أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 451

جلسة أول أبريل سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين حسن عزام، وعضوية السادة المستشارين: حسن أبو الفتوح الشربينى، ومحمود كامل عطيفة، ومحمد عبد المجيد سلامة، وطه الصديق دنانة.

(92)
الطعن رقم 123 لسنة 43 القضائية

(1،2، 3، 4) إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". قتل عمد. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
(1) جواز استناد المحكمة إلى الحقائق الثابتة علميا. عدم جواز استنادها على مجرد رأى عبر عنه بألفاظ تفيد التعميم والاحتمال.
(2) تحديد وقت الوفاة بناء على حالة التيبس الرمى. مسألة فنية بحت. المنازعة فيه. دفاع جوهرى. وجوب تحقيقه عن طريق المختص فنيا. وإلا تعيب الحكم بالقصور والاخلال بحق الدفاع.
(3) سكوت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة لتحديد وقت وقوع الحادث الذى ينازع فيه لا يقدح فى اعتبار دفاعه جوهريا. منازعة تتضمن المطالبة الجازمة بتحقيق هذا الدفاع والرد عليه.
(4) حدود سلطة المحكمة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى أن لا تكون المسألة المطروحة من المسائل الفنية البحث التى لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها لإبداء الرأى فيها.
1 - الأصل أنه وإن كان للمحكمة أن تستند فى حكمها إلى الحقائق الثابتة عليما إلا أنه لا يجوز لها أن تقتصر فى قضائها على ما جاء بأحد كتب الطب الشرعى متى كان ذلك مجرد رأى عبر عنه بألفاظ تفيد التعميم والاحتمال الذى يختلف بحسب ظروف الزمان والمكان دون النظر إلى مدى انطباقه فى خصوصية الدعوى، ذلك بأن القضاء بالإدانة يجب أن يبنى على الجزم واليقين.
2 - لما كان الدفاع الذى أبداه الطاعن فى الدعوى المطروحة من تعارض الوقت الذى حدده الشاهدان للحادث مع ما جاء بتقرير الصفة التشريحية عن حالة التيبس الرمى يعد دفاعا جوهريا لتعلقه بالدليل المقدم فيها والمستمد من أقوال شاهدى الإثبات، وهو دفاع قد ينبنى عليه لو صح تغير وجه الرأى فى الدعوى مما كان يقتضى من المحكمة وهى تواجه مسألة تحديد وقت الوفاة وهى مسألة فنية بحت – أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغا إلى غاية الأمر فيها بتحقيق هذا الدفاع الجوهرى عن طريق المختص فنيا - وهو الطبيب الشرعى – أما وهى لم تفعل، فإن حكمها يكون معيبا بالقصور فضلا عن الإخلال بحق الدفاع.
3 - لا يقدح فى اعتبار دفاع الطاعن جوهريا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة ذلك بأن منازعة الطاعن فى تحديد الوقت الذى وقع فيه الحادث يتضمن فى ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه والرد عليه بما يفنده.
4 - إذ كان الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث. إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأى فيها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما فى يوم 24/ 7/ 1970 بدائرة مركز جرجا محافظة سوهاج: (أولا) قتلا ..... عمدا مع سبق الاصرار بأن بيتا النية وعقد العزم على قتله وأعدا لهذا الغرض سلاحين ناريين مسدسين حملاهما وتوجها إلى حيث يوجد المجنى عليه بزراعته وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه المتهم الأول عدة أعيرة نارية بينما كان المتهم الثانى يقف بجواره لشد أزره قاصدين من ذلك قتله فأحدث به الاصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته.
(ثانيا) 1 - أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا "مسدس" (2) أحرز ذخائر مما تستعمل فى السلاح النارى سالف الذكر حالة كونه غير مرخص له بحمل واحراز الأسلحة النارية. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات ومعاقبة المتهم الأول أيضا بالمواد 1/ 1 و6 و26/ 2 – 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق به، فقرر بذلك. وادعى شقيق المجنى عليه مدنيا وطلب القضاء له قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا بتاريخ 19 مارس سنة 1972 عملا بمواد الإتهام والمادتين 17 و32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الأول والمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى المتهم الثانى (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات ومصادرة السلاح المضبوط وبإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ قرش واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة (ثانيا) ببراءة المتهم الثانى مما أسند إليه وبرفض الدعوى المدنية بالنسبة له. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز سلاح مششخن وذخيرة له بغير ترخيص – قد شابه قصور فى التسبيب واخلال بحق الدفاع – ذلك بأن الطاعن تمسك فى دفاعه بأن شاهدى الإثبات اللذين عول الحكم على شهادتهما لم يكونا موجودين وقت وقوع الحادث ولم يشاهداه بدليل أن الوقت الذى حدداه للحادث يتعارض مع ما جاء بتقرير الصفة التشريحية من وجود الجثة فى حالة تيبس رمى كامل مما يرجع الواقعة إلى ساعات سابقة على الوقت الذى حدده الشاهدان، غير أن المحكمة مع تسليمها بالقاعدة الفنية عن مدة التيبس الرمى أضافت بأن لحرارة الجو أثرها فى تخفيض مدة اكتمال التيبس الرمى عن المدة المعتادة التى تتراوح ما بين عشر ساعات واثنتى عشرة ساعة واتخذت من وقوع الحادث فى شهر يوليه ردا على هذا الدفاع، والحكم بذلك يكون قد بت فى مسألة فنية بحتة ليس من شأن المحكمة وكان يتعين عليها تحقيقا بالرجوع إلى أهل الخبرة مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن الدفاع أشار إلى أن الثابت من التقرير الطبى الشرعى أن جثة المجنى عليه وجدت فى الساعة الرابعة وخمس دقائق بعد ظهر يوم الواقعة بعد سبع ساعات ونصف من الإصابة فى دور التيبس الرمى الكامل وأن التقرير قاطع فى أن التيبس الرمى لا يتم إلى بعد مضى اثنتى عشرة ساعة، ورتب الدفاع على ذلك أن القتل كان فى الرابعة فجرا إن لم يكن فى الساعة الثانية بعد منتصف الليل وأن شاهدى الإثبات لم يشاهدا وقوع الحادث، كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه حين عرض لهذا الدفاع قال "وأما ما ذهب إليه الدفاع فى الاستدلال على مقتل المجنى عليه قبل الموعد الذى حدده (شاهدى) الإثبات بمقولة أن حالة التيبس الرمى الكاملة قد صاحبت الجثة وقت مشاهدة الطبيب الشرعى لها وأن التيبس الرمى يكتمل بعد مضى أثنتى عشرة ساعة مستندا فى ذلك إلى ما جاء بكتاب الطب الشرعى للدكاترة يحى شريف وآخرين والذى تقدم به إلى المحكمة بجلسة المحاكمة فمردود بما هو ثابت فى ذات الكتاب من أن الاكتمال فى التيبس الرمى يتم بهيئة عامة من حوالى عشرة إلى اثنتى عشرة ساعة من الوفاة. وجاء بالصحيفة 300 أن الحرارة العامة تساعد فى سرعة حدوث التيبس كما هو الحال صيفا. والثابت أن الحادث وقع فى شهر يوليه سنة 1970 أى صيفا مما يساعد على سرعة التيبس الرمى ويساند أقوال شاهدى الإثبات فى خصوص توقيتهما لحصول الحادث". لما كان ذلك، وكان الأصل أنه وإن كان للمحكمة أن تستند فى حكمها إلى الحقائق الثابتة علميا، إلا أنه لا يجوز لها أن تقتصر فى قضائها على ما جاء بأحد كتب الطب الشرعى متى كان ذلك رأيا عبر عنه بألفاظ تفيد التعميم والاحتمال الذى يختلف بحسب ظروف الزمان والمكان دون النظر إلى مدى انطباقه فى خصوصية الدعوى، ذلك بأن القضاء بالإدانة يجب أن ينبنى على الجزم واليقين. ولما كان الدفاع الذى أبداه الطاعن فى الدعوى المطروحة يعد دفاعا جوهريا لتعلقه بالدليل المقدم فيها والمستمد من أقوال شاهدى الإثبات، وهو دفاع قد ينبنى عليه – لو صح – تغير وجه الرأى فى الدعوى مما كان يقتضى من المحكمة وهى تواجه مسألة تحديد وقت الوفاة وهى مسألة فنية بحت - أن تتخذ ما تراه من الوسائل لتحقيقها بلوغا إلى غاية الأمر فيها بتحقيق هذا الدفاع الجوهرى عن طريق المختص فنيا – وهو الطبيب الشرعى أما وهى لم تفعل، فإن حكمها يكون معيبا بالقصور فضلا عن الاخلال بحق الدفاع. ولا يقدح فى هذا أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة ذلك بأن منازعة الطاعن فى تحديد الوقت الذى وقع فيه الحادث يتضمن فى ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه والرد عليه بما يفنده، ولا يرفع هذا العوار ما أورده الحكم من رد قاصرا، ذلك أنه إذا كان الأصل أن المحكمة لها كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث – إلا أن هذا مشروط بأن تكون المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبدائها الرأى فيها – كما هو واقع الحال فى خصوصية هذه الدعوى – ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن.