أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 24 - صـ 586

جلسة 29 من أبريل سنة 1973

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: نصر الدين حسن عزام، وحسن أبو الفتوح الشربينى، ومحمود كامل عطيفة، وطه الصديق دنانة.

(120)
الطعن رقم 240 لسنة 43 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "خبرة" حكم."ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المحكمة لا تلتزم بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها. لها المفاضلة بين آراء الخبراء. أخذها بأحد التقارير يفيد إطراحها باقى التقارير المقدمة دون التزام بأن تعرض لها أو أن ترد عليها.
(2) مسئولية جنائية. موانع العقاب. "الجنون". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". قتل عمد. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ الحكم فى التسوية بين حالة السيكوباتية ومرض الفصام فى قيام المسئولية الجنائية لا يعيبه. ما دام ما تزيد إليه من ذلك لم يكن له أثر فى منطقة أو فى النتيجة التى انتهى إليها من خلو الطاعن من الأمراض العقلية المؤثرة فى مسئوليته أيا كانت مسمياتها.
(3) حكم. "ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل". إثبات. "خبرة".
البيان المعول عليه فى الحكم هو الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع.
تزيد الحكم لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر فى منطقة أو فى النتيجة التى انتهى إليها.
خطأ الحكم فى شق مما نقله عن بعض التقارير الاستشارية المقدمة. لا يعيبه. ما دام لم يكن ذا أثر فى معتقد المحكمة وقضائها وانصب على دليل أطرحته.
(4) موانع العقاب "الجنون". إثبات "بوجه عام". حكم. "ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قتل عمد.
استدلال الحكم بأقوال الطاعن وتصرفاته بعد الحادث على سلامة قواه العقلية وقت وقوعه. استدلال سليم ما دام قد اتخذ منها قرينة يعزز بها التقرير الطبى عن حالة الطاعن العقلية.
(5) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض."أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
سلطة محكمة الموضوع فى تقدير أراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات دون التزام بالرد على الطعون الموجهة إليها ما دامت قد أخذت بما جاء بها.
(6) موانع العقاب."الجنون". حكم."تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن". ما لا يقبل منها.
إغفال الحكم الإشارة إلى سبق صدور قرار بإيداع الطاعن مستشفى الأمراض العقلية لا يعيبه. علة ذلك. الحكم لا يورد إلا ما له أثر فى قضائه. فى إغفال ذكر هذه الواقعة ما يدل على أنه لم ير فى حدوثها ما يغير من عقيدته.
(7) قتل عمد. جريمة. "أركانها". قصد جنائى. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب"..نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير توافر تعمد القتل مرجعه محكمة الموضوع متى كان ما أوردته يكفى لإثبات توافر النية مثال لتسبيب سائغ على توافر نية القتل.
1 - لا تلتزم المحكمة فى أصول الاستدلال بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها، ولها أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن الأمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل ومتى كانت المحكمة المطعون فى حكمها قد أخذت بتقرير مدير دار الاستشفاء للصحة العقلية والنفسية، فإن ذلك يقيد أنها أطرحت باقى التقارير المقدمة فى الدعوى دون أن تلتزم بأن تعرض لها فى حكمها أو ترد إستقلالا عليها ويكون نعى الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله.
2 - لا يعيب الحكم خطؤه فى التسوية بين حالة السيكوباتية ومرض الفصام من حيث أثر كل منهما فى قيام المسئولية الجنائية ما دام أن الثابت من مطالعة الحكم أن تزيد إليه فى هذا الصدد لم يكن له من أثر فى منطقه أو النتيجة التى انتهى إليها وأنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ وخلص – فى منطق سائغ واستنادا إلى دليل فنى يكفى وحده لحمل قضائه – إلى خلو الطاعن من الأمراض العقلية المؤثرة أيا كانت مسمياتها إلى أنه قد ارتكب جريمته باختياره وهو فى كامل شعوره وإدراكه وأطرح فى حدود سلطته التقديرية قالة إصابته بمرض الفصام.
3 - من المقرر أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجية عن سياق هذا الاقتناع، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها. ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه خطؤه فى شق مما نقله عن بعض التقارير الاستشارية المقدمة فى الدعوى ما دام أن هذا الخطأ – بفرد حصوله – لم يكن بذى أثر فى معتقد المحكمة وقضائها وانصب على دليل أطرحته ولم تعول عليه فى تكوين عقيدتها فى الدعوى.
4 - استدلال الحكم بأقوال الطاعن وتصرفاته التى صدرت منه بعد الحادث – على سلامة قواه العقلية وقت وقوعه، استدلال سليم لا غبار عليه، ما دام الواضح من الحكم أنه اتخذ من هذه الأقوال وتلك التصرفات قرينة يعزز بها النتيجة التى انتهى إليها التقرير الطبى عن حالة الطاعن العقلية، وكان هذا التقرير كافيا لحمل قضاء الحكم فى تقرير توافر مسئولية الطاعن الجنائية عن الحادث وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه من ذلك لا يعيبه طالما أنه لا أثر له فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها والتى كان عماده فيها التقرير الفنى الذى اطمأن إليه ووثق به.
5 - مرجع الأمر فى تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات إلى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير والأخذ بما ترتاح إليه منها لتعلق هذا الأمر بسلطتها فى تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد فى تملك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من عدم رده على المطاعن الموجهة إلى التقرير الذى عول عليه فى قضائه لا يكون له محل.
6 - لا يعيب الحكم إغفال الإشارة إلى سبق صدور قرار من غرفة المشورة بإيداع الطاعن مستشفى الأمراض العقلية لما هو مقرر من أنه ليس على الحكم إلا أن يورد ما له أثر فى قضائه، وفى إغفال المحكمة ذكر هذه الواقعة ما يدل على أنها لم تر فى حدوثها ما يغير من عقيدتها فى الدعوى.
7 - لما كان تعمد القتل أمر داخلى يتعلق بالإرادة يرجع توافره أو عدم توافره إلى سلطة محكمة الموضوع وحريتها فى تقدير الوقائع متى كانت ما أوردته من الظروف والملابسات سائغا يكفى لإثبات توافر هذه النية وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلا على قيام نية القتل لدى الطاعن وزميليه من الظروف والملابسات التى أوضحها فى قوله: "فإنه لا جدال فى توافر نية القتل لديهم ذلك من وجود الباعث على إزهاق الروح وهو ما قيل من أن المتهم الأول – الطاعن – قد اختمر فى نفسه ضغن للمجنى عليه الذى أساء إلى من تعلق قلبه بها فبيت له أفظع النوايا وأبشع الجرائم إذ صمم على قتله فى سكون الليل بأن اتفق مع المتهم الثانى الذى وضع الحبل حول عنقه وجذبه بعنف هو والمتهم الثالث ثم ذبحه بمطواة محدثا به الإصابة التى كانت من يد تقصد إزهاق الروح فنفذت إلى أغوار رقبته فقطعت الأوعية الدموية الرئيسية والألياف العصبية والقصبة الهوائية والغضروف الدرقى والنخاع الشوكى بالعنق على الوجه الوارد بتقرير الطبيب الشرعى هذا جمعيه يقطع بتوافر نية القتل". فان الحكم يكون قد عرض لنية القتل وأثبت توافرها فى حق الطاعن والمتهمين الآخرين فى تدليل سائغ.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم فى يوم 27/ 10/ 1969 بدائرة قسم الأهرام محافظة الجيزة: قتلوا عمدا مع سبق الإصرار...... بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا بذلك حبلا وآلة حادة (مطواة) واستدرجوه بسيارة الأول إلى مكان قصى بطريق الأهرام وما أن سنحت لهم الفرصة للفتك به حتى وضع المتهمان الثانى والثالث الحبل حول عنقه وجذباه بشدة إلى الخلف واستل الثانى المطواة وذبحه بها قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فصدر قراره بذلك بتاريخ 2/ 1/ 1971. وادعت السيدة/ ...... عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر مدنيا قبل المتهمين متضامنين بمبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضوريا بتاريخ 4/ 4/ 1973 عملا بالمادتين 230و231 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من هذا القانون بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامهم متضامنين أن يدفعوا للمدعية بالحق المدنى...... بصفتها الشخصية وبصفتها وصية على أولادها القصر مبلغ خمسة آلاف جنيه والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ خمسين جنيها مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث أن الطاعنين الثانى والثالث وإن قررا بالطعن فى الميعاد إلا أنهما لم يقدما أسبابا له، ومن ثم فإنه يكون غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن الطاعن الأول ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الاصرار قد شابه قصور فى التسبيب، كما أخطأ فى تطبيق القانون وفى الاسناد وانطوى على فساد فى الاستدلال ذلك بأنه لم يستوعب ما حواه التقرير الاستشارى المقدم من...... والذى انتهى فيه إلى أن الطاعن مصاب بمرض عقلى يجعله غير مسئول عن جريمته واكتفى فى هذا الصدد بإيراد عبارة مقتضية لا تكشف عما أورده ذلك التقرير مما يجحف بحق الطاعن وينم عن أن المحكمة لم تحط بظروف الدعوى، كما اعتبرت حالة الفصام وحالة السيكوباتية شيئا واحدا وأنهما من الأمراض النفسية لا العقلية – ولا تأثير لأيهما على مسئولية الطاعن عن الحادث مع أن الفصام – وهو مرض تفتت الشخصية – مرض عقلى وهو غير السيكوباتية، وهى حالة الشخصية المعتلة وبذلك تكون المحكمة قد أحلت نفسها محل الخبير فى مسألة فنية كان يتعين عليها إزاءها أن تلجأ إلى أهل الفن المختصين كما أورد الحكم – على خلاف الثابت فى الأوراق – أن التقارير الطبية الاستشارية وتقرير اللجنة الثلاثية قد أجمعت على وصف حالة الطاعن بأنها حالة نفسية شاذة فى حين أن هذا الوصف لم يرد إلا فى تقريرين فقط وانتهت البقية منها إلى أن الطاعن مصاب بمرض عقلى هو الفصام الذى يشل إرادته واختياره، ثم أن المحكمة قد أقحمت نفسها فى أمور فنية، إذ أوردت ملاحظات عنت لها عن سلوك الطاعن وتصرفاته وحرصه الشديد على إخفاء آثار الجريمة على أنها تؤيد سلامة وعيه وإدراكه دون أن تفطن إلى أن مرضى الفصام ينعمون عادة بقدر من الذاكرة والذكاء ولم ترجع فى ذلك إلى رأى المختصين، كما أنها أجملت القول حين أخذت بتقرير مدير دار الاستشفاء للصحة العقلية فلم تورد ما أورده تقرير اللجنة الثلاثية من مطاعن على التقرير المذكور مكتفية فى هذا الصدد بقالة أنها تستريح إلى ما تضمنه وأسندت إلى الطاعن على خلاف الثابت فى الأوراق أنه قام بتنظيف السيارة عقب الحادث لإزالة آثار الدماء العالقة بها فى حين أن الطاعن الثالث هو الذى فعل ذلك، والتفتت دون بيان العلة عن الثابت بالأوراق من أن الدكتور...... كان يعالج الطاعن فى الفترة من 7/ 4/ 1969 حتى 27/ 5/ 1969 – وهى فترة سابقة على وقوع الحادث – من حالة فصام مؤثر على إرادته وإدراكه ولم تقم وزنا للدلالة المستفادة من صدور قرار غرفة المشورة بإيداع الطاعن مستشفى الأمراض العقلية بعد أن ورد تقرير اللجنة الثلاثية التى شكلتها المحكمة، ولم تأمر بضم أوراق علاج الطاعن بالمستشفى خلال تلك الفترة ولم تسأل الأطباء الذين أشرفوا على علاجه بها، هذا وقد خلص الحكم إلى توافر نية القتل لديه على الرغم من أن الثابت بالتحقيقات أنه لم يكن ينتوى قتل المجنى عليه واعترض على ذلك حين وقعت الجريمة واستنكرها وكانت إرادته مفقودة وقتذاك بمقتضى حالته العقلية، وكل أولئك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه لما كان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن وباقى المتهمين عنها وأورد على ثبوتها فى حق كل منهم أدلة سائغة، عرض لما أثاره الدفاع من انتفاء مسئولية الطاعن جنائيا عن الجرم المسند إليه لإصابته بمرض عقلى يفقده الشعور والادراك، فأورد مؤدى هذا الدفاع وتتبعه فى مختلف مراحل الدعوى، كما عرض لما تم فى شأن تحقيقه سواء فى مرحلة الإحالة أو فى مرحلة المحاكمة وانتهى به المطاف إلى القول "إن المحكمة بعد أن استعرضت جميع التقارير الطبية المقدمة فى الدعوى لها أن تفاضل بينها وتأخذ منها ما تستريح إليه وتطرح ما عداه، وهذا أمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل ولا معقب عليها – قد استراحت إلى تقرير الدكتور....... مدير دار الإستشفاء للصحة العقلية لأنه أصدقها وصفا لحالة المتهم العقلية دون الالتفات إلى ما وجه إليه". لما كان ذلك، وكانت المحكمة لا تلتزم فى أصول الاستدلال بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها ولها أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن الأمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل، ومتى كانت المحكمة المطعون فى حكمها قد أخذت بتقرير مدير دار الاستشفاء للصحة العقلية والنفسية، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت باقى التقارير المقدمة فى الدعوى ومن بينها التقرير الصادر من الأستاذ....... دون أن تلتزم بأن تعرض لها فى حكمها أو أن ترد استقلال عليها ويكون نعى الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله. لما كان ذلك، وكان لا صحة لما ذهب إليه الطاعن من أن الحكم المطعون فيه قد خلط بين مرض الفصام ومرض الشخصية السيكوباتية فاعتبرهما مرضا واحدا، إذ أن الحكم فى عرضه لمؤدى التقارير التى أطرحها لم يشر إلى أن أيا منها قد تضمن أن الطاعن مصاب بحالة الشخصية السيكوباتية وحين عاد الحكم إلى تناول تلك التقرير وجمع بينها فى عبارة واحدة – فى مقام رده عليها – أورد قوله بأنها قد أجمعت على أن الطاعن يعانى من حالة ذهانية من نوع الفصام، ولا يعيب الحكم خطؤه فى التسوية بين حالة السيكوباتية ومرض الفصام من حيث أثر كل منهما فى قيام المسئولية الجنائية ما دام أن الثابت من مطالعة الحكم أن ما تزيد إليه فى هذا الصدد لم يكن له من أثر فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها وأنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ وخلص – فى منطق سائغ واستنادا إلى دليل فنى يكفى وحده لحمل قضائه – إلى خلو الطاعن من الأمراض العلقية المؤثرة فى مسئوليته أيا كانت مسمياتها وإلى أنه قد ارتكب جريمته باختياره وهو فى كامل شعوره وإدراكه وأطرح فى حدود سلطته التقديرية قالة إصابته بمرض الفصام، أما ما يثيره الطاعن بشأن خطأ الحكم فيما ذهب إليه من أن التقارير الطبية الاستشارية قد أجمعت على وصف حالة الطاعن بأنها حالة نفسية شاذة فى حين أن ذلك لم يرد إلا فى تقريرين منها فمردود بما هو مقرر من أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجية عن سياق هذا الاقتناع، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه خطؤه فى شق مما نقله عن بعض من التقارير الاستشارية المقدمة فى الدعوى ما دام أن هذا الخطأ – بفرض حصوله – لم يكن بذى أثر فى معتقد المحكمة وقضائها وانصب على دليل أطرحته ولم تعول عليه فى تكوين عقيدتها فى الدعوى. أما ما يثيره الطاعن من دعوى خطأ الحكم فى الاستدلال بأقواله وتصرفاته التى صدرت منه بعد الحادث على سلامة قواه العقلية وقت وقوعه فمردود بأنه استدلال لا غبار عليه، ما دام الواضح من الحكم أنه اتخذ من هذه الأقوال وتلك التصرفات قرينة يعزز بها النتيجة التى انتهى إليها التقرير الطبى عن حالة الطاعن العقلية، وكان هذا التقرير وحده كافيا لحمل قضاء الحكم فى تقرير توافر مسئولية الطاعن الجنائية عن الحادث وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه من ذلك لا يعيبه طالما أنه لا أثر له فى منطقه أو النتيجة التى انتهى إليها والتى كان عماده فيها التقرير الفنى الذى اطمأن إليه ووثق به. لما كان ذلك، وكان مرجع الأمر فى تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات إلى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير والأخذ بما ترتاح إليه منها لتعلق هذا الأمر بسلطتها فى تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد فى تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من عدم رده على المطاعن الموجهة إلى التقرير الذى عول عليه فى قضائه لا يكون له محل. هذا ولا صحة لما يدعيه الطاعن من أن الحكم قد نسب إليه أنه قام بغسل سيارته بنفسه بعد الحادث إذ أن كل ما أورده الحكم – فى مقام التزيد فى الاستدلال على سلامة إدراك الطاعن – قوله بأنه قد حرص على غسل وتنظيف الدماء التى علقت بسيارته وهو ما يسوغ استخلاصه مما حصله الحكم من مؤدى اعتراف الطاعن والمتهم الثالث وهو ما تنحسر به قالة الخطأ فى الإسناد ولا يغير من ذلك إلا أن يكون الطاعن قد طلب من المتهم الثالث فى عبارة صريحة أن يقوم بتنظيف السيارة ما دام أن وقائع الدعوى – كما حصلها الحكم – تدل على أن ما عمد إليه هذا الأخير من تنظيف السيارة إنما كان استجابة لرغبة ملحة أبداها الطاعن وبموافقة منه وفى حضوره وهو ما يسوغ به قول الحكم أن الطاعن كان حريصا على إزالة ما علق بسيارته من آثار الدماء. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنها قد تضمنت الإشارة إلى أن الدفاع عن الطاعن قد قدم – أثناء قيام النيابة العامة بالتحقيق فى الدعوى – تذكره طبية صادرة من الدكتور...... تشير إلى أن الطاعن كان يعانى من حالة نفسية كما ورد بتلك المدونات أيضا أن الدكتور المشار إليه قدم تقريرا استشاريا انتهى فيه إلى اعتقاده بأن الطاعن كان يعانى من حالة ذهان من نوع الفصام المبكر وقت أن كان يعالج لديه فى المدة من 7/ 4/ 1969 إلى 27/ 5/ 1969، ومن ثم فإنه غير صحيح ما يثيره الطاعن من قالة التفات المحكمة عما جاء بالأوراق فى هذا الشأن. أما إغفال الحكم الإشارة إلى سبق صدور قرار من غرفة المشورة بإيداع الطاعن مستشفى الأمراض العقلية – بفرض صحة ما يذهب إليه الطاعن من صدور هذا القرار وتنفيذه – فمردود بما هو مقرر من أنه ليس على الحكم إلا أن يورد ما له أثر فى قضائه، وفى إغفال المحكمة ذكر هذه الواقعة ما يدل على أنها لم تر فى حدوثها ما يغير من عقيدتها فى الدعوى. هذا ولم يثبت من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو الدفاع عنه قد طلب ضم أوراق علاجه بمستشفى الأمراض العقلية أو سؤال الأطباء الذين أشرفوا على علاجه فيها ومن ثم فلا يحق له من بعد أن ينعى على المحكمة أنها أخلت بحقه فى الدفاع لعدم قيامها بما سكت هو عن المطالبة بتنفيذه ما دام أنها قد اطمأنت إلى التقرير الفنى المقدم فى الدعوى من مدير دار الإستشفاء للصحة العقلية ولم تر من جانبها حاجة إلى ضم أوراق علاج الطاعن بالمستشفى أو سؤال الأطباء الذين أشرفوا على علاجه. لما كان ما تقدم، وكان الثابت أن الحكم قد عرض لنية القتل وأثبت توافرها فى حق الطاعن والمتهمين الآخرين فى قوله "فإنه لا جدال من توافر نية القتل لديهم ذلك من وجود الباعث على ازهاق الروح وهو ما قبل من أن "المتهم الأول – الطاعن – قد اختمر فى نفسه ضغن للمجنى عليه الذى أساء إلى من تعلق قلبه بها فبيت له أفظع النوايا وأبشع الجرائم إذ صمم على قتله فى سكون الليل بأن اتفق مع المتهم الثانى الذى وضع الحبل حول عنقه وجذبه بعنف هو والمتهم الثالث ثم ذبحه بمطواه محدثا به الإصابة التى كانت من يد تقصد ازهاق الروح فنفذت إلى أغوار رقبته فقطعت الأوعية الدموية الرئيسية والألياف العصبية والقصبة الهوائية والغضروف الدرقى والنخاع الشوكى بالعنق على الوجه الوارد بتقرير الطبيب الشرعى هذا جميعه يقطع بتوافر نية القتل". لما كان ذلك، وكان تعمد القتل أمر داخلى يتعلق بالإرادة يرجع تقدير توافره إلى سلطة محكمة الموضوع وحريتها فى تقدير الوقائع متى كانت ما أوردته من الظروف والملابسات سائغا يكفى لإثبات توافر هذه النية – وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تدليلا على قيام نية القتل لدى الطاعن وزميليه – من الظروف والملابسات التى أوضحها – هو تدليل سائغ، وكان الحكم قد أثبت فى منطق سائغ سلامة ادراك الطاعن وخلوه من الأمراض العقلية المؤثرة على إرادته أو شعوره واختياره فى عمله واستند فى هذا الخصوص إلى دليل فنى يحمل قضاءه – كما سبق البيان – وانتهى فى منطق سليم إلى أن الطاعن كان فى كامل ادراكه وقت ارتكابه جريمته ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله. لما كان كل ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.