أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة الثامنة والعشرون - صـ 97

جلسة 17 من يناير سنة 1977

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إسماعيل حفيظ، ومحمد صفوت القاضي، ومحمد عبد الحميد صادق، ومحمد على بليغ.

(21)
الطعن رق 677 لسنة 46 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". جريمة. "أركانها". بلاغ كاذب. إجراءات. "إجراءات تحقيق".
التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب. اعتباره متوافراً ولو لم يحصل من الجاني مباشرة. متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة. تعمد إيصال خبرها إلى السلطة العامة. ليتهم أمامها. من أراد بالباطل.
(2) دعوى مدنية. تعويض. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا محل لدعوى التعويض عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه.
(3) حكم. "حجيته". بلاغ كاذب. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التزام المحكمة التي تفصل في دعوى البلاغ الكاذب. بالحكم الجنائي عن الواقعة التي كانت محلاً للجريمة من حيث ما فصل فيه من صحة البلاغ أو كذبه.
(4) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". دعوى مدنية. "نظرها والحكم فيها". إثبات. "بوجه عام". حكم. تسبيبه. "تسبيب غير معيب".
كفاية تشكك القاضي في صحة إسناد التهمة. للقضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية. بشرط تمحيص الدعوى. والإحاطة بها عن بصر وبصيرة.
1- إن التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة تعمد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل ولا يؤثر في ذلك أنه إنما أبدى أقواله بالتحقيقات بناء على سؤال وجهه إليه المحقق ما دام هو تعمد أن يجئ التبليغ على هذه الصورة ومفاد ذلك أنه يشترط لتوافر الجريمة أن يقوم المتهم بعد إخبار السلطة المختصة بتوجيه الاتهام لمن أراد اتهامه، ولما كانت الطاعنة لا تجادل فيما أورده الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضدها الأولى لم تسأل بالتحقيقات وبالتالي لم توجه إليها اتهاماً فإن ما انتهى إليه الحكم في هذا الخصوص يكون صحيحاً في القانون.
2- إن ما قضت به المحكمة من رفض الدعوى المدنية صحيح طالما برأت المطعون ضدها الأولى من تهمة البلاغ الكاذب لعدم ثبوتها، إذ يستلزم ذلك حتماً رفض دعوى التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه.
3- من المقرر أن الحكم الصادر في جريمة من الجرائم إنما يقيد المحكمة التي تفصل في دعوى البلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث ما سبق أن فصل فيه من صحة البلاغ وكذبه. ولما كان الثابت من الاطلاع على الحكم الصادر في الجنحة رقم........... أنه قد أسس براءة الطاعنة على الشك في الأدلة المطروحة في الدعوى دون عدم صحة الاتهام المسند إليها بما يغاير ما ذهبت إليه الطاعنة في هذا الصدد فإن منعي الطاعنة في هذا الخصوص يكون في غير محله.
4- لما كان الحكم المطعون فيه قد أسس براءة المطعون ضدهن من تهمتي القذف والسب المسندة إليهن ورفض الدعوى المدنية قبلهن على عدم اطمئنان المحكمة إلى أدلة الثبوت المستمدة من أقوال شاهدي الإثبات لظروف الحادث من حيث وقوعه ليلاً واشتراك عديدين فيه وعدم تناسق أقوال الشاهد الأول مع منطق العقل وعدم معرفة الشاهد الثاني أفراد المشاجرة من قبل، ولما كان ما أورده الحكم مفاده أن المحكمة بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها لم تطمئن إلى أدلة الثبوت ورأتها غير صالحة للاستدلال بها على ثبوت الاتهام، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة المحكمة في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو التعويض بشأنه أمام محكمة النقض، فضلاً عما هو مقرر من أنه يكفى أن يتشكك القاضي في صحة اسناد التهمة إلى المتهمة لكي يقضى بالبراءة ورفض الدعوى المدنية إذ يرجع ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام أن الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.


الوقائع

أقامت الطاعنة دعواها بطريق الادعاء المباشر واتهمت فيها المتهمين بأنهم في يوم 3 يوليه سنة 1971 بدائرة قسم الساحل محافظة القاهرة. (المتهمة الأولى): أبلغت بلاغاً كاذباً ضد المدعية بالحقوق المدنية بأنها سرقت مصاغها ونقودها واعتدت عليها بالضرب والسب (المتهمون جميعاً) قذفوا وسبوا علناً وعلى مرأى ومسمع من الجماهير المدعية بالحق المدني. وطلبت عقابهم بالمواد 302/ 1 و171 و33/ 1 و306 و308 من قانون العقوبات وادعت المجني عليها قبل المتهمين متضامنين بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنح الساحل قضت في الدعوى حضورياً اعتبارياً للأولى والثالثة وغيابياً للباقين بحبس كل متهم شهراً واحداً مع الشغل وكفالة مائتي قرش لوقف التنفيذ. وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعية مبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض. فاستأنف المتهمون هذا الحكم. ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية بهيئة استئنافية قضت في الدعوى حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين من الاتهام المسند إليهم وفى الدعوى المدنية ألزمت رافعها المصاريف. فطعن الأستاذ......... المحامي عن المدعية في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المطعون ضدهم من جرائم البلاغ الكاذب والقذف والسب ورفض الدعوى المدنية قد شابه خطأ في القانون وفساد في الاستدلال، ذلك أن الحكم المطعون فيه أسس قضاءه ببراءة المطعون ضدها الأولى من تهمة البلاغ الكاذب على أن هذه الأخيرة لم تبلغ عن أي واقعة ضد الطاعنة ولم تسمع أقوالها بمحضر الشرطة في حين أنه لا يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب أن يحصل التبليغ من الجاني مباشرة بل يكفي أن يكون قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع الجريمة بقصد إيصال خبرها إلى السلطة المختصة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل كما أهدر الحكم المطعون فيه حجية الحكم الجنائي النهائي الصادر في الجنحة رقم 4810 سنة 1971 الساحل فيما قضى به من براءة الطاعنة بما نسبته إليها المطعون ضدها الأولى من اعتداء عليها بالضرب لكذب الاتهام وعدم صحته، وفضلاً عن ذلك فإن الحكم أطرح أقوال شاهدي الإثبات بدعوى التناقض التي خلت منه، وأخيراً فقد قضى الحكم برفض الدعوى المدنية تأسيساً على ما انتهى إليه من براءة المتهمات.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض ظروف الدعوى وملابساتها عرض إلى تهمة البلاغ الكاذب المسندة إلى المطعون ضدها الأولى وأسس براءتها على أنها لم تسأل في محضر الشرطة ولم تبلغ عن أي واقعة، لما كان ذلك وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع جريمة تعمد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل ولا يؤثر في ذلك أنه إنما أبدى أقواله بالتحقيقات بناء على سؤال وجهه إليه المحقق ما دام هو تعمد أن يجئ التبليغ على هذه الصورة ومفاد ذلك أنه يشترط لتوافر الجريمة أن يقوم المتهم بعد إخبار السلطة المختصة بتوجيه الاتهام لمن أراد اتهامه ولما كانت الطاعنة لا تجادل فيما أورده الحكم المطعون فيه من أن المطعون ضدها الأولى لم تسأل بالتحقيقات وبالتالي لم توجه إليها اتهاماً فإن ما انتهى إليه الحكم في هذا الخصوص يكون صحيحاً في القانون، كما يكون صحيحاً أيضاً ما قضت المحكمة به من رفض الدعوى المدنية طالما برأت المطعون ضدها الأولى من هذه التهمة لعدم ثبوتها إذ يستلزم ذلك حتماً رفض دعوى التعويض لأنه ليس لدعوى التعويض محل عن فعل لم يثبت في حق من نسب إليه ومن ثم يضحى ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الحكم الصادر في جريمة من الجرائم إنما يقيد المحكمة التي تفصل في دعوى البلاغ الكاذب عن الواقعة التي كانت محل الجريمة من حيث ما سبق أن فصل فيه من صحة البلاغ وكذبه وكان الثابت من الاطلاع على الحكم الصادر في الجنحة رقم............ أنه قد أسس براءة الطاعنة على الشك في الأدلة المطروحة في الدعوى دون عدم صحة الاتهام المسند إليها بما يغاير ما ذهبت إليه الطاعنة في هذا الصدد فإن منعي الطاعنة في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أسس براءة المطعون ضدهن من تهمتي القذف والسب المسندة إليهن ورفض الدعوى المدنية قبلهن على عدم اطمئنان المحكمة من أدلة الثبوت المستمدة من أقوال شاهد الإثبات لظروف الحادث من حيث وقوعه ليلاً واشتراك عديدين فيه وعدم تناسق أقوال الشاهد الأول مع منطق العقل وعدم معرفة الشاهد الثاني أفراد المشاجرة من قبل، ولما كان ما أورده الحكم مفاده أن المحكمة بعد أن محصت الدعوى وأحاطت بظروفها لم تطمئن إلى أدلة الثبوت ورأتها غير صالحة للاستدلال بها على ثبوت الاتهام ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة المحكمة في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو التعرض بشأنه أمام محكمة النقض فضلاً عما هو مقرر من أنه يكفى أن يتشكك القاضي في صحة اسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية إذ المرجع في ذلك إلى ما تطمئن إليه من تقدير الدليل ما دام أن الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام الطاعنة المصاريف.