أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صــ 87

جلسة 16 من يناير سنة 1977

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينة، ويعيش رشدي، ومحمد وهبه، وأحمد موسى.

(19)
الطعن رقم 1032 لسنة 46 القضائية

حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". إثبات. "بوجه عام". قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع. "سلطتها في استخلاص القصد الجنائي".
متى يتحقق القصد الجنائي في جريمة القتل العمد؟
استخلاص نية القتل. موضوعي. ما دام سائغاً.
مجرد إطلاق سلاح ناري على المجني عليه وتعمد إصابته. لا يكفى لتوافر قصد القتل. عدم تدليل الحكم على توافر هذا القصد. قصور.
من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة القتل العمد لا يتحقق إلا إذا ثبت أن نية الجاني قد انصرفت - بصفة خاصة - إلى إزهاق روح المجني عليه، والعبرة في التعرف على هذه النية هي بما يبطنه الجاني ويضمره في نفسه مما لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يستخلص من الأمارات والمظاهر الخارجية التي يثبتها الحكم. ولئن كان هذا الاستخلاص من شئون محكمة الموضوع، إلا أنه يتعين أن يكون ما أثبتته في حكمها من هذه الأمارات والمظاهر كافياً بذاته للكشف عن قيام تلك النية. وإذ كان ما أثبته الحكم المطعون فيه من استعمال الطاعن سلاحاً نارياً قاتلاً بطبيعته وإطلاقه إياه على المجني عليه - في خلفية فخذه - من مسافة قريبة، بعد إقلاعه عن السرقة وفى غضون مطاردته، ثم إسراع الطاعن في العودة إلى حديقته بعد ذلك - لإخفاء الحقيقة والإيهام بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن ماله - كل ذلك لا يدل بذاته على توافر نية القتل في حق الطاعن، حتى لو كان قد تعمد إصابة المجني عليه بالعيار، ما دام الحكم لم يدلل على انصراف قصد الطاعن إلى أن يصيب من المجني عليه مقتلاً ذلك بأنه يصح في العقل أن يطلق الجاني السلاح الناري على غريمه من قرب - متعمداً إصابته بالفعل - وهو لا يهدف من وراء ذلك سوى مجرد إحداث هذه الإصابة به، دون إزهاق روحه، ومن ثم فلا حجة - من بعد - فيما نسبه الحكم إلى الطاعن من تعمده إطلاق النار على المجني عليه بقصد قتله، إذ أن هذا القصد الخاص هو العنصر المطلوب استظهاره والذي شاب الحكم قصور في التدليل على توافره على النحو السالف بيانه. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة مركز العياط محافظة الجيزة قتل.......... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية على قتله وحمل بندقيته المرخصة وتربص له في مكان أيقن تواجده فيه وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً من ذلك قتله فأحدث به إصابته المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 234/ 1 و30/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبمصادرة السلاح والذخيرة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة قتل عمد، قد شابه قصور في التدليل على توافر قرينة القتل في حقه مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تحدث عن نية القتل بقوله:
"و حيث إنه عن قصد القتل فإنه ثابت في حق المتهم - الطاعن - بيقين آية ذلك ما كان من استخدامه في إنفاذ جرمه بندقية خرطوش وهى سلاح قاتل بطبيعته وما كان من مطاردته المجني عليه بعد أن أقلع عن السرقة وزال خطر الاعتداء وانقضى ومواصلة هذه المطاردة حتى بعد أن غادر المجني عليه الحديقة وجاوز مشارف منزله وأصبح المتهم قاب قوسين منه أو أدنى وتعمده بعد ذلك إطلاق النار عليه بقصد قتله في خلفية فخذه الأيسر للإيهام بأنه كان يستعمل حقه في الدفاع الشرعي عن ماله وعودته مسرعاً إلى حديقته إثر سقوط المجني عليه أمام منزله متأثراً بإصابته حتى لا يفتضح أمره ويبصره الشهود بمكان الإصابة فيفصحون عن حقيقة قصده، كل ذلك لا يدع مجالاً لأدنى شك على توافر نية القتل في حقه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة القتل العمد لا يتحقق إلا إذا ثبت أن نية الجاني قد انصرفت - بصفة خاصة - إلى إزهاق روح المجني عليه، والعبرة في التعرف على هذه النية هي بما يبطنه الجاني ويضمره في نفسه مما لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يستخلص من الأمارات والمظاهر الخارجية التي يثبتها الحكم. ولئن كان هذا الاستخلاص من شئون محكمة الموضوع، إلا أنه يتعين أن يكون ما أثبتته في حكمها من هذه الأمارات والمظاهر كافياً بذاته للكشف عن قيام تلك النية.وإذ كان ما أثبته الحكم المطعون فيه - فيما تقدم إيراده - من استعمال الطاعن سلاحاً نارياً قاتلاً بطبيعته، وإطلاقه إياه على المجني عليه - في خلفية فخذه - من مسافة قريبة، بعد إقلاعه عن السرقة وفى غضون مطاردته، ثم إسراع الطاعن في العودة إلى حديقته بعد ذلك - لإخفاء الحقيقة والإيهام بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن ماله - كل ذلك لا يدل بذاته على توافر نية القتل في حق الطاعن، حتى لو كان قد تعمد إصابة المجني عليه بالعيار، ما دام الحكم لم يدلل على انصراف قصد الطاعن إلى أن يصيب من المجني عليه مقتلاً. ذلك بأنه يصح في العقل أن يطلق الجاني السلاح الناري على غريمه من قرب - متعمداً إصابته بالفعل - وهو لا يهدف من وراء ذلك سوى مجرد إحداث هذه الإصابة به، دون إزهاق روحه، ومن ثم فلا حجة - من بعد - فيما نسبه الحكم إلى الطاعن من تعمده إطلاق النار على المجني عليه بقصد قتله، إذ أن هذا القصد الخاص هو العنصر المطلوب استظهاره والذي شاب الحكم قصور في التدليل على توافره على النحو السالف بيانه. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.