكنه الذى أرشد عنه ويكفى أيضا وجود المتهم فى طريقه إلى مسكنه بذات العمارة. أما ما دفع به المتهم من عدم تسجيل قبول المتهم التفتيش كتابة فلا سند له قانونا لأن القانون لا يشترط حصول الرضا بالتفتيش كتابة وطالما أن الثابت من أقوال شاهدى الإثبات واعتراف المتهم الذى اطمأنت إليه المحكمة رضاء المتهم بتفتيش مسكنه عن طواعية واختيار بعد إحاطته بأقوال المأذون بتفتيشه وبشخصيتهما فان إجراء التفتيش يكون صحيحا فى القانون. ومع ذلك فأيا كانت وجهة نظر الدفاع بشأن الإجراءات محل النعى فان اعتراف المتهم بتحقيق النيابة والذى تطمئن المحكمة إلى سلامته... يطهر الإجراءات مما يشوبها إن كان له وجود لأن هذا الاعتراف استقل عن تلك الإجراءات المقول ببطلانها". فان هذا الذى أورده الحكم سديد فى القانون ذلك أنه يؤخذ من عموم نص الفقرتين الأوليين من المادتين 34 و46 من قانون الإجراءات الجنائية أن الشارع قد خول مأمورى الضبط القضائى القبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه بجناية وأن يفتشه بغير إذن من سلطة التحقيق وبغير حاجة إلى أن تكون الجناية متلبسا بها بالمعنى الذى تضمنته المادة 30 من القانون ذاته. ولما كان تقدير الدلائل التى تسوغ لمأمور الضبط القبض والتفتيش ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائى على أن يكون تقديره هذا خاضعا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى كفاية تلك الدلائل وفضلا عن ذلك فقد أثبت الحكم المطعون فيه أن تفتيش منزل الطاعن قد تم برضائه، وكان تقدير هذا الرضاء ما تفصل فيه محكمة الموضوع بما لها من السلطة فى تقديره وكان غير لازم أن يكون الرضاء بالتفتيش ثابتا كتابة ممن حصل تفتيشه، فان ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون مقبولا. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن افتراض بطلان التفتيش ليس من شأنه أن يمنع المحكمة من الأخذ بعناصر الإثبات الأخرى التى قد ترى من وقائع الدعوى وظروفها أنها مستقلة عنه وقائمة بذاتها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى اعتراف الطاعن بتحقيق النيابة واعتبرته دليلا قائما بذاته ومستقلا عن الإجراءات المقول ببطلانها فان حكمها يكون سليما وبمنأى عن الخطأ فى تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكان الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات فلها بغير معقب تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه وليد إكراه ما دامت تقيمه على أسباب سائغة – كالشأن فى الدعوى الماثلة – ومتى خلصت المحكمة إلى سلامة الدليل المستمد من الاعتراف فان مفاد ذلك أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به مما لا يجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض لكونه من الأمور الموضوعية. لما كان ذلك، وكان تقدير أراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص مما حواه تقرير الطبيب المندوب لفحص قوى الطاعن العقلية ومن اعتراف هذا الأخير عقب ضبط الواقعة بما تتفق وماديات الدعوى أنه لا يعانى من اضطرابات عقلية وأنه مسئول عن أفعاله فى القضية الماثلة فانه لا يجوز مصادرتها فيما انتهت إليه من تقرير مسئولية الطاعن ولا جناح عليها إن هى لم تستجب لطلب استدعاء الطبيب المندوب والطبيب الاستشارى لمناقشتهما إذ ليس فى القانون ما يحتم عليها إجابة ذلك الطلب ما دامت قد رأت أنها فى غنى عنه مما استخلصته من الوقائع التى ثبتت لديها لما كان ذلك، وكان القانون وإن أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه كانت المحكمة قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر تحقيقه غير منتج فى الدعوى فان لها أن تعرض عنه ولا تثريب عليها إن هى أغفلت الرد عليه. فاذا كانت المحكمة قد التفتت عن طلب مناقشة مأمور الجمرك وإحضار الحقيبة المضبوطة وإحراز المخدر بعد أن رأت أنه غير منتج فى الدعوى فانه لا يضير الحكم إن هو أغفل الرد عليه. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.