أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة الثامنة عشرة - صـ 605

جلسة 8 من مايو سنة 1967

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد صبري، ومحمود عزيز الدين سالم، ونصر الدين عزام، ومحمد أبو الفضل حفني.

(116)
الطعن رقم 499 لسنة 37 القضائية

(أ) نقض. " نقض الحكم. أثره ". محكمة الإحالة.
نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض. عدم تقيد محكمة الإحالة بما ورد بالحكم الأخير في شأن وقائع الدعوى. لها كامل الحرية في تقدير الوقائع وتكييفها وإسباغ الوصف القانوني الذي تراه عليها غير مقيدة في كل ذلك بحكم النقض.
القيود التي ترد على محكمة الإحالة في هذا الشأن: (1) ألا تتعرض للدفوع الفرعية التي تمسك بها الخصوم وقضى برفضها بحكم نهائي لم يطعن فيه (2) ألا يضار الطاعن من طعنه (3) ألا تحكم بعكس ما قضت به محكمة النقض إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً بقبول دفع قانوني مانع من السير في الدعوى ونقضته محكمة النقض وأعادت القضية إلى المحكمة التي أصدرته لنظر الموضوع. (4) ألا تحكم بعكس ما قررته الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض.
(ب، ج) محكمة الجنايات. " الإجراءات أمامها ". إجراءات المحاكمة.
(ب) عدم ترتيب القانون أي بطلان على مخالفة أحكام المواد 185، 186، 187 , 374 إجراءات التي رسمت طريق تعيين الشهود الذين تطلب النيابة العامة والمدعي بالحقوق المدنية والمتهم سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات وكيفية إعلانهم. لا يوجد في القانون ما يجعل الإعلان شرطاً لسماع الشاهد. لمحكمة الجنايات سماع أقواله ولو لم يتم إعلانه بالحضور طبقاً للقانون متى رأت أنه قد يدلي بأقوال من شأنها إظهار الحقيقة. كل ما للخصم المعترض هو إبداء دفاعه كاملاً في خصوص ما يبديه هذا الشاهد من أقوال.
ج) للمحاكم عامة بما فيها محكمة الجنايات أن تسمع أثناء نظر الدعوى شهوداً ممن لم ترد أسماؤهم في القائمة أو لم يعلنهم الخصوم سواء أكان ذلك من تلقاء نفسها أم بناء على طلب الخصوم أم بناء على حضور الشاهد من تلقاء نفسه بغير إعلان. وأن تستدعي أي شخص ترى أن هناك فائدة من سماع أقواله.
(د) أسباب الإباحة. " الدفاع الشرعي ". حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
الدفاع الشرعي: هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء. تقدير التناسب بين تلك القوة وبين الاعتداء. موضوعي.
(هـ) حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب ".
لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها. ما دام استخلاصها سائغاً.
1 - الأصل أن نقض الحكم وإعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد تلك المحكمة " محكمة الإحالة " بما ورد بالحكم الأخير في شأن وقائع الدعوى بل عليها أن تسير في الإجراءات كما لو كانت مطروحة عليها من الأصل وأن تستمع لكل ما يقدمه الخصوم من أوجه الدفاع ولو لم يسبق له التمسك بها أمام المحكمة الأولى ما لم يكن قد سبق لهم التمسك بدفوع فرعية وقضى برفضها بحكم نهائي لم يطعن فيه. وهي فوق ذلك كله لها كامل الحرية في تقدير الوقائع وتكييفها وإسباغ الوصف القانوني الذي تراه عليها غير مقيدة في كل ذلك بحكم النقض ولا بما قد يستشف منه من شأنها. ولها في سبيل ذلك أن تقضي في الدعوى بما يطمئن إليه وجدانها ولو خالفت ذلك الحكم وبغير أن تعتبر هذه المخالفة وجهاً للطعن، فيما عدا ما إذا كان محل المخالفة يصلح في حد ذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم الجديد. وكل ما تتقيد به في هذا الصدد ألا يضار الطاعن من طعنه طبقاً لأحكام المادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض إلى جانب ما تقضي به المادة 44 من القانون المشار إليه التي يجريها نصها على أنه: " إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً بقبول دفع قانوني مانع من السير في الدعوى ونقضته محكمة النقض وأعادت القضية إلى المحكمة التي أصدرتها لنظر الموضوع فلا يجوز لهذه المحكمة أن تحكم بعكس ما قضت به محكمة النقض، كذلك لا يجوز لمحكمة الموضوع في جميع الأحوال أن تحكم بعكس ما قررته الهيئة العامة للمواد الجزائية لمحكمة النقض " والحالة الأولى على ما يبين من تقرير لجنة قانون الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ - تعليقاً على المادة 467 من المشروع التي أصبحت 440 من القانون ثم حلت محلها المادة 44 من القانون 57 لسنة 1959 - آيتها أن تكون المحكمة قد حكمت ببراءة المتهم لأن الفعل لا يعاقب عليه القانون أو لسقوطه بمضي المدة وبناء على طعن النيابة رأت محكمة النقض أن الفعل يعاقب عليه القانون أو أنه لم يسقط بمضي المدة وألغت حكم البراءة وأعادت القضية إلى محكمة الموضوع لنظره فلا يجوز لهذه المحكمة أن تحكم مرة ثانية بأن الفعل لا يعاقب عليه القانون لأن حكم محكمة النقض في هذه الصورة يكون له قوة الشيء المحكوم به.
2 - إنه وإن كانت المواد 185و 186 و 187 و من قانون الإجراءات الجنائية قد رسمت طريق تعيين الشهود الذين تطلب النيابة العامة و المدعى بالحقوق المدنية و المتهم سماع شهادتهم أمام محكمة الجنايات وكيفية إعلانهم وإعلان الخصوم بأسمائهم وحددت المادة 374 الواردة في الفصل الخاص بالإجراءات أمام محكمة الجنايات ميعاد تكليف المتهم والشهود بالمثول أمام المحكمة قبل الجلسة بثمانية أيام كاملة علي الأقل، إلا أن القانون لم يرتب أي بطلان علي مخالفة تلك الأحكام واكتفى بما نص عليه في المادة 379 من أنه: " لكل من النيابة العامة والمتهم والمدعى بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يعارض في سماع شهادة الشهود الذين لم يسبق إعلانهم بأسمائهم ". وإذ كان لا يوجد في القانون ما يجعل الإعلان شرطا لسماع الشاهد، فإن لمحكمة الجنايات أن تسمع أقواله ولو لم يتم إعلانه بالحضور طبقا للقانون متى رأت أنه قد يدلى بأقوال من شأنها إظهار الحقيقة وكل ما للخصم المعترض في هذا الحالة أن يتقدم بدفاعه كاملا في خصوص ما يبديه هذا الشاهد من أقوال فيكون علي المحكمة أن تعمل علي رفع الضرر الذي قد يصيبه بما لا يؤدى إلى الإخلال بحق الدفاع
3 - نصت الفقرة الأولى من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية علي أنه: " وتتبع أمام محاكم الجنايات جميع الأحكام المقررة في الجنح والمخالفات ما لم ينص علي خلاف ذلك ". كما نصت المادة 277 من ذات القانون علي أنه يكلف الشهود بالحضور بناء علي طلب الخصوم بواسطة أحد المحضرين أو أحد رجال الضبط قبل الجلسة بأربع وعشرين ساعة غير مواعيد المسافة إلا في حالة التلبس بالجريمة، فإنه يجوز تكليفهم بالحضور في أي وقت ولو شفهيا بواسطة أحد مأموري الضبط القضائي أو أحد رجال الضبط. و يجوز أن يحضر الشاهد في الجلسة بغير إعلان بناء علي طلب الخصوم وللمحكمة أثناء نظر الدعوى أن تستدعي وتسمع أقوال أي شخص ولو بإصدار أمر بالضبط والإحضار إذا دعت الضرورة لذلك، ولها أن تأمر بتكليفه من تلقاء نفسها لإبداء معلومات في الدعوى ". مما مفاده أنه يجوز للمحاكم ومحكمة الجنايات من بينها أن تسمع أثناء نظر الدعوى - في سبيل استكمال اقتناعها والسعي وراء الحصول إلى الحقيقة - شهوداً ممن لم ترد أسماؤهم في القائمة أو لم يعلنهم الخصوم - سواء أكان ذلك من تلقاء نفسها أم بناء على طلب الخصوم أم بناء على حضور الشاهد من تلقاء نفسه بغير إعلان، وأن تستدعي أي شخص ترى أن هناك فائدة من سماع أقواله.
4 - الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء، وتقدير التناسب بين تلك القوة والاعتداء الذي يهدد المدافع أمر موضوعي تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب متى تبنت قضاءها في ذلك على أسباب سائغة.
5 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما في يوم 16 من أغسطس سنة 1962 بدائرة مركز أبو قرقاص محافظة المنيا: (الأول) قتل عبد الرحمن نصر عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من بندقيته الأميرية قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين آخريتين هما أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر (1) قتل عبد الحليم عبد الرحمن نصر عمداً بأن أطلق عليه عياراً من بندقيته الأميرية قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته الأمر المنطبق على المادة 234/ 1 من قانون العقوبات (2) شرع في قتل عبد الناصر عبد الرحمن نصر عمداً بأن أطلق عليه عياراً من بندقيته الأميرية قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج وشفائه (الثاني) (1) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً غير مششخن " فرد " (2) أحرز ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحمله. وإحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتها بالوصف والقيد الموضحين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات المنيا قضت في الدعوى حضورياً بتاريخ 18 نوفمبر سنة 1964 عملاً بالمواد 45 و46 و234/ 1 - 2 و17 من قانون العقوبات وذلك بالنسبة إلى المتهم الأول والمادتين 304/ 1 و381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية مع تطبيق المادة 30 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهم الثاني (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة عشر سنين (ثانياً) ببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه (ثالثاً) مصادرة السلاح المضبوط. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.
وبتاريخ 28 يونيه سنة 1965 قضت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات المنيا لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ومحكمة جنايات المنيا قضت في الدعوى من جديد بتاريخ 23 نوفمبر سنة 1966 عملاً بالمواد 45 و46 و234/ 1 - 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الطاعن بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن وقوع بطلان في الإجراءات أثر في الحكم ذلك بأن المحكمة سمعت أقوال الطبيب الشرعي الذي كان حاضراً بالجلسة بعد استحلافه اليمين القانونية وذلك بغير أن تطلب النيابة العامة أو الطاعن سماعه ودون أن تصدر من جانبها أمراً بتكليفه الحضور لهذا العرض أو أن يتم إعلانه بالفعل مخالفة بذلك أحكام المواد 374 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه وإن كانت المواد 185 و186 و187 من قانون الإجراءات الجنائية قد رسمت طريق تعيين الشهود الذين تطلب النيابة العامة والمدعي بالحقوق المدنية والمتهم سماع شهادتهم أمام محاكم الجنايات وكيفية إعلانهم وإعلان الخصوم بأسمائهم، وحددت المادة 374 الواردة في الفصل الخاص بالإجراءات الجنائية أمام محاكم الجنايات ميعاد تكليف المتهم والشهود بالحضور أمام المحكمة قبل الجلسة بثمانية أيام كاملة على الأقل، إلا أن القانون لم يرتب أي بطلان على مخالفة تلك الأحكام واكتفى بما نص عليه في المادة 379 من أنه " لكل من النيابة العامة والمتهم والمدعي بالحقوق المدنية والمسئول عنها أن يعارض في سماع شهادة الشهود الذين لم يسبق إعلانهم بأسمائهم " وإذ كان لا يوجد في القانون ما يجعل الإعلان شرطاً لسماع الشاهد، فإن لمحكمة الجنايات أن تسمع أقواله ولو لم يتم إعلانه بالحضور طبقاً للقانون متى رأت أنه قد يدلي بأقوال من شأنها إظهار الحقيقة. وكل ما للخصم المعترض في هذه الحالة أن يتقدم بدفاعه كاملاً في خصوص ما يبديه هذا الشاهد من أقوال فيكون على المحكمة أن تعمل على رفع الضرر الذي قد يصيبه بما لا يؤدي إلى الإخلال بحق الدفاع. فضلاً عما تقدم فإنه لما كانت الفقرة الأولى من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه " وتتبع أمام محاكم الجنايات جميع الأحكام المقررة في الجنح والمخالفات ما لم ينص على خلاف ذلك " وكانت المادة 277 من ذات القانون الواردة في ذلك الباب تنص على أنه " يكلف الشهود بالحضور بناء على طلب الخصوم بواسطة أحد المحضرين أو أحد رجال الضبط قبل الجلسة بأربع وعشرين ساعة غير مواعيد المسافة إلا في حالة التلبس بالجريمة فإنه يجوز تكليفهم بالحضور في أي وقت ولو شفهياً بواسطة أحد مأموري الضبط القضائي أو أحد رجال الضبط. ويجوز أن يحضر الشاهد في الجلسة بغير إعلان بناء على طلب الخصوم. وللمحكمة أثناء نظر الدعوى أن تستدعي وتسمع أقوال أي شخص ولو بإصدار أمر الضبط والإحضار إذا دعت الضرورة لذلك ولها أن تأمر بتكليفه بالحضور في جلسة أخرى. وللمحكمة أن تسمع شهادة أي إنسان يحضر من تلقاء نفسه لإبداء معلومات في الدعوى " مما مفاده أنه يجوز للمحاكم - ومحكمة الجنايات من بينها. أن تسمع أثناء نظر الدعوى - في سبيل استكمال اقتناعها والسعي وراء الحصول إلى الحقيقة - شهوداً ممن لم ترد أسماؤهم في القائمة أو لم يعلنهم الخصوم - سواء أكان ذلك من تلقاء نفسها أم بناء على طلب الخصوم أم بناء على حضور الشاهد من تلقاء نفسه بغير إعلان، وأن تستدعي أي شخص ترى أن هناك فائدة من سماع أقواله. لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة بعد أن استمعت لأقوال من حضر من شهود الإثبات واكتفت النيابة والدفاع بمناقشة أقوال من تغيب منهم بالتحقيقات التي أمرت المحكمة بتلاوتها وترافع ممثل الاتهام أثبتت حضور الطبيب الشرعي الدكتور كامل محمد أحمد يوسف واستدعاء ومناقشته بعد أن حلف اليمين القانونية - دون أن يبدي أي من الخصوم اعتراضاً على ذلك - في بعض ما ورد بالتقارير الطبية الشرعية ثم اختتم ممثل الاتهام مرافعته وترافع محاميا الطاعن الموكل والمنتدب وانتهيا إلى المطالبة بالحكم بتبرئة الطاعن دون أن يثير شيئاً في شأن استماع المحكمة لأقوال الطبيب الشرعي. لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجهين الثاني والثالث من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد المقترنة بجنايتي قتل عمد وشروع فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه وإن أشارت المحكمة إلى توافر شروط قيام حق الدفاع الشرعي عن النفس فإنها عادت واعتبرت الطاعن قد تجاوز ذلك الحق قولاً منها بأنه كان يجب عليه أن يطلق النار للإرهاب لصد المعتدين عليه وعلى زملائه مع أن حالة الدفاع الشرعي لا تستوجب وقوع اعتداء بالفعل بل يكفي حدوث فعل يخشى منه وقوع جريمة من الجرائم التي تجيز الدفاع الشرعي ولا يلزم في ذلك الفعل أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم وتصوره ما دام ذلك مبنياً على أسباب مقبولة ومع أن الثابت على لسان الشهود بالتحقيقات الابتدائية وبمحضر جلسة المحاكمة أن القوة المكونة من رئيس نقطة الشرطة وشرطيين إنما كانت تباشر عملاً رسمياً وواجهت القتيل عبد الرحمن نصر وأولاده الأربعة وأقرباءه وجيرانه من أهل قريته وكان أحدهم مسلحاً بفرد خرطوش أطلقه بالفعل وأن الطاعن أطلق نتيجة لذلك اثنتي عشرة طلقة تسع منها في الهواء للإرهاب دون أن يتوقف الاعتداء الواقع على زميليه وأن إتجاه باقي الأعيرة التي أصابت المجني عليهم كان من أسفل إلى أعلى بسبب الهجوم الذي كان موجهاً إليه منهم وأنه بذلك لا يكون مبالغاً - حسب ما ذهب إليه الحكم - في وصف الاعتداء الذي وقع على رجال القوة المؤيد بما هو ثابت بالتقارير الطبية هذا فضلاً عن أن الحكم قد خالف المادة 44 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض وقضى في الدعوى على خلاف ما انتهى إليه حكم النقض السابق صدوره فيها من أن الطاعن لم يكن متجاوزاً حدود حق الدفاع الشرعي.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد المقترنة بجريمتي القتل والشروع فيه التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه ما ينتجه من وجوه الأدلة التي استمدها من أقوال شهود الإثبات والطاعن وتقرير فحص سلاحه والتقارير الطبية الشرعية، عرض للدفع المبدي من الطاعن بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس والمال وأثبته ورد عليه بقوله: " ومن حيث إن المتهم لطفي لبيب جاد أقر بإطلاقه النار وقال إنه كان في حالة دفاع عن النفس. وهو في بيان التعدي الذي يمثل الخطر الحال الذي أراد دفعه عن نفسه ومن معه قد تضاربت أقواله في تصويره فبينما يقول بنزول اعتداء بالضرب على رئيس النقطة وزميله العسكري أحمد عويس يزيد بقوله إن ثمة محاولة جرت لأخذ بندقية هذا الأخير ويصل في تجسيم الأمر إلى ما قاله بجلسة المحاكمة أن تلك المحاولة امتدت إلى بندقية الخفير علي أحمد خليفة أيضاً فألقوا بها أرضاً وشلوا حركتهما ليأخذوا سلاحهما، وجاء في قول له وللخفير علي أحمد خليفة أن فايز عبد الرحمن نصر كان يطلق النار من فرده ويزيد في خطورة تلك الصورة بالقول أن فايز لم يكن في ذلك وحده بل أقبل كثيرون معه يطلقون عليه النار فلم يجد غير مبادلتهم إطلاق النار دفاعاً عن نفسه وتمثل هذا الخطر في قوله آخر له بأنهم أقبلوا عليه بالفؤوس ليعتدوا فأطلق النار دفاعاً عن نفسه. وأن المحكمة ترى في تضارب المتهم في تصوير الخطر الذي دفعه لإطلاق النار ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه جنح إلى التهويل تبريراً لجسامة ما أوقعه بالمجني عليهم وتخففاً من المسئولية. ذلك أن واقعة الدعوى محاولة أخذ بندقية العسكري أحمد عويس لم ترد على لسان الخفير علي أحمد خليفة عند سؤاله في أول الأمر وأن أول ما كان من ذكرها بمحضر تحريات رئيس مباحث المديرية بمقولة إن الخفير هو الذي حال دون أخذ البندقية من الشرطي، فإذا التمس المتهم في تلك الرواية من بعده مدداً لتصوير ما كان من خطر حياله وجاراه من بعد الخفير ومن سئل من فريقهما على الرغم من عدم ذكرها ابتداء كان في كل ذلك ما يبعث على الشك في تلك الرواية التي شاء المتهم أن يضيف إليها جديداً بجلسة المحاكمة بقوله إن الفريق الآخر أوقع أيضاً بالخفير في محاولة للإستيلاء على سلاحه هو والعسكري أحمد عويس أما القول بإطلاق فايز عبد الرحمن نصر النار فمردود بأن ثمة إصابة نارية لم تحدث بأحد أفراد القوة ولم يضبط معه سلاح، وما قاله المتهم عن إطلاق أعيرة أخرى من كثيرين أقبلوا مع فايز لم يؤيده فيه الخفير الذي نفي زعمه إطلاق فايز النار وقال أنه أقبل وحده. مثل هذا ترى المحكمة في تلك الصورة محاولة للتخفيف من المسئولية تجافي الواقع ولا تصور حقيقة ما جرى. ولعل في زعم الخفير أن إصابات والد فايز وأخويه قد حدثت من النار التي أطلقها ما يشف بالباعث على هذا الزعم وهو محاولة درء المسئولية. وإن فيما وجد من غلاف مقذوف يحمل ميازيب بجثة عبد الحليم عبد الرحمن نصر ما دعى الطبيب إلى القطع عند مناقشته بأن ذلك لا يحدث من مقذوف يطلق من فرد مصقول الماسورة عثر عليه في الزارعات وقيل إنه الفرد الذي كان مع فايز وأطلقه بمكان الحادث. ولا تعول المحكمة على قول آخر للمتهم أنه تعرض لهجوم بالفؤوس قال به متأخراً وتركه إلى غيره فأسقطه ولم يعد ثمة دليل يقيمه. لكل هذا لا ترى المحكمة فيما ساقه المتهم الصورة الحقيقية الحقة للخطر الذي إنبرى لدفعه عن نفسه ونفس من كان معه، وإن المحكمة لترى في وقوع الاعتداء بالضرب على رئيس النقطة والعسكري أحمد عويس الجريمة التي دفعها بإطلاق النار على المجني عليهم، فهذا الاعتداء ثابت من أقوال المتهم ورئيس النقطة والعسكري أحمد عويس والخفير علي أحمد خليفة وفهمي صقر وقد تأيد بالإصابات في جسم كامل إسماعيل هذا إلى إقرار فايز وأخويه بوقوع التماسك مع رئيس النقطة وإطلاق العسكري النار أثناء ذلك. ولما كان مناط الدفاع الشرعي وقوع فعل يعتبر جريمة على النفس منصوصاً عليها في قانون العقوبات فإن هذا الشرط متوافر، بيد أن المتهم قد تعدى حدود الدفاع الشرعي وجاوزها كثيراً فإذا ما نشب شجار بين بعض أفراد القوة وفيهم ثلاثة يحملون بنادق مع بعض أفراد الفريق الآخر وهم خمسة عزل من السلاح يحمل بعضهم عصياً اعتدى بها بالضرب فليس ذلك مما لا يمكن دفعه بشيء سوى إطلاق النار على ثلاثة لقتلهم وكان حرياً به أن يطلق النار إرهاباً لصدهم وكفهم عن الضرب، فإذا ما بادر بقتل اثنين وإصابة الثالث على التوالي فقد أصبح بفعلته هذه معتدياًَ بقدر ما تجاوز به حقه في الدفاع بإرتكابه أفعالاً من أفعال القوى أكثر مما كان له أن يرتكبه لرد الاعتداء، مثل هذا ترى المحكمة أن حدود حق الدفاع الشرعي قد جاوزها المتهم كثيراً على نحو يتعين معه إنزال العقوبة المقررة قانوناً في حدود تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات، فلا تعتبره فيما فعل معذوراً " لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. وكان الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء، وتقدير التناسب بين تلك القوة وبين الاعتداء الذي يهدد المدافع أمر موضوعي تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب متى بنت قضاءها في ذلك على أسباب سائغة - وهو ما لم يخطئ الحكم في تقديره. وإذ كان الطاعن - على ما يبين من أسباب الطعن - لا يماري في صحة العناصر التي حصل منها الحكم الصورة الصحيحة للواقعة التي اقتنع بها. وكان الحكم قد اطرح في منطق سديد الصور الأخرى التي أوردها الطاعن للحادث ثم وازن - بعد أن اعتبر أن الطاعن كان بداءة في حالة دفاع شرعي لرد الاعتداء الحاصل على زميليه - بين جسامة ذلك الاعتداء وبين القوة التي استعملها الطاعن في دفعه، واستند في تقرير تجاوزه حدود الدفاع الشرعي إلى أسباب سائغة مقبولة ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي استخلصها مسترشداً في كل ما تقدم بالمبادئ القانونية التي تحكم حق الدفاع الشرعي، فإن منازعة الطاعن في هذا الخصوص تنحل في حقيقتها إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة مما لا يجوز معاودة الجدل فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الأصل أن نقض الحكم و إعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإحالة بالحالة التي كانت عليها قبل صدور الحكم المنقوض فلا تتقيد تلك المحكمة " محكمة الإحالة ". بما ورد بالحكم الأخير في شأن وقائع الدعوى بل عليها أن تسير في الإجراءات كما لو كانت مطروحة عليها من الأصل وأن تستمع لكل ما يقدمه الخصوم من أوجه الدفاع لو لم يسبق لهم التمسك بها أمام المحكمة الأولى ما لم يكن قد سبق له التمسك بدفوع فرعية وقضى برفضها بحكم نهائي لم يطعن فيه وهي فوق ذلك كلها لها كامل الحرية في تقدير الوقائع وتكييفها وإسباغ الوصف القانوني الذي تراه عليها غير مقيدة في كل ذلك بحكم النقض ولا بما قد يستشف منه في شأنها. ولها في سبيل ذلك أن تقضي في الدعوى بما تطمئن إليه وجدانهاً ولو خالفت ذلك الحكم وبغير أن تعتبر هذه المخالفة وجهاً للطعن فيما عدا ما إذا كان محل المخالفة يصلح في حد ذاته لأن يكون وجهاً للطعن على الحكم الجديد. وكل ما تتقيد به في هذا الصدد ألا يضار الطاعن من طعنه طبقاً لأحكام المادة 43 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض إلى جانب ما تقضي به المادة 44 من القانون المشار إليه التي يجري نصها على أنه " إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً بقبول دفع قانوني مانع من السير في الدعوى ونقضته محكمة النقض وأعادت القضية إلى المحكمة التي أصدرته لنظر الموضوع فلا يجوز لهذه المحكمة أن تحكم بعكس ما قضت به محكمة النقض كذلك لا يجوز لمحكمة الموضوع في جميع الأحوال أن تحكم بعكس ما قررته الهيئة العامة للمواد الجزئية بمحكمة النقض " والحالة الأولى على ما يبين من تقرير لجنة قانون الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ - تعليقاً على المادة 467 من المشروع التي أصبحت 440 من القانون ثم حلت محلها المادة 44 من القانون 57 لسنة 1959 آيتها أن تكون المحكمة قد حكمت ببراءة المتهم لأن الفعل لا يعاقب عليه القانون أو لسقوطه بمضي المدة وبناء على طعن النيابة رأت محكمة النقض أن الفعل يعاقب عليه القانون أو أنه لم يسقط بمضي المدة وألغت حكم البراءة وأعادت القضية إلى محكمة الموضوع لنظره فلا يجوز لهذه المحكمة أن تحكم مرة ثانية بأن الفعل لا يعاقب عليه القانون لأن حكم محكمة النقض في هذه الصورة يكون له قوة الشيء المحكوم به. هذا فضلاً عن أنه يبين من الاطلاع على حكم النقض السابق أنه لم يجزم بأن الطاعن كان في حالة دفاع شرعي ترفع عنه مسئوليته - على ما يدعي الطاعن بأسباب الطعن - بل أخذ على الحكم ما شابه من غموض وقصور في بيان واقعة الدعوى وما انطوى عليه من تخاذل وتناقض في التسبيب بما يعجز محكمة النقض عن مراقبة تطبيق القانون على حقيقة الواقعة، فإن ما أثاره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.