أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
السنة الخامسة والعشرين – صـ 746

جلسة 17 من نوفمبر سنة 1974

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح، نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، ومحمد صلاح الرشيدى، وأحمد فؤاد جنينة.

(161)
الطعن رقم 844 لسنة 44 القضائية

تهديد. جريمة. "أركانها". قصد جنائى. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جريمة التهديد المنصوص عليها بالمادة 327 عقوبات. قيامها ولو لم تكن عبارة التهديد دالة بذاتها على اعتزام الجانى ارتكاب الجريمة بنفسه. متى كان من شأنها إيقاع الرعب فى نفس المجنى عليه. مثال.
أن المادة 327 من قانون العقوبات إذ نصت على عقاب كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال – إذا كان التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر – لم توجب بصيغتها العامة أن تكون عبارة التهديد دالة بذاتها على أن الجانى سوف يقوم بنفسه بارتكاب الجريمة إذا لم يجب إلى طلبه، بل يكفى أن يكون الجانى قد وجه التهديد كتابة إلى المجنى عليه وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب فى نفسه وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن المجنى عليه راغما إلى إجابة الطلب بغض النظر عما إذا كان الجانى قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلا ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلى الذى أحدثه التهديد فى نفس المجنى عليه. ولا عبرة بعد ذلك بالأسلوب أو القالب الذى تصاغ فيه عبارات التهديد متى كان المفهوم منها أن الجانى قصد ترويع المجنى عليه وحمله على أداء ما هو مطلوب، فإذا كانت المحكمة قد استخلصت من عبارات التهديد ومن ظروف الواقعة وملابساتها أن الطاعن رمى إلى إثارة الرعب والفزع فى نفس المجنى عليهما بارتكاب جريمة خطف ثلاث من الطائرات التابعة لشركتيهما وتدمير أثنين منها وأنه هو المهدد فعلا بارتكاب هذه الجريمة رغم أن عبارات التهديد قد صيغت صياغة غامضة وأفرغت فى قالب يوهم بأن الطاعن مجدد وسيط ومحذر من جرائم سوف يرتكبها آخرون، فلا يصح مصادرتها فيما استنبطته طالما كان استخلاصها سائغا لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى، وما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها – لما كان ما تقدم – فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 25 من أبريل سنة 1972 بدائرة قسم محرم بك محافظة الإسكندرية: (أولا) هدد كل من مدير شركة لوفتهانزا للطيران ومدير شركة الخطوط الجوية الملكية الأردنية بارتكاب جريمة ضد المال معاقب عليها بالأشغال الشاقة (الجناية المنصوص عليها فى المادة 167 من قانون العقوبات) وكان التهديد مصحوبا بطلب أن بعث إليهما بخطابين يهددهما فيها بخطف ثلاث طائرات مملوكة للشركتين سالفتى الذكر وتدمير أثنين منهما ما لم يتم دفع المبلغ المطلوب منه وتنفيذ باقى ما بخطابه المرسل إلى قنصل ألمانيا الاتحادية (ثانيا) شرع فى الحصول على مبلغ مائة ألف جنيه من قسم رعاية المصالح الألمانية الغربية على الوجه المبين بالتحقيقات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 327/ 1 و326/ 1و - 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا عملا بمادتى الإتهام والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم عما اسند إليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتى التهديد كتابة بارتكاب جريمة ضد المال والشروع فى الحصول على مبلغ بطريق التهديد، قد أخطأ فى تطبيق القانون وفى تأويله، ذلك بأن مفاد نص المادة 327 من قانون العقوبات أن الركن المادى فى تلك الجريمة لا يتوافر إلا بتهديد من الجانى بأنه هو الذى سوف يرتكب جريمة الاعتداء على النفس أو المال إذا لم يستجب المجنى عليه إلى طلبه، وأنه لما كانت عبارات التهديد فى خصوصية هذه الدعوى لا تنبئ عن هذا المعنى وإنما تضمنت عن وقائع وهمية سوف يقوم بها آخرون فان عناصر الجريمة المنصوص عليها فى المادة تكون غير متوافرة وإن جاز أن يتحقق جريمة الشروع فى نصب طبقا للمادة 336 عقوبات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتى التهديد كتابة بارتكاب جريمة ضد المال والشروع فى الحصول على مبلغ بطريق التهديد، عرض لدفاع الطاعن فى شأن ما أثاره فى أسباب طعنه ورد عليه بقوله أنه "مردود وتلتفت عنه المحكمة ذلك أن واقع الحال فى الدعوى أن المتهم هو المهدد فعلا للجهات المعنية ذلك أن هو مرسل الخطابات إلى تلك الجهات وقد أرسل الخطابات سالفة الذكر وهو عالم بأن من شأنها إيقاع الرعب فى نفس المجنى عليهم وقد أرسلها إليهم بهذا القصد ابتغاء الحصول على المال الذى طلبه مشترطا دفعه له حتى يوقف الخطر موضوع التهديد ولا تعول المحكمة على ما قاله من أنه لم يتعد مجرد التحذير فحسب محاولا تصوير نفسه بأنه مجرد وسيط، هذا القول يكذبه الواقع من أقوال ذات المتهم بالتحقيقات من عدم وجود أية أخطار حقيقية على النحو المصور بالخطابات كانت ستقع فعلا للجهات المعنية.... فإذا أضيف إلى ما تقدم أن قوله فى الخطابات أن فى إمكانه منع تلك الأخطار المزعومة فى مقابل تحقيق طلباته وأنه سوف يحجم عن التدخل لمنعها فى حالة عدم إجابته إليها أو إبلاغ الشرطة بالواقعة، إذا وضع ذلك فى الاعتبار لدل دلالة قاطعة على أن قصده الوحيد من إرسال الخطابات هو إيقاع الرعب فى نفوس المجنى عليهم عن طريق القائه فى روعهم أن تدبيرا سيحصل بوسائل النقل الجوى الخاصة بهم عن طريق اختطاف الطائرات وتدميرها بعد ذلك، مستغلا انتشار مثل هذا النوع من الحوادث فى الوقت الذى وجه فى الخطابات.... والمحكمة تلتفت كذلك عن محاولة المتهم صياغة عبارات التهمة بصيغة غامضة قد تفسر الوهلة الأولى بأنه ليس إلا مجرد محذر من وقوع تلك الحوادث وليس بالمهدد فعلا طالما أن هذه العبارات كان من شأنها أن تحدث الأثر المقصود منها فى نفس من وجهت إليه إذ التهديد الغامض فى شكله والمتضمن تلميحات يفهمها الشخص المهدد وحده يجوز أن يكون له من التأثير ما هو مساو أو أشد أثرا من التهديد الجلى الصريح هذا فضلا عن أن الثابت أن القصد من تصرف المتهم هو التلاعب بالعبارات التى أفرع فيها تهديده الذى ما قصد منه إلا إيقاع الرعب فى نفس المجنى عليهم بغية تحقيق طلباته". وما أورده الحكم فيما تقدم وأقام عليه قضاءه سائغ وسديد فى القانون ذلك بأن المادة 327 من قانون العقوبات إذ نصت على عقاب كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال – إذا كان التهديد مصحوبا بطلب أو بتكليف بأمر – لم توجب بصيغتها العامة أن تكون عبارة التهديد دالة بذاتها على أن الجانى سوف يقوم بنفسه بارتكاب الجريمة إذا لم يجب إلى طلبه، بل يكفى أن يكون الجانى قد وجه التهديد كتابة إلى المجنى عليه وهو يدرك أثره فى حيث إيقاع الرعب فى نفسه وأنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن يذعن المجنى عليه راغما إلى إجابة الطلب بغض النظر عما إذا كان الجانى قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلا ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلى الذى أحدثه التهديد فى نفس المجنى عليه. ولا عبرة بعد ذلك بالأسلوب أو القالب الذى تصاغ فيه عبارات التهديد متى كان المفهوم منها أن الجانى قصد ترويع المجنى عليه وحمله على أداء ما هو مطلوب. فإذا كانت المحكمة قد استخلصت من عبارات التهديد ومن ظروف الواقعة وملابساتها أن الطاعن رمى إلى إثارة الرعب والفزع فى نفس المجنى عليهما بارتكاب جريمة خطف ثلاث من الطائرات التابعة لشركتيهما وتدمير اثنين منها وأنه هو المهدد فعلا بارتكاب هذه الجريمة رغم أن عبارات التهديد قد صيغت صياغة غامضة وأفرغت فى قالب يوهم بأن الطاعن مجدد وسيط ومحذر من جرائم سوف يرتكبها آخرون، فلا يصح مصادرتها فيما استنبطته طالما كان استخلاصها سائغا لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى، وما دامت قد أقامت قضاءها على أسباب من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.