أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 57

جلسة 10 من يناير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الدين الرشيدي، والسيد محمد شرعان، ومحمد عبد الحميد صادق، ومحمد علي بليغ.

(12)
الطعن رقم 950 لسنة 46 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائي. حكم."تسبيبه. تسبيب معيب".
إدانة المتهم في جناية قتل عمد. وجوب تحدث الحكم عن قصد القتل استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. إغفال ذلك قصور.
مثال. استخلاص قصد القتل من مجرد أن المتهم جثم فوق المجني عليها أثناء نومها ولما حاولت الاستغاثة أطبق عليها ليكتم أنفاسها وظل على ذلك حتى فارقت الحياة لا يكفي. أساس ذلك.
(2) جريمة."أركانها". إثبات."بوجه عام". حكم."تسبيبه. تسبيب معيب".
وجوب اشتمال حكم الإدانة على بيان كاف للواقعة تتحقق به أركان الجريمة وأدلة ثبوتها ومؤداها تمكيناً للنقض من مراقبة تطبيق القانون.
1- لما كانت جناية القتل العمد تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليها، وكان هذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر تلك الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية يجب أن يعني بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يتحدث عن نية القتل استقلالاً وإنما عرض لها في صدد بيانه لواقعة الدعوى ومؤدى اعتراف الطاعن الثاني في التحقيق. وكان ما أورده الحكم في هذا الخصوص استدلالاً منه على توافرها لدى الطاعن من أنه جثم فوق المجني عليها أثناء نومها ولما حاولت الاستغاثة أطبق على عنقها ليكتم نفسها وظل كذلك كاتماً نفسها حتى فاضت روحها – لا يفيد سوى مجرد قصد الطاعن ارتكاب الفعل المادي، وهو ما لا يكفي بذاته لثبوت نية القتل ما دام الحكم لم يكشف عن قيام هذه النية بنفس الطاعن. وكان لا يغنى في ذلك ما قاله الحكم في معرض بيانه لمسئولية الطاعن الثاني – من أن الطاعن الأول قصد إزهاق روح المجني عليها ليأمن شرها، إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه وتكشف عنه. فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور.
2- من المقرر طبقاً للمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن الحكم بالإدانة يجب أن يبين مضمون كل دليل من أدلة الثبوت ويذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به وسلامة الأخذ به تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه اعتمد – من بين ما اعتمد عليه – في إدانة الطاعن على التقرير الطبي الشرعي وإذ عرض لهذا التقرير لم يورد عنه إلا قوله "وثبت من تقرير الطبيب الشرعي الذي تولى تشريح جثة المجني عليها أن وفاتها نتجت عن اسفكسيا الخنق وكتم النفس". وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى بالإشارة إلى نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون أن يبين مضمونه من وصف الإصابات المنسوب إلى الطاعن إحداثها وموضعها من جسم المجني عليها وكيفية حدوثها حتى يمكن التحقق من مدى مواءمتها لأدلة الدعوى الأخرى وكان لا يبين من الحكم أن المحكمة حين استعرضت هذا الدليل في الدعوى كانت ملمة به إلماماً شاملاً يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الشامل الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف وجه الحقيقة تمكيناً لمحكمة النقض من التعرف على صحة الحكم من فساده.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كل من: 1 - ......... و2 - ....... (الطاعنين) و3 - ........ بأنهم في ليلة 4 ديسمبر سنة 1973 بناحية مركز حمادة محافظة البحيرة: المتهمين الثلاثة. قتلوا.......عمداً بأن اتفقوا على سرقة نقودها وحليها المبينة بالتحقيقات بأن دخلوا إلى مسكنها بطريق التسور من الخارج وما أن ظفروا بها حتى أطبق أولهم بيديه على عنقها قاصداً من ذلك إزهاق روحها مما نتج عنه إصابتها باسفكسيا الخنق وكتم النفس على النحو الموصوف بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد ارتكبت هذه الجناية بقصد تسهيل سرقة نقودها وحليها سالفتى الذكر من مسكنها الذي اقتحموه عليها بطريق التسور من الخارج. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 40 و43 و234/ 1 – 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمادتين 43 و234/ 1 - 2 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من القانون ذاته بالنسبة للمتهمين الأول والثاني والمواد 1 و29 و31 و52 من القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث بالنسبة للمتهم الثالث (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة عشر سنوات (ثالثاً) بإحالة الدعوى بالنسبة للمتهم الثالث إلى محكمة الأحداث المختصة للفصل فيما هو منسوب إليه. فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض....إلخ.


المحكمة

من حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التقرير بالطعن بالنقض في الحكم هو مناط اتصال المحكمة به، وأن تقديم الأسباب في الميعاد الذي حدده القانون هو شرط لقبوله وأن التقرير بالطعن وتقديم أسبابه يكونان معاً وحدة إجرائية لا يقوم فيها أحدهما مقام الآخر ولا يغنى عنه. لما كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعن الثاني. وإن قرر بالطعن بالنقض في الحكم المطعون فيه في الميعاد. إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه، فإن طعنه يكون غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول "........"قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن الأول على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة قد شابه القصور في التسبيب، ذلك أنه لم يدلل على توافر نية القتل لديه على استقلال، وعول على التقرير الطبي الشرعي دون أن يبين فحوى ما جاء به مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله "أن المجني عليها....... – إذ كانت تسكن بمفردها في ناحية زاوية مبارك التابعة لمركز كوم حمادة فقد عرف عنها سعة العيش وأنها على شئ من الثراء وتحتفظ بقدر من المال في مسكنها وإذ كان المتهم الأول....... (الطاعن الأول) فضلاً عن أنه يمت بصلة القربى للمجني عليها فهو جار ملاصق لها مسكناً ويعرف من أمر ثرائها الشئ الكثير، ومراراً ما طالبها بأن تعاونه مالياً أو أن تشترك معه في تربية ماشية ومن ثم فقد وطد عزمه على سرقتها واستغل حاجة المتهم الثاني....... (الطاعن الثاني) إلى مال ليتم به زواجه من ابنة شقيق المجني عليها واتفق معه على إتمام السرقة، وتنفيذا لهذا المخطط الإجرامي التقى المتهمان الأول والثاني أمام مقهى بناحية الطور مركز كوم حمادة في ليلة 4 من ديسمبر سنة 1973 وتصاحبا ومعهما المتهم الثالث....... إلى مسكن المجني عليها...... وهناك - وحين وجد أن باب هذا المسكن مغلق من الداخل توصلوا إلى الدخول خلسة – فقد حمل المتهم الأول المتهم الثالث ليتسلق جدار المسكن وبهذه الطريقة أمكن لهذا الأخير أن يفتح باب المسكن من الداخل ليدخل المتهمان الأول والثاني، وما أن أصبح المتهمون الثلاثة داخل المسكن حتى دخل المتهم الأول ومعه المتهم الثالث إلى حجرة المجني عليها التي كانت تنام بها – في حين بقى المتهم الثاني في ردهة المسكن لمراقبة الطريق، وقد تولى المتهم الأول أمر المجني عليها بأن جثم فوقها أثناء نومها فلما حاولت أن تستغيث وصدرت عنها صرخة بسيطة أطبق على عنقها ليكتم نفسها في حين أشار إلى المتهم الثالث ليفتح دولاب المجني عليها بحثا عن نقود - وقد ظل المتهم الأول جاثماً فوق المجني عليها كاتماً نفسها حتى فاضت روحها وتمكن بذلك من انتزاع عقد وقرط من الذهب كانت المجني عليها تتحلى بهما – فسلمهما للمتهم الثاني – وأسفر بحث المتهم الثالث عن النقود على العثور على مبلغ سبعة عشر جنيهاً كان نصيبه منه مبلغ ستة جنيهات بينما احتفظ المتهم الأول بالباقي، وبعد ذلك غادر المتهمان الثاني والثالث مسرح الحادث كل إلى مسكنه تاركين المتهم الأول، وفى الصباح اكتشف الحادث وسار التحقيق إلى أن تم ضبط المتهمين الثلاثة واعترف المتهم الثاني تفصيلاً بارتكاب الحادث على الصورة المتقدمة وضبط معه مبلغ 57 ج و500 م أقر أنه من حصيلة بيع الحلي المسروقة والتي تسلمها من المتهم الأول وأنه هو الذي تولى بيعها إلى تاجرين من تجار المصاغ بمدينة دمنهور أرشد عنهما فضبطت هذه الحلي. وقد خلص الحكم إلى إدانة الطاعنين بجريمة القتل العمد المرتبط بجنحة سرقة. لما كان ذلك، وكانت جناية القتل العمد تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليها، وكان هذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي العام الذي يتطلبه القانون في سائر تلك الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه، وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يتحدث عن نية القتل استقلالاً وإنما عرض لها في صدد بيانه لواقعة الدعوى ومؤدى اعتراف الطاعن الثاني في التحقيق، وكان ما أورده الحكم في هذا الخصوص استدلالاً منه على توافرها لدى الطاعن – من أنه جثم فوق المجني عليها أثناء نومها ولما حاولت الاستغاثة أطبق على عنقها ليكتم نفسها وظل كذلك كاتماً نفسها حتى فاضت روحها – لا يفيد سوى مجرد تعمد الطاعن ارتكاب الفعل المادي، وهو ما لا يكفى بذاته لثبوت نية القتل ما دام الحكم لم يكشف عن قيام هذه النية بنفس الطاعن. وكان لا يغنى في ذلك ما قاله الحكم في معرض بيانه لمسئولية الطاعن الثاني – من أن الطاعن الأول قصد إزهاق روح المجني عليها ليأمن شرها، إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه وتكشف عنه، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور متعينًا نقضه. لما كان ذلك، وكان من المقرر طبقاً للمادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن الحكم بالإدانة يجب أن يبين مضمون كل مضمون كل دليل من أدلة الثبوت ويذكر مؤداه حتى يتضح وجه استدلاله به وسلامة المأخذ تمكيناً لمحكمة النقض من مراقبة تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، وكان يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه اعتمد – من بين من اعتمد عليه – في إدانة الطاعن على التقرير الطبي الشرعي وإذ عرض لهذا التقرير لم يورد عنه إلا قوله "وثبت من تقرير الطبيب الشرعي الذي تولى تشريح جثة المجني عليها أن وفاتها نتجت عن اسفكسيا الخنق وكتم النفس". وكان الحكم المطعون فيه قد اكتفى بالإشارة إلى نتيجة تقرير الصفة التشريحية دون أن يبين مضمونه من وصف الإصابات المنسوب إلى الطاعن إحداثها وموضعها من جسم المجني عليها وكيفية حدوثها حتى يمكن التحقق من مدى مواءمتها لأدلة الدعوى الأخرى، وكان لا يبين من الحكم أن المحكمة حين استعرضت هذا الدليل في الدعوى كانت ملمة به إلماماً شاملاً يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الشامل الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف وجه الحقيقة تمكيناً لمحكمة النقض من التعرف على صحة الحكم من فساده، فإن الحكم يكون قد تعيب بالقصور الموجب لنقضه. لما كان ما تقدم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بالنسبة للطاعن الأول وكذلك للطاعن الآخر – الذي لم يقدم أسباباً لطعنه – وذلك نظراً لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة إعمالاً لمقتضى المادة 42 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى.