أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 24 - صـ 416

جلسة 26 من مارس سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية، وابراهيم أحمد الديوانى، وعبد الحميد محمد الشربينى، وحسن علي المغربي.

(87)
الطعن رقم 111 لسنة 43 القضائية

(1 و 2) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". "شهود". "قرائن". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
1 - حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى.
عدم اشتراط أن يكون الدليل صريحا دالا بذاته على الواقعة المراد إثباتها. كفاية ثبوتها منه بالاستنتاج من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. مثال.
2 - حق محكمة الموضوع فى تجزئة أقوال الشاهد. مجادلتها. أمام النقض. فيما اطمأنت إليه من أقواله. غير جائز.
(3) مواد مخدرة. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفوع. "الدفع بعدم العلم بكنه المادة المضبوطة".
إستخلاص الحكم من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها علم الطاعن بأن ما يحوزه مخدرا. كفايته لإثبات علم الطاعن. ما دام استخلاص لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى.
(4) حكم. "ما لا يعيبه". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مثال لخطأ مادى مما لا يؤثر فى سلامة الحكم.
(5) حكم. "بياناته. بيانات التسبيب". "تسبيب غير معيب". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إشارة الحكم إلى أن القانون الذى دان الطاعن بمقتضاه قد عدل. دون ذكر رقم القانون الأخير. لا عيب. أساس ذلك ؟ مثال فى مواد مخدرة.
1 - من المقرر أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، كما أنه لا يشترط فى الدليل أن يكون صريحا دالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ولما كان الحكم المطعون فيه أثبت فى حق الطاعن بأدلة لها معينها الصحيح فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها – وبما لا ينازع الطاعن فيه – أنه بارح الباخرة القادمة من بيروت حاملا عليه من الكرتون وأن المخدر قد ضبط بمعرفة مأمورى الجمرك مخبأ بين طيات هذه العلبة، فان الحكم إذ استخلص استنادا إلى تلك الأدلة أن الطاعن كان قد حصل قبل ركوبه الباخرة على المخدر المضبوط وأخفاه بين طيات العلبة التى كان يحملها، يكون قد استخلص صورة الدعوى استخلاصا سائغا.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى. ولما كان الحكم قد حصل أقوال الضابط – بما لا يجادل فيه الطاعن – من أنه شهد بأنه وردت له اخبارية سرية بأن المتهم (أى الطاعن) يجلب معه كمية من المواد المخدرة، وأنه أبلغ رجال الجمارك بذلك وقبل أن يقوم مأمور الجمرك بتفتيش العلبة التى كان الطاعن يحملها ويضع بها حاجياته والتى عثر على المخدر المضبوط بين طياتها كما نقل الحكم عن مأمور الجمرك...... أنه قد شهد بمؤدى ما شهد به الضابط، ومن ثم فلا جناح على المحكمة إن هى أطرحت ما قاله مأمور الجمرك الآخر بجلسة المحاكمة من أنه لم ترد له هذه الاخبارية قبل تمزيق العلبة. وإذ كان ما أورده الحكم له صداه فى الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن عن مدى الخطأ فى الإسناد لا يعدو أن يكون مجادلة لتجريح الأدلة القانونية فى الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التى ارتسمت فى وجدان قاضى الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض.
3 - متى كان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها كافيا فى الدلالة على أن الطاعن كان يعلم بأن العلبة المضبوطة تحوى مخدرا، وأنه هو الذى أخفاء بين طياتها، وكان هذا الذى استخلصه الحكم لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى، فإن ما ينعاه الطاعن بقالة قصور الحكم فى التدليل على توافر علمه بكنه المادة المخدرة يكون فى غير محله.
4 - إن ما يثيره الطاعن بشأن خطأ الحكم فى بيانه لقيمة البضائع التى اشتراها مردود بأن البين مما أورده الحكم فى تحصيله لواقعة الدعوى أنه قد أثبت أن قيمة الرسوم التى دفعها الطاعن قدرها 12 جنيها و 400 مليما – وهو ما لا ينازع الطاعن فى صحته – ومن ثم فلا يعيب الحكم أن يكون قد ذكر وهو بصدد إطراحه دفاع الطاعن أن قيمة البضاعة قد بلغت هذا القدر – إذ أن ما ذكره من ذلك لا يعدو أن يكون خطأ ماديا لا أثر له فى النتيجة التى انتهى إليها.
5 - متى كان الحكم قد انتهى إلى إدانة الطاعن طبقا للمواد 1 و2 و3 و33 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها والبند 12 من الجدول المرفق به وعنى بالإشارة إلى أنه قد عدل، ومن ثم فليس بلازم أن يشير إلى القانون رقم 40 لسنة 1966 الذى أجرى هذا التعديل لأن ما استحدثه من أحكام قد اندمج فى القانون الأصلى وأصبح من أحكامه منذ بدء سريانه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد غير سديد.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 26 أكتوبر سنة 1970 بدائرة قسم الميناء محافظة الاسكندرية: جلب إلى أراضى الجمهورية العربية المتحدة جوهرا مخدرا (حشيشا) دون الحصول على ترخيص كتابى بذلك من الجهة الإدارية المختصة وفى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و3 و33/ 1 و36 و42 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 40 لسنة 1966 والبند 16 من الجدول رقم 1 المرفق. فقرر ذلك فى 10 يناير سنة 1971. ومحكمة جنايات الاسكندرية قضت حضوريا بتاريخ 11 مارس سنة 1972 عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه ثلاثة آلاف جنيه والمصادرة. فطعن وكيل المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب جواهر مخدرة قد انطوى على خطأ فى الاسناد وفساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب وخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأنه أورد فى بيانه لواقعة الدعوى أن الطاعن حصل على المخدر من بيروت قبل ركوبه الباخرة وأخفاه بين دفتى علبة الكرتون التى ضبطت وهى واقعة لم يقل بها أحد من الشهود كما أطرح الحكم دفعه بعدم علمه بكنه المادة المخدرة المضبوطة إستنادا إلى أن الرائد..... رئيس وحدة مكافحة المخدرات أبلغ مأمورى الجمرك عند استيقافهما له (أى الطاعن) وقبل تمزيق الكرتونة أن هناك إخبارية سرية على أن الطاعن يحوز مواد مخدرة فى حين أنه لم يرد ذكر لذلك بأقوال الشاهد...... مأمور الجمرك الذى اشتبه فى أمر الطاعن، وما أورده الحكم ردا على هذا الدفع لا يسوغ إطراحه وقد عولت المحكمة فى إثبات العلم – من بين ما عولت عليه – على أن قيمة البضاعة التى اشتراها الطاعن تبلغ 12 جنيها و 400 مليما وهو ما لا يوازى مصاريف الرحلة واستنتجت من ذلك أن الطاعن إنما سافر إلى لبنان لجلب المخدر، فى حين أن هذا المبلغ – وفقا لما هو ثابت بقسيمة التحصيل الجمركى – إنما هو قيمة الرسم الجمركى الذى استحق على البضاعة بما يدل على أن قيمتها تزيد كثيرا على مصاريف الرحلة، وأخيرا فقد أغفل الحكم الإشارة إلى أن القانون رقم 182 سنة 1960 الذى دان الطاعن به قد عدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت فى حق الطاعن بأدلة لها معينها الصحيح فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها – وبما لا ينازع الطاعن فيه – أنه بارح الباخرة القادمة من بيروت حاملا لعلبة من الكرتون وأن المخدر قد ضبط بمعرفة مأمورى الجمرك مخبأ بين طيات هذه العلبة. لما كان ذلك، فإن الحكم إذا استخلص استنادا إلى تلك الأدلة أن الطاعن كان قد حصل قبل ركوبه الباخرة على المخدر المضبوط وأخفاه بين طيات العلبة التى كان يحملها يكون قد استخلص صورة الدعوى استخلاصا سائغا ويكون النعى على الحكم فيما استخلصه من ذلك غير سديد، لما هو مقرر من أنه من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقع الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، هذا فضلا عن أنه لا يشترط فى الدليل أن يكون صريحا دالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال الرائد.... – بما لا يجادل فيه الطاعن – من أنه شهد بأنه وردت له إخبارية سرية بأن المتهم (أى الطاعن) يجلب معه كمية من المواد المخدرة، وأنه أبلغ رجال الجمارك بذلك وقيل أن يقوم مأمور الجمرك بتفتيش العلبة التى كان الطاعن يحملها ويضع بها حاجياته والتى عثر على المخدر المضبوط بين طياتها كما نقل الحكم عن مأمور الجمرك...... أنه قد شهد بمؤدى ما شهد به الرائد.... ومن ثم فلا جناح على المحكمة إن هى أطرحت ما قاله مأمور الجمرك الآخر..... بجلسة المحاكمة من أنه لم ترد له هذه الإخبارية قبل تمزيق العلبة، لما هو مقرر من أن محكمة الموضوع لها أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى. وإذا كان ما أورده الحكم له صداه فى الأوراق، فإن ما يثيره الطاعن عن مدى الخطأ فى الإسناد لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح الأدلة القائمة فى الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التى ارتسمت فى وجدان قاضى الموضوع بالدليل الصحيح، وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان ما ساقه الحكم من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها كافيا فى الدلالة على أن الطاعن كان يعلم بأن العلبة المضبوطة تحوى مخدرا وأنه هو الذى أخفاه بين طياتها، وكان هذا الذى استخلصه الحكم لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى، فإن ما ينعاه الطاعن بقالة قصور الحكم فى التدليل على توافر علمه بكنه المادة المخدرة يكون فى غير محله. أما ما يثيره الطاعن بشأن خطأ الحكم فى بيانه لقيمة البضائع التى اشتراها فهو مردود بأن البين مما أورده الحكم فى تحصيله لواقعة الدعوى أنه قد أثبت أن قيمة الرسوم التى دفعها الطاعن قدرها 12 جنيها و 400 مليما، وهو ما لا ينازع الطاعن فى صحته. ومن ثم فلا يعيب الحكم أن يكون قد ذكر وهو بصدد إطراحه لدفاع الطاعن أن قيمة البضاعة قد بلغت هذا القدر - إذ أن ما ذكره من ذلك لا يعدو أن يكون خطأ ماديا لا أثر له فى النتيجة التى انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن طبقا للمواد 1 و2 و3 و33 و42 من القانون رقم 182 سنة 1960 المعدل فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها والبند 12 من الجدول المرفق به وعنى بالإشارة إلى أنه قد عدل ومن ثم فليس بلازم أن يشير إلى القانون رقم 40 سنة 1966 الذى أجرى هذا التعديل لأن ما استحدثه من أحكام قد اندمج فى القانون الأصلى وأصبح من أحكامه منذ بدأ سريانه، وبالتالى يضحى ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.