أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثامنة عشرة - صـ 544

جلسة 18 من أبريل سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمود عزيز الدين سالم، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(106)
الطعن رقم 4 لسنة 37 القضائية

(أ) توافق.
التوافق. ماهيته ؟ اتحاد إرادات الجناة على ارتكاب الجريمة. غير لازم لقيامه.
(ب) سبق الإصرار.
سبق الإصرار. استلزامه تقابلاً سابقاً بين إرادات المساهمين في الجريمة يؤدي - بعد روية - إلى تفاهمهم على اقترافها.
(ج) ترصد. حكم. " تسبيبه. تسبيب معيب ".
الترصد. ماهيته ؟ جواز حصوله بغير استخفاء.
1 - الأصل أن التوافق هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين واتجاه كل منهم بذاته إلى ما اتجهت إليه خواطر الباقين دون أن يكون هناك ثمت اتحاد بين إرادتهم.
2 - سبق الإصرار بين المساهمين في الجريمة يستلزم تقابلاً سابقاً بين إرادتهم يؤدي - بعد روية - إلى تفاهمهم على اقترافها.
3 - الترصد هو تربص الجاني للمجني عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر في ذلك أن يكون الترصد بغير استخفاء ولما كان ما أورده الحكم المطعون فيه من تربص الطاعنين للقتيل في طريق مروره اليومي لا يستقيم مع القول بأنهم تبعوه مسافة طويلة قبل إقدامهم على قتله، لأن هذا التتبع يرشح إلى القول بوقوع الفعل بغير مفاجأة أو غدر وهما من عناصر الترصد. ومن ثم يكون الحكم معيبا بالفساد في استدلاله على ظرف الترصد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم أول يونيه سنة 1965 بدائرة مركز أخميم بمحافظة سوهاج: قتلوا عبد الحميد عبد المنعم عبد الهادي عمدا مع سبق الإصرار على ذلك والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض ساطوراً حمله أولهم وتربصوا له في الطريق الذي أيقنوا مروره فيه حتى إذا ما ظفروا به انهال عليه المتهم الأول ضربا بذلك الساطور بينما وقف الآخران على مقربة منه يشدان من أزره قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. وادعى رشاد عبد الحميد (ابن المجني عليه) مدنياً قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج قررت بتاريخ 12 من أكتوبر سنة 1966 التأجيل لجلسة 6 من نوفمبر سنة 1966 للنطق بالحكم وإرسال أوراق الدعوى إلى مفتي الجمهورية بالنسبة إلى المتهم الأول لإبداء رأيه. وبعد أن ورد رأي المفتي وفي اليوم المحدد للنطق بالحكم قضت في الدعوى حضوريا وبإجماع الآراء عملاً بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثاني والثالث (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالإعدام شنقا (ثانيا) بمعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وبمصادرة الأدوات المستعملة في الجريمة (ثالثاً) إلزام المتهمين جميعاً متضامنين أن يدفعوا للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض..... وقدمت محامية الطاعن الأول تقريرا بالأسباب موقعاً عليها منها - ولم يقدم الثاني والثالث أسباباً لطعنهما. كما قدمت النيابة العامة مذكرة برأيها.


المحكمة

وحيث إن مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال، ذلك بأنه استدل على توافر ظرف سبق الإصرار بتوافق الطاعن وزميليه على قتل المجني عليه وإقدامهم على التنفيذ مع أن التوافق ليس صنوا للاتفاق الذي يصلح وحده دليل على قيام سبق الإصرار بين الجناة خلافا للتوافق الذي يحصل عرضاً دون أن يدل على معنى الاتفاق - كما أورد الحكم عن توافر ظرف الترصد أن الطاعن وزميليه تربصوا بالمجني عليه في طريق مروره اليومي في حين أثبت في بيانه لواقعة الدعوى أن الجناة تتبعوا المجني عليه في طريق سيره مسافة نصف كيلو متر قبل أن يقترفوا الجريمة وهو ما ينفي الترصد مما يعيب الحكم بما يبطله ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله: " إن حسن أحمد عبد اللاه (الطاعن الأول) ورمضان عبد اللاه البيومي وخلف محمد عبد اللاه (الطاعنين الثاني والثالث) قد عصفت بهم روح الشر والضغينة ودفعتهم إلى التفكير في الفتك بعبد الحميد عبد المنعم عبد الهادي (المجني عليه) الذي يقيم بجوارهم في بلدة نجع الخلوة مركز أخميم ودبروا أمر قتله إرضاء لنزوة إجرامية تحدوهم للأخذ بثأر قديم يرجع إلى ما سبق أن اتهم به ضحيتهم منذ حوالي الثلاثين عاما بالاشتراك في قتل عبد اللاه بيومي والد المتهم الثاني ودلهم تدبيرهم السيئ على وسيلة بشعة لارتكاب جريمتهم بأن وقع اختيارهم على ساطور لتقطيع أوصال فريستهم وتكفل المتهم الأول حسن أحمد عبد اللاه بالقيام بهذه المهمة إظهارا لجبروته وعدم مبالاته بالقيم الإنسانية وأعدوا عدتهم وتربصوا بالمجني عليه عبد الحميد عبد المنعم عبد الهادي وهو في طريقه من منزله إلى بندر أخميم كدأبه كل يوم للاتجار في الماشية وقد سار على قدميه في الطريق الزراعي المطروق بالمارة والسيارات في بكورة صباح يوم أول يونيه سنة 1965 وتتبعه المتهمون وقد حمل حسين أحمد عبد اللاه الساطور في يده وأحاط به المتهمان لتأجيج نار الحقد والفتك في نفسه المريضة وما أن أوغلوا في الطريق بحوالي نصف كيلو متر حتى لحق المتهمون بفريستهم ورفع المتهم الأول حسن أحمد عبد اللاه ساطوره ونزل به على رأسه من الخلف بضربة عارمة سقط على إثرها على الأرض ولم يكتف القاتل بما فعل بل أخذ ينهال بالساطور على جسد المجني عليه وهو مسجي أماه على الأرض يشج به رأسه ويقطع جسده وقد انقلب وحشاً أدمياً تجرد من كل شفقة ورحمة وراح يروي غليله من الدماء المنبثقة تحت ضرباته القاسية المتعاقبة حتى أصاب المجني عليه بخمسة عشر جرحاً قاطعاً غائراً في رأسه وأعضائه وهو غير آبه بما تقشعر به الأبدان من فظاعة جريمته التي ترتكب في وضح النهار وفي الطريق العام بين الناس الآمنين بينما ظل المتهمان رمضان عبد اللاه البيومي وخلف محمد عبد اللاه بجواره ومن حوله يذودان عنه من يحاول منعه ويسهلان له ارتكاب جريمته البشعة حتى إذا ما قضوا وطرهم الذميم أسرعوا بالهرب من مكان الحادث وعادوا إلى بلدتهم يختبئون في منازلهم وحقولهم حيث تم ضبطهم بعد إبلاغ الحادث إلى السلطات كما عثر على الساطور السلاح المستعمل في الجريمة مخفيا في الحقل الذي توارى فيه المتهم الأول عن أعين العدالة وقد ثبتت وفاة المجني عليه من الإصابات الجسيمة التي أصابته من يد القاتل كما جاء بتقرير الصفة التشريحية لأشلاء جثته " واستند الحكم في إدانة الطاعن وزميليه إلى أدلة استمدها من أقوال شهود الإثبات ومن الآثار التي خلفها الجناة ما أسفرت عنه المعاينة وما ثبت من تحريات الشرطة ومن تقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر ظرف سبق الإصرار في قوله " وحيث إن ركن سبق الإصرار ثابت قبل المتهمين من إجماع المتهمين الثلاثة على قتل المجني عليه وتوافقهم على ذلك وإعداد العدة لتحقيق قصدهم السيئ نحوه وتدبيرهم أمرهم واختيار السلاح الذي يزهقون به روحه والوقت المناسب لارتكاب جريمتهم المصمم عليها منهم مدفوعين إليها برغبة شريرة جامحة تملكتهم من التفكير في ثأر قديم طال عليه العهد وعادوا يتذكرونه وانطلقوا من عقالهم يرسمون ويخططون فيما ينالوا به من غريمهم الذي بيتوا العزم على إيذائه والقضاء عليه ثم ما لبثوا أن وضعوا هذا التفكير وهذا التدبير في موضع التنفيذ بعد أن أصروا عليه " ثم استظهر الحكم قيام ظرف الترصد في قوله " وحيث إن ركن الترصد ثابت أيضا في حق المتهمين من تربصهم للمجني عليه في طريق مروره اليومي من سكنه بالنجع القريب من منازلهم إلى محل عمله بأخميم والذي يمر بهم حتى إذا ما تحينوا الفرصة ساروا وراءه يتعقبونه لمسافة طويلة في الطريق حتى لحقوا به في غفلة منه فأعملوا به أداة القتل التي حملوها معهم طوال هذا التتبع له ". لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من توافق الطاعنين على قتل المجني عليه عنصرا من العناصر التي استخلص منها قيام ظرف سبق الإصرار. وكان الأصل أن التوافق هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين واتجاه كل منهم بذاته إلى ما اتجهت إليه خواطر الباقين دون أن يكون هناك ثمت اتحاد بين إرادتهم. وكان سبق الإصرار بين المساهمين في الجريمة يستلزم تقابلاًَ سابقاً بين إرادتهم يؤدي - بعد رؤية - إلى تفاهمهم على اقترافها، فإن الحكم يكون مشوبا بالقصور في استظهار ذلك الظرف المشدد في حق الطاعنين. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استدل على توافر ظرف الترصد بتربص الطاعنين للمجني عليه في طريق مروره اليومي وتتبعهم إياه مسافة طويلة حددها الحكم - في بيانه لواقعة الدعوى - بنصف كيلو متر. وكان الترصد هو تربص الجاني للمجني عليه فترة من الزمن طالت أو قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه دون أن يؤثر في ذلك أن يكون الترصد بغير استخفاء. وكان ما أورده الحكم من تربص الطاعنين للقتيل في طريق مروره اليومي لا يستقيم مع القول بأنهم تبعوه تلك المسافة الطويلة قبل إقدامهم على قتله، لأن هذا التتبع يرشح إلى القول بوقوع الفعل بغير مفاجأة أو غدر وهما من عناصر الترصد، ومن ثم يكون الحكم معيباً كذلك بالفساد في استدلاله على ظرف الترصد. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بالنسبة إلى الطاعن الأول وإلى الطاعنين الثاني والثالث - وإن لم يقدم أسباباً لطعنهما - لاتصال وجه الطعن بهما عملاً بالمادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وذلك بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن.