أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 72

جلسة 16 من يناير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ويعيش رشدي، ومحمد وجدي عبد الصمد، وفاروق راتب.

(15)
الطعن رقم 852 لسنة 46 القضائية

1 - شهادة سلبية. حكم. "وضعه والتوقيع عليه. بطلانه". بطلان. "بطلان الأحكام".
وجوب أن تتضمن الشهادة الدالة على أن الحكم لم يودع في الميعاد القانوني عدم وجود الحكم بقلم الكتاب موقعاً عليه وقت صدورها. تضمينها أن الحكم أودع في ميعاد معين. عدم اعتبارها شهادة سلبية. أساس ذلك؟
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص واقعة الدعوى". سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي. أسباب الإباحة وموانع العقاب. "دفاع شرعي".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة للواقعة. وإطراح ما يخالفها من صور أخرى. ما دام استخلاصها سائغاً.
تقدير قيام أو انتفاء حالة الدفاع الشرعي. موضوعي. طالما كان سائغاً.
(3، 4) إثبات. "شهادة. خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(3) حق المحكمة في تجزئة أقوال الشاهد. والأخذ بها في أية مرحلة.
(4) تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفني. غير لازم. حد ذلك.
1 - متى كان الطاعن قد قدم شهادة من قلم كتاب نيابة الزقازيق الكلية استدل بها على أن الحكم لم يختم في الميعاد القانوني تاريخها 16 من مارس سنة 1975 مؤداها أن الحكم الصادر من محكمة جنايات الزقازيق بتاريخ 6 من فبراير سنة 1975 ورد للقلم يوم 9 من مارس سنة 1975. وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الشهادة التي يصح الاستدلال بها على أن الحكم لم يختم في الموعد القانوني ينبغي أن تكون على السلب أي دالة على عدم وجود الحكم بقلم الكتاب موقعاً عليه وقت صدورها، فإن الشهادة الثابت بها أن الحكم ورد للمحكمة يوم 9 من مارس سنة 1975 لا تفيد، لأن قانون الإجراءات الجنائية في المادة 312 منه لم يجعل لقلم الكتاب الاختصاص ببيان تاريخ ورود الحكم في مقام طلب إبطاله بل قصر اختصاصه على مجرد إثبات وجود الحكم أو عدم وجوده في القلم المذكور محررة أسبابه موقعاً عليها ممن أصدره وقت تحرير الشهادة.
2 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد حصلت الواقعة بقولها أنه، "بسبب خلف نشب بين المتهم والمجني عليه حول الحد الفاصل بين أرضهما وعلى أثر مشادة كلامية قام الأول (الطاعن) بضرب الثاني بفأس على رأسه وصدره عمداً وأحدث به الإصابتين الموصوفتين بتقرير الصفة التشريحية وقد أدى ذلك إلى موته". وقد خلت مدونات الحكم كما خلت أقوال شهود الواقعة التي استند إليها في الإدانة – على ما يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن – مما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعي، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب ما دام استدالها سليماً يؤدى إلى ما انتهى إليه كما هي الحال في الدعوى فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له أساس وهو لا يعدو أن يكون جدلاً في الموضوع ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها مما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، ومن حقها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى وثقت بها وارتاحت إليها.
4 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 19 مارس سنة 1973 بدائرة مركز الزقازيق محافظة الشرقية ضرب......... عمداً بفأس على رأسه وصدره فأحدث به الإصابتين الموصوفتين بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقرر ذلك. وادعت......... (والدة المجني عليه) مدنياً قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وألزمته بأنه يدفع للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة ضرب أفضى إلى موت قد لحقه البطلان وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأنه لم يودع قلم الكتاب في خلال الثلاثين يوماً التالية لصدوره، فضلاً عن أنه التفت عن دفاع الطاعن بقيام حاله دفاع شرعي عن المال ورد عليه بما لا يصلح رداً، وعول في الإدانة على أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية معاً على ما بينهما من تعارض.
وحيث إن الطاعن قدم شهادة من قلم كتاب نيابة الزقازيق الكلية استدل بها على أن الحكم لم يختم في الميعاد القانوني تاريخها 16 من مارس سنة 1975 مؤداها أن الحكم الصادر من محكمة جنايات الزقازيق بتاريخ 6 من فبراير سنة 1975 ورد للقلم يوم 9 من مارس سنة 1975. لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الشهادة التي يصح الاستدلال بها على أن الحكم لم يختم في الموعد القانوني ينبغي أن تكون على السلب أي دالة على عدم وجود الحكم بقلم الكتاب موقعاً عليه وقت صدورها، وإذن فالشهادة الثابت بها أن الحكم ورد للمحكمة يوم 9 من مارس سنة 1975 لا تفيد لأن قانون الإجراءات الجنائية في المادة 312 منه لم يجعل لقلم الكتاب الاختصاص ببيان تاريخ ورود الحكم في مقام طلب إبطاله بل قصر اختصاصه على مجرد إثبات وجود الحكم أو عدم وجوده في القلم المذكور محررة أسبابه موقعاً عليها ممن أصدره وقت تحرير الشهادة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه ما ينتجه من وجوه الأدلة التي استمدها من أقوال شهود الإثبات والطاعن والتقرير الطبي الشرعي، عرض لدفاع الطاعن ورد عليها بقوله "إن النزاع حول الحد الفاصل بين أرض المتهم (الطاعن) والمجني عليه على النحو الثابت بالأوراق لا يبيح الدفاع الشرعي حتى يمكن القول بأن ثمة تجاوزاً في اعتداء المتهم على المجني عليه على النحو الذي ذكره المدافع عن المتهم بمحضر الجلسة". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكانت المحكمة قد حصلت الواقعة بقولها أنه "بسبب خلف نشب بين المتهم والمجني عليه حول الحد الفاصل بين أرضها وعلى أثر مشادة كلامية قام الأول (الطاعن) بضرب الثاني بفأس على رأسه وصدره عمداً وأحدث به الإصابتين الموصوفتين بتقرير الصفة التشريحية وقد أدى ذلك إلى موته"، وقد خلت مدونات الحكم كما خلت أقوال شهود الواقعة التي استند إليها في الإدانة - على ما يبين من المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً للطعن - مما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعي، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى لمحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب ما دام استدلالها سليما يؤدى إلى ما انتهى إليه كما هي الحال في الدعوى فإن مما ينعاه الطاعن في هذا الشأن لا يكون له أساس وهو لا يعدو أن يكون جدلاً في الموضوع مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الطاعن يسلم في أسباب طعنه بأن اثنين من شهود الإثبات الذين عول الحكم بالإدانة على أقوالهم قد قررا في مرحله من التحقيقات أن الطاعن ضرب المجني عليه بالفأس ضربتين أصابت إحداهما رأسه والثانية صدره، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ أقوال الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، ومن حقها أن تأخذ بأقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى متى وثقت بها وارتاحت إليها. لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم من أقوال شاهدي الإثبات سالفى الذكر له مأخذه الصحيح من الأوراق وهو لا يتعارض مع ما قرره الشاهدان الآخران من شهود الرؤية من أن الطاعن ضرب المجني عليه بالفأس على رأسه كما لا يتعارض مع ما جاء بالتقرير الطبي الشرعي، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون الدليل القولي كما أخذت به المحكمة غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد لا يكون له وجه إذ لا يعدو أن يكون عوداً إلى مناقشة أدلة الدعوى. لما كان ما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس، ويتعين رفضه موضوعاً.