أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة الثامنة عشرة - صـ 274

جلسة 27 من فبراير سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ حسين السركي نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: جمال المرصفاوي، ومحمد محفوظ، ومحمود العمراوي، ومحمود عطيفه.

(53)
الطعن رقم 2075 لسنة 36 القضائية

(أ) رشوة. مقاومة الحكام. تعد.
إطلاق الشارع حكم المادة 137 مكررا (أ) عقوبات - دون تخصيص شخص الجاني أو صفته - لينال بالعقاب كل من يقترف الفعل المؤثم. يستوي أن يكون من الموظفين العامين أو المكلفين بخدمة عامة أو من الأفراد.
(ب، ج) ارتباط. عقوبة. نقض. " حالات الطعن بالنقض. الخطأ في تطبيق القانون ".
مناط تطبيق المادة 32/ 2 عقوبات؟
الفصل في قيام الارتباط بين الجرائم. موضوعي. عدم تطبيق المحكمة المادة 32/ 2 عقوبات رغم وجوب ذلك. خطأ قانوني. وجوب تدخل محكمة النقض لتصحيحه.
1 - إذ نص الشارع في المادة 137 مكررا (أ) من قانون العقوبات على أنه: " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنين كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ليحمله بغير حق على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على الامتناع عنه ولم يبلغ مقصده، فإذا بلغ الجاني مقصده تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين. وتكون لعقوبة السجن في الحالتين إذا كان الجاني يحمل سلاحا. وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إلى عشر سنين إذا صدر من الجاني ضرب أو جرح نشأ عنه عاهة مستديمة. وتكون العقوبة الأشغال المؤقتة إذا أفضى الضرب أو الجرح المشار إليه في الفقرة السابقة إلى الموت ". فإنه قد أطلق حكمها - دون تخصيص شخص الجاني أو صفته - لينال بالعقاب كل من يقترف الفعل المؤثم، يستوي أن يكون من الموظفين العامين أو المكلفين بخدمة عامة أو من الأفراد، إذ العبرة هي بصفة من يقع عليه الفعل دون اعتداد بشخص أو صفة من أتاه.
2 - مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات. أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال كمل بعضها بعضا فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في هذه الفقرة.
3 - الفصل في قيام الارتباط بين الجرائم وإن يكن مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع استنادا إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهت إليه، إلا أنه إذا كانت وقائع الدعوى - كما صار إثباتها في الحكم - توجب تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات، فإن عدم تطبيقها يكون من الأخطاء القانونية في تكييف الارتباط الذي حددت عناصره في الحكم، ويستوجب تدخل محكمة النقض لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: في يوم 11/ 8/ 1963 بدائرة مركز الفشن محافظة بني سويف: (أولا) استعمل القوة والعنف مع موظفين عموميين هما علي محمود علي وسعيد إبراهيم خليل المفتشين بإدارة شرطة الهيئة العامة للسكك الحديدية حالة كونه يحمل سلاحا وذلك بأن اعتدى عليهما بالضرب بمطواة فأحدث بهما الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي ليحملها بغير حق على الإمتناع عن عمل من أعمال وظيفتهما وهو إثبات واقعة اختلاس مبلغ أربعين مليما من قيمة الأجرة والغرامة التي حصلها من فهيمة حسن صفي الدين لركوبها القطار بدون تذكرة من محطة تزمنت إلى محطة القضابي وقد بلغ بذلك مقصده، (ثانيا) بصفته موظفا عموميا كمساري بالهيئة العامة للسكك الحديدية اختلس المبلغ المبين بالتهمة الأولى والمسلم إليه بسبب وظيفته حالة كونه من مأموري التحصيل (ثالثا) بصفته موظفا عموميا ارتكب أثناء تأدية وظيفته تزويرا في محرر رسمي حال تحريره المختص بوظيفته وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت على غير الحقيقة بقسيمة التحصيل رقم 73772 ع أنه تسلم مبلغ خمسين مليما من فهيمة حسن صفي الدين وكان قد حصل منها مبلغ تسعين مليما مع علمه بذلك. (رابعا) بصفته موظفا عموميا ارتكب تزويرا في محرر رسمي وكان ذلك بتغيير المحرر بأن كتب في قسيمة التحصيل رقم 73773 ت كلمة (ملاطية) فوق كلمة (مغاغة) وعبارة (بدون تذكرة) فوق عبارة (بيدها مخالفات) بقصد طمس معالم الكتابة الأجنبية مع علمه بذلك. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته على محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضوريا في 24 من مارس سنة 1966 عملا بالمواد 111/ 1 و112/ 2 و118 و137/ 1 - 2 و211 و17 و32 من قانون العقوبات (أولا) بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة مع الشغل لمدة سنة عن التهمة الأولى و(ثانيا) بمعاقبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامه برد أربعين مليما وتغريمه 500 ج والعزل عن باقي التهم. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم استعمال القوة والعنف مع موظفين عامين، والاختلاس حالة كون الطاعن من مأموري التحصيل، والتزوير في ورقتين رسميتين، قد شابه البطلان واعتراه القصور في التسبيب، كما أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الهيئة التي أصدرت الحكم تغايرت عن تلك التي سمعت المرافعة باستبدال أحد أعضائها بآخر، ولم يعرض الحكم لما أبداه الطاعن من دفاع جوهري يتمثل في تبيينه علة استخراجه القسيمة رقم 73773 قبل سابقتها وأنه لو أراد اختلاسا لأثبت بها ما أسند إليه من كلمات مزورة، ولما قدم دفتر قسائم تحصيل الغرامات إلى النيابة العامة أو احتفظ بجميع القسائم التي حصل غرامات بمقتضاها - والتي كان يخشى عبث المفتش بها - إلى حين عرضها على المحكمة، وعدم إساغة كتابة كلمة " ملاطية " فوق كلمة " مغاغة " بالقسيمة رقم 73773 لأن كلتا المحطتين أبعد جنوبا من محطة " القضابي " وهو ما كان يستحق عنه أجرة وغرامة تزيد عما حصله من الراكبة فهيمة حسن صفي الدين، وكذا في كيفية توصل المفتشين - وقد نزلا وحدهما بمحطة تزمنت - إلى معرفة تلك الراكبة هذا إلى أن الحكم دان الطاعن بمقتضى المادة 137 مكررا (أ) من قانون العقوبات مع أن مجال تطبيقها أن يكون الاعتداء الذي يتعرض له الموظف العام حاصلا من آحاد الناس دون أن يستطيل إلى الاعتداء الواقع عليه من زميل له، هذا فضلا عن أن الحكم لم يعمل حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات وقضى بعقوبة مستقلة عن هذه الجريمة على الرغم من ارتباطها ارتباطا لا يقبل التجزئة مع باقي الجرائم التي دانه بها.
وحيث إنه يبين من محاضر جلسات المحاكمة والحكم المطعون فيه أن المستشار عز الدين بدوي سراج الدين اشترك في جلسة 29 ديسمبر سنة 1965 عضوا في الهيئة التي سمعت شهود الإثبات وفضت الحرز واطلعت على القسيمتين محل التزوير ثم أجلت نظر الدعوى لجلسة 18 يناير سنة 1966 وفيها جلس الرئيس بالمحكمة إبراهيم محمد هاشم منتدبا بدلا منه. ولما كانت جلسة 22 مارس سنة 1966 لم يحضر شهود الإثبات وباشرت المحكمة - بتشكيلها الأخير - إجراءات المحاكمة فاستجوبت الطاعن - بموافقة المدافع عنه - وأطلعته على القسيمة رقم 73773 وناقشته في شأنها وفي شأن القسيمة الأخرى، ثم ترافع المدافع عنه وأبدى ما ارتأه من أوجه الدفاع، ثم قررت المحكمة تأجيل النطق بالحكم لجلسة 24 مارس سنة 1966، وفيها أصدرت - بنفس تشكيلها الأخير - حكمها المطعون فيه. لما كان ذلك، وكان البين من استعراض إجراءات المحاكمة على النحو السابق أن الهيئة التي سمعت المرافعة في القضية بجلسة 22 مارس سنة 1966 هي التي أصدرت الحكم فيها، فإن النعي بالبطلان يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستغني عن سماع شهود الإثبات إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمنا، دون أن يحول عدم سماعهم أمامها من أن تعتمد في حكمها على ما سبق أن أدلوا به من أقوال ما دامت هذه الأقوال مطروحة على بساط البحث في الجلسة، وكان الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب إلى الهيئة الأخيرة سماع أحد من الشهود أو اتخاذ أي إجراء بعينه مما يعد معه نازلا عن سماع الشهود ويكون ما ينعاه في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن فهيمة حسن صفي الدين استقلت قطار السكة الحديد من محطة تزمنت قاصدة محطة القضابي، وإذ كانت لا تحمل تذكرة فقد تقاضى منها المحصل - الطاعن - قطعة فضية من ذات العشرة القروش ورد إليها قرشا وسلمها قسيمة تحصيل رقم 73772 أثبت فيها على خلاف الحقيقة ركوبها القطار من محطة سدس وأنه استلم منها مبلغ خمسين مليما فقط واختلس بذلك أربعين مليما فرق الأجرة ما بين المحطتين، ولما بلع القطار محطة الفشن صعد إليه مفتشا إدارة مباحث شرطة السكك الحديدية - علي محمود وسعيد خليل - فاطلع أولهما على هذه القسيمة المسلمة إلى تلك الراكبة فلم سألها عنها أفضت إليه بمحطة ركوبها وبما دفعته إلى الطاعن، ولما دعا الأخير وواجهه بها وأصرت على ما قررته أخذ يرجو الصفح عنه، وفي تلك الأثناء كان المفتش الأول علي محمود يثبت أقوالها بدفتر القسائم بالقسيمة رقم 73773، ولما أسقط في يد الطاعن عمد إلى مدية طعنه بها فلما تدخل المفتش الآخر في الأمر بادره الطاعن بالطعن بالمدية واستطاع بذلك أن يسترد الدفتر ثم ارتكب تزويرا في ذات القسيمة بأن كتب كلمة " ملاطية " فوق كلمة "مغاغة" وعبارة بدون تذكرة. فوق عبارة "بيدها مخالفات " - التي أثبتها المفتش بها - بقصد طمسها. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة سائغة مستمدة من شهادة كل من المفتشين والراكبة المتقدم ذكرهم ومما بان للمحكمة من الاطلاع على هاتين القسيمتين، وما أسفر عنه تقريري قسم التزييف والتزوير والكشف الطبي. ثم انتهى إلى إدانة الطاعن بالمواد 111/ 1 و112/ 2 و118 و137/ 1 - 2 و211 و213 من قانون العقوبات عن جريمة استعمال القوة والعنف مع المفتشين وجريمة الاختلاس وجريمتي التزوير في الورقتين الرسميتين، وأوقع عليه عقوبة الحبس مع الشغل لمدة سنة عن أولاها مع استعمال المادة 17 من ذلك القانون، وكذا عقوبات السجن لمدة ثلاث سنين وإلزامه برد أربعين مليما وتغريمه خمسمائة جنيه والعزل عن باقي الجرائم وتطبيق المادة 17 والفقرة الثانية من المادة 32 من القانون ذاته. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفي كل جزئية يثيرها وأن اطمئنانها إلى الأدلة التي قامت عليها قضاءها يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها إياها، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الطاعن من دفاع موضوعي في شأن ما عزى إليه من اختلاس وتزوير ورد عليه بقوله " ولا تعول المحكمة على إنكار المتهم - الطاعن - إزاء ما شهد به الشهود وما جاء بالتقارير الفينة والطبية ". لما كان ذلك، وكان هذا الذي أورده الحكم يفيد اطراح دفاع الطاعن اطمئنانا من الحكم لأدلة الثبوت التي أورد مؤداها وعول عليها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الشارع إذ نص في المادة 137 مكررا (أ) من قانون العقوبات على أنه " يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنين كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد مع موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ليحمله بغير حق على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على الامتناع عنه ولم يبلغ مقصده، فإذا بلع الجاني مقصده تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين. وتكون العقوبة السجن في الحالتين إذا كان الجاني يحمل سلاحا. وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إلى عشر سنين إذا صدر من الجاني ضرب أو جرح نشأ عنه عاهة مستديمة وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إذا أفضى الضرب أو الجرح المشار إليه في الفقرة السابقة إلى الموت " فإنه قد أطلق حكمها - دون تخصيص شخص الجاني أو صفته - لينال بالعقاب كل من يقترف الفعل المؤثم، يستوي أن يكون من الموظفين العامين أو المكلفين بخدمة عامة أو من الأفراد، إذ العبرة هي بصفة من يقع عليه الفعل دون اعتداد بشخص أو صفة من أتاه، ومن ثم يكون ما جنح إليه الطاعن من تقييد حكم النص غير سديد. لما كان ذلك، وكان مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من ذلك القانون أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال كمل بعضها بعضا فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد في هذه الفقرة، وكان الفصل في قيام الارتباط بين الجرائم وإن يكن مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع استنادا إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهت إليه إلا أنه إذا كانت وقائع الدعوى - كما صار إثباتها في الحكم - توجب تطبيق هذه المادة عملا بنصها، فإن عدم تطبيقها يكون من الأخطاء القانونية في تكييف الارتباط الذي حددت عناصره في الحكم، ويستوجب تدخل محكمة النقض لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح. ولما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن اقترف جريمة استعمال القوة والعنف مع المفتشين بقصد حملها بغير حق على الامتناع عن عمل من أعمال وظيفتهما وهو إثبات جريمة الإختلاس التي ارتكبها، فبلغ بذلك مقصده، فإن في ذلك ما يتحقق به معنى الارتباط جريمة الاختلاس بجريمتي التزوير في الأوراق الرسمية، فإن هذا الارتباط يمتد إلى الجرائم الأربع جميعا التي دين الطاعن بها مما يقتضي اعتبارها جريمة واحدة والقضاء بالعقوبة المقررة لأشد هذه الجرائم وهي جريمة الاختلاس. ولما كان الحكم قد أوقع على الطاعن عقوبة مستقلة عن أولى هذه الجرائم فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، وإذ كان تصحيح هذا الخطأ لا يخضع لأي تقدير موضوعي بعد أن قالت محكمة الموضوع كلمتها من حيث ثبوت إسناد الجرائم التي دانت الطاعن بها، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا فيما قضى به من عقوبة عن الجريمة الأولى وتصحيحه بإلغائها والاكتفاء بالعقوبات المقضي بها عن جريمة الاختلاس باعتبارها الجريمة الأشد.